لافلسطين بلا قدس ولا قدس بلا أقصى

نور الدين قلالة

 

بعد 100 عام على وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لم يفاجئنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس السادس ديسمبر 2017 بوعد جديد على حساب العرب والمسلمين يقضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ففكرة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل فكرة قديمة تعود إلى عام 1950 والعالم كلة يعرف ذلك، فقط كانت تنتظر الرئيس الأمريكي المناسب والظرف المناسب لتجسيدها.

لم يبذل الرئيس الأمريكي مجهودا كبيرا لإعلانه هذا، لأنه لم يكن بحاجة إلى دعم محلي أو دولي لنقل سفارة بلاده من مكان لآخر. وتنفيذا لوعده الانتخابي الذي يفتخر به دائما، وشعوره النرجسي بأنه رئيس مختلف عن كل الذين سبقوه أو الذين سيأتون بعده ،أقدم ترامب على هذه الخطوة بتأييد من الجمهوريين والديموقراطيين، وبمباركة سابقة من الكونغرس الأمريكي تعود إلى سنة 1995،ودعم أوروبي لا يحتاج إلى دليل حتى وإن أظهر عكس ذلك ،ويقين ملفت بأن العالم العربي والاسلامي لن يقوى على مجابهته أو صده أو الضغط عليه للتراجع عن قراره، لأن هذا العالم “المريض” فقد كل أوراق الضغط التي كان يملكها: النفط والمال والمقاطعة والجيوش..والكرامة أيضا.

وعد بلفور ووعد ترامب

القدس يعتبرها الفلسطينيون والعرب والمسلمون عموما عاصمة دولة فلسطين المستقبلية بعد التحرير، كما ورد في وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية التي تمت في الجزائر سنة 1988. ولكن لأن مقومات الدولة الفلسطينية نفسها غير موجودة على أرض الواقع ،وأقصد بذلك الشروط البديهية لأي دولة :الشعب والسلطة والإقليم، كيف نطلب من الأمريكان القبول بعاصمة لدولة لا يرون لها وجودا، أو لا يريدون لها وجودا ،ولهم في وعد بلفور نموذجا تاريخيا تحقق بأمر الواقع، وفي وعد ترامب مثالا واقعيا تحقق بأمر التاريخ. ويبدو أن هذا الرئيس لن يتوانى عن إرضاء القاعدة اليمينية المؤيدة لإسرائيل التي ساعدته في الفوز بالرئاسة، حتى وإن أخرج  قراره هذا بقايا جهود السلام عن مسارها، وهو مسار – للأسف – يرسمه اليوم صهره ومستشاره اليهودي غاريد كوشنر.

فماذا يعني نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟ ببساطة يعني الآتي:

اعتراف الولايات المتحدة رسميا بأن القدس والمسجد الأقصى ملك لليهود ولا حق للمسلمين فيهما!

الاعتراف بكل القدس الشرقية والغربية كعاصمة لإسرائيل.

اعتراف بالحقوق الدينية والسياسية التي تدعيها وتطالب بها إسرائيل لتطبيقها في مدينة القدس. ولكن القرار يتناقض مع وضعية فلسطين القانونية.

سياسيا قرار ترامب يدمر عملية السلام نهائيا لأن فلسطين بلا قدس ليس لها معنى، وقد يعطي هذا القرار لنتنياهو الفرصة بيهودية الدولة الفلسطينية.

القرار سيغير مسار القضية الفلسطينية تماما لدرجة أنها قد تصبح قضية بلا هوية.

القرار سيتمخض عليه نواح اقتصادية تتعلق أساسا بالمنشآت الموجودة في المدينة والتي ستؤول بطبيعة الحال إلى الدولة الإسرائيلية التي قد تعرض على الفلسطينيين تعويضات مالية.

الأرض والتاريخ لمن؟

 من الناحية الدينية والتاريخية فقدان القدس و المسجد الأقصى يعني الكثير بالنسبة للعرب والمسلمين، وزيادة على أن النبي يعقوب (عليه السلام) بنى هذا المسجد في تلك المدينة، وأن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أمّ الأنبياء السابقين في الصلاة مما يؤكد على وحدة الرسالة والوحي الإلهي؟

هناك عدة أسباب ربما لا يعرفها الكثيرون عن أهمية هذه المدينة وهذا المسجد:

أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) ( الإسراء /1).

القدس وصفها الله تعالى في القرآن بأنها مباركة ومقدسة : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) ( سورة الإسراء / 1 ). و ( يا قومِ ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) ( سورة المائدة /21 ) .

القدس فيها المسجد الأقصى الذي تعادل الصلاة فيه مائتين وخمسين صلاة .

الدجال لا يدخلها “وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس”.

الدجال يقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في “لدّ” قرب بيت المقدس” يَقتل ابن مريم الدجال بباب لُدّ ” رواه مسلم.

الأقصى قبلة المسلمين الأولى حيث أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلى إلى بيت المقدس 16أو17 شهراً .. رواه البخاري ومسلم.

الأقصى مهبط الوحي وموطن الأنبياء.

الأقصى من المساجد التي تُشد الرحال إليها. ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى ” رواه البخاري ومسلم.

بناء يعقوب عليه السلام للمسجد الأقصى لا يعني أن اليهود أحق بالمسجد من المسلمين حيث إن يعقوب كان موحداً واليهود مشركون.

ليس لليهود حصة في القدس، لأن الأرض وإن سكنوها من قبل فإنها قد صارت للمسلمين من وجهين :

أنّ اليهود كفروا ولم يعودوا على دين المؤمنين من بني إسرائيل ممن تابعوا وناصروا موسى وعيسى عليهما السلام .

أننا نحن المسلمين أحقّ بها منهم ،لأن الأرض ليست لمن يعمرها أولا، ولكن لمن يقيم فيها حكم الله لأن الله خلق الأرض وخلق الناس ليعبدوا الله عليها ويُقيموا فيها دين الله وشرعه وحكمه ، قال تعالى : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ( سورة الأعراف /128 ). فليست القضية قضية شعوب وأعراق وإنما قضية توحيد وإسلام .

يقرر التاريخ أن أول من سكن فلسطين الكنعانيون قبل الميلاد بستة آلاف سنة ، وهم قبيلة عربية قدمت إلى فلسطين من الجزيرة العربية وسميت فلسطين بعد قدومهم إليها باسمهم.أما اليهود فكان أول دخولهم فلسطين بعد دخول إبراهيم بما يقارب ستمائة عام ، أي أنهم دخلوها قبل الميلاد بحوالي ألف وأربعمائة عام ، فيكون الكنعانيون قد دخلوا فلسطين وقطنوها قبل أن يدخلها اليهود بما يقارب أربعة آلاف وخمسمائة عام. فيتقرر بهذا أنه لا حق لليهود بأرض فلسطين لا حقا شرعيا دينيأ ولا حقا بأقدمية السكنى ومُلْك الأرض ،وأنهم مغتصبون معتدون.

رهان خاسر

وعلى الرغم من كل تلك الحقائق الدينية والتاريخية، لم يأت اليوم الذي يدرك فيه العرب والمسلمون أخيرا أن الرهان على الآخر لتحقيق الذات فلسفة أثبتت فشلها ،واستراتيجية لم تعد مجدية، إذ بعد سقوط الرهان على السوفيات على مدى أكثر من 30 سنة من التحالفات منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، جاء اليوم دور الأمريكان ليثبتوا للجميع أنهم ليسوا لا شريكا في السلام ولا شريكا في الحرب، وأن واشنطن لم تكن أبدا تلعب دور الحكم الأول ولا حتى الرابع أمام جمهور عربي يصفق لحكم الراية، ويندد فقط عندما تخرج الكرة للتماس، ولا يبالي بالمخالفات والإعتداءات وضربات الجزاء ،بل لا يهمه أصلا من يفوز، ويتمنى دائما أن تنتهي اللعبة بلا غالب ولا مغلوب، حتى ينزل إلى الشارع ويصب جام غضبه على الحكم، الحكم المرتشي المتحيز العميل..مع أن القاعدة العربية تقول: عندما يتبارى فريقان عربيان يتم اختيار حكم أجنبي!! فكيف والخصمان المتنازعان – حتى لا نقول العدوان – أحدهما عربي والآخر يهودي صهيوني؟

انتفاضة أو مسيرات عفوية؟

وعليه فإن كل الذي سيقدر عليه الجمهور العربي، المغلوب على أمره، هو النزول إلى الشارع وتنظيم احتجاجات شعبية عارمة ،ستكون سلمية طبعا، وستطلب الحكومات من جماهيرها الغفيرة “تنظيم” مسيرات “عفوية”، والتهديد بتصعيد غير متوقع، لن يحدث أبد.

ليست هذه استهانة بقدرات الشعوب العربية ،أو ما تبقى منها على الأقل، فقد شهدنا في أكتوبر 2015 ما يعرف فلسطينيا بـ “هبة القدس” عندما تعرضت أهداف إسرائيلية لعشرات الهجمات المسلحة التي شنها فلسطينيون بشكل منفرد ودون تخطيط مسبق لا من قبل فصائل فلسطينية ولا حكومات أو أحزاب عربية. ولكن كم ستستمر هذه “الهبة”؟ أسبوع ؟أسبوعان؟ شهر؟ شهران؟ في النهاية هل سيأتي الغضب الساطع أخيرا؟ هل سنشهد انتفاضة فلسطينية بكل المقاييس الفلسطينية والعربية؟ أم سيركن الجميع للأمر الواقع..في انتظار وعد جديد.

المصدر: https://islamonline.net/23709

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك