التغلغل التركي في إفريقيا: الفرص والتحديات

 

على الرغم من أن تركيا الحديثة بدأت الاهتمام بالقارة الإفريقية خلال العام 1998 ، إلا التطبيق الفعلي لسياساتها الاستراتيجية تجاه القارة السمراء لم تبدأ إلا سنة 2002 مع وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم ، وتبني سياسة خارجية جديدة تهدف إلى خلق مزيد من العلاقات التجارية مع مختلف دول العالم. تسعى الدول الإفريقية إلى الإستفادة من العلاقات الاقتصادية والسياسية مع تركيا عبر الإستثمارات التركية في هذه الدول ، كما تستفيد الدول الإفريقية من المساعات التى تقدمها الحكومة التركية إضافة إلى التدخلات الإنسانية عبر مؤسسات الاغاثة التركية.

في إطار استهداف تركيا للسوق الإفريقية عبر تطوير الشراكة مع مختلف دولها، أعلنت تركيا  2005  سنة إفريقيا” The Year of Africa –  وفي سنة 2008 عقد أول مؤتمر شراكة تركي – إفريقي في إسطنبول بحضور ممثلين عن 50 دولة إفريقية ، بعد هذا المؤتمر بدات تركيا في صياغة سياسة خارجية خاصة تهتم بالتعاون التركي – الإفريقي. في إطار التوجه التركي الجديد و وتجسيدا للسياسة الخارجية الجديدة جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأسبوع الماضي لعدة دول إفريقية هي : السودان، التشاد ، تونس. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على الفرص والتحديات لمشروع الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وإفريقيا.

تركيا تطرق بوابة العمل الإنساني

خلال السنوات القليلة الماضية برزت تركيا كإحدى الدولة المانحة والعاملة في مجال العمل الإنساني خاصة في المناطق التى تشهد مجاعات أو كوارث طبيعية في إفريقيا ، حيث تدخلت في عدة دول إفريقية منها السودان والصومال وذالك عبر الهلال الأحمر التركي و مؤسسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، وفي إطار دعم مجهوداتها الإغاثية في إفريقيا قامت وكالة التعاون والتنسيق التركية بفتح ثلاث مقرات لها في كل من العاصمة السودانية الخرطوم ، والإثيوبية أديس أبابا والسنغالية داكار وذالك لتسهيل مهامها الإغاثية في إفريقيا, خلال السنوات الأخيرة أصبحت المساعدات الإنسانية هي العنصر الأساسي ورأس الحربة في السياسة الخارجية التركية.

في التقرير العالمي للمساعدات الإنسانية 2015 وصلت مساهمة تركيا في العمل الإغاثي الميداني 3.3 مليار دولار وهو ما يجعل تركيا في المرتبة الثالثة في العالم ضمن أكبر الدول المساهمة في العمل الإنساني. بوابة العمل الإنساني التى دخلت منها تركيا إلي القارة الإفريقية مكنتها من ربط جسر من العلاقات بينها وبين هذه الدول حيث تطورت هذه العلاقات لتكون أعمق وأشمل خلال السنوات الأخيرة.

الفرص الاستثمارية في افريقيا

تشهد الدول الإفريقية منذ عدة سنوات نموا متسارعا ساهمت فيه المصادر الطبيعية والبشرية التى تزخر بها القارة وتنامي الدعوات المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد ، خلال العقد الماضي حققت القارة الإفريقية معدل نمو وصل 5% ومن المتوقع تواصل هذا النمو خلال السنوات القادمة. إضافة إلى ذالك تشير التقارير إلى أن 6 من أصل 10 أسرع اقتصادات نموا توجد في إفريقيا  ومن المتوقع أن تصل قيمة الاقتصاد الافريقي 29 تريليون دولار خلال العام 2050 .

هذه المعطيات تؤكد أهمية الاستثمار و فرصه المستقبلية في القارة الافريقية وهذا ما اكتشفته تركيا من خلال الدراسات  والمؤتمرات التى أقامت لتطوير العلاقة وتطويرها مع مختلف الدول الإفريقية. حجم الاستثمارات التركية في إفريقيا تضاعف خلال السنوات الخمسة الماضية ليصل 6 مليارات دولار وهوما  يعكس إهتماما كبيرا توليه أنقره للقارة الإفريقية. تقوم تركيا من خلال عدة مشاريع في الدول الإفريقية بتشغيل العمالة الافريقية واستخدام المصادر الطبيعية في هذه الدول في تنفيذ مشاريعها وبذالك تسهم في خلق نشاطات تجارية مثمرة لها وللبلدان التى تعمل وتستثمر فيها.

تحديات تواجه الدول الافريقية

تواجه الدول الإفريقية تحديات كبيرة تشكل عائقا أمامها للإستفادة من المشاريع والاستثمارات الأجنية ،و على الرغم من نجاح بعض هذه الدول في التخفيف من آثار هذه العوائق عبر إصلاحات إدارية و سياسية وقضائية إلا أن أغلب الدول الإفريقية لا تزال تواجه هذه العقبات التى تشكل تحديا كبيرا ليس فقط لها بل للدول المستثمرة أيضا ومن ضمن هذه العقبات التي تحد من إستفادة الدول من الاستثمارات:

ضعف البنية التحتية: في غالبية الاقتصادات تلعب البنية التحتية دورا هاما وأساسيا في تحقيق النمو و التطور ، حيث تعتبر الدول ذات البنية التحتية القوية والمتطورة أكثرا جذبا للاستثمار وأكثر توسعا للنشاطات الاقتصادية وبالتالي تحقق مزيدا من النمو والازدهار مقارنة مع تلك الدول التى تمتلك بنية تحتية ضعيفة ومتهالكة. ويشمل تطوير البنية التحتية إنشاء المطارات والموانيء و الطرق والجسور وكل ما من شأنه تسهيل الحركة.

البيئة الملائمة للأعمال: تشكل بيئة الأعمال عاملا مهما في جذب الاستثمارات ، فالعمل على تطوير وتدريب الكادر البشري وتهيأته بما يحتاج من معرف علمية وتكنلوجية يسهم بشكل كبير على تسهيل إجراءات العمل وهو ما يعتبر عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية ، إضافة إلى توفر الأدوات التكنلوجية والإنترنت وغيرها من متطلبات تسهيل التعاملات هذا بالإضافة إلى تسهيلات العمل الإداري.

الإصلاح الاقتصادي: من أهم قواعد الإصلاح الاقتصادي تحويل مصادر الدولة وثروتها من القطاعات الأقل إنتاجية إلى تلك الأعلى إنتاجية وتسهم هذه القاعدة في زيادة كفاءة الاقتصاد وانتعاشه، الإصلاح الاقتصادي يشمل أيضا قوانين الاستثمار و إصلاح مؤسسات القضاء ومنحها الاستقلالية الكافية لأداء مهامها ، هذه الاصلاحات تحفز المستثمرين على استثمار أموالهم في بلد يمتلك هذه المواصفات.

الإستقرار السياسي : من التحديات الكبيرة التى تواجه القارة الإفريقية عدم الإستقرار السياسي ، حيث تشهد بعض الدول الافريقية إنقلابات عسكرية و صراعات عرقية غالبا ما تسبب موجة من التوتر والاحتقان داخل هذه البلدان وتحرمها من الإستقرار الذي هو أساس أي نهضة اقتصادية ، حالة عدم الاستقرار هذه تسهم في عرقلة الاستثمارات الخارجية و محدوديتها لأن رأس المال جبان  ولا يستقر إلا حيث يوجد الأمان.

تحولت إفريقيا خلال السنوات الماضية إلى وجهة اقتصادية وسياسية للحكومة التركية ، حيث تعمل مئات الشركات التركية متعددة التخصصات في مختلف مناطق القارة الإفريقية وهو ما زاد من حجم التبادل التجاري بين تركيا وإفريقيا وفتح علاقات اقتصادية وسياسية تزداد عمقا يوما بعد يوم.

المصدر: https://islamonline.net/23996

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك