العولمة هيمنة وأهداف

منيرة الهاشمي

 

السنن الجماعية والعشائرية والمجتمعية بعضها تسمى (العادات ألتقاليد او الاعراف) .

اما العادات فهي متغيرة وهي ما يعتاد عليه حسب معطيات محدثة او مكتسبة ضرفيا وهي متغيرة حسب تغير الضروف المادية والنمو الاقتصادي والثقافي السلوكي  .

التقاليد هي اعمق في التاريخ القبلي والمدني وهي متوارثة و قد يكون لها اصل عقائدي او مكتسبة بالتجربة وتتناقل بالوراثة في بعض الاحيان لا يعرف منطلقها او اصولها لقدمها في التاريخ .العرف هو المتعامل به في هذه المنطقة اوتلك والمعترف به في التعاملات  المادية غالبا من قيمة المهر في منطقة معينة والنفقة وهو قد يحل محل الشرعي والدين في مجتمعات جاهلية وهو ما ينظم بعض الحرف و الصناعات والاسواق . وكل هذه السنن الاجتماعية هي الدليل على مدى تحضر هذا او ذاك من الشعوب ومدى رقيه الانساني والاجتماعي وهي الدليل على مدى عمق اية حضارة في التاريخ ومدى قدرتها على استيعاب المحدث وامتصاصه وتلوينه بروح  ورائحة تلك الحضارة .  ان الحضارة التي لا تستطيع هضم المحدثات والإحاطة بها وإعادة تشكيلها حسب قناعاتها وثقافتها ومبادئها هي حضارة على وشك ان تزول.

فكل هذه العوامل تنتج اسلوب حياتي معين تختص به هذه الحضارة او تلك يؤثر على الشكل الخارجي للمواطنين في لباسهم وهندامهم بصفة عامة وحتى في شكلهم  كالشعر والذقن وكذلك السلوك والأدبيات الاخلاقية في الاماكن العامة والخاصة وبين العائلات وحتى بين افراد الاسرة الواحدة و تؤثر في السلوك الفردي والجماعي وفي طريقة  التفكير .

إنّ العادات والتقاليد والأعراف متواجدة مع تواجد الحياة البشرية وهي في الحضارات الرائدة تكون حصن للفرد والجماعة من أي غزو ثقافي او اخلاقي بل بالعكس الحضارة الرائدة هي من يصدر سلوكياته وأدبياته الحياتية المتسمة بخصائصها الثقافية والعقائدية .

–تعريف الثقافة عبرإعلان اليونسكو الّذي صدر سنة 1982 بعد انعقاد مؤتمره في مكسيكو، وأصبح مرجعيّة عالميّة:

)هي تعتبر في معناها الواسع ما تتّصف به مجموعة بشريّة أو مجتمع ما من سمات تميّزه عن غيره روحيّا ومادّيّا، فكريّا وعاطفيّا. وهي تشمل، علاوة على الفنون والآداب وميادين المعرفة، أنماط الحياة، والحقوق الأساسيّة للكائن البشريّ، وأنظمة القيم والتّقاليد والمعتقدات(.

–تعريف الثقافة عند تيلور:((هي المنظومة المعقدة والمتشابكة التي تتضمن اللغات والمعتقدات والمعارف والفنون والتعليمات والقوانين والدساتير والمعايير الخلقية والقيم والاعراف والعادات والتقاليد الإجتماعية والمهارات التي يمتلكها أفرد مجتمع معين))-الثقافة البدائية(1871).

مفـــــهوم نمـــــــــــط الحــــياة  :

نمط المعيشة / نمط الحياة

النمط : الصنف أوالنًوع أو الطراز من الشيء.

يقال نفس النمط / بمعنى نفس الشيء.

على نفس النمط/ على نفس الوتيرة ، او الشكل.

حشر هذا المصطلح ليعوض المفاهيم والقناعات والتقاليد والأعراف بمصطلح النمطية الحياتية .الصورة النمطية : مفهوم مستعار من عالم الطباعة، ويعني الالة التي تستخدم لإنتاج نسخ مطابقة للأصل. استخدم هذا المصطلح  لوصف  الإنسان الذي  يختزل  المعلومات والمواصفات، ويضع  الناس و الأفكار والأحداث  في  قوالب عامة و جاهزة، بحيث يجمع  و يبسط ، ويطلق حكماً  متعجلاً غير مدروس، ولأن وسائل الإعلام  أصبحت هي المصدر الرئيس لكل  أفكارنا  وتصوراتنا عن الدول  و الشعوب والثقافات والديانات. تزداد خطورتها  لأنه  لا مجال  للأفراد لاختبار سمات أية  صورة  نمطية أو التحقّق منها .

 معنى التنميـــــط :

وهو ما  يحدث نتيجة  تشويه متعمد للحقائق والتعميم ألمفرط وبعضها غير مستند إطلاقا إلى الواقع وهي من أخطر ما تقوم به وسائل الاعلام ومواقع التواصل  وغيرها من وسائل الاتصال وهي تُسلط اكبر انواع الخداع  والدمغجة  والكذب  وتزييف للحقائق .

هي عملية إعلامية  متعمدة  مخطط لها، لاختزال وتبسيط  مخل للصورة العامة لجماعة ما، أو فئة اجتماعية ما، أو شعب ما ، بحيث تختزل في مجموعة  قليلة من السمات والمواصفات، تستدعي ردود أفعال  معينة من الجمهور هذا هو التنميط .هو اسلوب استنساخي لبعض العادات او بعض التصرفات المحدودة  قد  تتواجد  في أي  مجتمع  ثم  يتم  تسليط الضوء عليها ووضعها تحت المجهر وعنونتها في قالب  يستنسخ  منه عدة   نسخ بنفس النمط  مع  تعدد الوسائل و الطرق لوصف مجتمع  او مجموعة   او بلد او امة  بما  يُحدث  تشويه  للحقائق عند المتلقي  ومع  تكرارها  بصفة  متواترة في وسائل الميديا  مع ارسال بعض الفلاشات والمصطلحات التي تسير في  نفس  القالب  في العديد  من الافلام والمسلسلات حتى تصبح  قناعة  يعتقد بها حتى  الضحية  نفسها فتولد عنده مركب نقص واشمئزاز من عاداته  و تقاليده و اصوله .

ولأن النفس البشرية اجتماعية بطبعها ، فهنالك اصحاب النفوس   الضعيفة وهنالك بعض المراهقين  مما يتأثر بفعل هذا التنميط. وهذه القوالب التي اشبعت بها هذه  النفوس فتقع ردة فعل عنيفة من استئصال لكل الموروث والاستهزاء به ووضعه في خانة التخلف وبعد كل هذا يحل الخواء .هنا يتدخل تطويع النمطية وزرعها في هذه النفس القاحلة . والاهم من كل هذا ان يسيرا التنميط والنمط بصفة متوازية جنبا الى جنب بحيث تقع المقارنة الملموسة وتتمركز بكثرة الايعادة والتكرار في العقل  الباطن فتنتجا قناعات وسلوكيات .

وكما يقول جوناثان فريدمان ): لقد مال خطاب الإمبريالية الثقافية منذ أواخر الستينيات تقريباً لتحضير الساحة للاستقبال النقدي الأولِّي للعولمة في المجال الثقافي، طارحاً العملية على أنها “جانب من الطبيعة الهرمية  للإمبريالية، أي الهيمنة السياسية المتزايدة لثقافات مركزية معينة، وانتشار القيم ، والسلع الاستهلاكية،وأنماط الحياة الأمريكية(” ( Friedma 1994: 195).

وهكذا يقع ترسيخ النمطية المطلوبة والتي يراد لها ان تكون نموذج عام للعولمة الليبرالية  كحضارة يجب ان تجُبً ما قبلها من حضارات  وثقافات بكل ما فيها من زخم تاريخي وثقافي وتنوعي  وان تكتسح العالم بأسره .

الفــــرق بـين العالـــمية والـــعولمة :

يخلط بعض الناس بين العالمية والعولمة ظناً منه أنها انهما وجها   العولمة لعملة واحدة، وهذا خطأ جسيم، فهنالك فرق كبير وواضح بينهما ،فالعولمة هي إكساب الشيء طابع العالمية وجعل نطاقه وتطبيقه عالمياً، وفيها تداخل بين الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسلوكية دون اعتداد بذكر الحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو الانتماء إلى وطن محدّد أو لدولة معينة.

فالعولمة هي بمعنى القولبة بحيث تضع الناس في قالب واحد وتختصرهم على منهج واحد من دون اعتبار للفروق الفردية أو العادات والتقاليد أو الأفكار المختلفة والثقافات المتباينة أو الخصوصيات الاجتماعية.

أما العالمية فهي منهج عالمي شامل لجميع مجالات الحياة مع مراعاة خصوصيات الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، والعمل على الارتقاء بالشعوب إلى مستوى عالٍ من الحرية والعدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع الواحد، وإعطاء الفرد جميع حقوقه الإنسانية، ومنحه حرية العبادة والتعبير وحقه في الاختيار.

فالعالمية هي تعبير عن التنوّع الثقافي، والاعتراف بالتبادل وانفتاح الثقافة الخاصة على الثقافات الأخرى بحيث يكون العالم منفتحاً على بعضه مع الاحتفاظ بتنوعاته، وهذه هي السمة البارزة للثقافة الإسلامية؛ إذ هي تعترف بالآخرين، وتحترم خصوصياتهم الثقافية، منطلقها في ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[الحجرات: من الآية13 )[

وقد تفضل الله جل وعلا بأن جعل رسالة الإسلام رسالة عالمية ليست مقصورة على المسلمين فحسب، وإنما عامة لكلّ الناس، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سـبأ:28]، وقال -أيضاً-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [لأعراف :158[

وقد ظهرت عالمية الإسلام منذ أن بدأت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة، فمن الذين أسلموا في بدايات الدعوة من غير العرب: بلال الحبشي، وصهيب الرومي، ثم بعد ذلك عداس النصراني من بلاد نينوى، ثم سلمان الفارسي، وعبد الله بن سلام اليهودي). ( د. محمد مصلح الزعبي// العولمة الثقافية وأثرها على الوطن العربي ).

ان مشروع العولمة الليبرالية هو ليس مشروع اقتصادي اومؤسساتي   مادي او سياسي فقط بل هو مشروع يشمل البشرية بكل مكوناتها الحياتية والوجودية الروحية والفكرية والثقافية والمادية والعقائدية .انه مشروع عصر ما يسمى بالتنوير “وهو جر البشرية نحو حضارة  كونية”. هنالك  سببين للاعتراض على النزعة الكونية.

السبب الأول- والذي يكمن في  النزعة الكونية على أنها الإسقاط غير المبرر لقناعات وغايات مجموعة ما يسمى بـ( النظام العالمي الجديد) على جميع الثقافات العالمية الأخرى بما فيهم الثقافة الغربية.

السبب الثاني- هو ان النزعة الكونية هنا هي في الحقيقة حالة من الخاص الذي يتنكَّر في صورة الكوني.ويلغي كل الاخر في نظرة احتقار ودونية للثقافات الانسانية بكل مكوناتها واختزالاتها في عولَمة لا تعترف إلا بنمط حياتي واحد …

من ناحية أخرى،  تقوم الأطراف المهيمنة بامتصاص وإعادة تشكيل جميع الثقافات الثانوية على غرار صورتها ووفقاً لغاياتها الخاصة ومصلحتها.ان الخطر لا يكمن  في العولمة  في حد ذاتها كغاية توحيدية  اذا كانت ترمز الى القضاء على الفوارق المادية بين الشعوب ، عندما تكون غايتها انسانية تقضي على الفوارق الاقتصادية والتنموية  بين ما يسمونه العام الاول والعام الثالث .

الا ان ديدنها استنفاذ ثروات وموارد هذا الاخير واعتباره كائن من درجة خامسة لأنهم يصنفون البشر الى درجات وكذلك هذه العولمة تتسم  بفرط الجشع والإسراع في الهيمنة الاقتصادية على العالم .  في عالم مادي واقع في شراك شبكات المعلوماتية ، والمواصلات ورؤوس الأموال التمويلية والتكنولوجية الصناعية  ، عولمة الا توطين والا هوية والا خصوصية والا مهارات فردية. ويبدو  أنه من المحيّر ببساطة أن نتحدث عن الهيمنة الغربية باعتبارها شيئا منفصلا عن الممارسات والمصالح الحقيقية للمجتمعات الغربية في حد ذاته . فقد تسبب النجاح ذاته الذي حققه الغرب في فقدان أفضليته الاجتماعية-الثقافية وخسر كل مكوناته الاجتماعية والاخلاقية والدينية.

– واستشهد هنا :   بـ ( انتوني سميث – )حيث يصف هذه الثقافة العالمية المحتملة بأنها “مصطنعة جوهريا”، وأنها ضحلة وأنها “نزوية  وتهكميه وأنها “مائعة ولا شكل لها”، وأنها “تفتقر إلى أية التزامات عاطفية تجاه ما ترمز إليه”. ان أية ثقافة عالمية محتملة  من خلال الاتصالات والعالم الافتراضي هي ليست موجودة في الواقع المعاشي للفرد وللمجموعة  الا  في لحظة تسجيل الدخول عبر النظم المعلوماتية .ومن ظمن ما ترتكز عليه هذه النمطية لحضارة (النظام العالمي الجديد) نقطة هامة تفصل الانسان على جذوره وعلى احساسه بالانتماء واحساسه بالامن والطمأنينة وهي:

-الاتــــــوطيـــــــن و الإستــــــلاب: 

والذي تعتمد عليه الحضارة المعولمة الجديدة للقضاء على الثقافات والقناعات الاجتماعية المترسخة و التقاليد والعادات .  وذلك بالاعتماد  على العديد من الجوانب الأخرى للتجربة الدنيوية .

– وذلك عبر استخدام  لتقنيات الإعلام والاتصال المُعولِمة “العابرة للحدود القومية” التي قد يعتمدها  الناس فيما يتعلق بتوظيفهم (العمل لحساب شركة متعددة الجنسيات يقع مقرها في الخارج)، والإحساس المتزايد بأن الدول القومية  بسبب العمليات المُعولِمة، لم تعد قادرة على القيام بدورها لمواطينها بالمفهوم الاقتصادي (توظيف الجميع، وجعل أسعار الفائدة وقيمة العملة مستقرَّة) .

ان هذا الاختراق الزمني للمسافات بحيث انك بضغطة زر تلغي الزمان وتتواصل  مع من هو في الهند بل تشتغل معه يوميا .فإن فصل الزمان عن المكان يمثل تطورا مبهما، يجلب مزيجا من التحررات وأنماطا جديدة من الهيمنة. وعلى أية حال، فإن تضمين التماسف الزماني- المكاني، يشكل خطراعلى العقل البشري ومدى استقلاليته الفكرية والتفاعلية والعملية والسلوكية  .

أن العولمة “تنتزع الفضاء من المكان وذلك لأنها أتاحت بل في الواقع دعمت العلاقات عن بُعد بين أناس لا يُوحِّد بينهم الحضور وجهاً لوجه في ناحية ما.   ولفهم ذلك بشكل أفضل، يمكننا ان نقول أنها تخيلاتية  بصورة متزايدة .

أي ان المحيط والمكان يتم اختراقهما تماماً وتشكيلهما في ضوء تأثيرات اجتماعية بعيدة عنها  تماما،  مسافة ومضمونا . فما يشكِّل المكان ليس ببساطة ذلك الموجود على الساحة، “فالشكل المرئي” للمحيط يُخفِي وراءه العلاقات المتماسفة التي تحدد طبيعته التخيلاتية .لماذا تخيلاتي؟ يستمد المصطلح معناه الأكثر عمومية من الخيال، الذي يعني وهم أو  خداع. ولكن هذه  “رؤية افتراضية لشخص غائب” مكانيا  و يستطيع  ان يكون غائبا وجوديا ايضا عن طريق الانتحال . وهذا يؤثر سلبا في العلاقات الاسرية وقد يحدث ان يقع الغاء كل المحيط الحي الواقعي ، وسيطرة هذا المظهر الخادع او التخيلاتي مما يجعله خطر على الكينونة البشرية . لكن البيئة المنزلية، بطبيعة الحال، ليست بأي حال من الأحوال هي السياق الوحيد الذي يتم الشعور فيه بالتأثيرات النمطية للاتوطين.

فهنالك السينما والأفلام المعروضة، و ستكون الغالبية العظمى منها هي أفلام هوليودية طبعا، ما هي صور المناطق المحلية، ما هي المناظر الطبيعية والإيقاعات اللغوية التي سنجدها هنا كخلفيات للروايات؟ السلوكيات العادات .   فمن المرجح أنها ستكون في معظمها مناظر وصور من الولايات المتحدة. هل سيؤدي ذلك إلى تنفيرنا ؟ هل نشعر بأننا ضحية للإمبرالية الثقافية ؟ أوليست هذه المواقع البعيدة ؟ – المظاهر الطبيعية المادية الحقيقية لأمريكا، من المساحات الشاسعة ، إلى مشاهد المدن هي تسلبنا عن بيئتنا .

وتصدير افلام العنف والاجرام مع الايحاء بان هذا المجرم هو في الحقيقة  ضحية اوبطل و كل  المسلسلات التلفزية الخاصة البوليسية- بصورة ما، وبصورة منطوية على تناقضات،  غيرمألوفة  ؟

زد على ذلك صناعة التفاهة التي ابتدأت تنتشر في الآونة الاخيرة  وذلك لتعويض الابداع الحقيقي والتميز والنبوغ  لاحظ ان المشاهير الجدد يصنعون ثقافة التفاهة  و”الاستهبال” هم يدفعون بالتافهين الى واجهة العمل ويجعلون من الاغبياء مشاهير . استفزازالمشاعر ، ومخالفة القيم ،الكلام بدون معنى والغير اخلاقي، هذه هي المواصفات المطلوبة لتكون من المشاهير.

انهم يحاولون تخريب العقل ونخر المعنويات الشبابية انه اسلوب قاتل للمتميزين والنبغاء و مهمش لأصحاب المبادئ والقيم العلمية والأخلاقية .

استعمال بعض المصطلحات لتغيير المفاهيم هي في حد ذاتها  اعتداء على تاريخ ومخزون البشرية لآلاف السنين مثل مصطلح العادات والتقاليد او العقل المعاش عوض بـ ” النمط”  أوالثقافة عوضت بـ ” الرمزية” هذه الابجديات التي تبدو لنا بسيطة وعفوية هي تختزل اعادة بلورة للمفاهيم المتوارثة والمحصول الانساني عبر تجارب ألاف السنين ان نوعية المصطلحات تنبؤ في حد ذاتها بالمضمون النمطي للعولمة ورؤيتها للآخر الخارج على الذين يطلقون عليهم المتنورين ( النظام العالمي الجديد) فهم يفرغون الموروث الانساني من كل تنوعاته التراثية والتقليدية والعرفية والثقافية والحرفية الى مصطلحات آلية استنساخية و ترميزية.

فكِّر كيف أننا نستطيع بسهولة أن نشعر بالارتباط بهذه البيئات دون أن يكون معظمنا من الأوروبيين، اوان يكون عايش هذه البيئة بصورة مباشرة على الإطلاق.  ألا نشعر بسهولة شديدة “بالارتياح كما لو كنا في المنزل” مع بعض من مشاهير هوليود مثل سيلفاست ستالون او توم هانكس في بعض افلامهم .  لأن هذه الأماكن لا توجد سوى في مخيلتنا الثقافية، ومخزوننا من المواقع الابحارية ،  والذي تم بناؤه بكل تلك الملايين من الصور التي تحتوي عليها الأفلام، والبرامج التلفزية، والكتب والمجلات التي تصفحناها ؟

إذن، جانب آخر من اللاتوطين يتمثل في اقتلاع المناطق المحلية التي تتم في الإطار  الافتراضي للتخيُّل. وتصبح إحدى الطرق للتفكير و هذا يتم بمقارنة هذا الاستهلاك الروتيني لصور الأماكن البعيدة، وتطبيعها في العالم الحياتي المعاش للفرد مع الإيحاءات  المتواصلة  التي تصف الآخر  بـ” القومية المبتذلة” بالدونية هو التعزيز الروتيني، من خلال الإيقاع الثابت للحياة اليومية، وتنميط للصور التي تربط هوية المواطن بالدولة الوطن، وهذا  الإعلام وهذه الصورة العملية التي يقارنها بما أسموه “القومية المتنورة” التي يتم التلويح بها وتحيتها والتي يتم الاشارة والإشادة يوميا بعلمها وتقدمها وازدهار حياة مواطنيها .

ألاً تـــــوطيــــن الغــــــذائي :

وهناك طرق أخرى يمكن أن تتم بها معايشة اللاتوطين. فعلى سبيل المثال، المنشآت الدوليّة للطعام . إن نمطية (النظام العالمي الجديد) ليست حكرا على عالم التواصل بل سنجد اليوم مدى أوسع من الأطعمة “الأجنبية” على أرفف متاجر السوبر ماركت. ولم يعد يُنْظَرْ إلى بعض هذه المأكولات – مثل العجائن  والبيتزا- والهمبورغر- باغيت – على أنها غير مألوفة، إذ صار يتم تسويقها هي وغيرها الكثير الآن على نطاق واسع كأطعمة عائلية يومية، لا تعد في مطبخ البيت  وقد تكون اعدت في بلد بعيد من حيث المكان والثقافة والدين في مصنع من المصانع الكثيرة في العالم .أن عملية التصنيع هذه قد بدّلت الأنظمة الغذائية للعالم المصنًع وحتى  دول العالم الثالث، حيث أنها باتت “مهيأة لتوريد تلك المكونات على نطاق واسع .

– و كيف أصبحت  هذه الدول  نفسها تعتمد بشكل متنام على الطعام الصناعي .والذي قد يحتوي على العديد من المتلوثات الخطيرة .  إن عولمة صناعة الغذاء، مع تحويلها لموضع السيطرة من المحلي إلى العالمي، تطرح عدة اسباب للقلق والارتياب. فعلى سبيل المثال، هنالك احساس عام بالمخاطر  في ألاستهلاك  قد تزايد بالتأكيد مع الأزمات الدورية المتعلقة بتلوث السلسلة الغذائية والفضائح المتواترة مثل “لحم البقر المصاب بمرض جنون البقر” والسلالات الجديدة من أنواع الأنفلونزا التي ارتحلت من الدجاج الصيني .

والذراري الجديدة التي ظهرت في اسكتلاندا من جراثيم الإشريكية القولونية .  مع الاستعمال الواسع والمفرط للمبيدات الحشرية في الصناعة الزراعية مع استعمال الاشعاع لمعالجة الاطعمة للحفظ مع غيرها من الوسائل . وهذا سببه الجشع المادي المتوحش .الشيء الجديد هنا هو  فقدان السيطرة المحلية على الطعام والنظام الغذائي ،  والشعب الذي لا يمتلك السيطرة على موارد غذائه هو شعب لا يمتلك حريته ولا يمتلك مقومات الحياة علاوة على ان يمتلك اعرافا وتقاليدا وثقافة .

وبدون توسيع هذه المناقشة لما هو أبعد من هذا، أعتقد أنه يمكن القول على نحو معقول بأن هناك نمط مميز من التجربة اللا متوطنة عبر مجموعة متنوعة من الأنشطة اليومية في المجتمعات ، والتي تبدو ليست لها علاقة بالنمطية على الوهلة الاولى ولكنها  في الواقع احد الاسس الهامة في النمط العالمي الجديد .

واستشهد هنا بـ (رامي سند // نمط العيش : م- الحوار الثقافي) .حيث يقول:

مثلا حينما يحاول ان يرسم نمطا لحياة الفتيات في عمر الزهور سوى في المجتمع الغربي اويحاول ان يرسمها في المجتمع الشرقي،فهو يستخدم الاشياء باحترافية كبيرة لتوجيه الافكار. فنموذج دمية ” باربي” التي تقدم للفتيات الصغيرات في مختلف انحاء العالم .

هي نموذج صارخ للتوجيه الفكري وبناء وترسيخ نمطا للعيش عن طريق الاشياء أن اللا توطين،  له جوانب مختلفة، إلا أن إحدى الخصائص المميزة له تتمثل في إضعاف أو حل الرابطة بين الثقافة المُعاشة والنمطية  بصورة يومية وبين الموقع و المكان ” أي الوطن”.

فبوسعنا النظر إلى التغيُّرَات التي ذكرناها كدليل على المُعدِّل المُتسارِع الذي تقوم به العَولَمَة بتغيير نزعاتنا المحلية الثقافية الحديثة. وبالتالي فإن مفهوم اللاتوطين يمثل في الوقت نفسه طريقة لتفسير “الحالات المُمكِّنَة” المستبطنة للنمطية العالمية المفترضة، ومنها القضاء على الحرف اليدوية والصناعات التقليدية في ظل   التصنيع المتسلسل والذي لا يشترط مهارات حرفية او صناعية ،  لان الصناعات اصبحت  مجزأة.

 إقتـلاع الحيـاة المعيــشية من جـذوره :                                           

كما تجبرنا العولمة بالضغط  على حكومات الدول التي هي في طو النمو عبر صندوق النقد الدولي بقبول  المراكز التجارية العملاقة مثل  (كارفور و جييون وماموت) وغيرها والتي تقضي تدريجيا علي  اصحاب المتاجر الصغيرة المتواجدة قرب البيت والتي هي غالبا على ملك احد الجيران او الاقارب والتي تفرض علينا علاقات ثقة و حميمية  بين التاجر والحريف . وتغزوا انتاجاتهم المعلبة بشكل جذاب ومدروس اسواقنا وبيوتنا ونستغنى على الانتاج المحلي باسم السوق الحرة . فتتغير طريقة اكلنا وعاداتنا وهذا يؤثر على كل طرق الانتاج عندنا كل هذا لخدمة اللاتوطين.

إن الشيء الذي يكون على المحك في معايشة الثقافة اللاتوطينية هو ليس، وبصورة حاسمة، مستوى الوفرة المادية، بل هو عيش الحياة التي “يتم اقتلاعها” من ارتباطها بجذورها الوطنية والعائلية بكل ما يحتويه الوطن من خصوصياته الثقافية وعاداته الاجتماعية وبكل ما تحتويه العائلة من ترابط واحتواء وتزاور وتآزر وتقاليد  وهذا تحت عنوان العولمة .

توصــيف الـــــوطن:

هو المكان الذي يوفر الهوية الثقافية والذاكرة، والذي يَرْبِطْ سُكْانه بتاريخ  والعدات والتقاليد  المحلية من خلال عمليات التكرار اليومي و التفاعلات الاجتماعية العضوية .

البلد التي يقيم فيها الإنسان ويتخذها مستقراً له. ولذلك فهو شبيه بالمنزل، فالمنزل هو المكان الصغير الذي يسكن فيه فرد مع أسرته، والوطن هو المنزل الكبير الذي يضم عدداً كبيراً من الأفراد والأسر” (الحقيل، 1990م، ص19).

ألا توطــين والوجــــــود الهــــــــــش:

إن حالة اللاتوطين هي حالة مبهمة تجمع الفوائد مع التكاليف. ومن بين التكاليف نجد صور الهشاشة الوجودية المتنوعة التي تأتي عندما تنفتح حياتنا على العالم الأوسع، وحينها يصير إحساسنا الخاص بمنزل آمن محدد- حرفياً ومجازياً- مفقودا تقريبا . الفوائد يحصدها الجانب الاخر في السيطرة والهيمنة  الكلية على هذه الوجودية الهشة والنفوس المتجذرة ، مثلا  تحويل منطقة غالبية قاطنيها هم من البيض أبناء الطبقة العاملة طبعا، إلى منطقة متعددة الأعراق، والذي يحدث نتيجة للهجرة من اجل التشغيل او هروبا من الحروب الاثنية المفتعلة للغاية. ستتضمن جميع هذه الأمثلة جوانب متعلقة بنزع التجربة  الثقافية من التحديدات  الدينية والعرقية والوطنية ، في تجميع للمتفرق ، فكل من ناحيته هو اقلية ليس له منصة ارتكاز و  لايستطيع  تشكيل قوة اقتصادية او عرقية اوثقافية ولا يستطيع بناء كتلة ضاربة، طبعا مع  مواصلة نفس الطريقة في ألا توطين والتهجير وذلك بإنهاء عقود التشغيل واقتراح عقود في اماكن   اخرى بعيدة مع تفريق المجمع من جديد وهما سياسة “النظام العولمي الجديد” حتى لا تتكون الحميمية والارتباط بالمكان ، في الحقيقة ان  هذا النظام العالمي الجديد له نفس الاسلوب ونفس الغايات   (للماركسية) وهذا على مستوى الحياة الاجتماعية والتشغيل من حيث ان العمال يضلون دائما كذلك وليس لهم حق الملكية  ويسمح لهم براتب يحدد حسب الحاجيات الاساسية لان كل ترف يعتبر خروجا وخيانة للفكر الشيوعي ، والراتب في الحالتين يمكنُهم من مواصلة الحياة فقط وبالكاد . طبعا مع تغيير في الاسماء والرموز . فبعد ان كانت الثروة هي ملك العامة وهي الطبقة الشغيلة  افتراضيا وليس واقعيا . فهي  في” النظام العولمي الجديد” الثروة في يد الشركات المتعددة الجنسيات بينما الحقيقة ان الثروة يمتلكها مجموعة عائلات  تدير العالم من خلف الكواليس. والعالم الباقي هو الطبقة الشغيلة التي لا تمتلك شيء و المهجرة باستمرار.  وان كليهما يؤمن بسياقة البشركما تساق البقر .

وكليهما يؤمن بسياسة الا توطين والا حميمية ورفض الروابط  النقية الاسرية  والتراث والمعتقدات والدين وان العالم باكمله يجب ان يكون على نفس النسق وان هنالك طبقة شغيلة وهنالك الصفوة قد تختلف مواصفات الصفوة بين هذا وذاك الا ان العالم سوف يساق بنفس الطريقة. هما وجهان لعملة واحدة . في الواقع، يمكن القول بأن بعض سكان العالم الثالث الحالي قد تكون لديهم تجربة لاتوطينية أكثر حدة وشدة من أولئك الذين يعيشون في العالم الغربي، وذلك تحديداً نتيجة لموقعهم ضمن سياق عملية العولمة غير المتكافئة على كل المستويات وبكل المقاييس مما ينبأ بموقعهم ودورهم في هذه العولمة .

وهنا استشهد بهذه الفقرة من خطاب لأحمد مختار مبو المدير العامّ سابقا لمنظّمة اليونسكو قال : -(( يجب ربط اية تنمية محلية بقيمها وثقافتها الخاصة بها )).

ولايكفي تحويل الكم الهائل من المعلومات المتاحة في البلدان التي هي في طريق النمو بل يجب ربط كل تنمية محلية بقيمتها وثقافتها الخاصة بها. لان مثل هذا الصنيع من شأنه ان يمنع ترسيخ العلم والتكنولوجيا في البلدان المتقبلة لهما ،وان يشجع على هروب الادمغة ويساهم في بطء التقدم العام للمعارف وذلك  بحرمان الخيال الخلاق من النفاذ الى مصادر اكثر تنوعا من التي غذت النظام الحالي.

يجب التفريق بين نمط النظام العولمي الامبريالي الجديد  و التلاقح بين هذه المجتمعات وبين الثقافات. ولا يوجد تعارض في التبادل الحركي  الحديث  والعلاقات الوثيقة بين الثقافة والإقليم لا يعْنِي الإشارة ضمنا إلى التقوقع أو إلى إغفال التأثير الخارجي المنشأ باعتباره، بصورة أو بأخرى، من ثوابِت التجربة والممارسة الثقافية. لكن المقصود هنا،  هو ليس مجرد “الانفتاح على العالم” المُتَاح لنا ان المقصود لا يعدو ان يكون اغتصاب لكل مقومات الانسانية وتجذير الروح من كل مرتكزاتها القيمية. وقد تجلَّت “النمطية العولماتية” بالتجذير والتهجير الحسي والمعنوي  وذلك باختراق البيئات وأنماط المُنَاخ المادية المحلية وملامح المنظر الطبيعي والعادات والممارسات واللهَجَات اللغوية والثقافة الغذائية والتعديلات المعينة بالاعراف و المعتقدات الدينية واخراجها او الغائها وكما يلخِّصها “مورلي وروبنز –  “(( فإن التضمينات الأوسع لهذا الانتقاد للنزعة الوطنية الأنثروبولوجية هي أننا يجب أن نرفض جميع صور”الثقافة [الثقافات] النقية، والمتجانسة داخلياً، والأصيلة، والمحلية)). العولمة والثقافة – 1995 – ص128. ) كارل ماركس).

ينتقد سياسة التغريب والاستلاب ، ولو ان رؤيته ترتكز على العمال خاصة  وهو في نظريته يربط كل الوجود بالمادة  وبتقاسم الثروة ويأكد على ان التغريب هو الاحساس بالعمل في غير ما يمتلكه وهو مطالب بالانتاج فقط بصفة آلية ودون التفكير وانه مستلب من حياته ومن التفكير وذلك نتيجة العمل الشاق ولفترات طويلة بحيث ينقطع على ما يدور حوله من فرط الانهاك .

هذا تعريف التغريب والاستلاب بإيجاز لـ (ماركس) .هل تعتبر نظرية كارل ماركس عن التغريب صحيحة  ؟ إنها تقول : -(( إن التغريب هو نتيجة منهجية لطبيعة النظام الرأسمالي الذي يفقد بموجبه العمال،  على نحوما وبشكل ثابت، السيطرة على مصائرهم التي تكون عرضة لسيطرة البرجوازيين على سبل الإنتاج، بحيث تستهدف تحقيق الحد الأعلى من فائض القيمة)). “رأس المال 1867-1848 ” وهذا بالضبط ما هندسته الأسواق الرأسمالية العالمية غير المكبوحة التي تصدر قيمة العمالة وترسيها على أخفض سعر في العالم، أي على الصين والهند والمكسيك وجنوب شرق آسيا وافريقيا)).

نقـــض المـبادئ والقـيم الإنسـانيـة :

بوضوح وبشكل أكبر هم يحاولون الانتقال الى نقيض المبادئ التي ينادون بها ويتبنونها اعلاميا. وقد اسقطوا من حساباتهم جميع هذه الثوابت الواضحة  أهميتها  في المجتمعات  والتي تمثل الوطن والإحساس بالأمن والحميمية والتكافل  والاصالة والاسرة الصغيرة والكبيرة سواء .ان المثال الافتراضي الذي يرتكزون على انشاءه ، يعتمد على عدد كبير من “ألاَ  آت”  والتي هي من خصوصيات مكونات التركيبة الانسانية والنفس البشرية والتي بدونها لن يكون الانسان انسانا . وهي:

1) ألَا توطين (2 .  ألَا   إنتساب  .  3) ألَا  أمان .4) ألَا  حميمية . 5) ألَا تاريخ . 6) ألَا تراث  7) ألَا خصوصية .

8 ) ألَا عقيدة .  9) ألَا ثقافة .   10) ألَا ملكية خاصة.11) ألَا واقعية.

وخاصة ..خاصة ( 12) ألَا محرمات كل شيء مباح من المثلية والي كل انواع الانحطاط الاخلاقي وهذا لعقيدتهم بان الآخرون هم شكل حيواني متطور، درجة ثانية بينما أنهم هم المختارون ، كذلك حتى تذوب القدرة الفردية  في مجاهدة الهوى والنفس وهذا ما سماه (الرسول الاكرم صلى الله عليه واله)  بالجهاد الاكبر .ومن خلالها تندثر القدرة الجماعية على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل ان العادات والتقاليد والسّنن  لمجتمع ما، إذا إستوحت مقوّماتها من الفضائل واقتدت بالصفوة ، فستكون منصة الارتكازمؤثّرة في خلق نفوس تتوق الى الافضل اخلاقيا وتربويا وسلوكيا ، وأمّا إن استوحت قوتها من العبثية والا مبالات فستكون منصة الارتكاز مؤثرة في خلق القبائح والرّذائل الأخلاقيّة، وتكون البيئة مهيّئة لتقبلها  بكل انواعها  أيضا .

التحــــديـات التـي تـواجـــهها الإنســـانيـة :

إذا هناك  تحديات بالنسبة لنا  تتمثل في المس بالهوية ومحاولة إلغاء الخصوصية، والاطوتين والتهجير وعدم مواكبة عجلة السرعة  التكنلوجية والتقنية مع عدم الوعي بخطورة فكرالنظام العولمي الجديد من طرف الشباب خاصة وما ينتظرهم كأجيال المستقبل فغالبهم منبهر ومسلوب الارادة أمام كمية التواصل المعلوماتي وسهولة الخروج من بيئته ومحيطه ليسافر عبر الزمان في علاقات متماسفة حيث يمضي ساعات طويلة أمام وسائل الابحار الإفتراضي وهذا تحدٍّ كبير. وما يتبعه من إلغاء للسيادة السياسية، والمشكلة إننا لانمتلك في الواقع مشروعاً متكاملاً لتحصين أو لمواجهة هذه التحديات .

.هنالك محاولة لتعويم الملامح  و الانسانية بصفة عامة ضمن شخصية “روبوت” آلية مستعبدة ، هذا هوالتحدي القائم الآن ، لذلك يجب أن يكون هناك توعية وتنبيه وكشف للمخطط ، مع اعادة كيفية صياغة انساننا بوضع مناهج جديدة ، بالإضافة إلى تفعيل عناصر   التجديد وهنالك عدة تساؤلات واطروحات، لم نبحث لها على إجابات لأنها لم تكن مطروحة في العهود السابقة، نحن بحاجة لقراءة تراثنا، والإجابة على أسئلة ومشاغل العصر وما يمكن أن تقدمه ثقافة العالمية الإسلامية

   الرؤية الإسلامية للعالمية :

ان رؤية العالمية الاسلامية تختلف كل الاختلاف مع المطروح في ساحات التنظير الغربي بكل مدارسه من اليونانية القديمة الى الغربية الحديثة والى يومنا هذا ، فهي لا تنظر الى العالم من زاوية  الهيمنة الاقتصادية ولا من جانب الهيمنة المادية وهي ليست مثالية خيالية هي واقعية شاملة انسانية تستجيب لكل متطلبات الانسان روحا وعقلا وجسدا وتشمل المحيط المعلوم والظني والغيبي .

ان  الثقافة الاسلامية يمكن أن تقدم الكثير، لأنها ثقافة انسانية عامة، قادرة على توصيل نفعها وفائدتها وخيرها للعالم أجمع، ويمكن أن يتلقفها العالم بمختلف مستوياته ومعتقداته،لان غايتها التوازن والقسط بالمفهوم الاستيعابي لابمفهوم الهيمنة والتسلط لأن لها عمقاً وبعداً إنسانياً. كما كان لديها مساهماتها المتميزة في الجوانب العلمية والفلكية والفلسفية والتقنية وغيرها.   والكثير من العلوم  الحاصلة اليوم هي بضاعتنا ردت إلينا. إن لنا رصيداً مهماً في عالم المعرفة يمكن استئنافه من جديد بعد تحديد سبب الإنقطاع . فهناك العديد من القضايا لاتزال الأسئلة حولها تبحث عن إجابة،  ولازالت هناك ساحات خالية من الفعل والعمل  ولان الطبيعة لاتسمح بالفراغ فملئت هذه الفراغات بالرداءة والإبتذال و بإستجلاب خارج عن قناعاتنا. ما هو نحن بحاجة إلى مواجهة جماعية ومؤسساتية ، من خلال إشراف أكاديمي بحثي من ذوي الإختصاصات وليس من خلال كاتب يكتب كتابا او مفكرا يرد عن افتراضات او شبهات بعينها . يجب اعادة البناء مع دعمه بقوة ارتكازية  اسلامية وعلمية  مع الاستفادة  من التقانة الموجودة. في نفس الوقت وضع مخططات ثقافية لمواجهة العولمة وتنميط نتائجها  .بطريقة متسلسلة ومدروسة في الافلام والمسلسلات وفي الكتابات.

ان الاسلام كدين خاتم وبصفته هذه شمل في احكامه المتغيرات والمحدثات والتطورات والاستثناءات ، هذا التشريع له هذه الصفة والتي من مشمولاته الأخذ في الإعتبار التطورات  الثقافية والتقنية والتكنولوجية  اذا هذا الدين انزل لكل زمان ومكان و للناس كافة –(وما ارسلناك إلا كافة للناس)”سبأ 61″ فرسالة بهذا الحجم والتي اريد لها ان تكون مستمرة في الزمان بأبعاده الواقعية والافتراضية ومستوعبة للأقوام بإختلافاتهم التركيبية والجينية والفكرية والعرقية والعرفية ،ان في الاسلام هامش كبير من السعة بحيث مسموح للأقوام والبلدان ان تؤثثه حسب بيئتهم وحسب عاداتهم وأعرافهم وطبيعة الارض ومناخها بما لا يناقض اصول الدين الاسلامي .وبصفة ان الانسان أُنزل الى هذه الارض حاملا لواء الخلافة الاهية فهو مسؤول  بتحقيق العدل والتوازن والعبودية لله فهو بدون هذه الاخيرة لا معنى لكل وجوده . (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)”الذاريات  56″   اذًا لا يكون لأي علم أو بحث أو دراسة لا ترطبت غاياتها بالخضوع لله وإن  بدت ناجحة ومتطورة وبراقة فهي مختلة وناقصة ،في فصل ما او نقطة ما ، ونتائجها حتما مستنزفة ذاتيا .

   كيفية بناء العقل المعيشي الإسلامي :

كان رسول الله “صلى الله عليه وآله” ]يفرغنا ثم يملؤنا-[

وعملية الافراغ والملء ليست عملية آلية لأنها متعلقة بالإنسان وبناء الإنسان وعواطف الانسان ومشاعر الانسان ووعي الانسان وعقل الإنسان وعندما نقول الإنسان فاننا نعني كل مكونات هذا الانسا ن }..وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 78المؤمنون {.

اذا كان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله لا يكتفي بأن يستعمل السمع أي النصح والنهي فقط بل كان هو القدوة بما يعني الدرجة الثانية في اختراق الحواس وهي البصر لأن السمع والبصر يحركون بقية الأفئدة والمشاعر و الافكار والتصورات ولأن السمع والبصر والأفئدة هم دليل العقل والفكر وهم  آدات  تذكير المختزل وتصنيف التراكمات ومحرك ما يدور في عقل الانسان من أفكار وتصورات ورؤى~~ وما يتراكم في التركيبة البشرية من ثقافات، وما يختلج فيها من متناقضات وما يترسب في ماضيها من ذكريات وما يتشابك في لا شعورها من «عقد» ومخاوف ومجازفات..فعملية بناء الشخصية امر ليس بالسهل ويتطلب علم وحكمة ودراسة.

وعملية البناء هذه تقتضي عملية مصاحبة لها وهي الهدم والبناء “هدم الافكار غير الاسلامية واستبدالها بما يتناسب من افكار الاسلام”. وعملية الهدم هذه لا يجوز المباشرة بها الا اذا اكتمل وتوفر البديل وإلا كانت العملية كلها هدم وخواء ..

من اجل ذلك كان “رسول الله صلى الله عليه وآله يفرغهم دون ان يترك مجالا للفراغ لان الطبيعة لا تسمح بالفراغ سيُملأ إما بالايجابي او بالسلبي .اذا عملية الملء كانت مباشرة لان البديل كان جاهزا . اذا كيف  تعامل “صلى الله عليه وآله” مع الموروث فرفض البعض رفضا باتا مما كان يتعارض كليا مع البناء الجديد وملأه بالبديل مباشرة كما ادخل على البعض الاخر تصحيحات وكذلك دعم بعض التقاليد التي كانت عند العرب مثل اكرام الضيف كما ان الاسلام اعترف بالعرف .

العرف هنا مقيد بمنهج الله، العرف هنا مقيد بالصالح ألعام والصالح العام له ضوابط كثيرة وما أشدّ الضوابط الشرعية في المصلحة العامة. يقول بعض العلماء : كل ما ورد به الشرع مطلقا ولا ضابط له فيه ، ولا في اللغة يُرجع فيه إلى العرف.وهذا من سعة الاسلام والمرونة في اكتساح المجتمعات المختلفة عاداتها وتقاليدها وأعرافها . الإسلام أقرَّ من الأعراف ما كان يتلاءم مع مقاصده ومبادئه ورفض من الأعراف ما ليس كذلك أو أدخل على بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات . تقبل الشرع ما وافقه ، وصحح ما حاد عنه ، ورفض ما ناقضه.

   كيـف الســبيل الى الــتصدي :

اذا يجب ان نستند هذا التسلسل في الإحاطة بثقافة العولمة للنظام  العالمي الجديد والنمط الحياتي   .  ولكن هل يكفي هذا ؟ الارضية ليست واحدة ان الكم الحصولي المتدفق و المتسارع يفوق قدرة الحضوري في المتابعة والإلمام  ومع هذا كله لا يكفينا ان نستند الى هذا  التسلسل فقط مع انه اساسي الا انه يجب العمل على البنية الإرتكازية والتي هي كالنقش على    الحجر في بناء الطفل المسلم   لا بطريقة  تلقينية فقط ولكن شهوديا وحضوريا وتفعيليا . مع اعتماد النمط المطلوب و التنميط الموضوعي على اسس تحليلية  ومراعات المصدقية في التنميط .

الرجوع الى القرآن وعندما اقول الرجوع لا يعني بالطريقة الرجعية التي كانت معتمدة نتيجة سياسات معينة .

وهنا قال الكاتب : ( علي موحدي نجاد//هندسة الحضارة والثقافة)

((- ان التعاليم الاسلامية تبذل جهودها بشكل دائم حتى تتمكن من صناعة   الحضارة الاسلامية . بالتعاون مع مجموعة بشرية مثقفة متعلمة :

-“إن التعاليم القرآنية من البداية وحتى النهاية تقوم على ثقافة خاصة ليتم بناء و تربية و تعليم الانسان على اساسها ،وليتمكن من تحقيق الاسلوب الاسلامي في الحياة وبناء الحضارة الاسلامية ،ويقدمها للمجتمع البشري)).

اذا التركيز على التعليم ، ان الحل جاءنا واضح المعالم والمنهج   والآليات وهو يحدد كل الجوانب النفسية التي نستطيع من خلالها بناء انسان متمكن  علميا وأخلاقيا بالمنظور الرباني وهذا من اول دعوة جاءت للمصطفي الحبيب محمد صلوات الله عليه واله. وهي سورة العلق .

اذا سلمنا بأن القرآن الكريم هو منهج وتبيان لكل شيء ونحن مسلمون ومؤمنون بذلك يعني ان الله عز وجل وضع لنا فيه كل البيانات ما نعلمها وما لا نعلمها ،اذا القصور منا نحن وليس القصور والمحدودية من هذه الرسالة السماوية بما يعني ان القرآن الكريم هو مصدر مفجر لكل الطاقات المعرفية تشريعيا وفقهيا وعقليا وروحيا وماديا واجتماعيا وواقعيا.

اذا لماذا تخلفنا على الركب ،ركب الحضارة والعلم  وأصبحنا اتباعا  لثقافات مادية انتهازية ؟ هل حصل هذا لقصور في فهم الدين؟

الجواب هو لأننا حصرنا مفهوم الدين في العبادات والفقه وهذا صار بقصد او بغير قصد ليس هنا المجال لطرح هذا السؤال .نحن هنا نطمح في تشخيص الداء حتى نبحث له عن دواء وهذا الاخير موجود في القرآن طبعا ما دام  الله عز وجل وضع فيه تبيان لكل شيء.”اقرأ باسم ربك الذي خلق “خلق الانسان من علق” 1و2 العلق.  الامر بالقراءة اقترن باسم الخالق ثم بالمخلوق وماهيته واصله.  “اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم 3و4 العلق.

اقرأ لان ربك الاكرم كرمك مع وضاعة ماهية خلقك إلا انه كرمك بالعلم وليس بالعلم الذهني فقط حيث علمك كل الاسماء بل علمك بآلية التسجيل وأداة النسخ والتدوين بما يعني انه مكنك من استعمال آليات العلم والتسجيل والتدوين والمقارنة وطوعهم لك ،اذ أنه علم الانسان ما لم يعلم.

ان الربط بين الامر بالقراءة وباسم الخالق وماهية الخلق والتعلم ، معادلة لابد من توفرها  بالتوازي لطلب العلم،  في حالة ما اذا لم تقترن العبادات والفقه  بالبحث في  ماهية الخلق والمخلوقات   فان الناصية ستكون كاذبة ونتائجها خاطئة وكذلك اذا لم يقترن طلب العلم الكوني والطبيعي المادي بخشية الله والتعبد له والصلاة فان هذا الانسان سيطغى. اذا لابد من توفر كل هذه الشروط معا .لان الناصية قد تكون كاذبة ونتائجها خاطئة ولكن هذه الناصية بذاتها اذا اذعنت لربها وربطت بين علمها     وخضوعها لربها فهي ستعلو وتقترب أكثر فأكثر من الحق والحقيقة . “كلا لا تطعه وأسجد واقترب “.19 العلق.

اذا سبب تخلفنا هو فصل العلوم الكونية والحياتية والطبيعية على العلوم الدينية ، بينما الحث في القرآن الكريم على كافة العلوم والبحث فيها لا يخلو من سورة  تقريبا – )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )-يونس5-   (-وفي الأرض آيات للموقنين)-الذريات20-

لأننا لم نؤثث الجامعات الاسلامية والحوزات والكتاتيب بالمخابر والمناظير وآليات البحث ولم نوفر آليات الكمال في العبادات وهي  التعقل و التدبر والتفكر و التبصر والتيقن والاستقصاء وهذا في كل ما يحيط  بنا في هذا الكون الشاسع المرتبط باسمه تعالى في العبادات وهو   الغوص في الكون والماهية الخلقية والمادية الوجودية لهذا الكون وهذا المخلوق وكل المخلوقات ، نحن تخلفنا لأنه جاء من فصل الدين عن الكون والتفكر فيه وجعل الدين فقها وعبادات فقط ،في حين ان المنهج القرآني  يضع لنا النموذج الذي تكون نتائجه ناجحة ويقترب بنا من الحقيقة التي سوف تزيدنا خشية من الله ويقينا بقدرته وهذا النموذج هو ربط القراءة بالعبادات باسمه تعالى وبماهية هذا الخلق ككل وبآليات الوصول الى الغاية بالتوازي               .

(-إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب)-آل عمران-190-.

مع الاذعان  والاحترام لمقام الجامعات الاسلامية والحوزات . فهي لم تفي بكمال ما  أمرنا به الله  وبتمام تطبيق المنهج القرآني بل جمدناه وقولبناه و حصرناه في مضامين معينة ، ولكن التاريخ لا يخلو من عدة امثلة فردية عملت بكمال المنهج فوصلت الى الدرجات العلى في العلم مثل ابن سينا والخوارزمي وغيرهم ، هم كانوا فقهاء …وعلماء دين بكمال المنهج القرآني وتمامه.

)-ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء هدى ورحمة وبشرى للمسلمين)- النحل89-

اذا سلمنا بأن هذا المنهج صالح لكل زمان ومكان  وللبشرية كافة فيجب  ان نسلم بان هذا المنهج متحرك ومتجدد ومستوعب للمحدث والمختلف.

اذا نحن تخلفنا لأننا خالفنا المنهج وضيقناه وحصرناه فكانت النتيجة خاطئة.وهي فصل الدين عن العلوم الماهية الكونية والبحث فيها. وتخلفنا  اكثر لأن هنالك من ينادي بفصل الدين عن الدولة.

بينما يقول تعالى”ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ” 52الاعراف.

“ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا”60 النساء.

“وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا”61 النساء.

نحن هنا نريد وضع الحالة المرضية تحت المجهر لنشخص الداء دون التقليل من شأن أحد انما هو بحث في العاهات التي توارثناها ولم نحاول ايجاد دواء لها و ذلك لعدة اسباب  منها الخارجية ومنها من هي منا و متأصلة فينا .

نرفض النقد ونرفض وضع اسباب المرض أو الخلل تحت المجهر وتحت الدرس وذلك لحسابات ضيقة تمس ببعض المصالح الفئوية أو الفردية ونترك المصلحة العليا وهي مصلحة الأمة والبشرية جمعاء في النجاة من هذا الوحل المتعفن الذي تزخر فيه الانسانية .  للقائل أن يقول لماذا تقدم الغرب دون ارتباطه بالله وبالذكر وباسمه  تعالى ؟

ننظر الآن الى هذا العالم الذي يقول البعض او الأغلب أن الغرب حاز العلوم والتقدم بينما تخلفنا نحن لتمسكنا بالدين.  اولا وكما بينت سابقا اننا تخلفنا لأننا لم نتمسك بالدين بقدر ما تمسكنا بالعبادات والفقه.

     الإنحطاط والحضارة :

ثانيا تعالى نلقي نظرة لما وصلت اليه البشرية اليوم من انحطاط على كل المستويات الاخلاقية والاجتماعية والعلمية والحضارية.   قد تقول لي الانحطاط الاخلاقي والاجتماعي فهمته ولكن كيف يكون هنالك انحطاط علمي؟

الانحطاط العلمي والحضاري اشد خطورة على الانسانية وعلى البيئة وعلى المحيط وعلى الكون بأسره وعلى الحرث والنسل. هذه الحضارة التي تبنى على نهب الثروات الطبيعية التي تخل بالقوانين الطبيعية وبالتوازن البيئي وعلى هدر الانسانية و استعباد البشرية وتحويل الانسان الذي كرمه الله الي حيوان وحقل تجارب للأسلحة وللمواد الكمياوية والجرثومية والتجارة  بأعضائه وبعرضه وإفشاء الرذيلة وأكثر. وكل هذا تحت عنوان الحضارة والعلم .

هذه الحضارة هي ايضا لم تتبع المنهج السماوي المنهج الإلهي في التوازي بين القراءة  والخضوع لله والماهية الخلقية والآلية لتحقيق  المعادلة العلمية  التي تحقق الاقتراب من الله ومن الاكتشافات العلمية

(كلا إن الإنسان ليطغى أن راءاه استغنى) – العلق-6-7- . اذا هذه الحضارة لم ترتبط بالله بل ارتبطت بالشيطان.

وقولة الامام الخميني (ق.س) الشهيرة التي لم يسبقه في إعلانها احدا من المسؤولين عبر العالم —-(إن امريكا هي الشيطان الأكبر) لم تكن مجرد شعارا بل انها الحقيقة المستخلصة من أن اي علم لم   يرتبط بالله وخشيته فهو حتما مرتبط بالشيطان دون مجال للتشكيك في هذا  او طرح بعض النظريات أو التبريرات أو الفلسفات فالكون قام ويقوم على اتجاهين اثنين لا ثالث لهما وهو اما الطاعة لله او لشيطان. وبصفة أن امريكا هي الرائد علميا اليوم وبصفة ان طاعتها ليست لله (فهي حتما الشيطان الاكبر)  كما سماها الامام الخميني(ق-س) لعلمه وحكمته فهو يرى بنور الله. وهو ينظر للأشياء دون مساحيق او تنمق او زيف هي عارية امامه لا لبس فيها .بينما المنهاج الذي يريده الله فهو المنزًل في كتابه والذي  فيه تبيان لكل شيء وهو الميزان  بين القراءة والعبادة لله والبحث في الماهية والتدبر في الخلق وتوفير الآليات و توفير كل ما يعينك في طلب العلم مع احترام هذه الكينونة التي كرمها الله.

البناء الإرتكازي :

ونستنتج  اننا اذا اردنا حضارة اسلامية تفوق كل الحضارات وتكون رحمة لنا في الدنيا وبشرة لنا في الاخرة كما وعدنا الله عز وجل.

(-ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) “النحل89”

علينا اولا: البحث في سبيل الخروج من هذه الازدواجية المرضية التي اصيبت بها مجتمعاتنا وهذا الانفصام الحضاري في النمطية الفكرية والحياتية والثقافية بينما السبيل والحل في القرآن الكريم.

يجب اعادة البناء وأنا اتكلم هنا على الاجيال القادمة .

لابد من وضع اسس جديدة بيداغوجية تنطبق مع القرآن ، لماذا نعتمد الطريقة الغربية في التدريس مثلا سن الطفل في الترسم في المدرسة هو ست سنوات بينما يذهب الى رياض الاطفال قبلها اين يتعلم النشيد والبراعة اليدوية والترفيه والألعاب ونحن نعلم ان الطفل في هذا السن هو ورقة بيضاء نكتب فيها ما نشاء وهذه الكتابة ستكون كالنقش على الحجر.

إن شخصية الانسان تتكون في السنوات الاولى من حياته ،لهذا يجب ان نضع برامج تربط بين حفظ القرآن وتطبيقه في الحياة والسلوك مع استعمال مفيد للمحدث من الوسائل والآليات  وربط كل العلوم بالمنهج القرآني مع التطبيق على ارض الواقع من احترام الزهرة في الحديقة العامة الى احترام الطريق الى البحث والتدبر في ما يفيد البشر والشجر وهنا اقصد الطبيعة والمحيط غوصا في الارض وصعودا في السماوات .وربط كل العلوم بالمنهج القرآني،و لنظمن انطلاقة على اسس صحيحة لابد من اجتماع خبراء وعلماء وفقهاء وأطباء في دراسة علمية ونفسية وشرعية في وضع برنامج تحديثي جديد كامل وشامل يراع سن المتلقي واحتياجاته الذهنية والنفسية كما يجب الأخذ في الاعتبار  الثابت والمتحرك والمحدث في حلة جديدة    تطبق المنهج القرآني والتوازي بين التوسع والوغول في العلوم والخضوع لله الواحد الاحد.

ولأن الله خلق كل شيء بميزان فلابد من مراعاة التوازن العلمي لصيرورة هذا الكون على النمط الذي يرضي الله ،لا نغلب جانبا على آخر حتى لا يحدث خلل ونسقط اما في التخلف والتخلي او نذهب في المادية العمياء التي  تمحق الانسانية وتحطم  وتدوس على المبادئ والأخلاق .

هنا  لابد من التعريف الصحيح لعالم الدين الذي يشير اليه القرآن ان هذا العالم ليس المتخصص في الفقه والتشريع فقط بل لابد من الربط بين هذين الاختصاصين والعلوم الاخرى الكونية والتدبر فيها والوغول في خصوصيات المادة بالتحليل المخبري فكل هذا يعتبرمن العبادات  لان الرسالة المحمدية جاءت واضحة فهي تحمل فيها كل اسباب ووسائل النجاة فتؤمرنا بالعلم والتدبر والتفكر والتيقن مع العبودية والسجود والخضوع لله –(كلا فاسجد واقترب)- العلق-1

-(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) آل عمران-191-.

ان هذه النخبة من العلماء سيكونون هم الوسيلة للخروج من براثن التخلف والتبعية ليضعوا نموذج اسلامي لإ خراج البشرية من وحل العولمة الزائفة التي تأخذنا الى عبودية الشيطان الاكبر، بينما الاسلام يدعوا الى العولمة التي تحرر البشر من عبودية البشر الى عبودية الله الواحد الاحد العادل الذي خلق كل شيء بميزان. ان نمط الحياة لن يتغير في يوم وليلة  ،هو نتيجة عمل دءوب ارتكازي من القاعدة ومن نعومة الأضافر، اعادة البناء دينيا وعلميا ، في نفس الوقت قد نستطيع التقليل من الانجراف نحو هذا الطوفان الذي اقتحم بيوتنا وحميميتنا وخصوصيتنا ببعض الاجراءات والقوانين الجزرية إلا ان النتيجة  ستكون كمن يرمم بيتا تهاوت ركائزه . يجب ان يكون للفرد حصانة داخلية بحيث ان قناعاته هي من تزجره وتنهاه يجب بناء السد المعنوي والايماني  والعلمي لدى الطفل منذ الصغر وهذا طبعا بطريقة مدروسة في وضع دراسة فقهية علمية ونفسية وبرنامج تعليمي جديد لبناء حضارة جديدة تواكب التقدم التكنلوجي والعلمي بكل فروعه مع التربية الدينية وربطها بهذه العلوم بحيث ان الطالب عندما يتلقى الدروس الدينية لن تنحصر هذه الدروس على الفقه والعبادات .او ان تكون هذه الدروس بمعزل عن العلوم والوسائل الحديثة .

الحقيقة ان هنالك ثغرة  كبيرة تبتلع كل محاولات المنظرين لرفع التحديات وهي ان دراساتهم لا تنتشر خارج النخبة وتظل حبيسة في الكتب والمؤتمرات  المقتصرة على ذوي الإختصاص نفسه  ، مما يجعلها عاجزة على كسب قواعدا  من الأجيال القادمة والتي قد تتبناها وتمضي بها قدما وتطورها  ولا تتجرأ ان تنزل الى المعاهد والجامعات لتتفاعل مع الشباب وتؤثر فيهم وتوعيهم ، في حين ان نشر ثقافة التفاهة دخل الى المعاهد عبر جمعيات تنادي بالخروج في صيحات راقصة مخلة بالاخلاق وبألبسة شبه عارية وهذا في ساحات المعاهد ، والجامعات و قد تابع الإعلام هذه الصيحات عبر الفضائيات وعبر المواقع الإجتماعية . ماذا قدمنا نحن في المقابل سوى التنديد في اقصى ردود الفعل ؟

هل طرحنا البديل البناء ؟ هل حاولنا دراسة الساحات الدراسية وسبب تفاعلها مع هذه الرداءة ؟ هل فمة محاولة لإطلاق سفارة الإنذارحول الهشاشة المفهوماتية للثقافة وكيف ان الثقافة اختزلت عند هذه  الاجيال في الرقص والماجون والسكاتشات الاستهزائية والتافهة ؟

كل هذه الأسئلة يجب على النخبة والعلماء ان تتحمل مسؤولياتها للإجابة عليها  ، ولا يكفينا ان ننتقل من نزل في هذه البلاد الى نزل آخر قد يكون أضخم أو أقل في تلك البلاد لإلقاء محاضرة بين منظرين مثلهم .لابد من تفعيل التنظير في الواقع الفكري للشباب خارج ايطارالتدريس ، حتى طعتيه روح الحياة الشبابية يجب ايجاد وسائل مغايرة وطرق جديدة ابداعية لإيصال ثمرة عقولهم وتوهجات فكرهم الى المتعلمين وتحفيزهم للمساهمة في الفكر الثقافي لأن الافكار التي ليست لها امتداد فعال في الاجيال القادمة هي نصب جامد .

الصورة وقدرتها على الفعل // بناء او هدما  :

ان اول التنزيل بدأ  بالأمر(اقرأ) وهذا لم يحصل في اي كتاب سماوي آخر ثم اكد على انه سبحانه علم بالقلم ، على ان القلم يعني “الآلية” كما يعني “الصورة” أيضا.

كيف يعني القلم” الصورة” قبل الكتابة؟

لأن الكتابة في العصور الاولى كانت بالصورة ،هم يدونون بالصور ويسجلون الاحداث والتاريخ بأشكال وصور الأشخاص والحيوانات.

إذا ذكر الله سبحانه القراءة أولا لأنها تسمع بالصوت وغالبا ما يذكر السمع أولا ثم جاء ذكر القلم لأنه آدات الرسم والتصوير والكتابة وهي ما نتلقاه عبر البصر،ونحن نلاحظ في القرآن الكريم ان ذكر السمع يأتي قبل البصر ثم تتبعهم الأفئدة لأنها  تتأثر بما تسمع وبما ترى.اذا سمع الانسان صوت عذب مثلا فهو سوف  يحرك كل مشاعره وتجد حتى جلده يقشعر من بعض ما قد  يسمع كما اعتمد الخالق البارئ العزيز المقتدر في كتابه الذي فيه تبيان لكل شيء اعتمد على القصص التي تحمل القدوة الحسنة وسلوكها وجزائها.

كما كانت تحمل القدوة السيئة وسلوكها وكيفية عقابها وزجرها .هو سبحانه وتعالى يرسم لنا الصورة والسلوك المطلوب من عباده. يخاطب فينا الأفئدة يعني كل الحواس مع العقل بالإقناع حتى ترسخ هذه الصورة وهذه القدوة في عقلنا الباطن وتصبح جزءا منا ومن شخصيتنا وتتبلور سلوكا ونتاجا.

ان القرآن الكريم يزخر بالقصص والوصف الذي يكاد يشق الحروف ويخرج لنا حقيقة لدقة الوصف بالشكل واللون والرائحة والحس حتى ترسخ الصورة في اذهاننا. وقد اعتمد الغرب هذا الاسلوب وهذه المواد مثلا في كتاب مارشال ماكلوهان الرؤيوية الاكثر شهرة والتي تتسم بالمبالغة. ويمكن ملاحظة أفكار ماكلوهان حولvisionary التأثير التوسعي “المزيح” لتقنيات الاعلام و الاتصالات على سبيل المثال، في تناوله لهذه التقنيات في كتابه المعنون فهم وسائل الاعلام . UnderstandingMedia(1964)  على أنها “امتدادات للإنسان”. ولقد اقترح هنا أنه يجب أن يتم النظر للتقنيات الإعلامية على أنها “امتدادات” مكانية للحواس البشرية أو للجسم ذاته-الكتاب كامتداد للعين؛ والمذياع كامتداد للأذن. ولكن يمكننا أن نجد التوضيح الأشهر الذي قدمه ماكلوهان لخصائص التجسير(ص154 ). bridging الزماني- المكاني.

اذا النقطة الثانية في هذا المنهج هي الصورة ومدى تأثيرها في تسجيل المعلومة في العقل الباطن وخاصة عندما تكون مقرونة بالصوت والمؤثرات .

فهي تأثر غاية الأثر في الأفئدة وتجيشها وتحركها فتطلق عنانها وتتخلى عن كل تحفظاتها وتفتح ابواب  جسورها لتلتحم مع هذه الصورة والتي غالبا ما تكون تروي قصة او احداث .

لقد حُرمت الصورة و الرسم في فتاوى بعض الفقهاء وعوضت بالزخرف والنقش مما جعل هنالك فجوة كبيرة وفراغ على مستوى الصورة القدوة (prototype) كما نعرفها الان اين استعمل الغرب نفس الطريقة ، وهي السمع والبصر والافئدة ، لمسح هذه القدوة من العقل الباطن  للشعوب الاسلامية وهذه القناعات السلوكية والاخلاقية .

ووضع مكانها الصورة المرئية التي اصبحت تلاحقنا بلافتات في الشوارع ومجلات ثم غزت بيوتنا عبر الشاشات وبعد ان كانت في بدايتها بالأسود والأبيض فهي اليوم بالألوان وهي في قمة الاتقان .

ثم تلتها الهواتف الجوالت والحواسيب وهلم جرًا .

زد على ذلك صناعة التفاهة التي ابتدأت تنتشر في الآونة الاخيرة  وذلك لتعويض الابداع الحقيقي والتميز والنبوغ  لاحظ ان المشاهير الجدد يصنعون ثقافة التفاهة  و”الاستهبال “هم يدفعون بالتافهين الى واجهة العمل الفني والثقافي وتغير القيم والمبادئ العلمية للإبداع والثقافة وجعل الاغبياء مشهورين . استفزاز المشاعر ، ومخالفة القيم ،الكلام بدون معنى الكلام البذيئ هذه هي المواصفات المطلوبة لتكون من المشاهير.

انهم يحاولون تخريب العقل ونخر المفاهيم وتحطيم النوابغ و الاذكياء،و ادخالهم في دوامة اليأس والضياع هذه الاحاسيس من اخطر ما يمكن ان تصيب الشباب يجب الانتباه بعدم نشر مثل هذه الاعمال بحجة التسلية والضحك والفكاهة انها قاتلة .

نحاول ان نتخيل ماذا يحصل للطفل الذي يتقبل هذه الصور المتحركة والتي تحمل معها عدة تشويشات من قبيل الاختلاط والعراء وسوء الاخلاق الذي يمرر على انه خفة روح ومثير لضحك والعنف الذي يعتبر بطولة وكل الجزئيات التي يمررها المخرج لتأثرفي الطفل والمراهق والكهل عبر الافلام والمسلسلات والكليبات.

وأنت تتابع القصة هنالك جزيئات من هنا وهنالك في محيط البطل او الشخصية اوفي لباسه  ما يسمى علميا بالتشويش الذي وان كنت ترفضه فهو مسموح له بالمرور عنوة عنك  لأنه جزء من الصورة وبصفة تلهفك على اتمام القصة فسوف يدخل غصبا وقصرا الى باحة عقلك الباطن ويرتكز بإعادته من مشهد الى اخر عبر الافلام والفضائيات ،  ثم في ما بعد سوف يخرج هذا التشويش ولكنه سوف يخرج في  سلوكيات وابجديات معيشية تعودت عليها حواسك وبصرك فيصبح جزءا من شخصيتك وتتفشى هذه النمطية في الحياة العامة ان كانت سلبية ام ايجابية  وهنا اريد ان اذكر قصة حدثت لي ، سألت احد الاخوة الايرانين على موقف الثورة الاسلامية من الافلام ودور السينما ؟

فقال لي ان الامام القائد الخميني (ق-س) تحدث عن السينما و قال يجب ان نجعل من هذه القاعات اماكن عبادة فبهت من هذه المقولة ولسان حالي يقول اذا لهم نفس الموقف الرافض لصورة مثل غيرهم من الإسلاميين ، ولكن اطنب الاخ قائلا

إلا انه امر بتجديدها وتحسينها وإيجاد الكثير منها  وشجع المنتجين والمخرجين وقال لهم انه بأيديكم ان تصنعوا منها اماكن للعبادة.

لقد لخص الامام الخميني (ق-س) بمقولته هذه (اننا سنجعل من هذه القاعات اماكن عبادة)- كل ما يجب فعله،لأنه هنا الداء لقد اشار عليه بالبنان والبيان ووضع له المنهج في اربع كلمات .

كيف نحول قاعات السينما لاماكن عبادة ؟ هذا هو السؤال عندما يعي المنتج والمخرج انهم هم السلطة الثانية في تكوين الامم والشعوب وتغيير النمطية الحياتية و إيعادة الصيغ الصحيحة للقناعات ،وأنهم بيدهم ان يجعلوا من الاعمال الفنية تعبدا وجهادا ،لأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم فلابد من ضرب القدوة والنمط الغربي في اعمالهم و انتاجاتهم ووضع البديل الاقوى والأحسن وهذا يعتمد على ابداعاتهم وذكائهم وقدراتهم الفنية ، ان السينما الايرانية اليوم في درجة متقدمة جدا على المستوى العالمي وأصبحت تزاحم الغرب في الحصول على الجوائز لكن هنالك سؤال يجب ان نطرحه  دائما ويطرحه كل المنتجين الثقات والمخرجين والفنانين عامة عندما نحصل على جائزة وهو –هل هذه الجائزة لنا ام لهم ؟

اذا كنا قد حصلنا على الجائزة ونحن نرسخ نمطيتنا وقناعتنا فهذه الجائزة لنا.

وأما اذا كنا نرسخ فكرهم و نمطهم وتشويشهم فالجائزة لهم وان استلمنها نحن. كما اننا لانستهين بالمواقع الاجتماعية فيجب غزوها وتعميم البديل مع تحجيم مشاهيرهم و نمطهم وفكرهم وفضح غاياتهم من العولمة العالمية والتركيز بالإعادة ففي الاعادة افادة اما ألا توطين عبر الاستهلاك الغذائي فلا بد من التوعية الموضوعية  واحداث  مادة في البرمجة التعليمية تعنى بمفهوم التغذية الصحية  و تنبه بخطورة التغذية المصنعة والمعلبة من طرف المؤسسات الغير محلية مع حملات لمقاطعة المجمعات التجارية الغربية  الكبرى .

كيفية التحكم في الديموغرافية في الإسلام :

اما بالنسبة الى العامل الديمغرافي والذي يشكل خطر وجودي عليهم فقد صدروا لنا المثال القدوة وهو الاسرة التي تتكون من ثلاثة افراد الأب والأم ومعهم طفل وحيد هذه السياسة التدميرية للحضارات وللوجود. حتى تستطيع أي حضارة ان تبقى لأكثر من 25عام – يجب ان يكون لها معدل تكاثر سكاني بمقدار 2,11أي معدل أقل من هذا سيؤدي الى تقلص هذه الحضارة .

بالرجوع الى البحث التاريخي نجد انه لم تستطع اي حضارة البقاء مع معدل  1,9 تكاثر. بينما معدل تكاثر بمقدار 1,3يعني الموت المؤكد للحضارة ،لأنها ستحتاج إلى ما بين 80 إل 100 سنة لإعادة التكثيف الوجودي طبعا بعد تغيير القناعات برفع النسبة التناسلية الى النسبة المطلوبة وبالتالي لا يستطيع اي نظام اقتصادي الصمود كل هذه المدة .

بمعنى آخر عندما ينجب زوجين طفل واحد ،فإن عدد الاطفال سيكون نصف عدد الأباء وفي ما بعد عندما ينجب كل زوجين من هؤلاء الابناء طفل واحد فإن عدد الأطفال يصبح ربع عدد الاجداد ، اذا كان هنالك مليون مولود جديد في عام2006   فستكون القوى العاملة2026  أقل من مليوني شخص.عندما يتقلص عدد السكان تتقلص معه الحضارة.

السياسة الديمغرافية تعتمد اولا على المساحة الجغرافية للبلاد ثانيا الثروات  وكميتها و تعددها بحيث توفر العمل  والعيش الكريم للمواطن مع توفر الرؤية المستقبلية المدروسة حسب احتياجات الامة وبرامجها وحسب التحديات الاقتصادية والإقليمية و جيو سياسية والمتطلبات القادمة .

نحن كمسلمون لنا تشريع يسمح لنا بالتحكم في النمو الديمغرافي على اساس تعمير الارض والنجاة .

تفسير الميزان :

((بيان أحكام المواريث وعمدة أحكام ألتزويج كعدد ألنساء وتعيين المحارم وهذان البابان من أكبر أبواب القوانين الحاكمة في المجتمع الانساني وأعظمها ولهما أعظم التأثير في تكوين المجتمع  وبقاؤه،فإن النكاح يتعين به وضع المواليد من الانسان الذين هم أجزاء المجتمع والعوامل التي تكونه ، والإرث يتعلق بتقسيم الثروة الموجودة في الدنيا التي يبتني عليها بنية المجتمع في عيشته وبقاؤه)).

التعدد المحدد حسب اجتهاد العلماء  واحتياجات الأُمة “مثنى وثلاث ورباع  “فعندما يكون عدد الوفايات مرتفع مثلا يفتح باب التعدد وعندما تكون هنالك تصفية عرقية يفتح كذلك في الحروب ،وعند قدرة الدولة على توفير العمل والتعليم والتربية وتأطيرالأجيال وعند قدرتها على استيعاب الكم وتحويله الى كيف وقد يحدد التعدد في مناطق دون اخرى وذلك في المناطق النائية اين تكون الاراضي الشاسعة والمهملة لأنه لا توجد يد عاملة ، يفتح باب التعدد طبعا من خلال دراسة كاملة وشاملة اقتصاديا واجتماعيا وبنيويا اين تؤهل هذه المنطقة بالمدارس والمستشفيات وتأهيل البُنى التحتية.  غالبا ما يكون هنالك نزوح نحو المدن وفتح باب التعدد في تلك المنطقة النائية مع الاحاطة الكاملة والشاملة بحيث يكون معلوم ما هو منتظر من هذه المنطقة من انتاج فلاحي واقتصادي او تصنيعي وذلك بعد دراسة الارض وما تحتويه ولما سوف تكون

مؤهلة اليه اكثر من غيرها وحسب الفراغ او الحاجة الى منتوج معين تحتاج اليه الامة اكثر من غيره وكل هذا بعد الدرس من خلال مجموعة من المختصين الاقتصاديين والجغرافيين والجيولجيين والمهندسين والفقهاء لابد من تواجد الفقهاء حتى يرتبط كل شيء بالارادة الإلهية في تحقيق الميزان التعميري والتعداد السكاني مع المحافظة على البيئة،ان فتح باب التعدد في المناطق النائية سوف يولد موجة نزوح معاكسة

من المدن الكبرى ونحوى المناطق النائية وهذا سيخفف الضغط على المدن .بحيث يقل الإكتضاض وتتنوع الإنتاجات كل منطقة تختص بنوع معين مع توفير الآليات التصنيعية على عين المكان حتى يكون لها نوع محدد من الاكتفاء .

لابد من ان يعمل الفقهاء مع ذوي الاختصاص من العلماء،فهنالك علم الاحصاء والـ( جيس )  وهويعمل على جمع وصيانة وتخزين وتحليل وإخراج وتوزيع البيانات والمعلومات المكانية. وهذه أنظمة تعمل على جمع وادخال ومعالجة وتحليل وعرض وإخراج المعلومات المكانية والوصفية لأهداف محددة، وتساعد على التخطيط واتخاذ القرار فيما يتعلق بالزراعة  وتخطيط المدن والتوسع في السكن، بالإضافة إلى قراءة البنية التحتية لأي مدينة عن طريق إنشاء ما يسمى بالطبقات .

وهنالك الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وهنالك مخزون خام والميزانية وهنالك دراسات مستقبلية لتطلعات الدولة وما تصبو اليه  مستقبليا .

كل هذا يوضع بين يدي الفقهاء لرسم خرائط تقريبية واجمالية للمناطق وامكانية تعميرها حسب خصوصياتها وامكاناتها وحسب تعداد سكانها واحتياجاتها لليد العاملة لنحقق التوازن بين استمرارية الحياة والنجاة منها .

ويحدد على ضوءها إذا يسمح بالتعدد في هذه الفترة او تلك، وكم هو عدد الزوجات المسموح به والى اية فترة يسمح بهذا.هذا كله لتحقيق التوازي والتوازن .

التوازي بين استمرارية الحياة والتعمير والتوازن الاجتماعي والبيئ المادي والمعنوي لتحقيق النجاة .

لا بد للعلماء والفقهاء من دراسة الأسباب و توفيرها لتحقيق الاستمرار في احسن الظروف المتاحة وتحسينها لتحقيق النجاة والحفاظ على  الآمانة .كيف السبيل الى ذلك ، عندما يتوفر العيش الكريم للفرد ويتوفر له التعليم والإحاطة يستطيع  بدوره ان يوفر لأبناءه وسائل العلم والاستمرار والنجاة.مثلا اذا انجب عدد كبير من الأطفال دون ان يوفر لهم  امكانية العيش الكريم ودون قدرته وقدرة الدولة على تأطيرهم  والأخذ بيدهم سيصبح هؤلاء الأطفال عرضة للتشرد والإنحراف والإجرام بحثا عن اسباب الاستمرار. في هذه الحالة لم تتوفر أسباب استمرارية الحياة الكريمة أصلا فكيف تتواز مع النجاة منها .

ان استمرارية الحياة والنجاة  منها  هي ارتكاز شرعي وتشريعي وعليه يجب ان نمر من فطرة التنظير الى مرحلة التفعيل وبسرعة مع منح الثقة في شبابنا وقدراته وتشجيعه على الابداع والبحث .

المصدر: http://alhiwaraldini.com/home/6760-2

الأكثر مشاركة في الفيس بوك