الترجمة والتقارب الثقافي الإسلامي المسيحي
د. رجاء بنت شوعي بن محمد حسين
تنوعت اللقاءات التي كانت تحدث بين المسلمين والمسيحيين , وذلك منذ عهد مبكر , حيث كان أول هذه اللقاءات لقاء الغرب الأوروبي بالشرق المسلم عن طريق الترجمة التي تعد من أهم الوسائل في تقارب الثقافات وتبادل الأفكار والمؤثرات الحضارية , وبالتالي تساهم في بث السلام وبالتلي تقدم الأمم . فحركة الترجمة التي قام بها المسلمون في بداية الأمر لم تقتصر على النقل من السابقين , وإنما بشرح تلك المنقولات خاصة ما صعب فهمه منها . إضافة إلى تصحيح ما وقعوا فيه من أخطاء , حتى وصل بالمسلمين الأمر إلى الابتكار والإبداع في ظل المنظور الإسلامي للعلم .ولقد كان للترجمة أثرها على الحضارة الأوربية الغربية , فمن خلالها تم تزويد الفكر الأوروبي في القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر . بتلك الطفرة العلمية التي بلغت قمتها في تلك العهود .والتي بهرت الغرب الغارق في غياهب الجهالة . ينظر برهبة للكون والوجود , ويتساءل ويتحير عندما لا يجد لتساؤله إجابة . إلا أنه عندما بدأت القوة الإسلامية وحضارتها تحتضر في أسبانيا العربية كان لابد أن تجد تلك الجهود العلمية العظيمة من يقطف ثمارها, فبدأت عقول الغرب تدرك قيمة تلك الجهود العلمية . خاصة أن أوروبا شهدت على أيدي مترجميها في القرن الثاني عشر نهضة فكرية استمرت حتى القرن الخامس عشر , حيث قامت حركة علمية لم تقتصر على نقل المؤلفات العربية والإسلامية , وإنما حد التأثر بكل ما تحويه من ركائز حضارية سواء على الصعيد المادي أو المعنوي . وكانت المراكز الإسلامية قد ساهمت بدورها في إثراء اللقاء الثقافي الإسلامي المسيحي . فالأندلس وصقلية مركزان رئيسيان اتجهت إليهما أعلام النهضة الأوروبية في القرن الثاني عشر يطلبون الارتواء من فيض الحضارة الإسلامية في مختلف العلوم والآداب . وفي الأندلس كانت مدينة طليطلة رائدة الحركة العلمية , وذلك يعود إلى ما حوته مكتبات طليطلة من مراجع عربية عديدة عكف المترجمون على نقلها إلى اللاتينية . أما في النصف الثاني من القرن الثاني عشر فقد شهدت طليطلة أعدادا هائلة من طلبة العلم الأوروبين يترجمون في مختلف العلوم : الرياضيات والطب والفلسفة , وغيرها من العلوم الهامة . وهكذا كان للترجمة دورا هاما في تحفيز شخصيات إسلامية و مسيحية لإقامة لقاءت ثقافية , دعت وما زالت تدعو إلى التقارب الثقافي الإسلامي المسيحي .