الإسلاميون ..مشروع بحجم دين

صبحي ودادي

 

كثيرا ما وصف الإسلاميون من طرف خصومهم بأنهم أصحاب خطاب أخلاقي وعظي لا صلة له بالواقع، وأن مشروعهم ليس مشروعا سياسيا وإنما هو مشروع تخديري غير واقعي ؛ يحرص على الحديث عن الآخرة أكثر مما يجيد الحديث في معاناة الناس وآلامهم الدنيوية ومشاكلهم المعيشية، ومن ثم فالغريب هو أن يتخوف مشفق من طغيان الهم السياسي الواقعي اليومي على خطاب الهوية  والرسالة والبلاغ.

ذلك أن اتهام خصوم الإسلاميين الذي أشرنا إليه في محله؛ فلقد كان خطاب الهوية والتحصين الفكري والأخلاقي للأمة أولوية الأولويات بفعل الهجمة الشرسة لغزو فكري وتخريب منهجي للعقول امتطى صهوة التوجيه في مؤسسات التعليم والإعلام في بلاد المسلمين، وبفعل بقايا التخلف العقدي والعلمي ـ والحضاري عموما ـ الذي تركته عهود الانحطاط الأخيرة.

أما وقد آب الناس إلى أخلاقهم وامتلأت جوامعهم بالمصلين وشوارعهم بالملتزمين ونواديهم بالمستغفرين، وجامعاتهم بالشباب المتوضئين، فقد تغيرت قليلا أولويات الخطاب وخطة المشروع ؛ لقد أصبح الحرص على دين الناس مقرونا بتحقيق شهادتهم كمسلمين على عصرهم، وبالذود عن مكتسبات الصحوة الإسلامية بفعل حضاري يثبت المؤمنين، ويمهد التوبة للمنبهرين الشاردين، ويقيم الحجة على المستكبرين.

                                        قضايا الإسلام العادلة

ومع ذلك فالمتابع للمسيرة يكتشف بجلاء حجم المزاوجة الواعية التي أنتجها الفكر الإسلامي في المواءمة بين تلك الثنائيات؛ وأن تكثيف الجرعة الأخلاقية لم يحل أبدا دون اهتمام بجوانب المشروع الأخرى؛ فلقد شكلت إقامة الحكم الإسلامي العادل وفرض نيل استقلال بلاد المسلمين والسعي لتحرير أرضهم أهم مبررات قيام الحركات الإسلامية، وفي سبيل ذلك واجهت الطغيان ودفعت ثمن الحرية وصبرت على المحن؛ وهي مدركة لمحورية تلك القضايا وجوهريتها، ومن ثم ظلت البوصلة متجهة صوب العمل الشامل الذي يحقق تلك الغايات ويفتت صخور التحدي الحائلة دون تحقيقها.

إن ذلك عنى كمال وعي الرواد الذين زاوجوا بين العمل التربوي والفكري والسياسي في حزمة متكاملة من الوسائل تؤكد في جملتها على الوعي باللحظة التاريخية وجسامة المهمة التي تنتظر    الإسلاميين، حين ينقذون أمتهم من الضياع المادي والأدبي، ويحققوا الإنسجام المطلوب بين عقلها وقلبها، بين دنياها وأخراها.

                                خطاب العدالة والتنمية..والحرية

المشروع السياسي الإسلامي مشروع دنيوي، وإذ قال العلماء قديما في توصيف السياسة الشرعية بأنها: “حماية الدين وإصلاح الدنيا به” فقد كانت ثنائية الدنيا والدين، الأخلاق والأرزاق، حاضرة في بحثهم عن المنهج، أو قل بلغتنا المعاصرة البرنامج، الذي يجب أن يسوس به الحاكم العادل الناس.

وإذا توقف المسلمون اليوم عند أولويات إصلاح شأنهم فإن مطالب التحديث والتنمية والعدل واستعادة الكرامة، وتحقيق الاستقلال في القرار والوجهة هي أولى مطالبهم، وقد وعى الإسلاميون ذلك فغادروا مواقع الخطابة والحماس العاطفي إلى مضارب الفعل والإنجاز وتشخيص أدواء التخلف التي تعانيها مجتمعاتهم، وهكذا اكتشفوا أن دولة العقل قبل دولة الشرع، وأن سيادة القانون سابقة على نوعية القانون، وأن الفقر قرين الكفر، وأن فتنة التخلف والجهل هي أكبر عدو يصد الناس عن سبيل الله، ولذلك لم تك صدفة أن تتشابه عناوين الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية؛ فمن التنمية والعدالة الاندونيسي مرورا بالعدالة والتنمية المغربي والتركي إلى الحرية والعدالة المصري..بدا أن استيعاب الدرس واف، وأن خطاب الإسلاميين تغير في اتجاه مقتضيات فاعليته وريادته ومضائه.

                                            مشروع هداية

إصلاح الإنسان ذو مردود عاجل، ولا ينبغي أن يمل الإسلاميون من التأكيد على هذا البعد الخاص الذي يجعل مشروعهم مرتبطا بالسماء، ويجعل صلاح الأفراد ضمانا للنهضة وحماية للجماعة، كما يحمي الناشئة و”صحوة الفتح” من الجفاف الروحي والهزال الإيماني.

وليس سرا أن كثيرا من مشكلات الحياة الاجتماعية والتربوية مرتبط بإصلاح الفرد، وشعار”الإسلام هو الحل” أو “هو الحق” تعني فيما تعني أن الإهتداء بهداه عاصم من التردي الأخلاقي والضياع الفردي والجماعي، ولذلك وضعت قطاعات من الحركة الإسلامية في برامجها وصفة سمتها “تخليق الحياة العامة” بما يضمن محاربة الرشوة والفساد والمحسوبية والزبونية، ويحل قيم العفاف والأمانة والنزاهة .

ما أحوجنا للطلاقة الفكرية والفاعلية الذهنية بما يمكن من تجديد أمر هذا الدين، ويؤهل الأمة للنهوض بدور الشهادة على الناس وإقامة الحجة على العالمين، وما أحوج العلمانيين ـ الزائغة عقولهم وقلوبهم ـ وأشباه المتدينين الجامدين، ما أحوجهم على حد سواء إلى الخروج من أزمتهم الفكرية والنفسية، ورحم الله الشيخ محمد سالم ولد عدود الشنقيطي إذ يلخص تلك المعضلة :

                 شكا دين الإله لما دهاه      بيـن جامدين وجاحدينا

                 شبابا يرون الدين جهلا     وشيبا يرون الجهل دينا.

 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك