منطلقات التسامح عند الفلاسفة المسلمين

منطلقات التسامح عند الفلاسفة المسلمين

محمد أحمد عواد*

المقدمة:

ثمة اتجاه يذهب إلى أن العالم الحديث لم يعط أهمية كبرى لمسألة التسامح رغم أنها كانت الشغل الشاغل للغرب منذ عصر النهضة. ولا يكتفي أصحاب هذا الاتجاه بهذه القضية، وإنما يؤكدون أن هذا الغياب مرتبط بحالة تاريخية سابقة: فالحضارة العربية الإسلامية، في زعمهم، كانت بعيدة عن مسألة التسامح. كما يقول أحد الدارسين: "فإن الواقع المدهش حقا هو أن التسامح الذي يعتبر سمة عامة في الفكر الغربي منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر وفكرة معاصرة في زماننا هذا. هذا التسامح يبدو في المقام الأول غائبا عن اللغة العربية. وبالتالي غائبا غيابا عن أنماط التفكير كافة والتي تعمل عبر هذه اللغة"(1).

انتشرت فكرة التسامح في أوروبا منذ عصر النهضة, وتعامل معها المفكرون، لذلك نجد فولتير، وجون لوك ثم كانط وغيرهم يكتبون عنها, وقد ولدت تلك الكتابات عقب الأحداث التي وقعت "في القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر. كانت أوروبا قد تحولت إلى أرض يباب بفعل الحروب الدينية"(2)، "ولذا كان الحل هو في الفصل بين الدين والدولة. هو بصورة أخرى عقيدة العلمانية. فالتعصب والدمار "علما البشر بأقصر السبل الممكنة درس التسامح القاسي"(3).

يمكن بالطبع أن يكون التسامح "قد نشأ ردة فعل على حروب أوروبا الدينية"(4).

ويمكن أيضا أن يكون نشأ "بالتواكب مع نشوء نمط الإنتاج الرأسمالي"(5). ويخلص سمير الخليل إلى أن كلمة التسامح "ليست واحدة من تلك الكلمات التي تم النضال بشأنها خلال القرن التاسع عشر أو حتى في القرن العشرين. فلسبب من الأسباب تم تجاهل هذه الكلمة، وتم تجاوزها. أو بالأحرى اكتفى بمجرد النظر إليها على أنها من نافل القول، كما لو أنها لا تعبر في حقيقة أمرها عن شَيْء... فلم يكن للتسامح من يفكر به أو ينطق باسمه"(6).

لم يكن في نظام الإسلام كنيسة، ولم توجد طوائف دينية كما كان الحال في أوروبا، كانت هناك خلافات، وفرق إسلامية مختلفة، ووقعت بعض الحروب، ولكن ليس بتلك الصورة ولا بذلك العنف.

كان تحييد الكنيسة والفصل بين الدين والدولة. ومطالبة الدولة بتعبير لوك، أن تتسامح مع الطوائف جميعا ضمن حدود الدولة لا يشكل قاعدة في حالة خاصة في التاريخ، وفي ذلك يقول الدكتور برهان غليون: "إن هذه العلاقة المتوترة والعنيفة بين الدين والدولة لم تعرفها كل المجتمعات البشرية، ولم تظهر بهذه الحدة إلا في هذه الحقبة من تاريخ أوروبا، وفي هذه القارة وحدها"(7).

إن الدفاع عن هذه الأطروحة ليس ممكنا على صعيد هذه الدراسة، ولكن يمكن الرجوع إلى برهان غليون فهو أفضل مدافع عن وجهة النظر هذه في كتابه "الدولة والدين". وهو يؤكد أن العلاقة بين الدين والدولة كانت في التاريخ الإسلامي علاقة "تعايش لا اندماج"(8). ولم تكن الدولة مضطرة لأن تنفصل عن الدين، بل أسست عليه بنيانها.

لم نقصد بالمرافعة السابقة أن نقدم تسويغا لاختفاء الاهتمام بالتسامح في التراث العربي الإسلامي؛ لأنه كان موجودا كما سنرى في هذه الدراسة، وإن لم يكن بذلك الوضوح الذي تجلى به في الفكر الأوروبي.

التسامح لغة

يقول ابن منظور: "سمح" التسامح والسماحة: الجود...

يقال: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء... والمسامحة: "المساهلة. وتسامحوا: تساهلوا... وفي الحديث المشهور: السماح رباح، أي المساهلة في الأشياء تربح صاحبها... وسمح وتسمح: فعل شيئا فسهل فيه(9).

التسامح لغة: هو الجود والعطاء عن كرم وسخاء. وهو المساهلة. والجود هو "مبدأ إفادة ما ينبغي لا بعوض، فلو وهب واحد كتابه من غير أهله، أو من أهله لغرض دنيوي أو أخروي لا يكون جودا"(10).

مبادئ التسامح:

قدم كارل بوبر(11) تحليلا معمقا لمفهوم التسامح، وانطلق في ذلك من التعبير الذي قدمه فولتير للتسامح، إذ يقول: "إن ما من أحد رأى هذا كله بأوضح مما فعله فولتير، ولا أحد ضاهى فولتير في روعة التعبير عنه. حيث يكتب (وأنا أنقل هنا نقلا حرا):

"وما هو التسامح، إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية. إننا جميعا من نتاج الضعف. كلنا هشون وميالون للخطأ. لذا دعونا نسامح بعضنا ونتسامح مع جنون بعضنا بشكل متبادل. وذلك هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة. المبدأ الأول لحقوق الإنسان كافة"(12).

لا شك في أن مرافعة فولتير كانت موفقة، ومتماسكة، "وهي مؤسسة على نظرة سقراطية تقول: إنني أعرف أني لا أعرف وبالكاد أعرف هذا.. وفي هذا ما يكفينا للمطالبة بضرورة أن نتسامح مع بعضنا بشكل تبادلي. لكنه لا يكفي للدفاع عن التسامح إذا شن ضده هجوم ما"(13).

ويضيف بوبر قائلا: "كان فولتير يرى بكل وضوح أن على التسامح أن يكون تبادليا: أي أنه يتعين عليه أن يقوم على مبدأ التقابل. لكنه لم يتوقع قيام مجتمع ديموقراطي يصبح فيه التسامح مبدأ مقبولا. وليس فقط على شكل تسامح ديني.بل كذلك على شكل تسامح سياسي. كما أنه لم يتوقع أنه داخل مجتمع كهذا سوف تنهض أقليات لن تكون راغبة في تقديم مقابل للتسامح الذي تقدمه لها الأكثرية.. أقليات تقبل مبدأ اللاتسامح وتقبل بنظرية ضرورية العنف"(14).

حلل بوبر مفهوم التسامح الذي قدمه فولتير واشتق منه ثلاثة مبادئ هي:

المبدأ الأول: قد أكون أنا على خطأ وقد تكون أنت على صواب.

المبدأ الثاني: عبر تفاهمنا حول الأمور بشكل عقلاني قد نصل إلى تصحيح بعض أخطائنا.

المبدأ الثالث: إذا تفاهمنا على الأمور بشكل عقلاني، قد ندنوا معـا مـن الحقيقة.

ويؤكد بوبر "أن البحث عن الحقيقة والدنو منها عبر النقد المتبادل، لا يكون ممكنا من دون وجود درجة كبيرة من التسامح المتبادل. فمن السهل علينا معا أن نكون مخطئين، والناس جميعا قد يظلون لفترة طويلة من الوقت متفقين حول العديد من النظريات الخاطئة... بل وغالبا ما يكون الاتفاق نتيجة للخوف من اللاتسامح، بل وحتى من استشراء العنف"(15).

تلك هي الصورة التي قدمها بوبر لمبادئ التسامح ومنطلقاته، والسؤال المطروح هو: هل ناقش الفلاسفة العرب المسلمون هذه القضية، وما هو مفهوم التسامح لديهم، وما هي المبادئ التي يرتكزون إليها.؟

يعود الفضل إلى الكندي في تأسيس قضية التسامح على الصعيد الفلسفي، وهو ابتداء يعرف الفلسفة بأنها "علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان؛ لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحقّ، وفي عمله العمل بالحق"(16). ثُمَّ ينتقل الكندي إلى موقف الفيلسوف من التراث السابق، فيقدم نصا بالغ الخطورة في قضيتنا، ونظرا لذلك فسنورده كاملا على الرغم من طوله"(17).

يقول الكندي: 1- "ومن أوجب الحق ألا نذم (أحد) من كان أحد أسباب منافعنا الصغار الهزلية. فكيف بالذين هم أكثر أسباب منافعنا العظام الحقيقية الجدية.

2- فإنهم وإن قصروا عن بعض الحق، فقد كانوا لنا أنسابا وشركاء فيما أفادونا من ثمار فكرهم، التي صارت لنا سبلا وآلات مؤدية إلى علم كثير مما قصروا من نيل حقيقته.

3- وسيما إذ هو بين عندنا، وعند المبرزين من المتفلسفين قبلنا من غير أهل لساننا أَنَّه لم ينل الحق بما يستأهل الحق أحد من الناس بجهد طلبه ولا أحاط به جميعه.

4- بل كل واحد منهم إما لم ينل منه شيئا، وإما نال منه شيئا يسيرا بالإضافة إلى ما يستأهل الحق. فإذا جمع يسير ما نال كل واحد من النائلين الحق منهم اجتمع من ذلك شَيْء له قدر جليل.

5- فينبغي أن يعظم شكرنا للآتين بيسير الحق فضلا عمن أتى بكثير من الحق. إذ أشركونا في ثمار فكرهم، وسهلوا لنا المطالب الخفية الحقية بما أفادونا من المقدمات المسهلة لنا سبل الحق.

6- فإنهم لو لم يكونوا لم يجتمع لنا مع شدة البحث في مددنا كلها هذه الأوائل الحقية التي بها خرجنا إلى الأواخر من مطلوباتنا الحقية.

7- فإن ذلك اجتمع في الأعصار السالفة المتقدمة عصرا بعد عصر إلى زماننا هذا مع شدة البحث ولزوم الدأب وإيثار التعب في ذلك.

8- وغير ممكن أن يجتمع في زمن المرء الواحد، وإن اتسعت مدته واشتد بحثه، ولطف نظره وآثر الدأب ما اجتمع بمثل ذلك من شدة البحث وألطاف النظر، وإيثار الدأب في أضعاف ذلك من الزمان الأضعاف الكثيرة.

9- فأما أرسطو طاليس مبرز اليونانيين في الفلسفة فقال: ينبغي لنا أن نشكر آباءنا الذين أتوا بشيء من الحق. فما أحسن ما قال في ذلك.

10- وينبغـي لنا ألا نستحي من استحسان الحق. واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا والأمم المباينة. فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق. وليس يبخس الحق، ولا يصغر بقائله ولا بالآتي به. ولا أحد بخس الحق. بل كل يشرفه الحق".

استنادا إلى نص الكندي السابق يمكننا أن نشتق منه خمسة مبادئ تشكل منطلقات التسامح، وهي:

المبدأ الأول: من الضروري البحث عن الحقيقة لذاتها.

المبدأ الثاني: الحقيقة لا يحيط بها رجل واحد، ولم يحط بها جميهم.

المبدأ الثالث: الكل معرض للخطأ.

المبدأ الرابع: الوصول إلى الحقيقة يتطلب جهود الجميع.

المبدأ الخامس: التسامح ضروري لتحقيق التقدم.

لا يوجد هناك مشكلة فيما يتعلق بالمبادئ الأربعة الأولى، فهي واضحة في نص الكندي، أما المبدأ الخامس، وهو "التسامح ضروري لتحقيق التقدم" فليس واضحا وجليا. وَإِنَّمَا يستخدم الكندي هذا المبدأ بصورة غير مباشرة، إلى حد ما، والمقدمات التي تقود إليه يمكن رصدها بالصورة التالية:

1- يطالب الكندي بشكر من يقدم المنافع الصغيرة.

2- وكذلك علينا شكر من يقدم المنافع الكبيرة "ومن وأجب الحق ألا...".

3- نعم قد يخطئون ويقصرون في بعض الأمور.

4- لكنهم رغم ذلك شركاء لنا فيما قدموه.

5- ونحن بنينا على ما قدموه.

6- ينبغي أن يعظم شكرنا للآتين بيسير الحق فضلا عمن أتى بكثير الحق.

7- فهو يطالب بأن نتسامح تماما مع المخطئ، ونشكره على يسير الحق الذي قدمه.

8- فهو إذن يطالب بالتسامح حتى تتقدم المعرفة، وهذا هو التسامح الفلسفي بالمعنى الحديث.

تبنى الفلاسفة اللاحقون المبادئ التي دشنها الكندي صراحة أو بصورة ضمنية، وأصبحت بمثابة افتراضات فلسفية يتطلبها نسق كل فيلسوف. كلهم يجمعون على هذه المبادئ، فالتسامح الفلسفي مطلب للجميع. ولا يسعنا في هذه الورقة تقديم الشواهد الكافية لدعم الحكم السابق(18) وسأكتفي بشاهد آخر هو من ابن رشد إذ يقول: مثلا:

"فبين أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدمنا في ذلك، سواء كان ذلك الغير مشاركا لنا أو غير مشارك في الملة. فإن الآلة التي تصح بها التذكية ليس يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك إذا كانت فيها شروط الصحة. وأعني بغير المشارك من نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام، وإذا كان الأمر هكذا، وكان كل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه القدماء أتم فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننظر فيما قالوه من ذلك. فإن كان صوابا قبلناه منهم، وإن كان فيه ليس بصواب نبهنا عليه...

وليس يلزم من أنه إن غوى غاو بالنظر فيها، وزل زال، إما من قبل نقص فطرته، وإما من قبل سوء ترتيب نظره فيها، أو من قبل غلبة شهواته عليه أو انه لم يجد معلما يرشده إلى فهم ما فيها، أو من قبل اجتماع هذه الأشياء فيه، أو أكثر من واحد منها أن نمنعها عن الذي هو أهل للنظر فيها(19).

المناظرة والتسامح:

تبنى الفلاسفة المسلمون(20) مبادئ التسامح. وهؤلاء تبنوا منطق أرسطو على صعيد المنهج. أما علماء الكلام فقد رفضوا منطق أرسطو. وطوروا منهجا بديلا عرف بمنهج المناظرة أو الجدل. وهذا المنهج قائم على مبادئ التسامح الخمسة، وما نعنيه هنا هو أن مبادئ التسامح الخمسة أسست على الصعيد النظري فلسفيا وكلاميا.

أعيد الاعتبار حديثا لمنهج المناظرة(21) أو الجدل، وهو يختلف عن جدل أرسطو. ويهدف منهج المناظرة من حيث المبدأ الوصول إلى الحقيقة. وقد ناقش الجويني (22) هذا المنهج بطريقة مفصلة، ونريد الاعتماد عليه في الفقرات القادمة.

إن ما يهدف إليه الجدل من وجهة نظر الجويني هو الوصول إلى الحق، ولذلك يفترض في الشخص الذي يشترك في الجدل أن يتقى "أن يقصد بنظره المباهاة وطلب الجاه والتكسب والمماراة، والمحك والرياء"(23). ويفرض أن لا يكون "قصده الظفر بالخصم والسرور بالغلبة والقهر..."(24).

يقول الجويني: "فأما المناظرة: فهو مأخوذ من النظر، وَكُلُّ مناظرة نظر، وإن كان ليس كل نظر مناظرة. من حيث إن المناظرة مفاعلة، من النظر وهو نظر بين اثنين..."(25). وعنده "لا فرق بين المناظرة والجدال"(26). وأما الجدل: فهو "إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أو ما يقوم مقاما من الإشارة والدلالة(27). "ثم من الجدل ما يكون محمودا مرضيا ومنه ما يكون مذموما محرما"(28).

يميز الجويني بين نوعين من الجدل أولهما: الجدل المذموم الذي "يكون لدفع الحق أو تحقيق العناد أو ليلبس الحق الباطل، أو لما لا يطلب به تعرف ولا تقارب أو للمماراة وطلب الجاه والتقدم إلى غير ذلك من الوجوه المنهي عنها"(29).

وثانيهما: الجدل المحمود وهو "الذي يحق الحق، ويكشف عن الباطل، ويهدف إلى الرشد، مع من يرجى رجوعه عن الباطل إلى الحق(30).

إننا هنا أمام مناقشة عقلانية تهدف إلى الدنو من الحقيقة بتعبير كارل بوبر، ومن هنا يقدم الجويني فصلا طويلا يبين فيه الآداب التي يفترض أن يلتزم بها المتناقشون"(31). منها مثلا: أنه "متى علم من خصمه قصد الحق وطلب الصواب والهداية... مكنه من إيراد جميع ما يريد إيراده..."(32)، ويقول أيضا: "وعليهما جميعا أن يصبر كل واحد منهما لصاحبه في نوبته، وإن كان ما يسمعه منه شبه الوسواس؛ لأنهما متساويان في صعد المناوبة، فمن لم يعبر منهما لصاحبه فقد قطع عليه حقه"(33).

لم يكتف الجويني بتقديم لائحة طويلة تضم آداب الجدل، وإنما عقد أيضا فصلا بين فيه "حيل المتناظرين" حتى نحتاط فلا نقع فيها. إذ يقول: "واعلم أن الحيل في المناظرة لقطع الخصم محظور، يجب الاجتناب عنه. وهو من دأب أهل الفسوق في المناظرة، ومن عمل من قصده بالمناظرة المماراة لأهل السفه مجانب لطريق أهل الديانة..."(34). ويقول أيضا: "ومن عرف من خصمه الاعتماد على الحيل قطع مكالمته"(35).

تفترض المناظرة المبادئ الخمسة للتسامح الواردة في خطاب الكندي، وهي تفترض أيضا مبادئ بوبر الثلاثة:

المبدأ الأول: "قد أكون أنا على خطأ وقد تكون أنت على صواب"، ولولا هذا المبدأ لما قامت المناظرة أصلا. فهو نقطة انطلاق. هناك حق نسعى إليه جميعا وقد نكون على خطأ جميعا.

المبدأ الثاني: "عبر تفاهمنا حول الأمور بشكل عقلاني قد نصل إلى تصحيح بعض أخطائنا". وهذا المبدأ تقوم المناظرة عليه، فعن طريق الحوار العقلاني بين الطرفين نصل إلى الحقيقة.

المبدأ الثالث: "إذا تفاهمنا على الأمور بشكل عقلاني قد ندنو معا من الحقيقة". ولا شك أن المناظرة تتضمنه أيضا، ولولا هذا الإيمان لما كتب الجويني الكافية في الجدل.

التسامح العلمي:

هناك ضرورة ملحة تفرض على الفلاسفة أن يكونوا متسامحين ولكن هل يفترض بالعلماء أيضا أن يكونوا متسامحين؟

للوهلة الأولى يبدو أنه لا مجال للتسامح في العلم. ولكن تدقيق النظر في هذه المسألة يثبت لنا أن ما يبدو من تشدد لدى العلماء هو في آخر المطاف مبني على مبادئ التسامح.

اعتقد بوبر أن مبادئ التسامح تشكل "الموقف العقلي" الذي يفترض أن يكون أساسا لبناء الأخلاق والعلم ومنهج العلم. إذ يقول: "في الوقت نفسه أرى هذه المبادئ الثلاثة تلخص باختصار الموقف العقلي أو النقدي الذي اعتقد أنه أساس الأخلاق. وهو كذلك موقف العالم. وأيضا منهج العلم الذي يقوم بكل بساطة على مبدأ يجعل السجال النقدي في خدمة الحقيقة"(36).

ويؤكد بوبر "أن تحقق تقدم حقيقي في العلوم يبدو مستحيلا من دون تسامح وبغير إحساسنا الأكيد بأن بإمكاننا أن نذيع أفكارنا علنا. مهما كان شأن النتائج التي تقودنا إليها تلك الأفكار. من هنا فإن التسامح والتفاني في سبيل الحقيقة هما اثنان من المبادئ الأخلاقية التي تؤسس للعلوم من جهة. وتسير بها العلوم قدما من جهة ثانية. أما المبدآن الأخيران المماثلان فهما التواضع الفكري والمسؤولية الفكرية. والإلحاح على أننا لا نفكر بأنفسنا بل بالحقيقة والحفاظ على الدنو النقدي من كافة المعضلات حتى النهاية"(37).

تبنى العلماء العرب المسلمون وجهة النظر التي يدعو إليها كارل بوبر. وبينوا أن العلم ومنهجه يقوم على مبادئ التسامح. والصيغة الأكمل والأجمل لهذه القضية نجدها عند ابن الهيثم (ت: 430 هـ) إذ يقول:

"الحق مطلوب لذاته، وكل مطلوب لذاته فليس يعني طالبه غير وجوده. ووجود الحق صعب، والطريق إليه وعر. والحقائق منغمسة في الشبهات. وحسن الظن بالعلماء في طباع جميع الناس. فالناظر في كتب العلماء إذا استرسل مع طبعه، وجعل غرضه فهم ما ذكروه، وغاية ما أوردوه، وحصلت الحقائق عنده هي المعاني التي قصدوا إليها، والغايات التي أشاروا إليها، وما عصم الله العلماء من الزلل، ولا حمى علمهم من التقصير والخلل. ولو كان ذلك لما اختلف العلماء في شَيء من العلوم. ولا تفرقت آراؤهم في شَيء من حقائق الأمور والوجود بخلاف ذلك. فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب المتقدمين. المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم. بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم. المتوقف فيما يفهمه عنهم. المتبع الحجة والبرهان. لا قول القائل الذي هو إنسان المخصوص في جبلته بضروب الخلل والنقصان. والواجب على الناظر في كتب العلوم. إذا كان غرضه معرفة الحقائق. أن يجعل نفسه خصما لكل ما ينظر فيه ويجيل فكره في متنه وفي جميع حواشيه. ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه. ويتهم أيضا نفسه عند خصومه فلا يتحامل عليه ولا يتسامح فيه. فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق. وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشبه".

يتضمن نص ابن الهيثم السابق مبادئ التسامح الخمسة التي ذكرها (38) الكندي وهي:

المبدأ الأول: من الضروري البحث عن الحقيقة لذاتها.

المبدأ الثاني: الحقيقة لا يحيط بها رجل واحد ولم يحط بها جميعهم.

المبدأ الثالث: الكل معرض للخطأ.

المبدأ الرابع: الوصول إلى الحقيقة يتطلب جهود الجميع.

المبدأ الخامس: التسامح ضروري لتحقيق التقدم.

هذه المبادئ الخمسة نجدها بصورة واضحة أو مضمرة عند علماء الإسلام(39). ولكن سأذكر بعض الشواهد على ذلك:

1- جابر بن حيان: يقول: فإن العجب والتكبر لا يتركهم ينتفعون ولا ينفعون، وليس كذلك شرط العلماء(40).

2- الجاحظ: يقول: "ولم تفترق الأمور في حقائقها وإنما افترق المفكرون فيها"(41).

ويقول الجاحظ: "لست أدَّعى في شَيء من هذه الأشكال الإحاطة به والجمع لِكُلِّ شيء فيه؛ لأن الإنسان وإن أضيف إلى الكمال وعرف بالبراعة وغمر العلماء، فإنه لا يكمل أن يحيط علمه بكل ما في جناح بعوضه. ولو استمدَّ بقوة كُلّ نظار حكيم واستعار حفظ كل بحاث واع، وكل نقاب في البلاد..."(42).

3- يقول الرازي: "فإنه لم تزل سنة المتفلسفين جارية بإعلاء الرؤساء والتشدد في المطالبة وترك المساهلة... ومنها أن الصناعات لا تزال تزداد وتقترب من الكمال على مر الأيام"(43).

4- الطغرائي: يقول: "قد أتـى الناس من جهلهم وقلة صبرهم على الفكر والدرس... وحال بينهم وبين الإصابة تراكم ظلمة الجهل، وكان مفتاح أمرهم الخطأ فصار خاتمها"(44).

التأسيس الأخلاقي للتسامح:

ليس التسامح مطلوبا في العالم فحسب، بل هو مثال أخلاقي نسعى إليه في أفعالنا الخلقية. وقد حلل نيكولسون مفهوم التسامح بوصفه مثلا أخلاقيا. وقدم تعريفا له. ومكونات هذا التعريف "مما شاع ترداده في التحليلات التي تناولت التسامح، وهو ما يلي:

1- الانحراف: فما يتم التسامح معه منحرف عما يعتقده المتسامح أو يفعله يظن أنه وجب فعله.

2- الأهمية: فصاحب الانحراف ليس تافها.

3- عدم الموافقة: فالمتسامح لا يوافق أخلاقيا على الانحراف.

4- السلطة: فالمتسامح يملك السلطة لكي يحاول كبح أو منع ما يتسامح معه.

5- عدم الرفض: فالمتسامح في أية حال لا يمارس سلطة، وبالتالي فهو يتيح للانحراف أن يستمر(45).

6- الصلاح: فالمتسامح صائب والمتسامح جيد.

لن يكون في وسعنا استعراض وجهة النظر الأخلاقية المعاصرة في معالجة التسامح. وقصارى ما نود الإشارة إليه أن هناك معالجة أخلاقية واسعة للتسامح في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة. ومن ثم سيكون السؤال المطروح هو: هل عالج فلاسفة الإسلام التسامح من وجهة النظر الأخلاقية؟

سنقدم في الفقرات القادمة محاولتين لتأسيس التسامح أخلاقيا في التراث العربي الإسلامي: أولهما: لمسكويه، وثانيهما: للماوردي.

1- مسكويه

يعد مسكويه من أكبر فلاسفة الأخلاق في الإسلام، وهو من الفلاسفة الذين تنبهوا إلى مسألة التسامح، فجاءت في نسق الأخلاق فضيلة من جملة الفضائل التي يفترض في الإنسان أن يتمتع بها.

يؤكد مسكويه أَنَّه من "الواجب الذي لا مرية فيه أن نحرص على الخيرات التي هي كمالنا، والتي من أجلها خلقنا، ونجتهد في الوصول إلى الانتهاء إليها، ونتجنب الشرور التي تعوقنا عنها، وتنقص حظنا منها"(46). والفضائل عنده تنقسم بحسب النفس، فهناك ثلاث قوى للنفس هي: القوة الناطقة، والقوة الشهوية، والقوة الغضبية.

ويجب أن تتحلى النفس بكامل الفضائل من وجهة نظر مسكويه، ويقول بأن الحكماء أجمعوا "على أن أجناس الفضائل أربع هي الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة"(47). وما يهمنا من هذه الفضائل هو العفة، إذ بها يرتبط فيما بعد التسامح. فالعفة هي "فضيلة الحس الحيواني. وظهور هذه الفضيلة في الإنسان يكون بأن يصرف شهواته بحسب الرأي، أعني أن يوافق التمييز الصحيح حتى لا ينقاد لها، ويصير بذلك حرا غير متعبد لشيء من شهواته(48) والفضائل التي تندرج تحت العفة هي:
"الحياء. الدعة. الصبر. السخاء. الحرية. القناعة. الدماثة. الانتظام. حسن الهدى. المسالمة. الوقار. الورع"(49).

وما يهمنا من هذه الفضائل هو فضيلة السخاء؛ لأنها هي الجنس الذي تنتمي إليه فضيلة التسامح. لذلك فالفضائل التي تندرج عنده تحت السخاء ست: هي "الكرم. الإيثار. النبل. المواساة. السماحة. المسامحة "(50).

التسامح ليس فضيلة واحدة عند مسكوية، بل هو فضيلتان هما: السماحة والمسامحة، وكلاهما أحد أشكال السخاء. ومن ثم ينتميان في آخر المطاف إلى العفة التي هي من كبرى الفضائل عند مسكويه، والتي يفترض في السلوك الأخلاقي أن يجاوزها فهي الطريق إلى الخير والسعادة.

يقول مسكويه: "وأما السماحة فهي بذل بعض ما لا يجب، وأما المسامحة فهي ترك بعض ما يجب، والجميع بالإرادة والاختيار"(51).

يمكننا أن نقوم بتحليل نص التسامح هذا في ضوء المكونات الست التي قدمها نيكولسون للتسامح، وهي موجوده فيه، ولا نريد أن نكررها مرة ثانية.

2- الماوردي

قدّم الماوردي معالجة أخلاقية واسعة للتسامح في كتابه "أدب الدنيا والدين". فالنفس "مجبولة على شيم مهملة وأخلاق مرسلة لا يستغني محمودها على التأديب، ولا يكتفي بالمرضي منها عن التهذيب"(52).

ويحرص الماوردي على رصد ما يلزم من أدب حتى يتربى عليه الإنسان منذ طفولته، إذ يقول: "وأما الأدب اللازم للإنسان عند نشأته وكبره فأدبان: أدب مواضعة واصطلاح، وأدب رياضة واستصلاح"(53).

لا يعنينا أدب الرياضة والاستصلاح(54)؛ لأنه لا علاقة له بالتسامح. أما أدب المواضعة والاصطلاح فهي التي يرتبط بالتسامح.

يذهب الماوردي إلى أن آداب المواضعة والاصطلاح ضربان هما: "أحدهما ما تكون المواضعة في فروعه والعقل موجب لأصوله، والثاني ما تكون المواضعة في فروعه وأصوله"(55). وهذا الأخير مثل(56): الصبر والجزع، وكتمان السر، والكلام والصمت والمروءة.

ترتبط فضيلة التسامح عند الماوردي بالمروءة "التي هي حلية النفوس وزينة الهمم. فالمروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق"(57). يؤكد الماوردي "أن حقوق المروءة أكثر من أن تحصى، وأخفى من أن تظهر"، وتنقسم حقوق المروءة وشروطها إلى قسمين(58):

أولا: شروط المروءة في نفسه.

ثانيا: شروط المروءة في غيره.

يذكر الماوردي أن شروط المروءة في النفس هي: "العفة والنزاهة والصيانة." (59). أما شروطها في غيره فثلاثة: "المؤازرة والمياسرة والإفضال"(60).

لم يذكر الماوردي هنا التسامح، وفي الحقيقة هو لا يستخدم بدلا منه لفظ المياسرة. إذ أن المياسرة والتسامح يتطابقان في الدلالة بالنسبة له، وسنرى ذلك لاحقا.

يقول الماوردي: وأما المياسرة فنوعان: أحدهما: العفو عن الهفوات. والثاني: المسامحة في الحقوق(61). واستنادا إلى هذا النص هناك شكلان للتسامح والمياسرة عند الماوردي:

الأول: العفو عن الهفوات.

الثاني: المسامحة في الحقوق.

يذهب الماوردي إلى أن تأديب النفس مكرس لمعالجة الفضائل الأخلاقية التي يفترض في المرء أن يتحلى بها ومنها المروءة. وأحد أشكال المروءة هو المياسرة والتي هي التسامح. وهذا التسامح أو المياسرة ينقسم إلى قسمين: العفو عن الهفوات، والمسامحة في الحقوق.

أولا: العفو عن الهفوت:

يفترض في الرجل الفاضل أن يعفو عن الهفوات التي تقع من الآخرين، وعليه أن يتسامح، إذ يقول الماوردي: "فأما العفو عن الهفوات؛ فلأنه لا مبرأ من سهو وزلل، ولا سليم من نقص أو خلل، ومن رام سليما من هفوة والتمس بريئا من نبوة فقد تعدى على الدهر بشططه، وخادع نفسه بغلطه، وكان من وجود بغيته بعيدا، وصار باقتراحه فردا وحيدا"(62).

إننا أمام صورة مماثلة لتلك التي صاغها فولتير لاحقا بقوله: "ما هو التسامح؟ إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية. إننا جميعا من نتاج الضعف. كلنا هشون. وميالون للخطأ. لذا دعونا نسامح بعضنا البعض. ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل"(63).

هز النص السابق بوبر، واشتق مبادئه الثلاثة من خلاله، وفي تصورنا أن الماوردي كان دقيقا في صياغته بالصورة تلك، إنه مبدأ مطلق، علينا أن نتسامح؛ لأننا كلنا معرضون للخطأ. وسأعود إلى صياغة النص بصورة أخرى، فنحن هنا أمام حكم يبدأ ثم يرصد الماوردي المقدمات التي قادته إلى النتيجة.

على الإنسان أن يعفو عن الهفوات؛ لأنه:

1- لا مبرأ من سهو وزلل.

2- ولا سليم من نقص أو خلل.

3- ومن رام سليما من هفوة.

4- والتمس بريئا من نبوة.

5- فقد تعدى على الدهر بشططه.

6- وخادع نفسه بغلطه.

7- وكان من وجود بغيته بعيدا.

8- وصار باقتراحه فردا وحيدا.

إنه قانون مطلق بالنسبة للماوردي يفرضه العقل، تلك حجة العقل على التسامح بالنسبة للماوردي. لكنه لم يكتف بذلك، بل قدم دعما لهذه الحجة من التراث الفارسي(64) وتراث الحكماء السابقين(65). ثم يعود الماوردي مرة ثانية إلى حجته السابقة فيعيد بسطها من جديد، فيقول:

1- وإذا كان الدهر لا يوجده ما طلب.

2- ولا ينيله ما أحب.

3- وكان الوحيد في الناس مرفوضا قصيا.

4- والمنقطع عنه وحشيا.

5- لزمه مساعدة زمانه في القضاء.

6- ومياسرة إخوانه في الصفح والإغضاء(66).

ثم يعود الماوردي مرة ثانية إلى دعم حكمه السابق بثلاثة شواهد: حديث نبوي شريف، وقول لبعض الأدباء(67)، وثلاثة أبيات من الشعر لابن الرومي(68).

وخلاصة الأمر: أن العفو عن الهفوات واجب عقلا، والتسامح واجب دينا وأدبا وحكمة وشعرا. "وإذا كان الإغضاء حتما، والصفح كرما، ترتب بحسب الهفوة، وتنزل بقدر الذنب، والهفوات نوعان صغائر وكبائر"(69). ثم يقدم الماوردي عرضا مفصلا للهفوات الصغيرة والكبيرة.

ثانيا: المسامحة في الحقوق:

الشكل الثاني من أشكال المياسرة هو المسامحة في الحقوق، إذ يقول الماوردي: "وأما المسامحة في الحقوق، فلأن الاستيفاء موحش والاستقصاء منفر. ومن أراد كل حقه من النفوس المستصعبة بشح أو طمع، لم يصل إليه إِلاَّ بالمنافرة والمشاقة، ولم يقدر عليه إلا بالمخاشنة والمشاحة. ولما استقر في الطباع من مقت من شاقها ونافرها، وبغض من شاحها ونازعها. كما استقر حب من ياسرها وسامحها؛ فكان أليق الأمر استلطاف النفوس بالمياسرة والمسامحة، وتالفها بالمقاربة والمساهلة"(70). يقسم الماوردي المسامحة في الحقوق إلى قسمين:

أولا: المسامحة في عقود: فهو "أن يكون فيها سهل المناجزة، قليل المحاجزة، مأمون الغيبة، بعيدا عن المكر والخديعة"(71).

ثانيا: المسامحة في الحقوق وتتنوع "المسامحة فيها في نوعين(72):

1- المسامحة في الأحوال "فهي اطراح المنازعة في الرتب، وترك المنافسة في التقدم. فإن مشاحة النفوس فيها أعظم والعناد عليها أكثر. فإن سامح فيها ولم ينافس كان مع أخذه بأفضل الأخلاق. واستعماله لأحسن الآداب أوقع في النفوس من أفضاله برغائب الأموال، ثم هو أزيد في رتبته وأبلغ في تقدمه. وإن شاح فيها ونازع كان مع ارتكابه لأخشن الأخلاق، واستعماله لأهجن الآداب أنكى في النفوس من حدّ السيف، وطعن السنان، ثم هو أخفض للمرتبة، وأمنع من التقدم"(73).

2- المسامحة في الأموال "وأما المسامحة في الأموال، فتتنوع ثلاثة أنواع: مسامحة إسقاط لعدم، ومسامحة تحقيق لعجز، ومسامحة إنكار لعسرة، وهي مع اختلاف أسبابها تفضل مأثور... الخ"(74).

التسامح الديني:

هناك أشكال مختلفة للتسامح الديني أبرزها اثنان:

1- التسامح بين الأديان المختلفة.

2- التسامح داخل الدين الواحد.

وتختلف مسألة التسامح الديني من فيلسوف لآخر، وذلك بحسب موقفه من الدين فقد يكون ملحدا مثل: سارتر، وأير. وقد لا يكون ملحدا مثل: ماريتان ووليم جيمس، وفي التراث العربي الإسلامي وقف الفلاسفة المسلمون مواقف مختلفة بإزاء الدين:

1- هناك من رفض النبوة، وكان ملحدا مثل ابن الراوندي والرازي الطبيب في إحدى الروايات.

2- وهناك من قبل النبوة "باعتبار أنها لا تعارض العقل فهي خطاب جماهيري، أو نسخة ثانية عن العقل، كما هو الحال عند الفارابي، ويمكن عن طريق المخيلة أن يتصل النبي والفيلسوف بعالم السماء"(75).

3- وهناك من قبل "مبدأ الفصل بين الدين والعقل فهما نسقان مختلفان من حيث المبدأ. ولم يقبلوا بتأويل الفارابي... واختلفوا في تصوير طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بينهما بعد الفصل. فقد أعطى ابن حزم دورا محددا للعقل في الخطاب الشرعي. وتجاوز ابن رشد الحدود عندما منح العقل صلاحيات مطلقة في تأويل النص. باعتبار أن أهل البرهان هم الأقدر على فهمه"(76).

4- وهناك من أكد الفصل بينهما، ولكن لم يعط العقل مثل هذا الْـحَقّ، وهناك عقلانية خاصة في النص لا يجب خلطها مع عقلانية الفلاسفة. وهذا ما أكده ابن تيمية "(77).

لقد كان على الكندي أن يدافع عن شرعية الفلسفة أمام الهجوم عليها؛ لأن المهاجمين في رأي الكندي: "تتوجوا بتيجان الحق من غير استحقاق لضيق فطنهم عن أساليب الحق وقلة معرفتهم بما يستحق ذو الجلالة في الرأي والاجتهاد، ولدراسة الحسد المتمكن من انفسهم"(78). فقد وضعوا الفلاسفة وأصحاب الفضائل الإنسانية في مرتبة الأعداء الذين يجب قتلهم "ذبا عن كراسيهم المزورة التي نصبوها عن غير حق. بل للترؤس والتجارة بالدين وهم عدماء الدين؛ لأن من تجر بشَيء باعه، ومن باع شيئا لم يكن له، فمن تجر بالدين لم يكن له دين"(79).

تعرض فلاسفة الإسلام إلى مسألة التسامح الديني. ومن أبرز من تناولها بصورة مفضلة أبو الحسن العامري(ت: 381 هـ)(80). فقد تبنى العامري مبادئ التسامح الخمسة إذ يقول: "إذا كان العقل المختص بالجوهر الإنسي هو أن يعرف الحق ويعمل بما يوافق الْـحَقّ، فمن الواجب أن يكون أكمل الناس أغزرهم عرفانا للحق، وأقدرهم على العمل بما يوافق الحق"(81).

ويؤكد العامري أن الكل معرض للخطأ، وعلينا أن نسعى إلى الحقيقة بقدر طاقتنا، إذ يقول: "وأنا الآن متشفع إلى كل من نظر فيه، وتتبع حقائق معانيه أن يصحح بكمال عقله مواضع الخلل منه، ومواقع الزلل فيه، ويحسن بي الظن فيما ألفاه صحيحا، ويؤهلني لصالح دعائه فيما وجده قويما، فَإِنَّهُ باب يدق مأخذه، ويصعب الإقدام عليه، والنقص البشري مستول على جبلتنا، والضعف الطبيعي مستحوذ على عقولنا، والتوفيق بقدر الاجتهاد"(82).

يستعرض العامري العلوم الملية مثل علم الكلام والفقه والحديث، ثم العلوم الحكمية مثل الرياضيات وعلوم الطبيعة وما بعد الطبيعة والمنطق.

لم يقبل العامري إدانة علماء الكلام(83)؛ لأن الخطأ في الفروع ليس كفرا(84)، وإنما يذهب إلى ضرورة التسامح معهم، إذ يقول: "وإذ قد وجد أهل هذه الصناعة ذابين عن حريم الدين، ومستخلصين له من لواحق القدح، وصائنين لأصوله من شوائب الجرح، فمن الواجب أن آثارهم في استحقاق الشكر والأحماد لن تكون قاصرة عن آثر المدافعين عنه بالجلد والقوة، والسلاح والعدة"(85).

ولم يقبل العامري أيضا إدانة علماء الفقه، وبعد مرافعة طويلة(86) يقول: "وإذ كانت هذه الصناعة من خاصية الشرف بالمحل الذي وصفناه فبالحري أن يستوجب أربابها الشكر والأحماد، فضلا عن أن يقابلوا بالطعن والتقريع"(87). ثُمَّ ينتقل العامري إلى معالجة الدين. ويتناول الأديان الستة (88): الإسلام واليهودية والمسيحية والمجوسية والصابئة والشرك، فهذه الأديان جميعها لها اعتقادات وعبادات ومعاملات ومزاجر، ثم يقارن بين هذه الأديان بالاستناد إلي العناصر الأربعة السابقة "ليتمكن المتدين من مقابلة كل ركن مِـمَّا يدين به بنظيره الذي أطرحه عن الأديان"(89)، ويذهب إلى أن الواجب على كل من أحب أن يكون عارفا بفضل الملة الحنيفية على الملل الآخر، أن يقيس واحدا واحدا بما اشتملت عليه منها بالذي هو نظيره من المرتب تحت الأديان الأخر، وبحكم عقله في التمييز بين الأشرف والمشروف"(90). يقدم العامري مقارنة واسعة(91) بين الإسلام والأديان الأخرى تشمل الاعتقادات والعبادات، والسياسة، والمعارف. ثُمَّ يكرس الخاتمة لمناقشة الشبه التي توجه للإسلام، يبدأ العامري الخاتمة قائلا: "بالبحث تستخرج دفائن العلوم، ولولا الخطأ لما أشرق نور الصواب، ولا فرق بين إنسان يقلد وبهيمة تنقاد"(92)، ثم يضيف: "وفساد الدين في ثلاثة: زلة العلماء، وميل الحكماء، وتأويل الرؤوساء، ومن لم يكن معه عقل مرصوص لم ينتفع بالحديث المقصوص"(93).
يؤكد العامري أن هناك شبها يطعن بها بعض الناس على الإسلام وهي كثيرة العدد، والأبرز فيها أربعة وهي التي سيحاول الرد عليها.

الشبهة الأولى: "أن الإسلام لو كان دين الحق لكان دين الرحمة، ولو كان دين الرحمة لما كان الداعي إليه مقدما على الخلق بالسيف(94)، ويعقد العامري فصلا للرد على هذه الشبهة، وخلاصة الرد أن السيف فرض عليه"، ولو قدر النبي على استصلاح عباد الله... من غير حاجة إلى سفك دماء بعضهم لكان ذلك هو الأثر عنده"(95).

الشبهة الثانية: إن القرآن من فرط البعد عن البيان الشافي، وضعف الإقناع بالبرهان الكافي، بحيث وجدت الفرق بأسرها... محتجة بألفاظه... ويعقد فصلا لمناقشة هذه الشبهة. وخلاصة الرد هي أن هذه الدعوة "بهرج فإن الذين خوطبوا به في زمن النبي... كانوا هم الأئمة في الفصاحة، وقدوة في جزيرة العرب في البلاغة، ولم ينسبه أحد منهم إلى الهجنة في النظم(96).

الشبهة الثالثة: يدعي النبي محمد أن الكتب المنزلة السابقة عليه قد شهدت له، ولكنهم لا يعترفون بذلك، ويعقد فصلا مطولا لمناقشة هذه الشبهة. وخلاصة الرد أن نصوص التوراة والإنجيل تتضمن البشارة على الرغم من ادعائهم.

الشبهة الرابعة: يقول العامري: يقولون كيف نتوهم أن دين الإسلام حق عند الله، مع ما نشاهد عليه أهله من التضاغن والتعادي، وتشتت الأهواء، وافتراق الكلمة، وتماديهم في ذلك الشأن حتى أفضت بهم الحال إلى جرأة بعضهم على سفك الدماء، وإقدام بعضهم على ذبح أطفال البعض، وما يتأذون به من استشعار الضغينة للاختلاف في العقيدة، إلى أن تصير كلمة كل فرقة منهم خائفة من عدوان صاحبتها ما لا تخافه من سطوة العدو المحنق المضمر للدخل (الحسد)(97).

يؤكد أصحاب هذه الشبهة أن هناك حالة من اللاتسامح تسود المسلمين والبلاد الإسلامية. ويعقد العامري فصلا لمناقشة هذه الشبهة وسنفصل القول فيه لعلاقته بموضوعنا.

تتضمن الشبهة مسألتين هما: واقعة الاختلاف في الإسلام، ثُمَّ موقف اللاتسامح الذي يظهر بين فئات المختلفين. والقضية الأولى يعالجها العامري هي ظاهرة الاختلاف نفسها، فكون الاختلاف موجودا لا يلغي كونه حقا. إذ يقول:

1- إن الحق لا يتقلب باطلا لاختلاف الناس فيه، ولا الباطل يصير حقا لاتفاق الناس عليه. وليس في وسع الحق قهر الأنفاس على الإقرار به وتسخيرها للاعتراف بصدقه، لكنه شيء محقق بنور العقل بعد الروية والبحث، فيظهر به المحق ويمتاز به عن المبطل"(98)

2- إن وجود الاختلافات يعني وجود الاخطاء، "وسلامة الإنسان عن الخطأ رأسا ليس بمطموع فيه، ولكن الطمع في أن يكثر صوابه"(99)، ولا يختلف الناس في أشياء لا قيمة لها، ومتى كانت المذاهب أو الأديان أو الأفكار "نفيسة كثر الحساد عليها، وانبعثوا لإيقاع التلبيس فيها، وبحسب ذلك تختلط الأمور، وتصير عرضة للاختلاف"(100)

هناك أسباب سيكولوجية واجتماعية وراء الاختلاف. ووجود هذا الاختلاف يقود إلى المماراة أي الجدل. وهنا يشير العامري إلى أن بداية الجدل هو الطريق إلى اتخاذ المواقف العدائية بين الفئات المختلفة، "فالمماراة فاتحة للتعادي"(101). والعداء يولد العصبية، بمعنى أن كل فئة تتعصب لما لديها وتدافع عنه، "والعصبية هي الداء العضال التي تستخف الأحلام الراجحة وتستأصل النعم المتأثلة"(102).

التعصب: يعني اللاتسامح، والاعتماد أن ما يملكه الفرد أو الفئة هو الصحيح وغيره باطل. ثم ينتقل العامري إلى الإسلام كدين، ويبين أَنَّهُ ذو قيمة، وأعداؤه كثيرون، إذ يقول: "إن دين الإسلام لما كان ناسخا للأديان كلها، وكان ملكه قادحا في الرياسات بأسرها، وقد امتلأت القلوب غيظا عليه، لهدمه كراسي علماء الكتابيين، وطيه مقاعد الملوك والسلاطين، ثم كان مع ذلك في غاية الحسن، ونهاية الأنق، فغير بعيد أن يكثر عدوه، وتزدحم التخاليط عليه(103).

هناك اختلافات حول الإسلام لكثرة أعدائه ومحاولات بعض الفئات للتخليط عليه، وهذا يعني إلصاق التهم التي تشينه. وهناك بحسب العامري أربع جهات تولد الاختلافات في كل الأديان، وأن كانت موافقة للحق وهي:

أولا: "أن يعجب المتدين بعقله، ويغتر بذكائه، فيركب نوعا من المقاييس الفاسدة... فينتج نتيجة كاذبة، وهو يخالها صادقة، فيعتقدها دينا، ويدعو الناس إليها جهلا، فتعم البلوى به وتغوى بمكانة الخليفة(104).

ثانيا: أن يولع الإنسان من نفسه بالإغراب والتعمق، ويستهتر... وقلما يبالي تنكب الجادة، شغفا بأن يسلك طريقة يصير فيها قدوة(105).

ثالثا: أن يكون قصد الإنسان عناد جميع ما يسمع من الأقوال الصادقة والمذاهب الحقيقية، وأن يتبع أبدا الآراء المسترذلة التي تنخدع بها طبقات العامة، إذ ليس عند الدهماء أروج من المذهب المستضعف والرأي المدخول(106).

رابعا: "أن يعتمد تزييف الدين، وتوهين أساسه: إما لتعصب ملكي أو لتعصب نسبي أو لسوس الخلاعة، أو لإيثار طرق المجانة، فهو يجتهد في إلصاق المعيب به بأخبار مزورة وينسبها إلى أئمة أصحاب الحديث، أو أحد رؤساء العامة فيوهم الضعف من أهله أَنَّهَا أساس الملة احتيالا منه للنكاية فيما أبغضه، وأحب الانتقام منه"(107).

يؤكد العامري أن هذه الجهات الأربع ليست خاصة بالإسلام بل هي شاملة لكل الأديان، إذ يقول: "فهذه هي الطرق للآفات المتواترة على الأديان والملل، وليست هي المقصورة على الدين الإسلام، بل هي مشتملة على جميعها"(108). ينبه العامري إلى أن هناك بعض الحيل التي تلجأ إليها بعض الفئات، من أجل ترويج الضلال، وهؤلاء المخلطون يسلكون ثلاثة طرق هي:

أولا: "أن يبذل له الإقرار أولا بالأصل، ليستدرجه بذلك إلى مكان الاغتيال، ثم يأخذ معه في تمويهات يخيله بها بهرجة ما استند إليه "(109).

ثانيا: "يأخذ في شرح ما أحب ترويجه عليه بعبارات أنيقة، وألفاظ شبية... ليحسنها في عينه، ويحببها إلى نفسه "(110).

ثالثا: "أن يعزو المذهب الذي يدعو إليه إلى رجل جليل القدر، مثل علماء الرسول وحكماء الفلاسفة. فيسمع هذا المغفل المريض قوله إياه فيحسن به الظن، ويرضاه أمام نفسه"(111).

ينهي العامري مرافعته قائلا: "ثم لكل من هذه الأبواب الزائفة عن الحجة أهل يناسبونه، وقوم يلتقطونه، فتراهم يتسارعون بغرائزهم المختلفة إلى قبوله، فيزداد على الأيام عددهم، ويتضاعف عليها مددهم، فيصير بعد المدة اليسيرة نحلة يحامى دونها بالسيف. هذه آفة يبتلى بها أهل كل ملة، وليس لأحد من أربابها أن يثلب الإسلام نسبتها(112).

الخاتمة:

حاولنا في هذه الدراسة إلقاء الأضواء على منطلقات التسامح عند فلاسفة الإسلام، وقد بينا أن المنطلقات هي المبادئ الكبرى التي يقوم عليها التسامح، ولأغراض عملية قبلنا تلك المبادئ التي اشتقها كارل بوبر للتسامح وهي:

المبدأ الأول: قد أكون أنا على خطأ وقد تكون أنت على صواب.

المبدأ الثاني: عبر تفاهمنا حول الأمور بشكل عقلاني قد نصل إلى تصحيح بعض أخطائنا.

المبدأ الثالث: إذا تفاهمنا على الأمور بشكل عقلاني ندنوا معا من الحقيقة.

كان من الطبيعي في ظل الحوار بين رجال الدين والفلاسفة أن يطرح سؤال التسامح والمبادئ التي تقوم عليها، وقد دشن الكندي هذه القضية، وقمنا باشتقاق مبادئ التسامح عنده وأرجعناها إلى خمسة هي:

1- من الضروري البحث عن الحقيقة لذاتها.

2- الحقيقة لا يحيطها رجل واحد، ولم يحط بها جميعهم.

3- الكل معرض للخطأ.

4- الوصول إلى الحقيقة يتطلب جهود الجميع.

5- التسامح ضروري للتقدم.

هذه المبادئ تبناها الإسلام ونجدها في خطابهم بصورة واضحة أو مضمرة، فهي بمثابة الافتراضات العامة التي يسلم بها، ونجدها عند الفارابي وابن رشد والعامري وغيرهم. ونجدها أيضا عند علماء الكلام وبخاصة في منهج المناظرة الذي طوروه. فهذا المنهج يقوم تماما على تلك المبادئ كذلك، وبذا تكون مبادئ التسامح قد أسست فلسفيا وكلاميا. تبنى العلماء مبادئ التسامح كذلك، وحكمت خطابهم، فقد كانوا يدركون أن الخطأ أمر حتمي لا فكاك منه، وبتعبير ابن الهيثم ما عصم الله العلماء من الزلل. ومن هنا كان العلم يقوم على إبعاد الأخطاء في كل عصر ويضيف اللاحق على السابق، وهكذا الحقيقة لا يصل إليها رجل واحد بنفسه، بل نحاول الاقتراب منها بقدر الطاقة.

ليس المطلوب التسامح على الصعيد النظري فحسب، بل يفترض أن يكون على التسامح على المستوى العملي، وبالذات يفترض في أن يحكم السلوك الأخلاقي، وقد بينا أن فلاسفة الأخلاق في الإسلام قد دشنوا التسامح أخلاقيا. وهم يرتكزون في ذلك على المبادئ الخمسة، ونجد صورة ذلك واضحة عند الماوردي.

أما التسامح الديني فهو شكلان: أولهما التسامح في داخل الدين الواحد، وثانيهما التسامح بين الأديان المختلفة. وقد درست الأديان المختلفة من الفلاسفة والمفكرين، وفي عهد العامري كانت هناك اتهامات توجه للإسلام، وعلى رأسها أن المسلمين ليسوا متسامحين ودين الإسلام ليس متسامحا. وناقش العامري هذه المسألة وأفرد لها كتابا خاصا وهو (الإعلام بمناقب الإسلام). وقد أكد أن حالة الاختلاف بين الفرق الإسلامية هي ظاهرة عامة تعتري جميع الأديان، وهناك شروط سيكولوجية واجتماعية وتاريخية تحكمها.

ويؤكد العامري أن الاختلاف يقود إلى الجدل، والجدل يقود إلى التعادي، وهذا التعادي هو سلم إلى العصبية، والعصبية هي الداء العضال، ولكن هذا التعصب علينا أن نحكمه من خلاف مبادئ التسامح.

يبدو من وجهة نظر العامري أن التعصب أمر حتمي لا فكاك منه، ولكن يجب أن يهذب فلا يصل إلى التعادي، والقتل. ونجد امتدادا لهذا الأمر في العصر الحديث عند الأفغاني في حديثه عن العصبية. فهناك طرفان للعصبية، أولهما: مذموم، وثانيهما: محمود. وخلاصة رأي الأفغاني: أنه لا مهرب لنا منها، إذ هناك جوانب مفيدة منها، ولا نستطيع أن نتخلص منها. وبهذا فالتعصب ليس مذموما كليا، وإنما المذموم هو الإفراط فيه.

**********************

الهوامش:

*) أستاذ بجامعة عمان الأهلية، الأردن.

1- سمير الخليل: التسامح في اللغة العربية، منشور ضمن كتاب: التسامح بين شرق وغرب، بيروت، دار الساقي، ط1، 1992، ص5.

2- م، ن، ص14.

3- م، ن، ص15.

4- م، ن، ص17.

5- م، ن، ص17.

6- م، ن، ص23.

7- برهان غليون: الدين والدولة، بيروت، المؤسسة العربية للدارسات والنشر. ط1. 1991.

8- ص285.

9- م، ن، ص97.

10- ابن منظور: لسان العرب، مادة التسامح.

11- الجرجاني: التعريفات، تحقيق إبراهيم الأبياري، بيروت. دار الكتاب العربي. ط1. 1985، ص108.

12- كارل بوبر: التسامح والمسئولية الفكرية، وترجمة إبراهيم العريس ضمن كتابه: التسامح بين شرق وغرب. ص75-101. ويعتبر بوبر من أبرز فلاسفة العلم في القرن العشرين وهو صاحب كتاب منطق الكشف العلمي.

13- م، ن، ص76.

14 - م، ن، ص76-77.

15- م، ن، ص77.

16- ن. ص92.

17- الكندي. الفلسفة الأولى إلى المعتصم بالله تحقيق أحمد الاهواني. بيروت. مؤسسة دار الكتاب الحديث. ط2، 1986، ص85.

18 - م، ن، ص87 –89.

19 - يمكن النظر في: محمد أحمد عواد. العقلانية في التراث العربي الإسلامي عمان. مكتبة الأصدقاء. ط1. 2002، الباب الأخير.

20 - ابن رشد. فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكماء من الاتصال. تحقيق البير نصري نادر. بيروت. دار المشرق. ط3، 1973. ص31-35.

21- نقصد بذلك الفلاسفة الذين ساروا على النهج اليوناني مثل الكندي، الفارابي وغيرهم.

22- انظر مثلا: طه عبد الرحمن: في أصول الحوار، طبعة المغرب، 1987.

23- الجويني: الكافية في الجدل، تحقيق فوقية حسين محمود، القاهرة، مطبعة الحلبي، 1978.

24- م، ن، ص523.

25- م، ن، 529.

26- م، ن، 19.

27- م، ن، 19.

28- م، ن، 31.

29- م، ن، 22.

30- م، ن، 22.

31- م، ن، 30.

32- م، ن، 529.

33- م، ن، 533.

34- م، ن، 533.

35- م، ن، 542.

36- م، ن، 542.

37- كارل بوبر: التسامح والمسئولية الفكرية، م. س. ص92 –93.

38- م، ن، ص93.

39- ابن الهيثم. الشكوك على بطليموس. تحقيق عبد الحميد صبرة ونبيل الشهابي. القاهرة. مطبعة دار الكتب. 1971، ص3-5.

40- انظر محمد أحمد عواد. م. س. الباب الأول.

41- جابر بن حيان: مختارات كراوس، الميزان الأصغر، تحقيق كراوس. القارة. مكتبة الخانجي. ط1، 1354 هـ، ص433.

42- الجاحظ: الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون. بيروت. دار احياء التراث. لا تاريخ. ج3، ص299 و340.

43- م، ن، ج5، ص200.

44- الرازي: الشكوك على جالينوس، تحقيق مهدي محقق. طهران. 1382 هـ. ص2- 3.

45- الطغرائي: جامع الأسرار، صورة عن المخطوط، ص9.

46- بيتر نيكولسون: التسامح كمثال أخلاقي، في: التسامح بين شرق وغرب. م. س. ص30.

47- مسكويه: تهذيب الأخلاق، بيروت. دار الكتب العلمية. ط1، 1982. ص12.

48- م، ن، ص15.

49- م، ن، ص16.

50- م، ن، ص17.

51- م، ن، ص19.

52- م، ن، ص19.

53- الماوردي: أدب الدنيا والدين، تحقيق مصطفى السقا. مكة. دار الباز للنشر، ط2، 1978، ص226.

54- م، ن، ص228.

55- يعقد الماوردي ستة فصول لمعالجتها هي مجانبة الكبر والإعجاب، وحسن الخلق والحياء.. الخ.

56- م، ن، ص265.

57- م، ن، ص265.

58- م، ن، ص306.

59- م، ن، ص309.

60- م، ن، ص309.

61- م، ن، ص321.

62- م، ن، ص324.

63- م، ن، ص324.

64- التسامح بين الشرق وغرب. م. س. ص76.

65- الماوردي. م، ن، ص324.

66- م، ن، ص324.

67- م، ن، ص324.

68- م، ن، ص324.

69- م، ن، ص325.

70- م، ن، ص325.

71- م، ن، ص331.

72- م، ن، ص331.

73- م، ن، ص331.

74- م، ن، ص331 –332.

75- م، ن، ص74.

76- محمد أحمد عواد: العقلانية العلمية في التراث العربي الإسلامي، ص262.

77- م، ن، 262.

78- م، ن، ص272 – 306.

79- الكندي: رسالة إلى المعتصم في الفلسفة الأولى، م. س. ص89.

80- م، ن، ص89 – 90.

81- أبو الحسن العامري: الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق أحمد غراب، الرياض. دار الاصالة للثقافة. ط1، 1988.

82- م، ن، ص73.

83- أبو الحسن العامري: الأمد على الأبد، تحقيق روسن. بيروت. دار الكندي ط1. 1979، ص58.
84- أبو الحسن العامري: الإعلام بمناقب الإسلام، ص110 –112.

85- م، ن، ص111.

86- م، ن، ص11.

87- م، ن، ص113 –117.

88- م، ن، ص117.

89- هذه الأديان وردت في أية قرآنية. انظر: م، ن، ص121.

90- م، ن، ص122.

91- م، ن، ص123.

92- م، ن، ص127 – 183.

93- م، ن، ص185.

94- م، ن، ص185.

95- م، ن، ص185–186.

96- م، ن، ص189–190.

97- م، ن، ص199.

98- م، ن، ص186.

99- م، ن، ص192.

100- م، ن، ص192.

101- م، ن، ص195.

102- م، ن، ص192.

103- م، ن، ص192.

104- م، ن، ص193.

105- م، ن، ص193.

106- م، ن، ص193.

107- م، ن، ص194.

108- م، ن، ص194.

109- م، ن، ص194.

110- م، ن، ص194.

111- م، ن، ص195.

112- م، ن، ص195.

113- م، ن، ص196.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=7

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك