الله، محمد، القرآن.. رؤية إستشراقية

د.جواد بشارة

 

النص الديني وآفة التقديس: القرآن كنموذج

القرآن كنص: دراسة تفكيكية نقدية للنص القرآني بعيداً عن القدسية

مقدمة: جذور المقدس الديني

علينا توخي أقصى درجات الحذر عندما نلج المنطقة المحرمة في الإسلام والمس بالمقدس الديني الأهم ألا وهو النص القرآني. ولكن لا يمكننا الإفلات من الأساسيات المهمة والضرورية في عملية البحث في النص القرآني والتغاضي عن أسئلة جوهرية من قبيل: كيف نشأ النص القرآني ومن أين جاء وكيف تشكلت قدسيته ومتى ظهر أولاً وكيف كتب أو دون وبأية لغة كان قد كتب وأي شكل أتخذ ومن كان الجمهور الذي تلقاه وكيف انتقل من جيل إلى آخر من نظمه وصنفه وجمعه وبوبه. الإجابة على هذه الأسئلة تعد كمن يخوض في حقل ألغام فلا يوجد إجماع مع وجود صعوبات تتعلق بالنص نفسه وبمادته اللغوية وغموضه، ولا تتوفر للباحثين سوى الرؤية التراثية من وجهة نظر إسلامية بحتة التي يمكن اللجوء إليها في أية مقاربة حتى ولو كانت نقدية حيث يتطلب مثل هذا الجهد الجرأة على التحدي لكشف الرؤية التبسيطية الساذجة المستمدة من معتقدات الإسلام والعقلية الخرافية السائدة فيه . لذلك لا بد من القيام بدراسة نقدية تحليلية جريئة ومحايدة وصريحة لمصادر القرآن لكي نتوصل لنتائج تاريخية صحيحة ومحددة ولن يحصل ذلك إلا بروح علمانية ودنيوية صرفة من قبل باحثين أكفاء غير متأثرين بعلوم الدين الإيمانية. أعمال أغناس غولدزيهر Ignaz Goldziher وهنري كوربان Henri Corbin عن تأثير الزرادشتية على الإسلام وأعمال جيجر Geiger وتوري Torreyو كاتش Katsch عن تأثير اليهودية وعمل ريتشارد بيل Richard Bell الطليعي عن تأثير المسيحية وأعمال ويلهاوسن  Wellhausen ونولدكة Noldeke وهرغرونج Hurgronje وروبرتسون سمث Robertson Smith عن تأثير الصابئية وتأثير المحيط في الجزيرة العربية في العصر الجاهلي وعمل آرثر جفري Arthur Jeffery عن المفردات الأجنبية في القرآن، كلها تجتمع لتجعلنا نتفق مع استنتاج زويمر Zwemer أن الإسلام " ليس اختراعا، ولكنه خلطة، ليس هنالك من جديد فيها ما عدا عبقرية محمد في مزج مواد قديمة ليكون وصفة لعلاج كل الآلام الإنسانية وليفرضها بواسطة السيف". ولقد جمع عصارة ما تفقتق عنه ذهنه وتجاربه واتصالاته في كتاب هو " القرآن" الذي قال عنه أنه من عند الله وبالتالي فهو كلام الله لذلك فهو مقدس، ومجموعة من الأحاديث والأفعال التي دمغت حياته وتناقلتها الأسلن في كتب السيرة والحديث واشهرها " صحيح البخاري" الذي أضفت عليه المؤسسات الدينية المتتالية منذ تدوينه إلى اليوم نوع من القداسة بمعنى أن كل ما جاء فيه صحيح. ولم قيقتصر الأمر على الطائفة السنية ذات الأغلبية الساحقة في الإسلام بل حدث نفس الشيء لدى الطائفة الشيعية الأقلية في الإسلام وورد في أدبياتها ونصوصها المعتمدة كالكافي وبحار الأنوار وغيرها الكثير من الحشو والوضع استناداً، ليس فقط لتراث محمد، بل وكذلك للأئمة من أهل بيته من حفيديه الحسن والحسين وكذلك دون تمحيص أو تدقيق.

والحال، يعيش العالم الإسلامي اليوم، حركة غير مسبوقة في انتقاد التراث الديني، تناولت جميع المرويات المنسوبة لمحمد وأخضعتها للمناقشة والتمحيص، إذ أن تلك المرويات تضمنت الكثير من التناقضات، والخرافات، التي تعارض مقتضيات المنطق السليم والعقل الواعي، سيما وإن الكثير مما جاء فيها معارضاً ومخالفاً لصريح النصوص القرآنية، في الكثير من المضامين، ثم إنتقل النقاش والجدل والنقد من الوسط الفكري، الذي يضم العديد من المثقفين والباحثين، إلى الوسط الديني أيضا داخل بعض الموؤسسات ذات الطابع الديني كالأزهر والمرجعيات الدينية الشيعية، حيث تخرج من هاته الموؤسسات فقهاء ومحدثون بدأوا يناقشون هاته المرويات ويمحصونها، وينتقدونها ويأخذون منها ما يعتبرونه صحيح مثبت ويرفضون مايعتبرونه موضوع ومزور ولايتوافق مع النص القرآني، فتم التعامل مع هاته النصوص على انها نصوص تاريخية، لا قدسية لها، وشرع هؤلاء في تمحيصها بنفس الآليات العلمية والعقلانية التي يتم بها مناقشة وتمحيص النصوص التاريخية. ومما ساعد على هاته الحركة الفكرية بخصوص انتقاد التراث الديني، ما يعيشه العالم اليوم من ثورة علمية غير مسبوقة أيضا، جعلت العقل البشري يتبوأ مكانة السيادة والريادة في جميع المجالات، فاتحا مستقبل البشرية جمعاء، على آفاق ِ واسعة من التقدم المذهل في شتى ميادين الحياة، بل إن تقدم الوسائل والوسائط والتكنولوجيا العلمية مكنت البشرية من التعرف على الماضي في كلياته، وحتى السحيق منه، وكأنها تعيش داخل تلك العصور البائدة، كما ساعدت تلك الوسائل على التحقق من مصداقية الروايات التاريخية، والأعمال المنجزة في هذا الصدد قبل قرون من خلال المنهج التفكيكي. ومن الكتب التراثية التي لقيت انتقادا كبيرا منذ تأليفها كتاب «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه» الشهير بالجامع الصحيح أو صحيح البخاري حيث أنجزت العديد من الدراسات ُ والبحوث والتحقيقات التي تناولته بالانتقاد، لإبراز الأحاديث والآثار الواردة فيه، سيما الأحاديث المناقضة للعقل والعلم والقرآن، والأحاديث المنحولة والمأخوذة من الإسرائيليات، وغيرها من البحوث التي صار معها «صحيح البخاري» من  أكثر الكتب إثارة للجدل على مر التاريخ الإسلامي ورغم الحملة القوية التي واجهها صحيح البخاري من حيث انتقاد مضامين الأحاديث الواردة فيه، ومن حيث انتقاد بعض رجاله الذين روى عنهم مؤلف الكتاب أحاديثه، ومن حيث الانتقادات التي وجهت لمحمد بن اسماعيل البخاري نفسه، إلا أن فئة الشيوخ والفقهاء والمحدثين ظلت في مجملها متمسكة بالجامع الصحيح على أساس أن كل ما فيه صحيح، وأنه أصح الكتب بعد كتاب الله، بل تم حمل سلاح التفسيق والتكفير والزندقة في وجه كل من ينكر أحاديث في هذا الكتاب أو يوجه إليها سهام انتقاداته، حتى لو عارضت متونها كتاب الله الموحى إلى نبيه، فصار لدينا كتاب فوق النقد، وفوق العلم، وفوق العقل، بل فوق القرآن نفسه لدى معظم الشيوخ السنة مع كامل الأسف. لقد تضمن الكتاب المئات من الأحاديث تحبل بكوارث خطيرة، فمنها ما يسيء إلى مقام الألوهية، ومنها ما يسيء إلى مقام النبوة، ومنها ما يسيء إلى مقام الإنسان نفسه والمرأة على وجه الخصوص.

القرآن من الداخل:

"قل الحق ولو على نفسك" ترى من يطبق هذا القول اليوم في العالم الإسلامي؟ نحن أمة لا تزال أسيرة الماضي ومقدساته التي لا تستطيع الفكاك منها، فكل النصوص والأشخاص باتوا مقدسين وخطوطاً حمراء لا يسمح بالمساس بها، ناهيك عن انتقادها أو دحضها أو مناقشتها. فالنبي والصحابة وآل بيته مقدسون، بل وبعضهم معصومون عن الخطأ، والقرآن والحديث مقدسين، لا يحق لأحد أن يتساءل بشأنهما أو يشكك بأصالتهما وصدقيتهما مثل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر وبالعقاب والثواب ويوم القيامة والحساب والجنة والنار والنعيم والجحيم، وغيرها من المسلمات، ومن يخرج عن ذلك فهو زنديق وكافر ومشرك ومرتد يطبق عليه الحد ألا وهو القتل.

من هنا، فإن من المحرمات التي لا يجب انتهاكها في زمننا الحاضر، والتي فرضتها الأورثوذكسية الإسلامية، كان موضوع قدسية النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه ولا من فوقه ولا من تحته فهو كلام الله المنزل الكامل والشامل الخالي من أي نقص أو تناقض. والحال أن تراث الإسلام لا يقول بذلك لا من الناحية الفقهية ولا من الناحية الثيولوجية أو الكلامية أو الفلسفية أو المنطقية، بل ولا حتى من الناحية اللغوية، وهو مليء بالأمثلة التي تثبت عدم قدسية وكمالية النص القرآني خاصة فيما يتعلق بجمعه وتدوينه وتفسيره وتأويله، فبعد موت محمد أصبح أمام المسلمين ثلاث أولويات عاجلة، حسم مسألة الخلافة الدنيونية، وفيما بعد الدينية لو أمكن، وتأسيس القرآن ككتاب مقدس قانونياً ومصدراً وحيداً للتشريع، وجمع الحديث وتدوين السنة النبوية. فكان على المسلمين أن يجمعوا النصوص القرآنية المتفرقة من المصادر الشفهية والمكتوبة، وأن تؤسس هيكيلية نص من الحروف الساكنة وأن يستكمل العمل على مراحل لتثبيت نص مضبوط بعلامات للحركات والتنقيط والتشكيل لكي يكون مقبولاً كمقياس قانوني. ولقد استغرقت هذه المهمات ثلاث قرون تقريباً وفق سيناريو زمني وجغرافي معقد حيث من المفترض أن محمد لم يترك نصاً مكتوباً أو مدوناً كاملاً للقرآن كما تقول المصادر التي تشدد على أنه حفظ بصيغة شفهية في ذاكرة عدد كبير من مستمعيه وحفاظه وقرائه المباشرين من الجيل الأول من الصحابة، ومن ثم من قبل التابعين وتابعي التابعين وهلم جراً .إلى جانب نتف مما كتبه في حياة محمد من سميوا بكتاب الوحي ولقد تمت المهمة بعد موت محمد بعقدين من الزمن في زمن الخليفة الثالث عثمان لذلك صار الكتاب المجموع يعرف بالمصحف العثماني بيد أن النص النهائي للقرآن المضبوط والمشكل والمنقط أنجز في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي بعد طرق متعددة لقراءته وتنويعات طفيفة في الضبط بالشكل حظي بالقبول والتسامح وأصبح مقبولاً كنص قانوني ملزم كما تقول الرؤية الإسلامية التقليدية، في حين إن الباحثين الغربيين في مجال الدراسات والأبحاث القرآنية، ومنهم جون وانسبورغ سنة 1977،وجون بورتو في سنة 1977 أيضاً، توصلا إلى استنتاجين متباينين. الأول حاول أن يثبت أن القرآن لم يجمع على هيئته الحالية حتى بعد مائتين او ثلاثمائة سنة بعد موت محمد، بينما الثاني حاول أن يثبت العكس وهو أن محمد حرص على تثبيت نسخة نهائية للقرآن في حياته مكتوبة بحروف ساكنة، ولكن لم يتم العثور على نص قرآني مرتب وفق التسلسل الزمني الكرونولوجي للنزول .أما المستشرق الألماني لولينغ فقد سعى للبحث عن القرآن الأصلي في كتابه المثير للجدل " تحد للإسلام" الذي نشره سنة 2003. ومن حيث توقف لولينغ بدأ لوكسينبرغ محاولاته لحل شفرة القرآن بمقاربة غريبة وجديدة في آن واحد بشأن التأثيرات السريانية والآرامية في اللغة القرآنية وهي الدراسة التي نشرها سنة 2004 وأحدث ضجة في وسائل الإعلام الشعبية والشعبوية ذات الإثارة الجماهيرية، وهي دراسة ابتعدت عن كامل التراث التفسيري الإسلامي التقليدي للقرآن وتقول بأن كل النسخ الباقية للقرآن، قديمه وحديثها، تتضمن كماً هائلاً من الأخطاء في القراءة، من وجهة نظر القراءة الفيلولوجية ذات النتائج التخمينية وليست اليقينية،لأنه لا يأخذ بالاعتبار الأبحاث المتراكمة على مدى قرنين من الزمن في سياق النقد النصي للقرآن، والنتيجة التي توصل إليها لوكسينبرغ هي أن اللغة التي استخدمها محمد في القرآن الأصلي الذي تلاه على مسامع المسلمين كانت متأثرة تأثراً عميقاً باللغة السريانية والآرامية التي أخفاها محمد بحذاقة منقطعة النظير في إعادة صياغة لغوية نثرية مسجعة خاصة به، والتي يمكن إعادة اكتشافها بتغيير التنقيط على المفردات القرآنية لكي نقترب من أصلها السرياني والآرمي، ويتوسل منهجية الاستبدال الدلالي. فالنص القرآني الذي بين يدينا الآن ما هو سوى نسخة مجزأة عن نص أصيل تقول الأسطورة الدينية أنه موجود في اللوح المحفوظ لا يمكن الوصول إليه ولا حتى من قبل الأنبياء والرسل، كما جاء في سورة البروج للآية 22 وسورة الأنعام الآية 19 وسورة القدر. قال الله في القرآن: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وقال إنا أنزلناه في ليلة القدر اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال أحدها وهو الأصح الأشهر أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجما في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته بمكة بعد البعثة . وأخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسول الله بعضه في أثر بعض .وأخرج الحاكم والبيهقي أيضا والنسائي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة واحدة إلى السماء الدنيا، ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة ثم قرأ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا. وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وفي آخره فكان المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا. أخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما، أي على أجزاء، وعن ابن عباس أنه سأل عطية بن الأسود فقال أوقع في قلبي الشك قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقوله إنا أنزلناه في ليلة القدر وهذا نزل في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس إنه أنزل في رمضان ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام. فذلك هو القرآن الحقيقي والأصيل وليس النص الدنيوي المتداول اليوم والذي هو عرضة لكثير من الغموض والإشكاليات والاجتهادات والتأويلات والتفسيرات المتناقضة والمتباينة والذي وصفه الإمام علي بأنه" حمال أوجه". فالنص الحالي لم يملى على النبي حرفياً بل بواسطة الوحي والإيحاء لذلك نجد فيه المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ، وبالتالي فهو ليس ذلك المقصود بالآية: إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فالكتاب المتداول اليوم بين الناس ليس هو " الذكر" المشار إليه في الآية، وبالتالي فهو ليس خالد ومطلق وثابت. فهناك قصة وتاريخ للنص المعروف باسم القرآن اليوم وفيه نواقص وإضافات وتحريفات كما تروي لنا الروايات التاريخية المتعلقة بهذا الموضوع، وبالتالي فهو نسبي. وتكفينا الإشارة إلى موضوع الآيات الشيطانية، الواردة في القرآن الدنيوي المتداول حالياً والتي استوحى منها الروائي والكاتب البريطاني من أصل هندي روايته الشهيرة " آيات شيطانية" التي أثارت ضجة في العالم الإسلامي بعد فتوى الخميني باستباحة دم الكاتب ووجوب قتله، والحال أن هذه الحادثة حقيقية حصلت في التاريخ الإسلامي ونقلتها كتب التراث . فلقد أكد الدكتور عفيف عبد الفتاح في كتابه روح الدين الإسلامي أن الرسول كان يفرق بين الملاك والشيطان إلا في حالة واحدة عندما امتدح النبي آلهة قريش ونطق الآية على النحو التالي:" تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" وهو يقصد بالغرانيق هنا الللات والعزى ومناة. ولقد أكد السيوطي في كتابه أسباب النزول ص 184 وابن هشام في سيرته النبوية جزء 2 ص 126 وابن كثير في تاريخه جزء 3 ص 229، بأن الشيطان هو الذي وضع على لسان محمد هذه الصيغة ليمتدح آلهة قريش عندما كان يقرأ على قريش سورة النجم . يقال أن هناك كتبة للوحي لم يكونوا أمناء ومخلصين ومنهم من ارتد عن الإسلام وآخرون مثل معاوية استخف بأصالة النص بل وأنكره إبنه يزيد ابن معاوية، وهو خليفة للمسلمين، حينما ردد مقطعاُ شعرياً يقول:" لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل". فبعد وفاة النبي كان القرآن موزعاً بين الصدور في ذاكرة الحفاظ والقراء، وعلى جلود الماعز وكرب النخيل والعظام والأقمشة وغيرها من الدعائم التي دونت عليها الآيات والسور القرآنية، ولم تنضج فكرة جمع النصوص القرآنية إلا في وقت متأخر في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحول ذلك الحدث قصص وحوادث كثيرة تطعن بأصالة ومصداقية النص القرآني الحالي، سنتطرق إليها لاحقاً. فأقل ما يقال أن الجمع تم على نحو اعتباطي وعشوائي لأغراض سياسية وأيديولوجية مسبقة ومتعمدة وليس وفق توجيهات النبي أو وفق تسلسل نزول الآيات وحدث خلط مقصود ومتعمد بين الآيات المكية والآيات المدنية ونقل الكثير منها من سورها الأصلية إلى سور أخرى. هناك روايات غير مثبتة تقول أن أول محاولة للجمع حدثت في حياة النبي من قبل علي بن أبي طالب وبعد ذلك بقليل في زمن الخليفة الأول أبو بكر والمحاولة الثالثة تمت في زمن عثمان، وهناك محاولة أخيرة تمت بعد زمن طويل في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي. كانت هناك عدة نسخ للقرآن تبعاً لاختلاف القراءآت، وأشهرها نسخة عبد الله ابن مسعود التي أحرقت في عهد عثمان وبأمر منه. وتم إقرار نسخة زيد بن ثابت بالقوة وإحراق باقي النسخ ما عدا نسخة الإمام علي التي لم يتجرأ أحد على أخذها منه وحرقها، والمعروف أن زيد بن ثابت الأنصاري من قبيلة الخزرج كان كاتب من كتاب الوحي ومترجم للنبي من والى اللغة الفارسية والإغريقية والقبطية والإثيوبية حيث تعلم اللغات في المدينة ومن رحلاته المختلفة الى تلك البلدان، وكان سكرتيرا لأبو بكر وعمر وعثمان، وكان هو الذي يكتب الرسائل للملوك والأمراء في زمن النبي والخلفاء الثلاثة الأوائل . وتقول أسطورة دينية أخرى أن الملاك جبريل كان يلتقي النبي محمد سراً كل عام بهذا الصدد للقيام بمراجعة لما تم إنزاله على النبي خلال العام المنصرم وتدقيقه وتثبيته.

المصدر: http://www.almothaqaf.com/a/b6/930983

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك