أهمية الحوار الإسلامي: الحرية المضبوطة وتعددية الحضور

غزلان هاشمي

 

Abstract: 

The world is formed by many parties, these parties jostling  for surviving, power and influence ,and so that this world being safer and more peaceful  the dialogue was founded ,wich considered as an important way used in order to bring the views closer and ease conflicts.

The dialogue is not born newly but it was realised by civilization and previous religions .so when the islam was coming . the messenger mohamed sala allahou alayhi w salam , tried to approach the views in his various dialogues with  atheist and jews and christians ,even with his friends for the sake of teaching and disciplining them, in quoran and sunnah  there is differents models of his dialogues(sala allahou alayhi w salam) and the dialogues of allah with his messengers and prophets , even the prophets with atheist .from here ,its clear to say that qoran never try to eliminate the dialogue with the other but it invited to persuade with arguments and evidences with him and by listening respectly to him in order to answer him objectivly.

So the dialogue gain an important place throuth the protection of the humain existence and throuth the encouragement of  understanding , communication and living in peace. and also by correction of the outlook which find in the other a symbol of danger , by the definition of the islam and by the defence of the prophet mohamed(sala allahou w salam) from the abusive attacks against him.

This research guide us to know about the importance of the islam dialogue  and his properties and his various basis.

    الملخص: ملخص البحث بالعربية:

يتشكل العالم من عدة أطراف تتنازع من أجل البقاء ومن أجل السلطة والنفوذ،وحتى يكون هذا العالم أكثر أمنا وسلاما وجد الحوار الذي اعتبر وسيلة هامة لتقريب وجهات النظر والتخفيف من الصراعات.وليس الحوار وليد الساعة وإنما عرفته الحضارات والديانات السابقة،لذا مع ظهور الإسلام قرب الرسول صلى الله عليه وسلم بين الآراء،وذلك في حواراته المختلفة مع المشركين واليهود والنصارى،وحتى مع أصحابه في محاولة تعليمهم وتأديبهم.وقد حوى القرآن الكريم والسنة النبوية على نماذج مختلفة من حواراته صلى الله عليه وسلم،إضافة إلى حوار الله عز وجل مع الرسل والأنبياء،وحوار الأنبياء مع الكفار…،ومن هنا اتضح أن القرآن لم يلغ الحوار مع الآخر،وإنما دعا إلى إقناعه بالحجة والدليل،مع الإنصات إليه في احترام ثم الرد عليه بشكل موضوعي.

إذن اكتسب الحوار أهمية بالغة من خلال حفاظه على الوجود الإنساني،وتشجيعه على التفاهم والتواصل والعيش في سلام،وأيضا من خلال تعديل النظرة التي كانت تجد في الآخر رمزا للخطر،وكذا في التعريف بالدين الإسلامي والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ضد الهجمات المسيئة له.

يهدف هذا البحث إلى التعرف على أهمية الحوار الإسلامي وخصائصه وأسسه المختلفة.

 

يتأسس الوجود الإنساني على مرجعية مركزية،وأطراف متعددة تعيد صياغة منظورها بالنظر إلى هذه المرجعية،في المقابل تحاول بعض المجموعات الثقافية والدينية والسياسية التمرد على هذه المرجعية بحثا عن مرجعية مغايرة تجد فيها أكثر قربا من الحقائق وتمثلاتها،لذلك حينما ظهر الإسلام حاول إبطال المرجعية الوثنية التي التف حولها الناس والقضاء على مركزيتها،احتفاء بمركزية القرآن والسنة،هذا الأمر أدى إلى تعارض الرؤى والمصالح فكان من نتائجه تأجج الحروب والصراعات،ولأن الإسلام في مضمونه حمل رسالة سلام وسعى للحفاظ على وحدة الأطراف تحت راية إلهية واحدة،فقد شجع على استخدام الحوار كوسيلة تفاهم وتقريب بين الرؤى وإقناع بضرورة تعديل التصورات الخاطئة عن الله والوجود والكون،ولم تكن مهمة الحوار الإسلامي محصورة في محاولة التقريب بين الشعوب وإقناعها بأهمية الدين الجديد في ذلك العصر،وإنما امتدت لتشمل كل العصور ،ففي راهننا المعاصر صار التأكيد على صيغة الاشتراك ضرورة ملحة في ظل هذا التضارب والتعدد،وذلك لتجنيب العالم مزيدا من الخراب،ولإقناع غير المسلمين ـ بالنسبة لنا ـ بصحة دين الإسلام والدفاع عنه وعن رموزه.

إذن يكتسي الموضوع أهمية كبيرة مع كل التغيرات الحاصلة،إذ يحاول التعميق من الإحساس بقيمة الحوار بصيغته الإسلامية التي تحترم حدود الآخر في ظل احتفاظها بخصائصها النوعية،إضافة إلى محاولة الرد على بعض الاتهامات الغيرية التي تجد في الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم خطرا لابد من إزاحته ،وفي هذا الدين إرهابا وعنفا إذ يحاول تأكيد وجوده بحد السيف.

كانت دوافع الموضوع تنحو نحو منحنيين:منحى ذاتي:وذلك للتقارب الروحي والموضعي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبيننا اليوم إذ يعيش بسنته في وجداننا الجماعي، ويمثل بصورة مكوث دائم في وعينا ومدركاتنا،ومنحى موضوعي: وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل الصورة المتكاملة للإنسان الأعلى فاستحق صلى الله عليه وسلم لقب سيد الخلق،نظرا لهديه ولمواقفه الإنسانية العامة من الذات والآخر.واعتبارا مما قلناه سابقا:كيف كانت نظرة الإسلام للآخر؟ وبالمقابل كيف كانت نظرة الآخر للذات؟ماهي أهم أهداف وخصائص الحوار الإسلامي انطلاقا من حياة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟ما أهمية الحوار في الإسلام؟.

إجابة عن هذه الإشكالات وغيرها اعتمدنا على خطة بحث تطرقت لعديد نقاط وهي:

مقدمة:حوت تقديما للموضوع.

1ـ الآخر في المتخيل الإنساني:هدفت هذه النقطة للتعرف على تصورات الذات إزاء الآخر وتصورات الآخر إزاء الذات،على اعتبار أن هذه الآخرية هي مكمن الفروق التي تعد موضوعا للحوار.

2ـ مفهوم الحوار:وفيه التعريج بشيء من الاختصار على مفهومه وعلى بعض المصطلحات القريبة منه.

3ـ دواعي الحوار الإسلامي:تعريجا على بعض أسبابه المؤكدة لضرورته.

4ـ أسس الحوار:أو ركائزه.

5ـ خصائص الحوار الإسلامي.

6ـ أهدافه.

7ـ آداب الحوار الإسلامي.

8ـ أنواع الحوار.

9ـ أهمية الحوار.

10ـ الحوار في الكتاب والسنة.

 

 

1ـ الآخر في المتخيل الإنساني:

يستدعي الحديث عن الحوار تحديدا للغيرية المفترضة على أساس أنها تشكل طرفا في الحوار،فمثولها في الوعي الإنساني بصورة النقيض هي التي تؤسس مسافة فارقة وهي ما نسميه بالاختلاف،ذلك أن هذه الغيرية وتحديدها يتضمن موقفا أخلاقيا بالدرجة الأولى يضاف إلى الموقف المعرفي،من هذا المنطلق نجد أنفسنا إزاء سياقين رئيسيين يحددان دلالات”الآخر””السياق الأول معرفي وعلى ضوئه يبدو الآخر مفهوما تكوينيا للهوية،أي للذات وهي تحدد هويتها،فلا هوية بدون آخر،…….أما السياق الثاني،فسياق قيمي/أخلاقي يكتسب الآخر من خلاله قيمة أو موقعا في سلم تراتبي يكون من خلاله مقبولا أو مرفوضا،طيبا أو سيئا..”[1].لكن يظهر الإشكال حينما”ينازع كل طرف حق الآخر في الوجود .وتبلغ المأساة ذروتها بإعلان كل فريق عن أن الآخر هو العدو”[2].وقد عبر المفكر علي حرب عن هذه الحالة حينما قال:”والصور النمطية السلبية تعبر عن حالة العداء وتجسد استراتيجية الرفض المتبادل،بين الجماعات،سواء على أساس ديني أو قومي أو حضاري،بقدر ما تعكس حالة الجهل الزدوج بالأنا والآخر.ولذا لا تعرى منها جماعة بشرية.ما من مجتمع…إلا ويصنع صورة للآخر على سبيل القدح والتبخيس أو التشنيع والتشويه”[3].إن هذا الاتهام المتبادل تعبير عن التمركز حول الذات والذي عرفه عبد الله إبراهيم بقوله: “نمط من التفكير المترفع الذي ينغلق على الذات ،ويحصر نفسه في منهج معين،ينحبس فيه ولا يقارب الأشياء إلا عبر رؤيته ومقولاته .ويوظف كل المعطيات من أجل تأكيد صحة مقولاته”[4].

كانت نظرة الغرب للإسلام يشوبها الارتياب والتوجس،حيث وجد فيه خطرا على وحدته ومصالحه الشخصية،ومن ثمة كان التنافر الآني نتاج هذه النظرة المتوارثة،بل مبررا لحالة العنف التي يفتعلها الغرب في مواجهة هذا العدو المتوهم في مخيالهم،فالغربيون”في لجوئهم إلى القوة والعنف والقتل في محاربة الدين الإسلامي،إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يستطيعون مواجهة هذا الدين بالحوار والإقناع”[5].  

إن المستقرئ لحال الأقليات غير المسلمة في دولة الإسلام وحال الأقليات المسلمة في دول الغرب يجد تباينا واضحا،فالأقليات غير المسلمة تحاول خلق وجود متعال في دولة الإسلام تستمده من موضعية خارجية متعالية،حيث تتجاهل كل المرتكزات الأساسية لذلك البلد،وتحاول طمس اعتباراته والتأكيد على صيغة المفاضلة،ومن هنا يأخذ الحوار عندها منحى مغايرا،حيث تهدف من خلاله إلى تعديل إن لم نقل تهديم الصور النمطية الجاهزة للذات المسلمة عن الذات النصرانية،وذلك بإخفاء التناقض وإشاعة صورة كلية عن فوقيتها المفتعلة،لذا فمفهوم الاختلاف هنا ينحو نحو تشكيل وعي بالمغايرة متأسسا على صيغتين:

أ ـ صيغة الضحية المستكينة: وذلك بإيهام الرأي العام الدولي وحتى الداخلي ومؤسسات حقوق الإنسان بدونية الحضور المسيج بذل واهم،إدراكا من أن هذه الصيغة ستجلب على دولة الإسلام صخبا من دول الغرب،فتكون بالتالي حالة مبررة للتدخل الأجنبي،وهذه الصيغة يمكن تسميتها بالنمط الاستعادي لأنها مأخوذة من تموضع اليهود جبرا في فلسطين بعد استعمالها.

بـ ـ صيغة التضخيم أو المركزية المفتعلة:حيث تتم استعارة الرؤية الاصطفائية عن رؤية الغرب لأنفسهم،من كونهم مركز الحضارة،من هنا فالأقلية الغربية في دار الإسلام تجد مبرراتها من هذا الشعور بالفوقية فتحاول الضغط على الدول المضيفة،والتحلل من كل الضوابط القانونية وتجاهل كل القيميات السائدة مع فرض قيم مغايرة هي القيم المسيحية،إما تمسيحا أو تمييعا للمنظور السائد ،وذلك بتعديل كل الصور الموروثة والتغاضي عن ارتباكاتها وتناقضاتها،من أجل برمجة الجيل القادم على تقبل الآخر والاعتراف به بشكل كلي،حيث يتم الأمر باستخدام آليات خطابية مختلفة،منها:آلية الطمس:حينما يتم إلغاء كل العداء التاريخي القائم بين الإسلام وباقي الديانات،وطمس حقيقة الأهداف الاستعمارية والتمويه عليها .وآلية إعادة التشكيل:وذلك بتعديل الصيغة الحوارية بعد استخدام مفاهيم التعايش السلمي والتسامح والمساواة حسب منظورهم الخاص،حيث تتبدى وراء هذه المصطلحات رغبات مبطنة لتمييع الصيغة العدائية وهيكلتها بما يساير العقل الإسلامي،من هنا وجب  علينا التأكد أن الغرب”مهما حضر وانتشر وأثر ليس العالم،بغض النظر عن تواضع المستوى الذي يبدو به الكثير من أجزاء ذلك العالم بما يموج به من ثقافات وشعوب مختلفة”[6].

إذن الصيغة الاصطفائية من صنع الغرب،و”لم تعرف العقلية العربية بعد الإسلام إلغاء الآخر لأن المفهوم العالمي الإنساني للعلاقة بين الشعوب تقوم على بدهية مفترضة تستند إلى منظور قرآني يقول:”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”،ومعنى التعارف هو أن يتحاوروا حتى يعرف كل إنسان أخاه الإنسان،يعرف عقليته ونفسيته وسلوكه ومبادئه والقيم التي صنعت مقاييسه وموازينه الإنسانية،ونعتقد أن لا مشكلة في المفهوم بل المشكلة في فهم الطرف الغربي للمفهوم”[7].وكدليل على احترام الآخر ما ذكره يوسف زيدان:”من مفاخر المسلمين أنهم ابتكروا علم مقارنة الأديان وسنرى أن مفكري الغرب يعترفون بذلك،ومن الطبيعي أن هذا العلم لم يظهر قبل الإسلام،لأن الأديان قبل الإسلام،لم يعترف منها بالأديان الأخرى..ومن هنا،لم يوجد علم مقارنة الأديان قبل الإسلام،لأن المقارنة نتيجة التعدد،ولم يكن التعدد معترفا به عند أحد،فلم يوجد ما يترتب عليه وهو المقارنة”[8].إن احترام المسلم لذاته أسهم في خلق وعي بالمغايرة عنده،وربما مقولة الباحث المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري تؤكد هذا الأمر حينما قال:”في تصوري أنني من خلال إدراكي خصوصيتي سأدرك خصوصية الآخرين”[9].

2ـ مفهوم الحوار:

يعد الحوار ضرورة إنسانية ،حيث يعتبر مشتركا كلاميا يفترض الآخرية المغايرة التي تصنع بينها وبين حدود الذات مسافة التقاء،إذ تتجاور الاحتمالات اعتبارا من عدد المحاورين أو من عدد الآراء عند الشخص ذاته،حينما يمنح تعددية واضحة في طرحه لعدد من البدائل بحثا عن نقطة التقاء بين الأطراف،هذه النقطة أو المسافة هي ما يمكن تسميتها “بالإقناع” أو”الحجة”،والتي من خلالها تتوصل الذوات إلى صيغة تفاهم إما بتقبل الاختلافات على تعددها(في القضايا البسيطة التي يكون فيها الاختلاف أساسا للإبداع)،أو بالاتفاق على أحدها إذا كان الأمر يفترض وجوب الأحادية(وهذا يكون عادة في القضايا التي يؤدي التعدد إلى إثارة النزاعات والحروب).من هنا فالحوار”يعني خلق المناخ الملائم للتفاهم والتعاون الذي يساعد الجميع على توليد توجهات إيجابية أكثر ويضعف بدوره الميول القائمة أو الكامنة لتغذية روح النزاع والعداوة،وبدوره يغدو الحوار بمثابة القدرة على إحداث تغيرات عميقة في طرائق نظر كل طرف إلى الآخر”[10].وقد قدم الدكتور محمد عبد اللطيف رجب عبد المعطي خمسة ملامح للحوار الإسلامي في”منهجية الحوار في القرآن الكريم” هي:”أولا:الاعتراف بالآخر وبأن الاختلاف بين البشر حقيقة فطرية.

ثانيا:لا حدود للحوار مع الآخر.

ثالثا:تحقق المعرفة بالآخر.

رابعا:اعتماد العقل والالتزام بالمنهجية العلمية.

خامسا:التزام آداب الحوار”[11].

إذن فمصطلح الحوار الإسلامي يأخذنا إلى مقصدين:مقصدية خارجية حينما يراد بالحوار تبادل الحديث بين متناقضين،ومقصدية داخلية حينما يدل على الحوار الواقع بين أبناء الوطن الواحد أو الدين الواحد.لذا يمكن اعتباره صيغة اتفاق يقصد به التواصل والتفاهم،من أجل الخروج من الرأي المتحيز للذات والقضاء على مركزية الذات التي تهدف إلى إقصاء المغاير وتهميشه،ومن هنا يسهم الحوار الإسلامي في التخفيف من حدة الصراعات القائمة على الاختلاف الديني والاجتماعي والسياسي..،ومن الهيمنة المنتجة عن الرأي الأحادي أو عن مركزية الحضور المفضية إلى التعصب والتصفية الفكرية والوجودية،لأن”الإسلام في طبيعته السماحة واللين والوداعة وأنه دين يضم في عباءته كل خصماته من الأديان الأخرى في حنان وتفهم ماداموا قد سلموه ولم يبادروه العداء”[12].

وقد ورد مصطلح الحوار في عدة مواضع قرآنية :

ـ قال تعالى:” وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا”[13].

ـ قال تعالى:” قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا “[14].

ـ قال تعالى:”  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”[15].

وقريب من لفظ الحوار:لفظ المجادلة والمناظرة..،والجدل”في اللغة المفاوضة على سبيل المنازعة والمبالغة مأخوذة من جدلت الحبل إذا فتلته وأحكمت فتله،فإن كل واحد من المتجادلين يحاول أن يفتل صاحبه ويجدله بقوة وإحكام على رأيه الذي يراه”[16].وقد ورد لفظ الجدال في عدة مواضع قرآنية منها قوله تعالى:” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”[17]،وقوله عز وجل أيضا:”  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”[18]،ويوضح الشيخ خالد بن عبد الله القاسم القواسم المشتركة بين الحوار والجدال فيقول:وأما المجادلة فإنها تشترك مع الحوار في كونها مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين إلا أنها تأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة لذا في اللغة تسمى شدة الفتل جدل،والجديل الزمام المجدول من أم..”[19].

وقد بين الدكتور عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني شروط المجادلة في قوله:

“1ـ أن تكون المجادلة عن بصيرة،وبقاعدة مرضية،بحيث يكون الكلام واضحا من غير لبس.

2ـ أن يكون بحسن خلق،ولطف ولين كلام،بدون فظاظة ولا غلظة،لأن استخدام اللين سبب في الاستجابة،كما قال تعالى:”قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى”.

3ـ ألا يكون القصد من المجادلة مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو،بل يكون القصد منها بيان الحق وهداية المجادل.

4ـ أن تكون دعوة إلى الحق وتحسينه،وردا عن الباطل وتهجينه.

5ـ أن تكون المجادلة لهم مبنية على الإيمان بما أنزل الله تعالى إليهم أي إلى أهل الكتاب ـ وما أنزل على المسلمين،وعلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ،وعلى أن الإله واحد سبحانه وتعالى.

6ـ ألا تكون مجادلة المسلمين لأهل الكتاب على وجه يحصل به القدح في شيء من الكتب الإلهية،أو بأحد من الرسل،كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم،يقدح بجميع مامعهم من حق وباطل..”[20].

وأما المناظرة فهي أن يقارع كل طرف الحجة بالحجة،حيث تدور بين شخصين أو فريقين من أجل الدفاع عن وجهة نظر معينة،مستعينين في ذلك البراهين العلمية والمنطقية.ونظرا لتعدد تعريفات الحوار وما اتصل به من مفاهيم نكتفي بهذا القدر.

لكن هل مفهوم الحوار واحد لدى المسلمين والغرب؟.

يقدم الدكتور حسن الباش ملمحا عن اختلاف الرؤى بين الغرب والعرب في مفهوم الحوار،فيقول:”ونحن ـ العرب والمسلمون ـ نطرح حوار الثقافات من منظورنا المستند على قاعدة الانفتاح على الآخرين،والغربيون أو بعضهم يطرحون حوار الثقافات من منظورهم المستند على قاعدة أنهم الأسمى ثقافيا والأقوى حضاريا،وعلى الطرف العربي الإسلامي أن يتقبل الثقافة الغربية بكل مفاهيمها ومعاييرها الأخلاقية والفكرية”[21].

الحوار انتفاء لصفة التحيز:

إن مصطلح”حوار” يفرض علينا التفكير في مصطلح”التحيز” بكل أنواعه،إذ الحوار المنبني على التفاعل واحترام رأي الآخر يؤسس منظورا مغايرا تتراجع معه كل الأيديولوجيات وتنحصر إلى حد التلاشي،وبالتالي فالتجاور والتعدد يضفي إلى إقصاء المركزيات بعد مراجعة الكثير من المصطلحات والمفاهيم المنتجة في ظلها،وذلك من أجل التخفيف من حدة التحيزات،لذا”اعتبر القرآن الكريم الحوار مع الآخر قاعدته الأساسية في الدعوة إلى كل قضاياه،وعلى رأسها القضية الكبرى التي بعث من أجلها هذا الموكب الكريم من الأنبياء والمرسلين ـ قضية الإيمان ـ ولم ينأ بأية قضية مهما كانت قدسيتها عن دائرة الحوار”[22].

إذن يتأسس التحيز على مفهوم الانغلاق وعلى مركزية الأنا وحضورها الدائم في كل الخطابات،حيث يتم تفسير كل الظواهر على اختلافها بالنظر إلى هذه الأنا،وتكون الرؤية أحادية تبتعد عن داعي الموضوعية ،وهذا كله يؤسس مفهوم التعالي والفوقية بعد أن يتم إقصاء كل المغايرات بالترويج إلى صور نمطية سلبية عنه وعن ثقافته ودينه.وقد قدم علي عزت بيجوفيتش مثالا عن الإجحاف المصاحب لغياب الموضوعية في قوله:”لأسباب تاريخية وللمواجهة السياسية بين المسيحية والإسلام،كثيرا ما تجاهل الغرب القرابة بين الإسلام والمسيحية.إن قبول الإسلام للإنجيل كتابا مقدسا،وقبول المسيح رسولا لله،تم تجاهله أيضا.ولو استطاع(الغرب) التأمل بصدق في هذه الحقيقة واستنبط منها النتائج التي تترتب عليها،فإن العلاقة بين هذين الدينين ـ العالميين العظيمين ـ قد تتوجه في المستقبل إلى أبعاد جديدة كل الجدة”[23].بينما وجد الدكتور حسن الباش أن”العقلية الغربية تحكمها معايير قديمة ترسخت كالجذور في المجتمعات الغربية،معايير العرقية والعقائد المادية والبربرية المتوحشة،فلذلك افترضت هذه العقلية أن الخطر القادم والمحتمل الأكيد بعد انهيار الشيوعية هو الإسلام،ومنذ بدأ يشيع هذا الافتراض توالت الحملات الفكرية على الإسلام،وبين الفينة والأخرى يخرج صوت غربي لينفث سمومه القديمة ضد الإسلام والحضارة الإسلامية”[24].

3ـ دواعي الحوار الإسلامي:

يتأسس العالم على تعددية واضحة،وهذه التعددية تسهم في تزايد الإحساس بالمغايرة وفي وعي الذات باختلافها،فتضفي إلى التنافسية التي تصل إلى حد الصراع،من هنا يجد كل طرف فيمن يخالفه رمزا للخطر وتهديدا لثباته واستقراره،فينجم عن هذا الأمر كثرة الصراعات ونتائجها الوخيمة.فيزداد العنف بل ويتعدد بين عنف جسدي وفكري ورمزي،والآخرية تجد تمثيلاتها بين أفراد المجتمع الواحد أيضا،لتصبح كل ذات متعالية بوجودها مكتفية باعتباراتها،ترى في الآخر خطرا يجب إزاحته،وهذا كله ينتج عن تعدد المصالح والهويات، “وقد نشأت عن القول بتفاضل الأجناس واختصاص بعضها دون بعض بالذكاء والكفاءة والقدرة على بناء الحضارات مشاكل ومآس طويلة أغرقت البشرية في تصرفات حمقاء غير معقولة وحروب طويلة”.[25]

إذن محاولة الدفاع عن مركزية الذات أو تجديد الموضعية القائمة للذات والآخر،يضفي إلى صراع بسبب إنكار تعدد أساليب الحياة وتعدد القيم والفهم المتأسس على ذلك،كما أن”الإنسان ميال في طبيعته للنزاع مع أمثاله،وذلك من أجل الكسب والمجد أو الدفاع عن أمنه”[26] ،لذلك جاء الإسلام مهذبا لصورة الاختلاف،وذلك بإيجاد صيغة تعايش قائمة على احترام المخالف(عرقيا ودينيا واجتماعيا وسياسيا)،حيث تنزع هذه الصيغة إلى تذويب الحدود الفاصلة دون طمسها نهائيا،لأن الطمس يهدف إلى قتل الهويات،وإلى إعطاء أولوية إلى مركزية الذات وحضورها المتعالي كما هي في خطاب العولمة،وهذه الصيغة ما سميناها بـ”التذويب المتكافئ”،والذي يهدف إلى إعادة هيكلة الاختلاف،والبحث من خلال صيغته  القائمة على تعددية الرؤى والتوجهات على نقاط الاشتراك،حيث يتم استجماع كل الإيجابيات  من مختلف الآراء،وذلك تحقيقا لحوار نموذجي لا يتقصد منه إرهاب الأطراف ولا إقصاءها من دائرة النقاش،ولا التعالي عليها وتهميشها،وإنما رفعه إلى مستوى التسوية على محور خطي واحد من أجل عالم مليء بالسلام والحب والخير.لذلك كان”من سمات سماحة الإسلام مع مخالفيه من أهل الكتاب أن الله تعالى نهى المسلمين أن يبدؤوهم بالجدل في أمور العقيدة والدين،وأدا للفتنة في مهدها.فإن اضطررنا فجدالنا لهم مقيد بضابط حكيم لا يقل أثرا عن ترك الجدل معهم في وأد الفتنة وإيغار الصدور،وهو أن نلتزم في الجدل معهم ـ إذا اضطررنا إليه ـ بأحسن مناهج الجدل وأبعدها عن الإثارة والتهييج،مع طرح مبادئ من شأنها أن تؤلف بيننا وبينهم ،مع الحذر ـ كل الحذر ـ أن يفتنونا عما أنزل الله إلينا”[27].

4ـ أسس الحوار الإسلامي:

يقوم الحوار على أسس وركائز مختلفة،إذا نقص أحدها اختلت أهدافه واعتباراته،والملاحظ أن هذه الأسس تتداخل بشكل كبير مع الآداب حتى يصعب التمييز بينهما،لذا يمكن القول أن مكمن الاختلاف هو أن الأسس تعد دعائم لا يقوم الحوار إلا بها،في حين أن الآداب أخلاقيات تسهم في نجاحه ،لكن لا يختل الحوار بغياب أحدها.ومن الأسس المهمة في الحوار:

1ـ التعدد وإلغاء مركزية الذات:ينبذ الإسلام احتكار الرأي الناجم عن تأليه الذات واعتبارها مركزا أو مصدرا لكل القيميات الاجتماعية والدينية والثقافية،فمنذ ظهوره كان يحاول القضاء على هذه الصنمية المفتعلة،وعلى النظرة القائمة على انتقاص المغاير والنظر إليه على أنه مصدر للشر والخطأ والوحشية والتخلف،وعلى أن الذات وحدها المالكة للحقيقة،”ورغم أن”الأنا” الإنسانية ـ هي حقيقة سيكولوجية وروحية خاصة إلا أنها تعددية.فكل إنسان يحوي في داخله إمكانيات متعددة”[28]،لذا فقد شجع الإسلام على الإنصات إلى الآخر في احترام فقال تعالى:” وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “[29].من هنا فإن”التمايز الحضاري لم يكن في يوم من الأيام يمثل عقبة في سبيل التفاعل والتواصل بين الحضارات.ومن أجل ذلك لا توجد حضارة إنسانية عريقة نمت وتطورت دون أن تتأثر بغيرها من الحضارات”[30].

إذن فهم الإسلام التعددية اللازمة التي تفترض إنكار الذاتية المغرقة في الغلو والتمركز حول تموضعاتها،فنادى بها بحثا عن حضور تنتفي فيه مفاهيم الهيمنة والسيطرة والاحتكار،بحكم إن الوجود قائم على مفهوم الحاكمية لله،لأن افتراض وجود قيمية متجاوزة ومتعالية تفترض الاكتفاء،وتجعل الاشتراك في هذه الحاكمية من باب المغالطة ،من هنا يصبح الكل ـ حتى الحاكم ـ جزء من النظام الاجتماعي وليس تمثيلا مطابقا لله،هذا الأمر يعمق من مفهوم الشراكة السياسية والاجتماعية….،ومن مفهوم الحوار الذي يعد المؤكد لهذه الصيغة بل وسيلتها.وقد تحدث محمود عباس العقاد عن قيمة التعدد في المجتمعات فقال:”التعدد أقوى الأسباب لإحكام صلة التعارف بينها وتعريف “الإنسانية” كلها بأسرار خلقها..فإن تعدد الشعوب والقبائل يعدد المساعي والحيل لاستخراج كنوز الأرض واستنباط أدوات الصناعة،على حسب المواقع والأزمنة،وعلى حسب الملكات والعادات التي تتفق عنها ضرورات العيش والذود عن الحياة فينجم عن هذا مالابد أن ينجم عنه من تعدد الحضارات و أفانين الثقافة،وتزداد الإنسانية عرفانا بأسرار خلقها،وعرفانا بخالقها،واقترابا فيما بينها.وتضطر إليه اضطرارا لما تحسه من اشتباك منافعها”[31].

2ـ الاختلاف:إن العلاقة بين المتحاورين هي علاقة انفصال واتصال،لأن المشاركة تفترض جزء من الاختلاف،فالمطابقة الكلية لا تفترض وجود حوارية واضحة مادامت قد ألغت الحدود الفاصلة بين الذات والآخر،بل تشجع على”أحادية الفكر والانغلاق المتسلط الذي عادة ما يمارس بصورة لا شعورية أساسا،ويذهب إلى فكرة ما دون محاولة التعرف العلمي الهادئ…على ما يريد أن يقوله الآخر أو على ما يطرحه بالعمق المطلوب،ومن ثم يكون هناك افتراض مسبق ثابت لأي حوار،وبالتالي يكون الانقضاض في النهاية هو طابع هذه النوعية من المحاورين عند مواجهتهم بفكرة جديدة أو مخالفة للفكرة التي يقتنعون بها أو تكون موجودة لديهم بشكل مسبق قبل بدء الحوار”[32].إذن يستمد الحوار ضرورته من هذا الانفصال،لذا فمن المفترض أن”اختلاف الدين ليس مصدر خصومة واستعداء،وإنما تنشب الحروب إذا وقع عدوان أو حدثت فتنة أو ظلمت فئات من الناس”[33].لكن إذا تجاوز الاختلاف الحد المطلوب،،”ولم تراع آدابه فتحول إلى جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب تحدث شرخا في الأمة ـ وفيها ما يكفيها ـ فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء إلى معاول للهدم”[34].

3ـ احترام الآخر: استطاع الإسلام أن يهذب الرغبات والمصالح،وذلك بإلغاء العنف الجسدي واللفظي ،حيث يقول تعالى:” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم(105)”[35].  

هذه الصيغة التحاورية المعتمدة على اللين وحسن الخطاب واحترام الآخر،بدحض اختلافاته من خلال الحجج العقلية،هي التي جعلت من هذه الأمة في الحكم الإلهي خير الأمم،يقول تعالى:” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ”[36].

إن هذا الأمر لا يعني إقصاء المحددات الشخصية والاعتبارات الفردية ،ولا إلغاء الإبداع كما يفهم البعض،وإنما احترام للآخر متبوعا باحترام الذات،حيث لا تطرف ولا تمييع.

4ـ حسن المعاملة والتجاور والإحسان إلى الآخر،”وقد أوجد الفتح حوارا بين المسلمين وغير المسلمين سواء أكان أولئك الجيران من العرب،أم ممن دخلوا في الإسلام من غير العرب..”[37].

5ـ التواضع وتجنب الغرور واستخدام الأسلوب المهذب.

6ـ عدم تعميم الأحكام.

7ـ الإخلاص في كشف الحقائق وإبرازها وعدم التمويه أو التستر عنها.

8ـ تحديد المفاهيم وضبط الأحكام.

9ـ أن يؤدي الحوار نفعا عاما.

10ـ البحث عن نقاط الاشتراك:يقول سلمان العودة في هذا الصدد:”وحتى لو كان ما تقوله صوابا قطعا،وما يقوله الآخر خطأ قطعا،فإن من الحكمة أن تبدأ الدعوة والحوار بدائرة المتفق عليه،كما علمنا ربنا عز وجل”[38]، وهذه النقطة تجد تمثيلاتها في القرآن الكريم،يقول تعالى:”

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون”[39].

وقوله تعالى :” وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”[40].

 

َ5ـ خصائص الحوار الإسلامي:

استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعقل العالم بالنظر إلى الفروقات الكامنة فيه،لذلك وعبر امتداد عمره استخدم صيغة تخاطب تعتمد التفاعل المنبني على الحجة المتدرجة مع مراعاة السياق المنتج في ظلاله هذا الخطاب الحواري،وقيمة المحاور العقلية والاجتماعية والنفسية…،وهذه الصيغة كان شرط تأكدها :الاكتفاء الذاتي بمضامينها اللغوية والمفهومية،حيث لم يتجاوز صلى الله عليه وسلم حدود الفهم ولم يتلاعب بالألفاظ ليجعلها خاضعة للاحتمالية المغرقة في الغموض،وإنما كانت في لغة واضحة راقية تبتعد عن التسطيح والابتذال، وتقترب من الذات بسمو مقصدها وانسيابيتها البديعة،فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكلفا ولا متصنعا ولا مكثرا ،وإنما كانت الجملة اللماحة التي تحمل مقصدها في بيانها ووضوحها طريقته في كل حوار،كما كان مدعما هذه الحوارية المقتصدة بالحجج العقلية التي تسير بالمخاطَب ـ من الجزئية إلى الكلية النهائية،بعد ربط هذه الجزئيات وإجاباتها بالقضية الكبرى أو بالكل المتجاوز وهو الله عز وجل.إضافة إلى المجادلة بالحسنى دون مبالغة في التساهل واللين والمجاملة،يقول تعالى:”

وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ  أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”[41].

وقد أجمل الدكتور حسن محمد وجيه في كتابه”مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي” ما قلناه في نقاط تحت مسمى”عناصر كفاءة الحوار اللغوية والاجتماعية والعرقية” وهي:

“ـ معرفة خلفية المحاور…

ـ الإحاطة بموضوع الحوار جيدا وبكل ما يتعلق به من موضوعات.

ـ معرفة أثر الحوار ودرجة حدته أو خفته داخل السياق.

ـ الأخذ بعين الاعتبار الفروق بين المحاورين.

ـ مراعاة موضوع الحوار وعدم الإقلال أو الإكثار مما يتطلبه السياق.

الاهتمام بكيفية توصيل الفكرة”[42].

لقد أكد الإسلام على الحوار المبني على الخصائص السابقة،في حين سعى حوار الحضارات بصيغته الغربية إلى تأكيد المسافة بينها ،لذا فضح رجاء غارودي خطابه فقال:”وإنما يهدف مطلب “حوار الحضارات” إلى الإسهام،على الصعيد الثقافي،في”بناء نظام عالمي جديد”،يمثل ما يدعو إليه الأب (ليبرت)مؤسس”الاقتصاد والمنزع الإنساني” وبحسب روح تفكيره”[43].وفي هذا الصدد دافع الدكتور حسن الباش على الحوار بصيغته الإسلامية حينما قال:”على أية حال فنحن ـ العرب والسلمون ـ نؤمن بالحوار مع أبناء الإنسانية كلهم من منطلق تعلمناه من قيمنا العقدية أولا،والحضارية ثانيا،ولم نكن يوما منغلقين بل إننا قد نبالغ في الدفاع عن الحوار استنادا إلى منظور قرآني إنساني يقول تعالى فيه:”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” ولعل معنى التعارف هنا لا يحتمل العداء والفوقية،ولا يستغل الضعيف ويشد أزر القوي والظالم”[44].

6ـ أهدافه:

ـ الدعوة إلى الله وتوضيح محاسن الدين الإسلامي،يقول تعالى:” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون”[45].

  ـ تفنيد الباطل،ودليله ما ورد في حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع وفد نجران،يقول تعالى:” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ*هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ*مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ”[46].ويذكر بن كثير هذا الحوار في تفسيره لهذه الآيات،حيث قال:”ينكر تبارك وتعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل عليه السلام ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم كما قال محمد بن إسحاق بن يسار حدثني محمد بن أب محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال:اجتمعت نصارى نجران وأحبار اليهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنازعوا عنده فقالت الأحبار:ماكان إبراهيم إلا يهوديا ،وقالت النصارى:ماكان إبراهيم إلا نصرانيا،فأنزل الله تعالى:”يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم” الآية،أي كيف تدعون أيها اليهود أنه كان يهوديا وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى،وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان نصرانيا وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر؟[47]“.

ـ رد الشبهات عن الإسلام يقول تعالى:” وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا”[48].

ـ تعديل التنميط الجاهز عن الشخصية الإسلامية عند الغرب،إذ كثيرا ما صورونا رمزا للإرهاب والتخلف والهمجية والدموية .

ـ تأكيد سماحة الإسلام ونفي صفة الإكراه عنه،يقول تعالى”فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبادِ”[49].

ـ استعمال الحوار للمطالبة بحق مشروع عادل.

7ـ آداب الحوار:

حتى يؤدي الحوار الإسلامي مهمته لابد من آداب تضبط مساره وتساعده على الوصول إلى النتائج المرجوة،وقد بين الدكتور خالد بن عبد الله القاسم ضرورة هذه الآداب لأمور هي:

“أولا:لأنه معتبر شرعا بنصوص عديدة..

ثانيا:لأن الأدب في الحوار وسيلة مهمة في طمأنة المحاور وتسليمه واقناعه.

ثالثا:لأن الأدب في الحوار ضمان لمواصلته واستمراره”[50].

ومن أهم الآداب المستخلصة:

ـ توخي الصدق وحسن النية.

ـ الإحاطة بموضوع الحوار إحاطة تجنبه الجهل الذي يعمق الخلاف.يقول تعالى:” ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ”[51].فلكي”يسير الحوار إلى الوجهة الصحيحة لابد من حسن الفهم لحجج الطرف الآخر وأدلته وأقواله،والخلفيات المؤثرة على أفعاله وتصرفاته.ففي كثير من الأحيان يتحاور الطرفان،ويطول الحوار،وتتشعب المسائل،ويستمر الخلاف،ولا يصلان إلى نتيجة.والسبب أن كل واحد منهما لم يفهم مراد الآخر ومستنده من الأدلة والبراهين”[52].وبهذا الصدد يقول الدكتور عباس محجوب:”كل إنسان تحاوره لديه مفاهيم وتصورات عن الموضوع المحاور فيه فقد تكون هذه المفاهيم صحيحة إذا كانت تصوراته صحيحة،وقد تكون مغلوطة إذا لم تكن مفاهيمه صحيحة،وهذا يقتضي من المحاور أن يكون ملما بقضيته،متمكنا من واقعه ودعوته،حتى يواجه محاوره بمعرفة تامة وأدلة واضحة”[53].

ـ تحديد الهدف تحديدا جيدا،حتى يتم ضبطه ضبطا صحيحا فلا يدخل المحاورين في متاهات أو أحاديث لا طائل منها.

ـ عدم مخالفة الشرع،”فحينئذ نعلم بأنه إذا حصل لنا شيء من الأمور التي نتنازع فيها ونتحاور فيها،فإنه يجب علينا أن نرد ذلك النزاع،وذلك الموضوع الذي نتحاور فيه إلى الأدلة الشرعية كتابا وسنة”[54].فالإسلام لم يقم بنفي التفاوت بل وجد فيه ضرورة إنسانية لتفاوت الأفهام والقدرات العقلية،من هنا” لابد من حصول الاختلاف .إلا أنه من الواجب عند حصوله أن يضبط بالضوابط الشرعية.لذلك نجد أنه رغم حصول الاختلاف بين الصحابة إلا أنهم كانوا يردون ذلك الاختلاف إلى الله والرسول فيجدون الحل لذلك الاختلاف،ولم ينشأ عنه أحقاد أو عصبيات”[55].

ـ التواضع بين المتحاورين وتجنب الاستعلاء،فيجب”ألا يكون قصد الإنسان الانتصار للنفس،والعلو على غيره،وإفحامه،واستعراض القوة والقدرة على الغلبة،والتعاظم على الآخرين بالقول والفعل،والظهور بمظهر الأستاذية،والتلبس بلباس المشيخة،وأنه وحده المدرك البصير الذي يسمع قوله ويعتمد رأيه”[56].

ـ تجنب كلام السوء والتشاتم بين المتحاورين،إذ “المظاهرة بالعداوة قد تجلب أذى من حيث لا يعلم،لأن المظاهر بالعداوة كشاهر السيف ينتظر مضربا،وقد يلوح منه مضرب خفي،وإن اجتهد المتدرع في ستر نفسه،فيغتنمه ذلك العدو”[57].من هنا وجب على المحاور إلا يتهم الآخر بالجهل والسطحية والغرور والعقد النفسية،لأن الأمر”مسلك لا يتفق مع المنهج الإسلامي في الحوار بل لا يتفق مع المنهج الحضاري للحوار بصفة عامة،فقد اتفق العقلاء على أن الكلمة الجارحة توعز الصدور،والكلمة الطيبة تفتح مغاليق القلوب،وقد أرسل الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون فقال لهما:”فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى”طه:44″[58].

ـ التزام جانب العدل والابتعاد عن الانتصار للظلم “ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا”[59].ويقول تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “[60].

ـ عدم إظهار البغض وسوء الظن والتعصب للرأي الذي”يجمد المرء على فكرة وصلت إليه بطريقة ما فلا يقبل لها مناقشة،ويرفض أن ينظر في رأي آخر يعرض عليه،بل إنه قد يعجز عن استبانة الرأي الآخر وما قد يكون فيه من صواب أو خطأ.لأن عقله استغلق.فلا يتحمل جديدا ولا مزيدا”[61]،من عنا وجب إعطاء فرصة للآخر حتى يعرض حججه بحرية،لأنه”من خلال تعاليم الكتاب والسنة أدرك الناس دون تكلف ولا تقعر أن الحريات موطدة وأن الحقوق مصونة وأن العقل ينبغي أن يفكر دون قيد..”[62].

ـ الحلم والهدوء والرفق وتجنب الغضب والعفو والتجاوز عن الأخطاء وعدم الوقوف عندها والصبر على المحاور.يقول تعالى:” اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى”[63].ويقول عز وجل أيضا:” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم”[64].ٍ 

ـ الوضوح وعدم تعمد الغموض في الطرح.

ـ حسن الإنصات ،وإعطاء الفرصة للآخرين من أجل إبداء آرائهم ومناقشتها، “والمحاور الجاد هو الذي يهتم بصاحبه،ويصغي لكلامه،ويحسن الإنصات له،حتى لا يكون في عالم منعزل عنه،وهذا ـ عادة ـ يعين على هدوء الطرفين المتحاورين ، ويتيح لهما حسن الفهم،ووضوح الرؤية،والقدرة على استكمال عرض الحجج وتركيزها،ومن ثم إتمام الحوار إلى نهايته”[65].

ـ التسامح الذي يضفي إلى احترام حرية الآخرين”واحترام الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به.وليس الهدف من الحوار مجرد فك الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر،وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس..والحوار بهذا يعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات”[66].ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم المنبئة بتسامحه مع اليهود وغيرهم كثيرة،ففي الوقت الذي تهان فيه مقدساتنا اليوم دونما اعتبار للكرامة الإنسانية ،تسامح صلى الله عليه وسلم مع اليهود وترك صحائفهم المقدسة”ولم يتعرض لها بسوء ولم يحقرها مع شدة عداوتهم له فقد سمح لهم قبل ذلك بأخذ صحفهم المقدسة المشتملة على وصية موسى لبني إسرائيل عند إجلائهم من المدينة في غزوة بني النضير”[67].

وربما قريب من ذلك ما ورد في محاورة سقراط لأقريطون،حيث يقول:”فلا يجب،إذن،رد الظلم بالظلم،ولا فعل السوء في حق أي شخص من الناس،مهما يكن ما نعانيه على أيديهم.وانتبه،يا أقريطون،وأنت توافقني على هذا،أنك لن تخالف فكرك الحقيقي،لأنني أعلم أنهم قلة هؤلاء الذين يعتقدون في هذا والذين سيعتقدون فيه.وبين هؤلاء الذين يعتقدون فيه وأولئك الذين لا يعتقدون ليس هناك من تفاهم متبادل،وليس لهم إلا أن يتبادلوا الاحتقار نظرا إلى المواقف المختلفة التي ينتهون إليها:فانظر إذن،وبعناية كبيرة،إن كنت أيضا تشاركني فيما أذهب إليه وإن كنت معي فيما أفكر.ولنبدأ في تشاورنا من هذا:إنه ليس من الصواب على أي شكل لارتكاب الظلم ولا رد الظلم بالظلم ولا،عندما نعاني الظلم،أن نثأر بالرد بالشر”[68].

8ـ أنواع الحوار:

للحوار أنواع عديدة يصعب حصرها،ذلك أن كل باحث ينطلق في حصرها من زاوية محددة ،فإن نظرنا إلى موضوع الحوار نجده يتفرق بين:حوار سياسي واجتماعي وديني وتربوي…إلخ،وإن عددنا الأنواع بالنظر إلى الأطراف،نجده يتفرق بين :حوار مع النفس وحوار وطني وحوار مع الآخر،أما إن أخذنا الأمر من زاوية الأهمية،فالحوار هنا ينقسم إلى:حوار الدعوة والأمثلة الواردة في هذا البحث كثيرة عنه،وحوار التعامل أو الحوار العادي الذي يجري بين عامة الناس خدمة لمصالحهم،وحوار الوحدة الذي يقصد إلى إزالة الفروق ولم الشتات من أجل مجتمع نموذجي.وقد حصرالدكتور محسن بن محمد بن عبد الناظر أنواع الحوار بين:

“أـ الحوار الجدلي:ويبرز في القضايا المتعلقة بالعقيدة والتي أثارها اليهود ليزرعوا الشك في النفوس.

بـ ـ الحوار التشريعي:وتظهر فيه القضايا التي كانت أصلا لحكم تشريعي أو الأحداث التي أظهرت التطابق بين أحكام التوراة قبل تحريفها وبين التي جاء بها الإسلام.

ج ـ الحوار الاجتماعي: وهو الذي يهتم ببعض العلاقات الاجتماعية التي كانت قائمة بين المسلمين واليهود.

دـ الحوار المصيري:وهو الذي تحدد أثناءه مصير اليهود بالمدينة المنورة خاصة والجزيرة العربية عامة”[69].

 

9ـ أهمية الحوار:

أورد القرآن الكريم قصص الأنبياء وأحاديثهم في شكل حواري،وبين الله عز وجل أصول الحوار ومقوماته في الآية 46 من سورة سبأ حينما قال سبحانه وتعالى:” قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. “.حيث رد بها الله على طعن المشركين في الرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له،ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية:”يقول تبارك وتعالى”قل” يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون”إنما أعظكم بواحدة” أي إنما آمركم بواحدة وهي”أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة” أي تقوموا قياما خالصا لله عز وجل من غير هوى ولا عصبية فيسأل بعضكم بعضا هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضا”ثم تتفكروا”أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ويتفكر في ذلك،ولهذا قال تعال:”أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة” هذا معنى ماذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتادة وغيرهم”[70].

ونظرا لأهمية الحوار وجب إخلاص النية وحسن الإنصات،والاعتراف بالخطأ حال حدوثه ومحاولة تصحيحه ومراجعته،وأيضا التواضع وتجنب المراوغة وعدم الاستهزاء بالآخر وتحقيره،والهدوء والعدل وضبط النفس حال الغضب وعدم المجادلة مع الباطل يقول تعالى:” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ”[71].إضافة إلى التحرر من التبعية والتقليد المفضي إلى التزمت والمؤدي إلى العماء الأيديولوجي ،إذ غالبا ما تحاول الأطراف التمسك بآرائها والتعامل معها على أساس أنها حقائق مطلقة  لا تجب مناقشتها في حال الحديث عن القضايا التي تحتمل تعدد الرؤى، من هنا كان التفكير ضروريا في الرأي المخالف للبحث عن الإمكان المعقول بعد استعمال الحجج العقلية لتأكيده.

إن الحوار الإسلامي يعمق الإحساس بالله ومن ثمة بالآخر المختلف،حينما تحاول الأطراف ردم الهوة بينها وذلك بالبحث عن نقاط الاشتراك،أو حينما يحاول الطرف الإسلامي أن يعدل من نظرة الآخر ورؤيته وتصوره تجاه الله عز وجل وتجاه الإسلام ،وذلك بالاعتماد على الدعوة الإسلامية بأسلوب الحوار،ويحصر الأستاذ أنور الجندي ميادين الدعوة فيمايلي:

“أولا:دعوة الخلق إلى الحق وذلك بتقديم جوهر التوحيد ومسؤولية الإنسان والتزامه الأخلاقي وجزاءه الأخروي إلى كل إنسان.

ثانيا:تصحيح المفاهيم ودحض الزيوف والسموم المطروحة في أفق الفكر الإسلامي لتقديم مفهوم غير كامل وغير جامع إلى المسلمين أنفسهم،وذلك بالكشف عن حقيقة الإسلام بوصفه دينا ونظام مجتمع.

ثالثا:العمل على تحرير الأقليات الإسلامية وحماية الجماعات الإسلامية المتناثرة في مختلف الأقطار والقارات”[72].

10ـ الحوار في الكتاب والسنة:

حفل القرآن الكريم بأمثلة تدل على مشروعية الحوار وأهميته،ومن أمثلة ذلك مادار بين الله عز وجل وملائكته في سورة البقرة،يقول تعالى:” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ  قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ”[73].

وحواره عز وجل مع سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قولته تعالى:” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”[74].وكذا حواره عز وجل مع سيدنا موسى عليه السلام،إذ قال تعالى:” وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقًا فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ”[75].

ولم يقتصر القرآن على حوار الله عز وجل مع أنبيائه،بل أورد حوار الأنبياء مع أعدائهم ،وحوار الناس بينهم،فمن النوع الأول ما ورد في قوله تعالى: “قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) “[76]. وأما ما ورد في النوع الثاني فقوله تعالى:” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْبانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ “[77].

وأما السنة النبوية فتحوي الكثير من الحوارات،منها حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومع النصارى واليهود….،نكتفي بذكر نموذج واحد :” عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ، قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَتْ الْيَهُودُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ”[78].

وفي الحضارة الإسلامية أيضا احتفاء بالحوار،إذ عد وسيلة أساسية للتبليغ ولتعديل التصورات الغيرية ،ناهيك عن الحوار الداخلي الذي يقصد إلى فك النزاعات وتقريب وجهات النظر بين المسلمين درء لتشتيت الصفوف.ولا أدل عن ذلك من إقرار الصحابة رضوان الله عليهم بحقوق أهل الذمة،عملا بنصيحة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم،فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي سائله جويرية بن قدامة التميمي رضي الله عنهم جميعا بأهل الذمة فيقول:”أوصيكم بذمة الله،فإنه ذمة نبيكم،ورزق عيالكم”[79].إضافة إلى ما وصلنا من حوار التابعين والعلماء مع الملاحدة وأهل الشرك كالشافعي وأبي حنيفة وغيرهما رحمة الله عليهم جميعا.

 

 

 

خاتمة:

خلصنا في خاتمة البحث إلى جملة نتائج منها:

ـ الاختلاف والتعدد ضرورة وجودية،إذ يسهمان في تنوع الحضارات وازدهارها إذا لم يكن الهدف منهما زرع الحروب والصراعات.

ـ الحوار صيغة تفاهم واشتراك وتقارب رؤى ،حيث يسهم في تقليص الهوة القائمة على تباين الرؤى والتوجهات.

ـ حوى القرآن الكريم على العديد من الأمثلة الحوارية التي تعكس أهمية الحوار في الدعوة إلى الله.

ـ أسس الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام على هذه الصيغة،إذ احترم الآخر وأنصت لقناعاته واحترم اختلافاته.

ـ لابد من تكاتف الجهود من أجل تعديل الصور النمطية المشوهة للإسلام لدي الغرب.

ـ حوار الحضارات عند الغرب يهدف إلى تذويب الهوية وقتل الخصائص النوعية تحت مسمى العولمة،ولذا لابد من الحذر من هذه الصيغة ومراجعتها ومساءلتها.

ـ يهدف الحوار الإسلامي إلى التقريب بين وجهات النظر دونما تعصب أو إرهاب .

ـ كل ما قيل عن الإسلام كونه دين تعصب وإرهاب من المغالطات الكبيرة ،لذا وجب تفنيده وذلك بتعريف غير المسلمين بحقيقة الحوار الإسلامي.

ـ وجب الدفاع عن مقدساتنا من موضع قوة لا من موضع ذلة أو خنوع.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المراجع:

ـ القرآن الكريم .

المراجع والمصادر العربية:

1ـ تفسير القرآن العظيم:عماد الدين بن كثير،تحقيق:محمد ناصر الدين الألباني،الجزء السادس،دار البيان الحديثة، ط1 ،1425 هـ/2004

2ـ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري:صحيح البخاري،المكتبة العصرية للطباعة والنشر،بيروت،1424 هـ /2004 .

3ـ محمد متولي الشعراوي:الفتاوى الكبرى،المكتبة العصرية،بيروت،1423هـ/2003.

4ـ سعد البازعي:شرفات للرؤية،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت ،ط1،2005 .

5ـ سعد البازعي:الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت،ط1،2008 .

 6ـ حسن الباش:صدام الحضارات،دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع،دمشق/بيروت ،ط1 ،2002.

7ـ يوسف زيدان:اللاهوت العربي وأصول العنف الديني،دار الشروق،القاهرة،ط2،2010.

8ـ عبد الوهاب المسيري:اللغة والمجاز،دار الشروق،القاهرة،ط2،1427هـ/2006.

9ـ رضوان جودت:صدى الحداثة،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت،ط1 ،2003 .

10ـ مصطفى محمود:أكذوبة اليسار الإسلامي،درا المعارف،ط2،1978.

11ـ طه جابر العلواني:أدب الاختلاف في الإسلام،المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا .

12ـ خالد بن عبد الله القاسم:الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه،دار المسلم للنشر والتزيع، الرياض،ط1،1414 هـ.ص104.

13ـ عبد القادر محمودي:النزاعات العربية العربية وتطور النظام الإقليمي العربي،منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار،الجزائر،2002.

14ـ عبد العظيم إبراهيم محمد المرطعني:سماحة الإسلام،مكتبة وهبة،القاهرة،ط1،1414هـ/1993.

15ـ عباس محمود العقاد:الإنسان في القرآن،نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.

16ـ حسن محمد وجيه:مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي.

17ـ محمد الغزالي:تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل،دار المعرفة،الجزائر،1999.

18ـ محمد أبو زهرة:الدعوة إلى الإسلام،دار الفكر العربي،القاهرة،1992.ص52

19ـ سلمان العودة:كيف نختلف،مؤسسة الإسلام اليوم للنشر،الرياض،ط1،1433هـ.

20ـ حسن محمد وجيه:مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي،عالم المعرفة.دت،1994.

22ـ عباس محجوب:الحكمة والحوار،جدارا للكتاب العالمي/عالم الكتب الحديث،الأردن،2006.

23ـ سعد بن ناصر الشثري:أدب الحوار،كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، ط1،1427 هـ/2006.

24ـ عقيل بن محمد المقطري:أدب الاختلاف،دار ابن حزم،بيروت،ط1،1414هـ/1993.

25ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي:صيد الخاطر،دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ،1424هـ/2003.

26ـ خالد بن عبد الله القاسم:الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه،دار المسلم للنشر والتوزيع،ط1،1414هـ،الرياض.ص152.

27ـ صلاح الصاوي:التطرف الديني في الرأي الآخر،الآفاق الدولية للإعلام،ط1،1993.

28ـ محمد الغزالي:الحق المر،دار الشهاب،الجزائر.

29ـ محمد الغزالي:هموم داعية،شركة الشهاب،الجزائر.

30ـ أحمد بن عبد الرحمن الصويان:الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية،دار الوطن،الرياض،ط1،1413هـ.

31ـ محمد رضا:محمد ،دار الكتاب العربي،بيروت1424هـ/2004.

32ـ محسن بن محمد بن عبد الناظر:حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود،دار الدعوة للنشر والتوزيع،الكويت ، ط1،1409هـ/1989.

33ـ عبد الله إبراهيم :المركزية الإسلامية ،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت،ط1،2001.

34ـ علي حرب:تواطؤ الأضداد،الدار العربية ناشرون/دار الاختلاف،بيروت/الجزائر،ط1،1429هـ/2008 .

35ـ حسين مؤنس:الحضارة،عالم المعرفة،الكويت،ط2،1998.

المقالات:

36ـ أنور الجندي:آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في القرن الخامس عشر الهجري.كتاب الأصالة”الملتقى الثالث عشر للفكر الإسلامي”،الجزء الثاني، شوال1399/سبتمبر1979.الجزائر.

37ـ محمد عبد اللطيف رجب عبد المعطي:منهجية الحوار في القرآن الكريم،مجلة الشريعة والقانون ، العدد 35،رجب1429هـ/يوليو2008

38ـ عبد الحميد السحيباني:كيفية التعامل مع أهل الكتاب في ضوء الكتاب والسنة،مجلة العدل، العدد44، شوال1430هـ.

المراجع المترجمة:

39ـ علي عزت بيجوفيتش:الإسلام بين الشرق والغرب،ترجمة:محمد يوسف عدس.دار الشروق،القاهرة.

40ـ إيغوركون:البحث عن الذات،ترجمة:غسان نصر،منشورات معد للنشر والتوزيع،دمشق،1992.

محمود حمدي زقزوق:الإسلام وقضايا الحوار،ترجمة:مصطفى ماهر،مطابع التجارية،القاهرة،142 هـ/2002

41ـ روجيه غارودي:حوار الحضارات،ترجمة:عادل العوا،عويدات للنشر والتوزيع،بيروت،ط5،2003

 41ـ أفلاطون:محاكمة سقراط،ترجمة:عزت قرني،دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، ط2 2001 .

42ـ ديبتر سنغاس:الصدام بين الحضارات،ترجمة:شوقي جلال علي مولا،دار العين للنشر،القاهرة،ط1،2002 .

  .سعد البازعي:الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت،ط1،2008 . ص37.[1]

.ديبتر سنغاس:الصدام بين الحضارات،ترجمة:شوقي جلال علي مولا،دار العين للنشر،القاهرة،ط1،2002 . ص204.[2]

.علي حرب:تواطؤ الأضداد،الدار العربية ناشرون/دار الاختلاف،بيروت/الجزائر،ط1،1429هـ/2008 . ص113.[3]

. عبد الله إبراهيم :المركزية الإسلامية ،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت،ط1،2001.ص7.[4]

.محمد متولي الشعراوي:الفتاوى الكبرى،المكتبة العصرية،بيروت،1423هـ/2003.ص568.[5]

.سعد البازعي:شرفات للرؤية،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت ،ط1،2005 .ص166.[6]

.حسن الباش:صدام الحضارات،دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع،دمشق/بيروت ،ط1 ،2002.ص41.[7]

.يوسف زيدان:اللاهوت العربي وأصول العنف الديني،دار الشروق،القاهرة،ط2،2010.ص26.[8]

.عبد الوهاب المسيري:اللغة والمجاز،دار الشروق،القاهرة،ط2،1427هـ/2006.ص122.[9]

.رضوان جودت:صدى الحداثة،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء/بيروت،ط1 ،2003 .ص132.[10]

.محمد عبد اللطيف رجب عبد المعطي:منهجية الحوار في القرآن الكريم،مجلة الشريعة والقانون ، العدد 35،رجب1429هـ/يوليو2008.ص193ـ194.[11]

.مصطفى محمود:أكذوبة اليسار الإسلامي،درا المعارف،ط2،1978.ص53ـ54.[12]

.الكهف:34.[13]

.الكهف:37.[14]

.المجادلة:1.[15]

.طه جابر العلواني:أدب الاختلاف في الإسلام،المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا .ص22ـ23.[16]

.النحل:125.[17]

.المجادلة:1.[18]

.خالد بن عبد الله القاسم:الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه،دار المسلم للنشر والتزيع، الرياض،ط1،1414 هـ.ص104.[19]

.عبد الحميد السحيباني:كيفية التعامل مع أهل الكتاب في ضوء الكتاب والسنة،مجلة العدل، العدد44، شوال1430هـ.ص126ـ127.[20]

. حسن الباش:صدام الحضارات.ص19.[21]

.محمد عبد اللطيف رجب عبد المعطي:منهجية الحوار في القرآن الكريم.ص202.[22]

.علي عزت بيجوفيتش:الإسلام بين الشرق والغرب،ترجمة:محمد يوسف عدس.دار الشروق،القاهرة.ص226 ـ227.[23]

.حسن الباش:صدام الحضارات.ص8.[24]

.حسين مؤنس:الحضارة،عالم المعرفة،الكويت،ط2،1998.ص43.[25]

.عبد القادر محمودي:النزاعات العربية العربية وتطور النظام الإقليمي العربي،منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار،الجزائر،2002.ص40.[26]

.عبد العظيم إبراهيم محمد المرطعني:سماحة الإسلام،مكتبة وهبة،القاهرة،ط1،1414هـ/1993.ص70.[27]

.إيغوركون:البحث عن الذات،ترجمة:غسان نصر،منشورات معد للنشر والتوزيع،دمشق،1992.ص174.[28]

.آل عمران:159.[29]

.محمود حمدي زقزوق:الإسلام وقضايا الحوار،ترجمة:مصطفى ماهر،مطابع التجارية،القاهرة،142 هـ/2002 .ص69.[30]

.عباس محمود العقاد:الإنسان في القرآن،نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.ص47.[31]

.حسن محمد وجيه:مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي.ص148.[32]

.محمد الغزالي:تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل،دار المعرفة،الجزائر،1999.ص35.[33]

.طه جابر العلواني:أدب الاختلاف في الإسلام.ص25.[34]

.آل عمران:الآية 104ـ105.[35]

.آل عمران:110.[36]

.محمد أبو زهرة:الدعوة إلى الإسلام،دار الفكر العربي،القاهرة،1992.ص52.[37]

.سلمان العودة:كيف نختلف،مؤسسة الإسلام اليوم للنشر،الرياض،ط1،1433هـ.ص108.[38]

.آل عمران:64.[39]

.العنكبوت:46.[40]

.العنكبوت:64.[41]

.حسن محمد وجيه:مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي،عالم المعرفة.دت،1994.ص148.[42]

.روجيه غارودي:حوار الحضارات،ترجمة:عادل العوا،عويدات للنشر والتوزيع،بيروت،ط5،2003.ص77.[43]

. حسن الباش:صدام الحضارات.ص23. [44]

.آل عمران:64.[45]

.آل عمران:65ـ68.[46]

.ابن كثير:تفسير القرآن العظيم،الجزء الثاني ،تحقيق:محمد ناصر الدين الألباني،الجزء السادس،دار البيان الحديثة، ط1 ،1425 هـ/2004. ص34.[47]

.الفرقان:7.[48]

.آل عمران:20.[49]

.خالد بن عبد الله القاسم:الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه،دار المسلم للنشر والتوزيع،ط1 ،1414هـ،الرياض.ص152.[50]

.إل عمران:66.[51]

. أحمد بن عبد الرحمن الصويان:الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية،دار الوطن،الرياض،ط1 ،1413هـ.ص49. [52]

.عباس محجوب:الحكمة والحوار،جدارا للكتاب العالمي/عالم الكتب الحديث،الأردن،2006.ص173.[53]

.سعد بن ناصر الشثري:أدب الحوار،كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، ط1،1427 هـ/2006.ص19.[54]

.عقيل بن محمد المقطري:أدب الاختلاف،دار ابن حزم،بيروت،ط1،1414هـ/1993.ص25.[55]

.أحمد بن عبد الرحمن الصويان:الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية.ص93.[56]

.أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي:صيد الخاطر،دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ،1424هـ/2003.ص161.[57]

.صلاح الصاوي:التطرف الديني في الرأي الآخر،الآفاق الدولية للإعلام،ط1،1993.ص28.[58]

.النساء:109.[59]

.المائدة:8.[60]

.محمد الغزالي:الحق المر،دار الشهاب،الجزائر.ص108.[61]

.محمد الغزالي:هموم داعية،شركة الشهاب،الجزائر.ص8.[62]

.طه:43ـ44.[63]

.فصلت:33ـ35.[64]

.أحمد بن عبد الرحمن الصويان:الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية،المرجع السابق.ص108.[65]

.محمود حمدي زقزوق:الإسلام وقضايا الحوار.ص213.[66]

.محمد رضا:محمد ،دار الكتاب العربي،بيروت1424هـ/2004.ص262.[67]

.أفلاطون:محاكمة سقراط،ترجمة:عزت قرني،دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، ط2 2001 .ص159.[68]

.محسن بن محمد بن عبد الناظر:حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود،دار الدعوة للنشر والتوزيع،الكويت ، ط1،1409هـ/1989.ص15.[69]

.تفسير القرآن العظيم:عماد الدين بن كثير،الجزء السادس.ص260.[70]

.الحج:8ـ9.[71]

.أنور الجندي:آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في القرن الخامس عشر الهجري.كتاب الأصالة”الملتقى الثالث عشر للفكر الإسلامي”،الجزء الثاني، شوال1399/سبتمبر1979.الجزائر.ص197.[72]

.البقرة:30ـ33.[73]

.البقرة:160.[74]

.الأعراف:143ـ144.[75]

.طه:57ـ70.[76]

.المائدة:27ـ29.[77]

.أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري:صحيح البخاري،المكتبة العصرية للطباعة والنشر،بيروت،1424 هـ /2004 .ص780.[78]

.الحديث في صحيح البخاري.ص556.[79]

المصدر: http://jilrc.com/%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88...

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك