إدارة الأزمات فنّ وعلم ودهاليز أيضاً تسمح لمدير الأزمة بتوظيف أساليب واستراتيجيّات مدروسة للتحكم في مسار الأزمة ومن تلك الأساليب إدارة الأزمة من خلال افتعال أو تنشيط أزمة أو أزمات جديدة. وحيث إن الجانب الأخلاقي في إدارة الأزمات والصراعات الدوليّة يبدو في أضعف مراحله التاريخيّة فسنرى مستقبلاً كثيراً من الأزمات الدوليّة التي تُصنع لإدارة المصالح واتخاذ القرارات وتشتيت الانتباه في مختلف الدول.

وفي هذا السياق يذكر بعض المؤرخين لثورة الملالي أنه أثناء أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران (1979 -1981) كان وكلاء الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) يفاوضان الإيرانيين في تأخير أو تقديم الإفراج عن الرهائن بحسب المكاسب الحزبيّة. ولعل هذا يفسر كيف أن اتفاقيّة الجزائر التي وقعت في يناير 1981 قضت بالإفراج عن الرهائن رسمياً بعد دقائق معدودة فقط من أداء رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الجديد (آنذاك) اليمين.

وبالتأمل في الأزمة الدبلوماسيّة الحالية (وهي الأكبر دبلوماسياً منذ أكثر منذ الحرب الغربية الثانية) بين الغرب (بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة) وروسيا رأينا كيف تصاعدت الأزمة إذ طردت 28 دولة أوروبيّة وحليفة للغرب دبلوماسيين روس لتأتي روسيا فطرد عشرات الدبلوماسيّين من 23 دولة رداً على إجراء مماثل اتخذته بحقها.

وحين نبحث منشأ الأزمة نجد أن هذه الدول تضامنت مع بريطانيا في قضيّة اتهام روسيا بتسميم العميل الروسي/ البريطاني السابق «سيرغي سكريبال» وابنته بغاز سام مشل للأعصاب في 4 مارس 2018. ولكن من يستعرض الأزمة منذ بداياتها والأجواء المحيطة بها يدرك أن الإجراءات التي اتخذها المعسكر الغربي هي في حقيقتها تصعيد للازمة بأزمات جديدة. أما البواعث الرئيسة وراء ذلك فستظل معرفتها محصورة على من وضع الخطة وشارك في تنفيذها. ولكن يمكن القول إن الضغط الغربي على روسيا لا يمكن تفسيره بحادثة التسمّم وحدها فهناك ملفات أخرى تحتاج إلى تحريك في أوكرانيا (شبه جزيرة القرم) وسورية وإيران وكوريا الشماليّة وهي ملفات يتداخل فيها صراع النفوذ والطاقة والاقتصاد وعقد الماضي.

وبالطبع لا يمكن نسيان مشكلات الداخل الأميركي وصراع القوى حول مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات ورغبة «ترمب» في إظهار القوّة الأميركيّة التي لا يمكن استعراضها إلا أمام روسيا والصين. وقد فعل «ترمب» بروسيا ما فعل بإدارة بريطانيا ثم التفت للصينيين فوقع مذكرة رئاسيّة تسمح بفرض حزمة ضرائب جديدة على الواردات الصينيّة ربما تصل إلى 60 مليار دولار. أما الهدف المعلن فكان معاقبة الصين على «أعوام من السرقة الناعمة للاقتصاد الأميركي» وعدم الرضا عن وجود الصين العسكري المتزايد في منطقة بحر الصين الجنوبي.

وبالطبع تأتي مسألة كوريا الشماليّة وتجاربها النوويّة على رأس القائمة خاصة أن الغرب يعلم جيداً أن كوريا الشماليّة ما هي إلا خطّاف متأرجح بيد التنين الصيني والدب الروسي في لعبة التوازنات. ولعل هذا يفسّر الرفض الأميركي لمشروع تقدّمت به روسيا والصين سابقاً اقترحا فيه أن تُلزم كوريا الشماليّة بوقف الاختبارات النوويّة والصاروخيّة مقابل تعليق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبيّة للمناورات العسكريّة المشتركة في شبه الجزيرة الكوريّة.

  • قال ومضى:

حديث الهمس لا يحجب الشمس.

المصدر: http://www.alriyadh.com/1672476