الضوابط العلمية للاختلاف

عمر عبد الله كامل

 

كتب كثير من المفكرين والباحثين المعاصرين في أدب الاختلاف، نتيجة ما وجد على الساحة من أناس لم يلتزموا بأدب الإسلام في حوارهم وخلافهم، ومن أفضل من كتب في ذلك الدكتور طه جابر العلواني، والشيخ محمد عوامة، وقد استفدت من كتاباتهما وذكرت هذه الضوابط مجموعة هنا لأهميتها وضرورتها.

1) رد الاختلاف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مصداقاً لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء 59]، شريطة أن نعود ونستنبط بالطرق التي استنبط بها علماؤنا السابقون، وليس بالأهواء أو بالاعتساف. أي أن يكون الأمر مجمعا عليه فلا نعود لمذهب دون مذهب، بل يعرض الأمر على ثلة من العلماء حتى نحقق الأمور.

2) اتباع المنهج الوسط فالله سبحانه وتعالى يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة 185]، فالتشدد منهج ينبذه الإسلام، فلا بد إذن من رخصة وتيسير على الناس ومراعاة ظروفهم.

3) التفريق بين القطع والظن في الأدلة والتركيز على المحكمات لا المتشابهات، فمن المعلوم أن النصوص بعضها ظني الثبوت وظني الدلالة، وبعضها ظني الثبوت قطعي الدلالة، وبعضها قطعي الثبوت ظني الدلالة، وبعضها قطعي الثبوت قطعي الدلالة. فقطعية الثبوت هي القرآن الكريم والسنة المتواترة، والأحاديث أحاديث الآحاد الصحيحة التي حفت بها قرائن وتلقتها الأمة بقبول حسن.

4) تجنب القطع في المسائل الاجتهادية. فالاجتهاد إذا كان وفقا لأصول الاجتهاد ومناهج الاستنباط في علم أصول الفقه يجب عدم الإنكار عليه، ولا ينكر مجتهد على مجتهد آخر، ولا ينكر مقلد على مقلد آخر وإلا أدى ذلك إلى فتنة.

5) إن من أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا بد له أن يطلع على خلافات العلماء وأدلة كل منهم؛ حتى لا ينكر على الناس أمرا هم متبعون فيه علماء أفاضل، فالاختلاف من ضروريات الحياة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) [هود 118]، فالتعصب لمذهب واحد واعتقاد أن كل من خالفه مخطئ أمر يجرُّ إلى فتن عظيمة.

6) تحديد المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها النقاش، إذ يجب أن تكون واضحة جلية وهو ما يسميه العلماء تحرير موضع النزاع.

7) النظرة الشمولية، فلا بد من الجمع بين كل ما ورد فيما يخص المسألة الواحدة؛ لتحريرها تحريراً جلياً واضحاً، وألا ننساق وراء شيخ واحد نقدسه، أو عالم واحد نعظمه، ولا نلتفت إلى سواه، وإلا دخلنا في محظور قول الله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله).

8) النظر في المقاصد واعتبار المآلات، فمسألة المقاصد الإسلامية لها دور كبير في تيسير المعاملات وتسهيل العمل في هذا الزمن، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

9) أعمال القلب مقدمة على أعمال الجوارح فالإخلاص مقدم على غيره.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم وصوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، فكل الفضائل مردها إلى القلب.

10) الاهتمام بهموم المسلمين، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

11) التعاون في المتفق عليه، فمشكلة الأمة الإسلامية اليوم ليست في ترجيح أحد الرأيين أو الآراء في القضايا المختلف فيها، ولكن مشكلة الأمة حقا في تضييع الأمور المتفق عليها.

مشكلة المسلمين ليست في الذي يؤوّل آيات الصفات وأحاديثها - وإن كان مذهب السلف أسلم وأرجح - بل في الذي ينكر الذات والصفات جميعا.

مشكلة المسلمين ليست فيمن يقول: استوى على العرش بمعنى (استولى) أو كناية عن عظمة سلطانه تعالى، بل فيمن يجحد العرش ورب العرش معا.

مشكلة المسلمين ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هلال رمضان أو شوال، بل فيمن يمر عليه رمضان كما مر عليه شعبان، وكما يمر عليه شوال، لا يعرف صياما ولا قياما، بل يفطر عمدا جهارا ونهارا، بلا خشية ولا حياء.

مشكلة المسلمين ليست في عدم تغطية الوجه بالنقاب، واليدين بالقفازين، كما هو رأي البعض، بل في تعري الرؤوس والنحور، والظهور، ولبس القصير الفاضح، والشفاف الوصاف، إلى آخر ما نعرف مما يندى له الجبين.

إن المشكلة حقا هي وهن العقيدة، وتعطيل الشريعة، وانهيار الأخلاق وإضاعة الصلوات، ومنع الزكوات، واتباع الشهوات، وشيوع الفاحشة وانتشار الرشوة وخراب الذمم، وسوء الإدارة، وترك الفرائض الأصلية وارتكاب المحرمات القطعية وموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين.

مشكلة الأمة المسلمة الحقيقية في إضاعة أركان الإسلام، ودعائم الإيمان، وقواعد الإحسان.

فالواجب على دعاة الإسلام أن ينبهوا على التركيز على مواطن الاتفاق قبل كل شيء، وأن يرفعوا شعار (التعاون فيما نتفق عليه)، فإن هذا التعاون فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع.

المصدر: https://makkahnewspaper.com/article/89337/Makkah/%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك