اقتصاد عربي.. دول تحقق نموا وأخرى قد تفلس

وضع البنك الدولي آفاقا متفائلة لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المدى المتوسط، ارتباطاً باستمرار تحسن أسعار المواد الأولية في السوق الدولية، ومنها النفط والغاز والفوسفات، وتراجع الصراعات الإقليمية الجيوسياسية، ومواصلة الإصلاحات الماكرو اقتصادية، وتنويع مصادر الدخل القومي، وإصلاح مناخ الأعمال وسوق العمل.

تقرير البنك الدولي، الذي صدر في واشنطن حول آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2018، توقع أن يستعيد نمو الاقتصادات العربية ارتفاعه ليراوح بين 3 و3.3 في المئة خلال عامي 2018 و2019، رغم تباين معدلات النمو المرتقبة في المنطقة، إذ ستكون النسب مرتفعة في الدول المستوردة أكثر من تلك المصدرة للنفط.

وستراوح معدلات النمو في شمال أفريقيا بين 3 و4 في المئة، على أن تزيد على 2 في المئة في دول الخليج، مستفيدة من تحسن مؤشرات الموازنة، والعائد على الاستثمارات في البنية التحتية.

نمو الاقتصادات العربية 2.9 %

وتوقع عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي، رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، الثلاثاء، نمو اقتصادات الدول العربية 2.9 بالمائة في 2018، مدعوما بتعافي اقتصادات الدول النفطية.

وأضاف “الحميدي” خلال الاجتماع الثالث لوكلاء وزارات المالية العرب المنعقد بالعاصمة الإماراتية (أبوظبي)، أن الاقتصادات العربية واجهت تحديات على خلفية التطورات الاقتصادية والمالية الإقليمية والدوليةانعكست على تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9 بالمائة خلال العام الماضي.

وساهمت جهود الدول العربية في خفض نسبة العجز للموازنات العامة لمجموع الدول العربية من 10.3 بالمائة خلال 2016 إلى تقديرات 6.3 بالمائة العام الماضي، وتواصل الانخفاض إلى 5.1 بالمائة في 2018.

وأوضح المسؤول العربي أن الإصلاحات الهيكلية بالعالم العربي خلال السنوات الماضية أتت ثمارها، لا سيما مع انخفاض فاتورة دعم الطاقة من 117 مليار دولار في 2015 إلى حوالي 98 مليار دولار عن العام الماضي.

ونفذت غالبية الدول العربية بما فيها النفطية، خفضا في دعم مشتقات الوقود والكهرباء، لضبط نفقاتها العامة، تزامنا مع تراجع الإيرادات.

ورغم الحاجة الكبيرة لمشروعات البينة التحتية والاستثمارات المطلوبة في الدول العربية، لكن عدد مشروعات الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الدول العربية ما يزال محدوداً.

وزاد الحميدي: “لا يتجاوز عدد المشروعات القائمة على هذه الشراكات في الدول العربية وفقاً لبيانات البنك الدولي، عن مشروعين فقط لكل عشرة ملايين نسمة في المنطقة العربية، مقابل 34 مشروعاً لكل عشرة ملايين نسمة في منطقة شرق آسيا”.

4  دول عربية مهددة بالإفلاس

لم يكن عام 2017 الأفضل بالنسبة لاقتصاديات الدول العربية، وبمجرد انتهاء هذا العام صدرت عدة تقارير أشارت أن مسلسل الانهيار الاقتصادي ما زال مستمرًا، في ظل غياب الحلول الاقتصادية الحقيقيَّة، واستمرار التوتر السياسي في المنطقة، إلا أن بعض الدول كما توقع محللون قد يصل التدهور بها إلى ذروته هذا العام 2018، وذلك وفق المعطيات الاقتصادية، التي تشير إلى مزيدٍ من الضعف الاقتصادي على المستوى الداخلي، وكذلك على مستوى التعاملات الخارجية من حيث سداد الالتزامات الخارجية من الديون في موعدها المحدد، وهو ما يسمى اقتصاديًّا بالإفلاس.

وتقول هذه التقارير أنه بالرغم من الحالة الاقتصادية العربية العامة المتردية، هناك 4 دول عربية على وجه الخصوص، ربما يكونون عرضة لهذا الخطر الاقتصادي الكبير، ففي 17 نوفمبر الماضي، نشر موقع “بلومبرج” قائمة الدول التي قد تتخلف عن سداد ديونها، وذلك على طريقة فنزويلا، التي تخلَّفت عن سداد بعض ديونها مؤخرًا، وضمت القائمة ثلاث دول عربية هي لبنان ومصر والبحرين وتونس، وهي الدول التي يهددها الإفلاس – حسب التقرير- خلال 2018 .

ويجب أن نشير إلى أن الدول تفلس عندما لا تستطيع الوفاء بديونها الخارجية، أو لا تتمكن من الحصول على أموال من جهات خارجية لدفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع، كما يمكن أن تفلس أيضًا في حالات أخرى.

فلبنان يعد من بين الدول الأكثر مديونية في العالم؛ وذلك من حيث نسبة الدين إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي، والتي وصلت إلى 152% خلال 2017، بحسب صندوق النقد الدولي، وفي نهاية نوفمبر 2016، بلغ الدين العام الإجمالي 112.375 تريليون ليرة (74.5 مليار دولار)، بحسب تقرير صادر عن جمعية المصارف في لبنان (خاصة)، ومن المتوقع أن يصل إلى 110 مليارات دولار بحلول 2022.

أما مصر فقد أعلن البنك المركزي المصري أنّ ديونها قفزت بنهاية السنة المالية 2016– 2017، نحو 41% عن مديونيات العام المالي السابق، وربما لا يوجد أي دولة في العالم شهدت مثل هذه الزيادة في الديون خلال مدة قصيرة جدًا، فهي ملتزمة بسداد أكثر من 15% من ديونها الخارجية خلال 2018.

وتشير التقديرات إلى أن مصر ملتزمة بخطة سداد ما يبلغ 14 مليار دولار من أصل الدين والفائدة في 2018، إذ قفز الدين الخارجي من 55.8 مليار دولار في 2016 ليصل إلى 79 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي.

ولم تكن “بلومبرج” الوحيدة التي وضعت مصر في مثل هذه القائمة؛ بل سبقتها مجموعة “ستاندرد آند بورز” العالمية، إذ وضعت مصر ضمن قائمة “الضعاف الخمس”.

وفي البحرين يرى محللون أنه في حال لم تحصل على مساعدات من جيرانها وأصدقائها فإنها قد تفشل في الحفاظ على سعر صرف عملتها عند مستواه الحالي، والبالغ 0.376 دينار للدولار الواحد.

وتناقلت عدة وسائل إعلامية عربية خبرًا حول أن البحرين طلبت مساعدات مالية من حلفائها بدول مجلس التعاون، وذلك في ظل مساعي البلاد إلى تكوين احتياطي نقدي يستطيع تغطية ديون البلاد المرتفعة، حيث وصل العجز المالي الكلي إلى ما يقرب من 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع الدين الحكومي إلى 82% من الناتج المحلي الإجمالي، وازداد العجز في الحساب الجاري إلى 4.7%، وانخفضت الاحتياطيات الدولية.

ويقول تقرير نشره موقع “بلومبرج” الاقتصادي، إن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون العجز في موازنة البحرين الأعلى بين دول مجلس التعاون ، وذلك بالرغم من تراجع هذا العجز العام الحالي، إذ إن احتياطات البنك المركزي البحريني انخفضت منذ عام 2014 بنحو 75% لتبلغ في أغسطس الماضي 522 مليون دينار (نحو 1.39 مليار دولار).

وشهدت الديون قفزات متتالية في البحرين، فخلال 10 سنوات نما الدين العام  البحريني بنسبة 1381%، إذ قفز الدين العام من نحو 1.6 مليار دولار إلى نحو 23.7 مليار دولار في الأشهر الأولى فقط من عام  2017.

أما تونس وبالرغم من أنّ تقرير “بلومبرج” لم يدرجها صراحة ضمن الدول المتوقع أن تتخلف عن سداد الديون الخارجية، إلا أنه بمتابعة الوضع الاقتصادي للبلاد نجد أنها تعيش أزمة خانقة، إذ اعتمدت البلاد بشكل شبه أساسي خلال السنوات الماضية على الديون الخارجية في تمويل ميزانية الدولة، وتوفير النفقات العمومية، وهو ما جعل حجم الديون يتراكم من سنة إلى أخرى، وحسب الإحصائيات الرسمية، ارتفع حجم الدين الخارجي لتونس ليصل إلى 65 مليار دينار (28.7 مليار دولار) في 2016، وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قد أعلن أن نسبة الدين الخارجي ارتفعت بنحو 62% منذ اندلاع ثورة 2011 حتى 2016.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن السلطات التونسية تواجه صعوبات في تسديد مبلغ ستة مليارات دينار تونسي من الديون الخارجية التي كانت مستحقة خلال سنة 2016، وتجد تونس نفسها خلال السنة الحالية ملزمة بدفع قرابة ثمانية مليارات دينار تونسي؛ بينما صادق البرلمان التونسي خلال الأشهر الستة الأولى من 2017 على 19 قرضًا خارجيًّا، بالرغم من انتقادات نواب المعارضة وتأكيدهم إغراق البلاد في الديون.

وتبرز خطورة الوضع التونسي في جانبين أساسيين:

– الأول: هو ضعف الاحتياطي النقدي للبلاد، الذي تراجع إلى خمسة مليارات دولار، أي ما يعادل 99 يوم استيراد، في السابع من يونيو 2016، مقابل 5.1 مليار دولار، أو ما يعادل 104 أيام استيراد، في أبريل الماضي.

– الثاني: وهو أن غالبية الديون الخارجية توجه نحو الاستهلاك وسد عجز الموازنة، وهو ما يضعف من فرص سداد تونس لديونها العاجلة، وذلك لأن هذه الديون لم تستخدم في مشاريع استثمارية تدر عائدًا يمكن من خلاله دفع أقساط هذه الديون.

السياسة تستنزف الاقتصاد العربي

عموما، ورغم التحسن الذي شهده عام 2017 في أسعار النفط، بتجاوز خام برنت حاجز الـ 60 دولارا، والخام الأميركي حدود 57 دولارا، إلا أن الاقتصادات العربية تستقبل عام 2018 وهي أكثر تفككًا وتأزما من ذي قبل.

فعلى مدار السنوات الأربع الماضية اختفت القمة الاقتصادية العربية، فلم تعقد منذ عام 2013، وكان المقرر لها أن تعقد كل عامين، وفي ظل هذه العلاقات العربية، لا يتوقع أن تجمع العرب قمتهم الاقتصادية قريبًا، وبخاصة في ظل حالة الصراع والنزاعات، أو الأزمة الاقتصادية التي تلم بجل اقتصادات المنطقة.

ولم يلح في الآفق بعد آمال في إنهاء النزاعات بدول المنطقة خلال عام 2018، سواء على الصعيد الداخلي للحروب الأهلية، أو النزاعات البينية، ففي (ليبيا، والعراق، وسورية، واليمن) مازالت الحروب الأهلية متقدة، ولم تفلح الحلول السياسية في إخراج هذه البلدان من حالة الحرب واستنزاف مواردها الاقتصادية.

وإذا كان الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط قد قدر مؤخرًا خسائر المنطقة من النزاعات التي تمر بها بنحو 640 مليار دولار، فإن البعض يرفع هذه التكلفة لنحو 800 مليار دولار.

وتصل تكلفة النزاعات العربية إلى نسبة تزيد عن 26% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وبلا شك أن تكلفة الفرصة البديلة للإنفاق على الحروب والنزاعات، كانت ستنعكس على تحسين مستوى المعيشة لشعوب المنطقة، وتعمل على تقليل معدلات الفقر والبطالة، وترفع من معدلات التنمية بشكل عام.

الاستقرار أيضا لا يحقق النمو

ولكن، وعلى الرغم من أن منطقة بلدان المغرب العربي هي أقل الدول العربية من حيث وجود الصراعات الداخلية أو البينية، إلا أن أداءها الاقتصادي لم يخرج عن المعاناة العربية، فالجزائر تتعثر في إطار أزمة انخفاض سعر النفط، وتونس تبحث عن مخرج لاقتصادها الذي لم ينهض من عثراته منذ عام 2010، والمغرب لا يزال يعلق انتعاشه الاقتصادي بحدوث تطور إيجابي في اقتصادات المنطقة الأوروبية.

ولم تشهد الساحة العربية على الصعيد الاقتصادي تحقيق حالة من الإجماع، شأن باقي المجالات في إطار العمل العربي المشترك، ولكن ما جمع العرب خلال عام 2017، وسيظل يجمعهم خلال عام 2018 وما بعده، هو دخول جميع الاقتصادات العربية تحت مظلة برامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي.

والغريب أن البلدان العربية الأقل نموًا (السودان، واليمن، وموريتانيا، وجيبوتي، وجزر القمر) قد تكون أفضل حالًا من دول النزاع بالمنطقة، لكن الظلال السلبية لاقتصاديات المنطقة سوف تؤثر على اقتصاديات الدول الأقل نموًا، مما يقلل من فرص تحسن الوضع التنموي بتلك البلدان.

المصدر: https://islamonline.net/24150

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك