مؤتمر يبحث تحولات العلاقة بين العرب والهند ومستقبلها

 

في إطار سلسلة “مؤتمرات العرب والعالم”، الذي ينظمها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” سنويا بالدوحة، عقد المركز مؤتمرا لبحث العلاقات العربية الهندية ،شارك فيه باحثون وأكاديميون وخبراء من الوطن العربي والعالم، ناقشوا وعلى مدى يومين كاملين علاقة العرب بإحدى القوى الإقليمية والدولية المهمّة.

المؤتمر الذي حمل عنوان: “العرب والهند: تحولات العلاقة مع قوة ناشئة ومستقبلها” حاول استشراف مستقبل العلاقة العربية الهندية وتناول بالبحث والتحليل طبيعة هذه العلاقة في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية، كما رصد تحولات ومحددات سياسة الهند الخارجية.

منذ عصر الدولة المغولية

ولفت رئيس وحدة تحليل السياسات في المركز العربي، مروان قبلان، في افتتاح المؤتمر، إلى أن أهمية تناول موضوع العلاقات العربية – الهندية تكمن إلى جملةٍ من العوامل، بعضها مرتبط بدور الهند المتنامي على الساحة الدولية وتطورها الاقتصادي والصناعي الكبير، وما يستتبع ذلك من زيادة في احتياجاتها من الطاقة اللازمة لاستمراره وديمومته، وتأثير ذلك في علاقتها مع جوارها العربي، وعلى متطلبات الهند الأمنية والأمن الإقليمي، وطموحها المتزايد إلى لعب دور في هذا المجال.

كما أشار قبلان إلى وجود عوامل أخرى متصلة بالعلاقة بين الطرفين، والتي بدأت تأخذ في الآونة الأخيرة وجوهاً مختلفة، بعضها ذو طابع اقتصادي وبعضها ذو طابع جيو- سياسي، والبعضُ الآخر من هذه الأسباب متصلٌ بالتحولات الكبرى التي تطرأ على بنية النظامين الإقليمي والدولي، بما في ذلك في منطقة الخليج والمحيط الهندي وعودة أجواء التنافس القائم على أسس جيوسياسية.

قطر وعُمان والهند..تاريخ قديم

وركزت جلسات المؤتمر الأولى على دراسة العلاقات التاريخية بين منطقة الخليج العربي والهند، حيث قدم الباحث صاحب عالم الندوي بحثًا حول العلاقات بين الهند والجزيرة العربية في عصر الدولة المغولية، لافتاً إلى أن التجارة المتبادلة هي الخيط الأول الذي ربط شبه القارة الهندية منذ القدم بالجزيرة العربية وبالمناطق المطلة على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، لافتاً إلى أن ملوك الإمارات الإسلامية في الهند حرصوا على تقوية العلاقات بين الهند والعرب بواسطة الإسهام في إنشاء النزل والمستشفيات والمدارس، واستقدام عددٍ كبير من العلماء والفضلاء الشاميين والمصريين والحجازيين واليمنيين، الذين أسهموا بدورهم في تنشيط العلوم الإسلامية في تلك الإمارات الإسلامية الهندية.

من جهته، تناول الباحث معين صادق العلاقات الهندية – القطرية منذ القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين، وتابع تطور هذه العلاقة على المستويين السياسي والاقتصادي، مشيراً الى الكثير من المكتشفات الأثرية في مدينة الزبارة في شمال قطر (العملة المعدنية الهندية “روبية”، زخارف هندية، معادن هندية، أبارق هندية)، بالإضافة إلى مقتنيات هندية قديمة في منطقتي رويضة وفريحة شمال قطر، وأيضاً في الدوحة القديمة مثل العاج، والأخشاب، والسقوف، والخزف، ومدابس التمر.

أما الباحثة سعاد فاضل، فبحثت في العلاقات الاقتصادية بين عُمان والهند منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى مطلع القرن العشرين، وتحدثت في البحث الذي قدمته بالشراكة مع يوسف الغيلاني، عن الإسهامات التي انتهجها حكام البوسعيد في جعل عُمان مركزاً تجارياً مهماً في العلاقة مع الهند.

رمزية “هند” بنت أبي سفيان

وناقش المؤتمر في جلسة ترأسها الباحث حيدر سعيد، ثلاث أوراق عمل بحثت الجوانب الثقافية والأكاديمية في العلاقات العربية – الهندية، حيث عالج الباحث افتاب أحمد دور الترجمة وأهميتها في العلاقات الثقافية العربية – الهندية المعاصرة، باعتبارها منبعاً أساسياً لتجسير العلاقات الثقافية والفكرية، في حين قدم الباحث شمس الدين الكيلاني مجموعة من التخيلات العربية عن الهند التي كانت إيجابية حتى قبل الإسلام، والتي يمكن أن نلتمس إيجابيتها، بحسب رأيه، من خلال الرمزية البسيطة مثلاً في الإسلام التي تجلت عند هند بنت أبي سفيان.

وأضاف أن الجغرافيا العربية هي التي أعطت الصورة العربية أبعادها وأشكالها، فغالبية الكتب العربية تبدأ بالمسالك والممالك، فالمتأمل ما كتب عند العرب من مدونات ومخطوطات يتجلى ثراء كبيرا قل نظيره سواء ما تعلق بالمعارف والعلوم.

قبل الطفرة النفطية

وفيما سلط الباحثان جافيد أحمد خان وديبا كروبان، فسلطا الضوء على تطور العلاقات العربية – الهندية، بحث المؤتمر أوضاع الجاليات الهندية قبل وبعد الاكتشافات النفطية، والتحولات الاقتصادية التي رافقت الطفرة النفطية في منطقة الخليج العربي.

وعرض الباحث ناصر بن سيف السعدي دور الجاليات الهندية في منطقة الخليج العربي قبل الطفرة النفطية، مشيراً إلى أن العلاقات الاقتصادية وعملية التبادل التجاري بين الهند ومنطقة الخليج العربي، أسهما في استقرار جالية هندية في منطقة الخليج العربي، إمّا بشكل دائم ومتواصل، أو بشكل متقطع.

ولفت السعدي إلى أن المصادر التاريخية المحلية تشير إلى أن عمان من أكثر بلدان شبه الجزيرة العربية جذباً للهنود، وذلك يعود إلى موقع عمان الجغرافي القريب من الهند، وفاعلية موانئها التجارية، مثل صحار ومسقط وصور.

من جهته، تناول الباحث فيكال جون فارغيز سياسات الدولة وصناعة الهجرة بين الهند ودول الخليج العربية، مقترحاً أن يجري تحديد مواقع المجموعات المهاجرة ومعرفتها من الناحية التاريخية والمؤسسية، فهي ناجمة عن تفاعل قوى مختلفة فاعلة محلياً ووطنياً وعالمياً، حيث تشهد سواحل المحيط الهندي تنامياً في دور سماسرة القطاع الخاص في الآونة الأخيرة، وهو أمرٌ يعود إلى الإضفاء المتزايد للطابع الرسمي على الهجرة، وإلى الانتشار الجليّ للعولمة، على نحو يشوّش عملياً الخطّ الفاصل بين النظامي وغير النظامي، بحسب تعبيره.

العمالة وتأثير الجاليات الهندية في الخليج

أما الباحث مهند النداوي، فسلّط الضوء على تأثير الجاليات الهندية في دول الخليج، مشيراً إلى أن دول الخليج العربي من المناطق التي تحتل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الهند نتيجة القرب الجغرافي بينهما، وأن الجالية الهندية أدت دوراً مؤثراً ومهماً في زيادة فرص التعاون بين الجانبين.

كما تناولت الباحثة سهام معطى الله قضية “العمالة الهندية في دول الخليج العربية، ومحدداتها الداخلية ودوافعها الخارجية”، فرأت أن عدم المساواة في توزيع الدخل والبطالة في الهند له تأثير إيجابي ومعنوي في عدد المهاجرين من الهند إلى دول الخليج العربي، وأن سعر النفط له تأثير إيجابي ومعنوي في عدد العمال الهنود المهاجرين إلى دول “مجلس التعاون”، إذ يدفع ارتفاع أسعار النفط الحكومات الخليجية إلى إنجاز مشاريع تطوير البنية التحتية، والشروع في برامج التنمية الضخمة التي تتطلب استيراد عمالة أجنبية لتعويض النقص في اليد العاملة المحلية، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام العمالة الهندية الوافدة إلى منطقة الخليج.

وتطرقت الجلسة الختامية لليوم الأول من المؤتمر، والتي ترأسها الباحث أحمد قاسم حسين، إلى العلاقات العربية – الهندية، مع التركيز على الدول العربية في شمال أفريقيا، حيث عرض الباحث أفتاب كمال باشا روابط الهند مع غرب آسيا وشمال أفريقيا، مع تركيزه على العوامل السياسية والاقتصادية، والتحولات التي طرأت على موقف الهند من القضايا العربية، ليختتم مداخلته بالحديث عن أن سياسات الهند لا تزال قائمة على تجنّب الانحياز في الصراعات الإقليمية والحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الدول، وأن الهند تتطلّع إلى بناء آليات مؤسسية شاملة تتيح حواراً استراتيجياً، وإن كان الواقع غير ذلك، بسبب بيئة سياسية وأمنية متقلّبة وغير مستقرة إلى حدٍّ بعيد في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج.

وفي اليوم الثاني من المؤتمر، ركزت الجلسات على البحث في طبيعة العلاقات العربية – الهندية وتحولاتها، بعد جملة التغييرات التي شملت محددات السياسة الخارجية الهندية تجاه قضايا المنطقة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إضافة إلى معالجة السياقات الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية للعلاقات بين الطرفين في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي.

قراءة في العلاقات العربية – الهندية

وفي جلسة ترأسها ماجد الأنصاري، ناقش المشاركون في المؤتمر قضايا حيوية في العلاقات العربية – الهندية، إذ سلطوا الباحثون في دراساتهم الضوء على التغيرات في سياسة الهند الخارجية تجاه الوطن العربي وقضاياه. وفي هذا الصدد، أشار الباحث دبييش أناند في دراسته إلى أن التحول في نهج الهند فيما يتعلّق بغرب آسيا، من النهج المناهض للاستعمار وعدم الانحياز، والرغبة في إنشاء دولة قومية تنعم بالسيادة، ليتّسم لاحقًا كما وصفه، بتفكير ما بعد الاستعمار الذي يقتصر فيه التركيز على خدمة مصالح قوة صاعدة، انعكس على موقف الهند من القضيّة الفلسطينية والعلاقة بإسرائيل. وعلى مستوى موازٍ، ركز الباحث أيمن يوسف في بحثه المشترك مع الباحث محمود الفطافطة على موقع فلسطين وإسرائيل في السياسة الخارجية الهندية، والتي تتمحور بدورها حول نقطة التوازن تجاه فلسطين وقضيتها العادلة من جهة، وشراكتها الإستراتيجية والاقتصادية والثقافية مع إسرائيل في سياق التحولات الجذرية والبنيوية في السياسة الخارجية الهندية من جهة أخرى. كما قام الباحثان برصد المؤشرات المهمة التي طرأت على السياسة الخارجية الهندية في العقدين الماضيين، لا سيما بعد إقامة الهند علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل في عام 1992.

كما رصد الباحث عُمير أنس تحولات سياسة الهند الخارجية تجاه منطقة غرب آسيا؛ إذ رأى أن ثلاثة تحديات تواجه السياسة الخارجية للهند في غرب آسيا، هي السعي لتحقيق التوازن بين المملكة العربية السعودية وإيران من جهة، وإسرائيل وفلسطين من جهة أخرى، ودور القوى الدولية في المنطقة ونشوء التنافسات بين دول غرب آسيا لفرض نفوذها، لا سيما إثر الثورات العربية في عام 2011 ، فقد عبّرت المنطقة عن رغبتها في أن تؤدي الهند دورًا أكبر في الحفاظ على السلام وتثبيت الاستقرار فيها. إلا أن الخيارات الإستراتيجية للهند التي تسعى للاضطلاع بدور جديد في المنطقة، تبدو محدودة؛ إذ إنها لا تحتاج إلى تعاون ثنائي مع المنطقة فحسب، بل تتطلّب من الهند أيضًا تسويغ علاقات التنافس العديدة التي تقيمها على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

مستقبل العلاقات العربية – الهندية

ومثّل مستقبل العلاقات العربية – الهندية في مجال الطاقة والأمن الغذائي والتكنولوجيا الرقمية والتنمية البشرية قضية رئيسة للبحث ضمن أجندة جلسات المؤتمر، فقد ناقش الباحث محمد أزهر الأسس المختلفة التي قامت عليها العلاقات العربية – الهندية وازدهرت من خلالها. وبحث في مستقبل الجوانب الأخرى في العلاقات العربية – الهندية غير المتعلقة بالطاقة. وأكد ضرورة أن يركز الطرفان على الثروة الزراعية والحيوانية بما فيها الزراعة العضوية والكيميائية وصناعة الملابس والقطن وإنتاج السيراميك وصناعة السيارات والمواصلات؛ ولا سيما أن هذه القطاعات تعتبر الأعلى استهلاكًا في الهند.

بينما انتقل الباحث ناصر التميمي في بحثه إلى دراسة أسباب تنامي استهلاك الطاقة في الهند وتأثيرها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ما يستدعي نسج علاقات إستراتيجية مع القوى الصاعدة في آسيا عمومًا، والهند على وجه الخصوص، ولا سيما أن الخليج يحظى بالحصة الأبرز من بين أكبر مصدّري النفط والغاز الطبيعي المسال إلى العالم.

واختتم غيريجاش بانت إحدى الجلسات ببحث تطرق فيه إلى سياق العلاقات العربية – الهندية مع تحوّل النفط إلى عامل مؤثر في الساحة الدولية؛ ذلك أن الهند لا تنعم بثروة الهيدروكربون، ما يضطرها إلى الاستيراد من سوق الطاقة العالمية لتلبية تسارع نموّها. فساهم السعي للبحث عن الطاقة في جعل البلدان العربية المصدِّرة للنفط تحتل مكانة بارزة في منظومة العلاقات الهندية – العربية. وحاول الباحث استشراف واقع جديد بالتزامن مع التحوّل الجيوستراتيجي في سوق الطاقة العالمية الذي نجم عن التغيرات الهيكلية في صناعة الهيدروكربون والرغبة في الانتقال إلى نظام طاقة منخفض الكربون.

السياقات الإستراتيجية والعسكرية

وبحثت الجلسة الختامية للمؤتمر التي رأسها سحيم آل ثاني، السياقات الإستراتيجية والعسكرية للعلاقات العربية – الهندية، فقد ناقش الباحثون في هذه الجلسة أهمية دول مجلس التعاون الجيوبوليتيكية وفرصها الإستراتيجية. وفي حديثها عن تاريخ العلاقات العسكرية العُمانية – الهندية في الفترة 1913-1970 أشارت بهية بنت سعيد العذوبية إلى أن الصراع بين الإمامة التي تزعمها سالم بن راشد الخلوصي، وبين السلطنة بزعامة فيصل بن تركي ومن ثم ابنه تيمور بن فيصل في عُمان في الفترة 1913-1915 أثر في وجود قوات هندية في مسقط، وأن الوكلاء السياسيين البريطانيين في مسقط أدوا دورًا في قيام علاقات عسكرية هندية – عمُانية.

وانتقل الباحث كاديرا بثياغودا إلى الحديث عن الفرص الإستراتيجية للعلاقات الهندية بدول مجلس التعاون، في ظلّ الانتقال إلى نظام تعدّد الأقطاب، إذ تتوسع مخططات الهند والصين في المنطقة؛ ما يعني أن العلاقات المتداخلة بين آسيا ومنطقة الخليج سيكون لها كبير الأثر في علاقات القوة الإقليمية والعالمية، وقد بدأت الهند والصين تتبوّآن موقعًا بارزًا في دائرة التنافس بين مراكز القوة في المنطقة؛ أي الخليج وإيران وإسرائيل. وفي هذا السياق، توقع الباحث أن تكون علاقات الهند مع دول مجلس التعاون من أهم العلاقات بالنسبة إلى الطرفين في النظام العالمي المستقبلي.

الخليج بعد إستراتيجي للهند

وفي ختام المؤتمر، سلط الباحث عماد قدورة الضوء على الأهمية الجيوبوليتيكية للخليج العربي في إستراتيجية الهند، وأكد أن الخليج العربي يمثل أهمية بارزة في إستراتيجية الهند،  بسبب مكانته وقربه الجغرافي على سواحل المحيط الهندي، وعلى مفترق طرق التجارة، وتوافر معظم مصادر الطاقة فيه، وكذلك الفوائض المالية الناجمة عنها، فضلًا عن وجود جالية هندية كبيرة في هذه المنطقة. وأضاف قدورة أنه على الرغم من تطور العلاقات الخليجية – الهندية، فإن عوامل إقليمية من المتوقع أن تؤثر، مستقبلًا، في هذه العلاقات وقوتها، مثل العلاقة القوية مع إيران، وكذلك العلاقات التقليدية الوثيقة التي ربطت دول الخليج بباكستان.

المصدر: https://islamonline.net/25514

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك