المسيري أخطأ في تقسيمه العلمانية إلى شاملة وجزئية

الشيخ أحمد البان
 

قدم الدكتور نايف نهار الأستاذ بجامعة قطر محاضرة حول العلمانية وإشكالية استيرادها في سياق إسلامي، وأوضح منذ البداية أن القبض على تعريف متفق عليه للعلمانية شبه متعذر لأن (المصطلح) عانى من الترجمة الإديولوجية، ذات الأهداف الخاصة، ملخصا القول في كلمته: “مشكلة العرب مع العلمانية أنهم ترجموها”.

و أضاف :  أنصار العلمانية يعرفونها بأنها فصل لوظائف الدولة عن العقائد الدينية لمواطنيها استحقاقا وتحققا بينما يعرفها المناهضون لها بأنها فصل الدين عن شؤون الحياة، ثم إن كون هذا المصطلح قادم من تشكيلات ثقافية مختلفة يجعله صعب الاستيعاب، ولكن المحاضر بين أن كل هذا التشابك والالتباس لا يمنع من إعطاء تعريف للعلمانية يمكِّن من مناقشتها أو محاكمتها، وهنا فرق المحاضر بين مفهوم فصل الدين عن الدولة ومفهوم فصل الدولة عن الدين.

ونبه الدكتور نايف في مقدمة محاضرته على أن من أخطر  ما يصيب الحضارات أن تتعرض لأزمة  استيراد ثقافي عشوائي، لأن المنتج المستورد عشوائيا تنشأ عنه تكلفة عالية قد تصل إلى استلاب وعي الناقل بذاته الحضارية، فيبدأ بالتفكير  (في) عقل الآخر و(بـ) عقل الآخر، وينتج عن ذلك إرباك تام في عالم الأفكار وعشوائية في المعالجات، فنعطي جسدنا الحضاري أدوية لا لأنه يعاني من أمراض تقتضيها، بل لأن جسدا حضاريا آخر تناولها فشفي، دون أن نلقي بالا لاختلاف الأجساد والأمراض.

كما أشار  إلى أن مئات من الباحثين العرب والمسلمين قد أنفقوا أوقاتهم في معالجة موضوع (العلمانية) بدءً بسك المصطلح وتثنية بالتعريف وتثليثا بسؤال المنشأ وتربيعا بسؤال السياق الديني وتخميسا بسؤال السياق السياسي وتسديسا بسؤال التوظيف والإسقاط.

وفي رده على ملاحظة حول أن الإسلام لا يحتاج لاستيراد مفاهيم تكمل علاقته بالحياة، قال الدكتور نايف نهار إن الإسلام مكتف على مستوى المبادئ ولكنه غير مكتف ثقافيا ومعرفيا، فهو يحتاج في ممارساته التطبيقية وفي تنزيل مبادئه وتحويلها إجراءات عملية إلى أن يقترض من الحضارات والثقافات الأخرى محاسنها ما دامت لا تتعارض مع أصوله ومبادئه، وفي ذات السياق يتنزل مبدأ فصل السلطات ومبدأ فصل الدين عن الدولة، حتى لا تصبح الدولة وهي مؤسسة وظيفية يديرها بشر عاديون شيئا مقدسا لا يجوز الإنكار عليه ولا تصويب أخطائه.

وأثناء الرد على الأسئلة قال المحاضر إن المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري رحمه الله أخطأ في تقسيمه العلمانية إلى جزئية وشاملة، وأن العلمانية الحديثة تجاوزت الدولة، مبينا أن القول بتجاوز العلمانية الحديثة للدولة يحتاج دليلا لم يقدمه المسيري –حسب المحاضر-، وبدون تقديم أدلة يبقى الكلام مجرد دعوى لا بينة عليها وبالتالي لا يمكن أن تنهض عند المحاجة.

وفي رده على سؤال متعلق بأن الجابري اعترض على مصطلح العلمانية مقرا مكانه مصطلح العقلانية، قال المحاضر إن الجابري لم يعترض على العلمانية بل تبناها ولكن من خلال مناورة حجاجية ذكية، فقد أبعد مصطلحها لكونه مثيرا، ولكن فكرته في المؤدى تصل إلى نفس النتائج التي يريد العلمانيون الوصول إليها.

أحد المتدخلين نبه إلى قضية مهمة وهي أن العالم الإسلامي لم يستورد مفهوم العلمانية بناء على حاجة سياسية واجتماعية ومعرفية بل لتقليد الغالب فقط، لأن العلمانية التي نشأت في الغرب رافعة شعار فصل الدين عن الدولة كانت تواجه المسيحية التي تتحكم في كل شيء وتعطيه طابعا مقدسا مما حجر على حركة العقل، كما أنها كانت تمثل من خلال الكنيسة باعتبارها مؤسسة شخصية (الكهنوت) لها وضع اعتباري، بينما الإسلام أعطى الحرية للعقل وشجع العلم بمختلف أنواعه، وخصوصا العلوم التجريبية والتطبيقية، كما أنه ليس مؤسسة خاصة لها شخصية اعتبارية، بل للجميع –إذا أمتلك أدوات الفهم والنظر- الحق في تفسيره والاجتهاد داخله.

واستطرد المحاضر حديثا عن أنواع من العلمانية موجودة في العالم منها ما سماه العلمانية التشاركية كالتي توجد في ألمانيا، وقدبين أحد الحاضرين أن النسخة المتطرفة من العلمانية موجودة في العالم العربي، وهي من تمارس الاستبداد وتستغل الدين في سبيل تخدير والشعوب وتقتيلها رغم ادعائها للعلمانية.

المصطلح الطريف الذي ذكره أحد المتدخلين هو (الاستبداد الحداثي) الذي قال إن أحد الكتاب التونسيين سكه، ويعني النسخة السياسية التي يعيشها كثير من دول العالم العربي اليوم، والمتمثلة في نخب تدعي الحداثة والتنور وتسب الرجعية والظلام، ولكنها في نفس الوقت تمارس أبشع أنواع الاستبداد باسم الحداثة والتقدم.

وفي الختام رد المحاضر على الذين يدعون أن الإسلام كان رسالة أخلاقية محضة ولم يكن فيه ما يتعلق بالشأن السياسي، وأن الشأن السياسي الذي أداره النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وفي المدينة التي تمثل الدولة الإسلامية الأولى إنما جاء بفعل الواقع لا بتوجيه من المبادئ الأصلية للإسلام.

المصدر: https://islamonline.net/23863

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك