الإرهاب: حجب التديّن وسؤال الأخلاق

عمار بنحمودة

 

1- الإرهاب وحجاب التديّن:

العنف ظاهرة مركّبة لازمت الوجود البشريّ في جميع مراحله، ولعل ذلك ما يبرّر اهتمام كثير من المباحث الفكريّة بمقاربته كعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا، فضلا عن تضارب التأويلات الدينيّة التي تتراوح مواقف أصحابها بين تشريعه وإدانته. ولا تنفكّ الحيرة تلازم دعاة التّسامح ونبذ العنف من القوة التي تكتسبها الحروب والشرعيّة التي يتّخذها أصحابها لتبرير عنفهم. ولئن كانت الإنسانيّة في مراحلها الأولى مفتونة بالعنف والغلبة من أجل البقاء، فإنّ انتشار الوعي بخطورة العنف لم يثن البشر عنه، بل زادهم إصرارا على تطوير آلياته وتنظيم طرائقه. فالدّين شرعنه بالمقدّس والعلم طوّره بفضل التّكنولوجيات الحديثة والأسلحة المتطوّرة، وبعض الفلاسفة برّروا توظيفه باسم فلسفة القوّة. فكيف انقلب الدّين الذي جُعل رحمة للعالمين إلى سيوف في يد المسلمين ودماء يسفكها المؤمنون بنفس الدّين، وهم يقاتلون إخوانهم المسلمين؟ وإذا كان الدّين مشرعنا للعنف ومبرّرا للغزو، فأين سيكون ملاذ المسالمين والمتسامحين؟

لا تنفكّ الخطابات التي أسّست فكر الدّاعين إلى "الإرهاب الدينيّ" وقادتهم تعتمد منطلقات دينيّة؛ ففي الخطبة التي ألقاها البغداديّ معلنا ميلاد "الدّولة الإسلاميّة" دعا إلى "الجهاد" واستثمر المرجعيّة القرآنيّة لتجنيد الشباب وإقناعهم بالشرعيّة الدينيّة للحرب وإقناعهم "بالعنف المقدّس" كقوله: "أوصلوا ليلكم بنهاركم، رصاص في النهار، وسهام في الثلث الأخير من الليل، فإنّهنّ إن اجتمعن، فإنّ رمي الله تعالى قد تحقّق، زفّوا إلى أمّتكم بشائر النصر ولا تتهاونوا وأكثروا من الدعاء والتضرّع إلى من بيده مقاليد السماوات والأرض. وأمّا أنتم يا شباب الإسلام انفروا إلى أرض الشام المباركة أرض الهجرة والجهاد والرباط. هلموّا إلى دولتكم لتعلوا صرحها، هلمّوا فإنّ السّواعد قد شمّرت، وإنّ الملاحم قد أوشكت، وإنّهما واللّه الفسطاطان فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر لا إيمان فيه."[1]

يعدّ هذا الخطاب استعادة لتلك الثنائيّة التي قام عليها الوعي الديني، ومحاولة لتوظيف الطاقة السحريّة التي يمارسها الخطاب الراسخ في سنن الحماسة على الأنفس من أجل تحفيز الشباب على الالتحاق بجبهات القتال. وقد أثبتت الوقائع أنّ هذه الخطابات الحماسيّة قد آتت أكلها ولقيت استجابة في أقطار كثيرة من دول العالم. وحوّلت هؤلاء الشباب "المؤمنين بالجهاد المقدّس" والمندفعين من أجل "نصرة الإسلام" إلى آليّات حربيّة تخدم مصالح أطراف خارجيّة (خارج حدود الدولة السوريّة) وتحقّق أهدافا استراتيجيّة في المنطقة. وكانت نتيجة الحروب التي خاضها هؤلاء الشباب تحت "رايات الجهاد" توجيها لطاقاتهم من إمكانيات البناء في أوطانهم إلى استراتيجيات العنف والتدمير في دول يدين أصحابها بالإسلام.

لا ريب أنّ اعتماد هذه القراءة التأويليّة التي حوّلت المرجعيّة الإسلاميّة إلى آليّة لتبرير العنف والتوحّش يساهم في رسم متخيّل ثنائيّ العناصر مكوّناته زعيم يعتقد هو وأتباعه بأنهم يمثّلون إرادة المسلمين، ويحتكرون النّطق باسم الإيمان وعدوّ متهم بالكفر، لا وجه للصلح معه أو الاعتراف بشرعيّته. فأوّل آليّات الفعل السياسيّ هي التكفير، وهو خطاب يوظّف اللّغة الدينيّة، ولكنّه يتحوّل على أرض الواقع إلى ممارسة سياسيّة غايتها الإطاحة بنظام قائم واستبداله بنظام سياسيّ جديد. فأساس هذه المنظومة شرعنة الحرب وضبط وجهتها واستباحة دماء من عُدّوا بتأويله كفّارا. وفي ظنّ أصحاب هذا الخطاب، أنّهم "المجاهدون" الذين يؤدّون دورا تخاذل عن أدائه "القاعدون"، وقائمة أعدائهم من الكفّار يضبطها زعيمهم البغداديّ. وهم بحسب زعمه "الرافضة الحاقدين والنصيرية المجرمين وحزب الشيطان (يقصد حزب الله) والوافدين من النجف وقمّ وطهران."[2]

يقوم هذا الخطاب أوّلا، على منطق العداء ويعدم كلّ إمكانيّات الصلح والاعتراف مع الآخر مثقلا بمتخيّل تاريخيّ أصله ثابت في الفتنة وذاكرته مصنوعة من افتراق الفرق. فتسمية "حزب الشيطان" التي يتبنّاها البغداديّ لها مرجعيّة تاريخيّة؛ إذ هي تستعيد تسمية "شيطان الطاق" الذي كان ينعته أتباعه "بمؤمن الطاق"[3] والمفارقة بين المسمّيات تبيّن الحاجز الديّني المانع من إمكانات الحوار والتّسامح.

ثانيا يستحضر هذا الخطاب من خلال المصطلحات المستعملة في تسمية الأعداء سجلّا من العنف الذي يتّخذ مبرّرات دينيّة. ولذلك، فهو يستثمر من التراث روح الفُرقة ويستدعي منه عدوانَه بدل استدعاء روح التّوحيد وإيجاد جسور تواصل بين المختلفين من نفس الوطن. ولئن كان للرّسول تجربة الصلح بين الأنصار والمهاجرين. فقد كان لمن نصّبوا أنفسهم ناطقين باسم شريعته قدرة على استثمار العداء بين الإخوة المؤمنين بنفس الدّين. ولكن إلى أيّ حدّ يمكن للتسمية أن تحقّق التماثل المنشود بين أموات الأمس وأحياء اليوم؟ وكيف انمحت الفوارق التاريخيّة بين حقبتين متباعدتين، ليحمل الخلف أسماء السلف؟

أخيرا يمكن القول، إنّ ما جرّته تلك الدّولة على المنطقة من ويلات حروب مدمّرة وتشريد آلاف العائلات وسقوط الكثير من الضحايا وتغذية النزعات الطائفيّة يجعلها دولة مارقة عن الشرعيّة وفاشلة في تحقيق ما نشأت من أجله الدول. ولذلك، فإنّها تفتقد إلى أبسط القواعد النظريّة التي تقوم عليها الدّولة. وما تسميتها "بالدولة الإسلاميّة" سوى تسمية تحتوي مغالطة مزدوجة تفقدها صفة الدّولة وتسحب منها شرعيّة تمثيل الإسلام.

2- الإرهاب وسؤال الأخلاق:

تتراوح الممارسات المشرعنة باسم الدّين بين تبرير التّسامح والعنف على حدّ سواء؛ فالغالب على مواقف البشر إيجاد مبرّرات أخلاقيّة للتّسامح قد تجعله فضلا للأديان ووسيلة للتقريب بين البشر. أمّا المواقف من العنف، فكثيرا ما تنزع إلى الإدانة والرفض[4]. ولكنّ العنف يظل رغم ذلك سائدا بين البشر يشرعنه تأويل ديني مستمد من تراث مثقل بالحروب.

ولئن كان منطلق المتسامحين أخلاقيّا في ظلّ هيمنة تصوّرات براغماتيّة تستبعد الأخلاقيّات من ساحات الحرب "فإنّه ليس على الأخلاق أن تتوارى ما إن تبدأ الحروب، حيث إنّه لا توجد منطقة تتجمّد فيها الأخلاقيّات قبيل أو في أثناء أو بعد الحرب... فالأخلاقيّات ليست من قبيل الخيارات الكماليّة التي يمكن إضافتها أو حذفها أو تشغيلها وإيقافها كما يحلو لنا، حيث سيكون من السّهل علينا آنذاك الدفاع عن الاستثناءات التي قد تكون في مصلحتنا."[5] فكثيرا ما تشرعن الحرب بالدفاع، ويبرّر العنف بعنف مضادّ. وتبرّر أعمال القتل والحرق بمحاكاة "السلف الصالح".

لقد تأسّس الفكر العلميّ على نقد الوعي الدينيّ وبشّر بعقلنة السّلوك الإنسانيّ، بل إنّ هذا الوعي المفتون بنفسه قد قتل الإله ليحيا الإنسان، وَأنهى رحلته المرهقة في اتجاه كلّ المسالك التي تستنزف وعيه وتستلب فكره. فكان الظنّ متّجها نحو تطوير تصوّر أخلاقيّ للعنف في إطار وعي عقلانيّ يمكن أن يسمو بالنّفس العاقلة فوق نزعات النفس الغضبيّة. ولكنّ مسارات الحداثة والعقلانيّة لم تزد الإنسانيّة سوى قدرة على استحداث وسائل جديدة للعنف وآليّات صارت تقتل في الهجمة الواحدة ما تخلّفه الحروب الدينيّة القديمة في سنوات. وأضحت صدمة الحربين العالميّتين كبيرة في الوعي الجمعيّ للإنسانيّة. فقد ولّدتا رعبا من حجم الدمار الذي أصاب رقعة واسعة من العالم ومن إقدام المالكين للسّلاح النوويّ على استعماله في الحرب. وقد رأى العالم مدينتين من مدن اليابان تبادان في دقائق معدودة والنتيجة عشرات الآلاف من الضحايا وكوارث بيئيّة لا تحمد عقباها نتيجة الإشعاعات النووية. فكانت حداثة العنف حمّالة لوعي بأنّ تقدّم الإنسانيّة لم يستطع أن يحدّ من نزعاتها العنيفة، بل على العكس زادها قوّة وفتكا. "وليس من المستغرب إذن أن يقود هذا الوضع الجديد تماما من تاريخ البشريّة كثيرا من النّاس إلى إدانة وكراهيّة كلّ إنجازات ذلك العلم الذي أخذنا إلى حافّة الهاوية. غير أنّه لا يجب أن يغيب عن هؤلاء النّاس أنّه من دون العلم والتكنولوجيا، ما كان سيصبح ممكنا للدول المعنيّة أن تصلح، ولو جزئيّا الدّمار والخراب الذي تسبّبت فيه الحرب العالميّة، وذلك حتّى يمكن لحياة أن تعود إلى طبيعتها بسرعة أكبر من أن يجرؤ أحد على أن يتمنّاها في السابق."[6]

لقد وجد الإرهاب في الخطاب الدّيني آليّة للحشد والشرعنة، ولكنّ السؤال الذي ظلّ غائبا من ساحة وعي منظّريه. هو سؤال الأخلاق؛ فالناظر في سرديّات هذا التيّار يجد أن القتال هو الأولويّة المطلقة "فحين قرّر الزرقاوي إحياء تنظيمه "جماعة التوحيد والجهاد" واتخذ من مدينة الفلّوجة مقرّا له وأسبغ عليه طابعا عراقيّا، وأطلق عليه اسم "تنظيم جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين، بدأ بتنفيذ عمليّات انتحاريّة باسم التنظيم ومن بينها استهداف مقرّ الأمم المتّحدة في 19 آب (أغسطس) عام 2003، والذي اعتبر فاتحة العمليّات الكبرى، كما قام انتحاريّون تابعون للتنظيم بمهاجمة مدينتي كربلاء والكاظميّة في 2 شباط (فبراير) عام 2004 وسقط عدد كبير من الشيعة بين قتلى وجرحى إضافة إلى تبنّي إعدام رهائن."[7] فعاشت العراق ومن بعدها سوريا فصولا من الإرهاب الذي شمل غير المنتمين إلى الدّولة الإسلاميّة بعد أن أعلنها البغداديّ. وقد وظّف التكفير من أجل شرعنة العنف ومنح المقاتلين تفويضا إلهيّا لقتل أعدائهم بدم بارد. فكان "مسؤولا عن تصنيع العصبيّة بالمفهوم الخلدونيّ، حيث تنشأ الجماعة ويتشكّل الآخر في وعيها. الأمر الذي يجعلها متمايزة عنه، وخصما له في مرحلة لاحقة."[8] وقد نسي زعماء هذا التيّار وأنسوا أتباعهم تحت وطأة الحقد الأعمى الذي غلّب العنف على العقل أبسط القواعد الأخلاقيّة. وجماع حسن الخلق "أن تعطي من حرمك وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك. وقالوا في معنى البرّ: البرّ شيء هيّن: وجه طليق وكلام ليّن."[9]

إنّ استحضار هذا المتخيّل الذي يتصوّر الإسلام دينا متسامحا ينبذ العنف ويقبل من خلال قيمه ومقاصده مبادئ الحرّية وحقوق الإنسان، ولا يتعارض مع كلّ تطوّر يمكن أن يحقّق الخير للإنسانيّة، ويمكن أن يصلح شعارا لأيّة دعوة سياسيّة تريد استثمار الدين. ولكنّ شرط استثماره يكون بتخليصه من الأسيجة الأورثودكسيّة التي حوّلته إلى تعاليم فقهيّة صارمة صيغت في حقب تاريخيّة مفارقة لواقعنا واستبدّ بأتباع التيارات الأصوليّة، وهم القدرة على إعادة عجلة الزمن إلى الوراء استعادة للحظة النبوّة ومتخيّل الدولة الإسلاميّة ودستور المدينة. فتسببوا بما انتهجوه من مسالك في انسداد تاريخيّ على حدّ عبارة هاشم صالح "ناتجة بالضبط عن مجموعة من اليقينيّات المطلقة التي لا تقبل النقاش، والتي أصبحت عالة علينا وعلى العصر والبشريّة بأسرها. هذه اليقينيات الجماعيّة الكبرى التي تحظى بمرتبة القداسة والعصمة هي التي تقدّم الحماية المعنويّة، بل تخلع المشروعيّة على أعمال الإجرام والإرهاب."[10]

لقد أثبت الفلاسفة وعلماء الأحياء والنفس أنّ السلوك العدوانيّ هو أقرب منازل الإنسان إلى الحيوان. ولذلك، فقد اعتبر "سبينوزا" أنّ الأخلاق تتطلّب تدريبا. فللنفس سلطان على الانفعالات وقدرة على كبحها والتحكّم فيها. [11]

ولعلّنا نقف، انطلاقا من اندفاع البشر وراء نزعة العنف المشرعن بالدين أمام سؤال محيّر طرحه "برجسون" في سياق حديثه عن الدّين: كيف اتّفق لعقائد وطقوس، على هذا الحظّ من قلّة المعقوليّة، أن تلقى قبولا لدى كائنات عاقلة؟"[12] وكيف يمكن لمن جعلوا الإيمان وقود رحلتهم والأخلاق أكبر همّهم أن يسوّغوا لأنفسهم ذبح الناس كالخراف وحرقهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم وتدمير أوطانهم؟ وكيف يتصوّر هؤلاء أنّهم يسترضون الإله الذي يختزل اسمه معاني التسامي والتعالي، بالمذابح البشريّة وبالتوحّش، وهي من أشنع نعوت الحيوانيّة؟

"إنّ حروب الإبادة والحروب الاستعباديّة الإخضاعيّة تزداد وتستفحل وتتغلغل أكثر فأكثر في ما نسمّيه واقعا. لكن أن يقوم الواقع السياسيّ على الصراع من أجل المصالح واستخدام العنف والمخادعة لحماية السّلطان والنفوذ، وهو ما يتعارض والمثل الأخلاقيّة، فإنّه حينها لا ينبغي أن نخلط الحقّ بالقوّة: إنّ القوّة إن لم ترم الحرّية، فلن تكون إلاّ شيئا مرعبا، ومن يسوس بالقوّة بإمكانه أن يبثّ الرعب الشديد، إلاّ أنّه لن يكون له الحقّ في أن يحترم، وتولد الهوّة عندئذ بين السائد والخاضع بإرغام."[13]

لم يعد السؤال الملح. هل ستنجح الدولة الإسلاميّة؟ ولكن صار أهمّ هنة توجّه إلى أتباعها هو ما تعلّق بالمسألة الأخلاقيّة. فحين ينقد فريق من الأصوليين الليبراليّة المتوحّشة التي زرعت الفقر في كثير من أنحاء العالم أو الشيوعيّة التي تمثّلوها في متخيّلهم عدوانا على الإسلام ورفضا للأديان ويؤسسون بدائلهم السياسيّة على أساس استعادة القيم والمبادئ الأخلاقيّة. فكيف تكون البدائل من جنس ما نقدوا؟ هل يعتقدون أنّ توحّشهم سيكون أكبر من توحّش الأسلحة النوويّة؟ أم إنهم بارعون في الانتصار على فرق إسلاميّة أو قتال أحزاب تشترك معهم في عداء الصهيونيّة؟ وهل قدر الخطاب الأصوليّ أن يستأنف الفتن ويحييها بدل أن يتجاوزها ويعالجها؟

ليست المعضلة في بناء دولة وتسميتها إسلاميّة ولكنّ الامتحان الأعسر في جعل تلك الدولة أنموذجا للأخلاق وللقيم الإنسانيّة. وكم هو البون شاسع بين الرايات التي تذكّر بالتوحيد وخطب الإرهابيين التي تدعو إلى العنف والتقتيل. فلئن استطاع المتخيّل الإسلاميّ أن يرسم صورة المدينة الفاضلة لدولة الرسول في المدينة، فإنّه يصير من العسير تأسيس متخيّل دولة تحلم بتأسيسها الأجيال المقبلة من خلال ما رسّخه أتباع "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" من صورة دمويّة وممارسات وحشيّة. فقد ارتبط اسم "داعش" بالعنف والتوحّش. وإنّ الذاكرة الإنسانيّة لتضمّ دولتها إلى سجلّ العنف الدمويّ الذي يُجمع أغلب البشر على إدانته، إذ هي توضع اليوم في خانة الفاشيّة والنازيّة والصّهيونيّة. وإنّها وإن نجحت في امتلاك الأرض والسلاح، فقد فشلت في امتحان الأخلاق وأخفقت في الحفاظ على الصورة الطوباويّة للدّولة الإسلاميّة. فتوحّشها وعنفها كان فوق إمكانات الشرعنة الدينيّة وصادما لمتلقّ تصوّر الدولة الإسلاميّة في متخيّله الطوباويّ مدينة فاضلة تستعيد لحظة التأسيس النبويّ فإذا بها مدينة العنف والتوحّش والخراب الداعشيّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر: محمّد بلقاسم جلاّلي، حقيقة دولة داعش، ط1، تونس، الدار المتوسّطيّة للنشر، 2015، ص ص 207، 208

[2] المرجع نفسه، ص 207

[3] انظر مثلا: ابن حزم الأندلسي، الفصل في الملل والنحل، الفصل في الملل والنحل، ط2، بيروت، دار الجيل، 1996، ج5، ص 35. أو الشّهرستاني، الملل والنحل، تحقيق عبد العزيز محمّد الوكيل، ط1، بيروت، دار الفكر، (د ت)، ص 186

[4] "لابد من الإشارة إلى أن الوعي بخطورة العنف يظل وعيا معاصرا لأنه كان في القديم وسيلة لتحقيق الوجود لا يستهجن." انظر:

Encyclopédie Universalis, tome23, 1er édition, France, Maury à Malsherbes, 1990, p669.

[5] ديفد فيشر، الأخلاقيّات والحرب، هل يمكن أن تكون الحرب عادلة في القرن الحادي والعشرين، (ترجمة عماد عوّاد)، ط1، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 414، يوليو 2014، ص 53

[6] إي إتش غومبريتش، مختصر تاريخ العلم، (ترجمة ابتهال الخطيب)، ط1، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 400، مايو 2103، ص 340

[7] فؤاد إبراهيم، داعش من النجديّ إلى البغداديّ "نوستالجيا الخلافة"، ط1، بيروت، مركز أوال للدراسات والتوثيق، 2015، ص ص 185، 186

[8] المرجع نفسه، ص 135

[9] سعيد عبد العظيم، خلق المسلم، ط1، مصر، دار الإيمان، 2004، ص 8

[10] هاشم صالح، الانسداد التاريخيّ، لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربيّ؟، ط1، بيروت، دار الساقي، 2007، ص ص 14، 15

[11] انظر: سبينوزا، علم الأخلاق (ترجمة جلال الدين سعيد)، ط1، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، 2009، ص ص 313، 314

[12] هنري برجسون، منبعا الأخلاق والدين، (ترجمة سامي الدروبي وعبد الله عبد الدائم)، مصر، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971، ص 114

[13] فيصل عباس، سيكولوجيّة التطرّف والإرهاب، الصهيونيّة والجماعات التكفيريّة، ط1، بيروت، دار المعارف الحكميّة، 2017، ص 255

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8...

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك