ديداكتيك التعليم الديني والاستراتيجية الملائمة: في سلكي التعليم ما قبل المدرسي والابتدائي في المدرسة المغربية

عبد الكريم غريب

 

أولاً- ديداكتيك التعليم الديني أو التربية الإسلامية في التعليم ما قبل المدرسي:

1- مفهوم الديداكتيك:

إن الحديث عن ديداكتيك التعليم الديني الإسلامي يحيل حسب التعريف المتبنى في هذا المجال إلى «التدريسية»، أي: ديداكتيك خاصة بالتربية الإسلامية؛ لكن السؤال المطروح في هذا المجال: هل الديداكتيك علم، أو مجال مستقل بذاته؟، الجواب بطبيعة الحال، يقود إلى النفي؛ لأن ديداكتيك مادة دراسية معينة، تنطلق بداية من خصوصيات تلك المادة الدراسية، وتبحث داخل الأدبيات البيداغوجية وحتى السيكونمائية؛ بغرض صياغة منهج دراسي ملائم للمستوى التعليمي المتوخى.

2- الوضع الراهن للبرامج الدراسية للتربية الإسلامية (التربية ما قبل المدرسية نموذجاً):

من المنطلق البيداغوجي الموضوعي؛ يمكن أن نتساءل: هل التربية الإسلامية في مناهجها الدراسية تصاغ وفق ديداكتيك صحيحة للتربية الإسلامية؟.

إزاء هذا التساؤل، سننطلق من «دليل في التربية ما قبل مدرسية: كتاب مرجعي لتكوين مربي ومربيات التعليم الأولي»[2]؛ ففي الصفحة التاسعة عشرة من هذا الدليل؛ كُتب عنوان رئيس في بداية الصفحة:

«مجتمعنا المغربي الإسلامي»، تلاه تعريف بالمقصود بهذا العنوان، جاء على النحو الآتي: «يستمد مجتمعنا قيمه الأخلاقية، وقواعد سلوكه من الدين الإسلامي الحنيف، إذ التربية الخلقية جزء لا يتجزأ من التربية الدينية، بل هي روح هذه التربية وقوتها، كما أن التربية الاجتماعية والتربية الدينية وجهان لعملة واحدة، خاصة بالنسبة لمجتمعنا الإسلامي»[3].

- أما العنوان الفرعي فجاء على النحو التالي: «أسس التربية الإسلامية»، وعُرفت هذه الأسس كما يلي: «تسعى التربية الإسلامية إلى تنمية شخصية الإنسان تنمية شاملة، من رعاية لصحة جسمه، وغرس العواطف النبيلة في نفسه على أساس محبة الخالق، والخضوع له، وتنظيم لسلوكه، وسمو بعقله؛ ما يسمح له بالتفكير في الكون والحياة وفي ذاته، ومن الوصول - عن طريق التأمل، والاستنباط - إلى وحدانية خالق الكون، خاضع لله، وتدبيره، ولأمره، وإرادته، ومشيئته، وبأن الإنسان جزء من هذا الكون؛ وأن له دوراً خلال حياته المؤقتة في دار الفناء، عليه أن يقوم به وفق ما يرضاه له خالقه».

وتعتمد التربية الإسلامية على أسس متراصة، ومتكاملة، نوردها كما يأتي:

2-1- الأساس الاعتقادي: ومرده إلى الإيمان بالله، وبكتبه، ورسله، وبملائكته، وباليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

2-2- التكامل والشمولية: يرفض الإسلام النظرة الثنائية إلى الطبيعة البشرية، والتي تقوم على التمييز بين الجسم والعقل، فالتربية الإسلامية تربية الجسم، وهي، أيضاً، تربية العقل، فالتفكير فريضة إسلامية، والنظر والعقل أساس الفرائض في الإسلام.

2-3- التربية الإسلامية تربية نفسية؛ لأنها تخاطب عاطفة الإنسان، ووجدانه، وقلبه، وضميره، وتحتكم إليها.

2-4- تعدّ المعرفة والعلم غذاء العقل: قال الله عز وجل: ، وقال تعالى أيضاً: .

2-5- التربية الإسلامية تربية تحررية؛ لأنها تحرر العقل من التعصب والانغلاق، كما تحرر النفس من الخوف، والعبودية، والضعف، وتحررها من الخبث، والدنس، واللؤم.

2-6- التربية الإسلامية تربية متوازنة: تقوم على توازن الجسم والروح، فلا رهبانية في الإسلام، وتقوم على التوازن بين مطالب الدنيا والآخرة [4].

3- الكفايات التدريسية للمدرسة أو المدرس في التعليم ما قبل مدرسي:

إن الحديث عن الكفايات يطول إذا أردنا الإفاضة[5]؛ وما دام المجال لا يتسع لذلك، يمكن تبسيطها، وربطها بالتأهيل اللازم على المستويين: المعرفي (الدراسات الإسلامية)، والعدَّة الديداكتيكية.

وبانتقالنا إلى مجال الواقع المدرسي بمؤسسات «التعليم ما قبل مدرسي»، وهي في معظمها تنتمي إلى التعليم الخصوصي، ونسبة قليلة جداً يتكلف بها التعليم العمومي؛ فإن الظاهر على سطح هذه المؤسسات التعليمية، ما يأتي:

- المدارس الخصوصية المجتمع المغربي غايتها الأولى الربح المادي.

- يترتب على ذلك تشغيل مدرسات ومدرسين بأقل أجرة.

- لا يهمهم في الغالب مؤهلات المدرسات والمدرسين بخصوص بعض المواد الدراسية، كما هو الشأن بالنسبة للتربية الإسلامية.

- تهتم هذه المدارس الخصوصية باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية... إلخ.

4- الخصوصيات النمائية لطفل ما قبل التمدرس:

انطلاقاً من البرادايم السيكولوجي لبياجيه Piaget، فلقد بنى هيكله على ثلاثة مفاهيم أساسية، هي:

الاستيعاب (Assimilation): وهو مفهوم يدل على أن البنيات الذهنية للفرد قادرة على معرفة وفهم الموضوع المراد تعلمه.

التلاؤم (Accommodation): ويفيد فعلين مختلفين: إعادة ترتيب العمليات الذهنية؛ وإعادة ترتيب عناصر موضوع التعلم لتحقيق عملية الاستيعاب.

التوازن (Equilibration): وهي الحالة أو الغاية التي تخدمهما عمليتا الاستيعاب والتلاؤم، بمعنى أن حالة التوازن تشكل مستوى النجاعة المنشودة في التعلم[6].

وفي السياق نفسه، يرتكز برادايم بياجيه، في المقام الأول، على التطور الذهني الذي يلحق التفكير عند الطفل منذ ولادته حتى مرحلة البلوغ وبداية المراهقة؛ ومن ثم، فإن تكوينية بياجيه، تولي أهمية وأسبقية ظاهرة لتطور ونمو البنيات الذهنية؛ لأن كل إدراك أو معرفة صحيحة لوضعية، أو موضوع ما، لا يمكن أن يتما في غياب العمليات الذهنية الملائمة.

وتعرف صيرورة النمو الذهني، حسب تصور بياجيه أربعة مراحل متميزة، كما أن كل مرحلة تتكون من مجموعة من المراحل الصغرى، أو الجزئية. وبصفة عامة، فإن صيرورة النمو الفكري أو العقلي، حسب بياجيه، تنتقل من النشاط الحركي، المعتمد على توظيف الحركات والحواس؛ لينتقل إلى النشاط ما قبل المفاهيمي المعتمد على توظيف اللغة والرموز، ثم ينتقل التفكير إلى التفكير المحسوس، حيث يصبح التفكير قادراً على التحكم في بعض العمليات، كالترتيب، والاحتفاظ، والانعكاسية (Réflexivité) والتصنيف...؛ وفي الأخير، يرقى الطفل، في حدود سن الحادية عشرة، إلى مستوى النشاط الصوري الذي يتميز بإمكانية الاستدلال الافتراضي الاستنباطي، انطلاقاً من معطيات، أو وضعيات مجردة[7].

5- مدى ملاءمة الفعل التعليمي في التعليم ما قبل مدرسي للتربية الإسلامية؟.

انطلاقاً من العناصر/التيمات السابق عرضها في هذا المقال، يمكن إبراز العديد من الملاحظات السلبية جداً حول تعليم الإسلاميات، والتي لا تخدم الطفل المتعلم؛ بل هي على خلاف ذلك، تقتل فيه روح الإبداع، وتشكل لديه منذ نعومة أظفاره شعوراً عميقاً بالدونية والنقص، لكون المناهج التعليمية بخصوص المادة الدينية، تشكل تحدياً سافراً لإمكاناته الذهنية؛ وسوف نكتفي بجرد هذه السلبيات، ضمن النقط التالية:

5-1- منهاج التربية الدينية لمستوى ما قبل التمدرس:

على المستوى الذهني أو العقلي، فإن الطفل الذي يبلغ عمره الزمني أربع سنوات؛ فإن تفكيره يتراوح ما بين النشاط ما قبل المفاهيمي والتفكير المحسوس؛ بمعنى أن التفكير المجرد غائب تماماً في هذه المرحلة؛ ولما نقدم له - حسب مضامين هذا البرنامج - المفاهيم التالية:

- محبة الخالق والخضوع له.

- السمو بعقله.

- التفكير في الكون والحياة وفي ذاته.

- الاستنباط.

- الفناء.

- الإيمان بالله، وبكتبه، وبرسله، وبملائكته، وباليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

- عدم التمييز بين الجسم والعقل (رفض الثنائية).

- تحرير العقل من التعصب والانغلاق.

- التوازن بين الجسم والروح... إلخ.

بالانطلاق من هذه الأفكار أو المواضيع، يظهر جلياً، أنها تنتمي إلى مستوى التفكير التجريدي، وهو مستوى لا يتحقق عند الطفل إلا بعد إحدى عشرة سنة من عمره؛ ومن ثم، كيف نطالب طفل أربع سنوات بإدراك ما ينبغي أن يدركه طفل إحدى عشرة سنة فما فوق؟،

5-2- بخصوص كفايات المُدَرِّسات والمدرسين في التعليم ما قبل مدرسي:

كما سبق تحديد خصوصيات صنف هذه الفئة من المدرسات والمدرسين في المدارس الخصوصية، التي تحتل الصدارة في المجتمع المغربي في التدريس ما قبل مدرسي؛ فلقد تبين بشكل إجمالي، أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فمدرسات ومدرسو هذا المستوى من التعليم ما قبل مدرسي، يفتقدون مستوى تعليمياً معقولاً، كما يفتقدون لتكوين البيداغوجي والديداكتيكي، ناهيك عن فقدانهم التخصص في مادة التربية الإسلامية.

ثانياً- ديداكتيك التعليم الديني أو التربية الإسلامية في التعليم الابتدائي:

1 - التوجيهات الرسمية بخصوص التعليم الديني في التعليم الابتدائي:

بالانطلاق من مضامين الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، في فصله الثالث، المفرد لـــ: «الإنسانيات وأنشطة التفتح: منهاج التربية الإسلامية»، سُطر ما يأتي:

1-1- تقديم عام: انسجاماً مع القيم التي تم إعلانها مرتكزات ثابتة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين[8]، والمتمثلة في:

- قيم العقيدة الإسلامية.

- قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية.

- قيم المواطنة.

- قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.

فإن منهاج مادة التربية الإسلامية بالتعليم الابتدائي، يعدّ فضاء رحباً لتحقيق هذه القيم، والرقي بسلوك المتعلم(ة) ليستجيب لحاجاته الدينية من جهة، ولحاجات مجتمعه المتجددة من جهة أخرى. كما أن غنى مكونات هذا المنهاج، وتنوع فقرات برامجه، يسهل اكتساب الكفايات وتنميتها عند المتعلم(ة)، سواء منها ما يرتبط بتنمية الذات، أو ما يرتبط بما هو قابل للاستثمار في التحول الاجتماعي، أو القابل للتصريف في القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية.

إن منهاج مادة التربية الإسلامية بهذا الاعتبار، يفترض فيه الإسهام في خدمة العديد من مواصفات خريجي سلك التعليم الابتدائي، سواء بشكل مباشر كجعل المتعلم(ة) متشبثاً بالقيم الدينية، والخلقية، والوطنية، والإنسانية؛ أو بشكل غير مباشر؛ من خلال المساهمة في بناء وتطوير الكفايات ذات الطابع الاستراتيجي، أو التواصلي، أو المنهجي، أو الثقافي، أو التكنولوجي.

1-2- التوجيهات البيداغوجية والديداكتيكية للتربية الإسلامية في التعليم الابتدائي:

بخصوص العقيدة والعبادات، تم التنصيص على مراعاة تدرج موضوعات دروس العقائد لتطور النمو العقلي للمتعلم(ة)، ومراعاة قدرته على الانتقال من إدراك ما هو مادي محسوس إلى ما يغلب عليه الطابع التجريدي؛ أما بالنسبة للعبادات فيتم التركيز في السنتين الأولى والثانية على الوضوء، والصلوات الخمس.

وفي السنة الثالثة يتم تقويم ذلك، وتعزيزه بصلوات الجماعة والجمعة والعيدين. وفي هذه السنوات الثلاث تقدم دروس العبادات عملياً، دون الخوض في أحكامها.

وفي السنة الرابعة يتم تناول الوضوء والصلاة من جديد؛ إلا أنه في هذا المستوى، تتم المزاوجة بين ممارسة الوضوء والصلاة عملياً، والتعريف بالأحكام، حيث يتم الإفصاح عن فرائض الوضوء، وسننه، ومستحباته، ومكروهاته، وعن فرائض الصلاة، وشروطها، وسننها، ومستحباتها، ومكروهاتها.

في بداية السنة الخامسة يتم تقويم أحكام دروس الصلاة للسنة الرابعة، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى موضوعات الطهارة وأحكام المياه، والوضوء وأحكامه، والتيمم وأحكامه.

وفي السنة السادسة يتم حصر دروس العبادات في محور واحد هو الصيام، حيث يتم تناول معناه وأحكامه من شروط، وفرائض، وسنن...إلخ. أما ركنا الزكاة والحج، فقد تم تأجيل تناول أحكامهما إلى التعليم الثانوي الإعدادي.

1-3- التدبير الديداكتيكي لمكونات الوحدة:

حددت مكونات هذه الوحدة الدينية في:

- القرآن الكريم.

- العقيدة والعبادات.

- الآداب الإسلامية والحديث النبوي الشريف.

فيما يتعلق بمكون القرآن الكريم؛ تم التطرق إلى برنامج القرآن الكريم؛ حيث حدد في نصف حزب، وهو النصف الثاني من الحزب التاسع والخمسين، بالإضافة إلى سورة التكوير من الحزب نفسه.

أما بخصوص الكفايات النوعية المستهدفة من القرآن الكريم؛ فهي تستهدف تمكين المتعلم(ة) من:

- حسن الإنصات والاستماع عند تلاوة السور المقررة مع الخشوع والتبتل.

- قراءة السور المقررة قراءة تراعى فيها قواعد التجويد التي سيكتسبها من خلال الاستماع للشريط المُعلم، أو تتبع القراءة المرتلة لأساتذته.

- استظهار السور المقررة.

- اكتساب مجموعة من المعارف والمعاني، والتشبع من خلال تدبر آيات السور المقررة.

- إدماج التعلمات (القيم التي تحث عليها السور المقررة) في وضعيات مرتبطة بالحياة[9].

وإجمالاً؛ ودون الدخول في تفاصيل المكونين الآخرين للوحدة الدراسة (العقيدة، والعبادات، والآداب الإسلامية، والحديث النبوي الشريف)، اللذين يخضعان في مجملهما للتأطير البيداغوجي والديداكتيكي نفسه، يمكننا أن نسجل، وبسهولة، أن النموذج البيداغوجي والديداكتيكي المعمول به في المدرسة المغربية قائم على: الحفظ، والتكرار، والترويض، والخنوع، والتعليم العمودي، دون فسح المجال للمتطلبات البيداغوجية الحديثة، المتأسسة على التعلم الذاتي، وعلى جعل المتعلم فاعلاً، مستقلاً، وقادراً على المبادرة، واتخاذ القرار.

2- التحليل البيداغوجي والديداكتيكي المعاصران لمنهاج التربية الإسلامية في التعليم الابتدائي:

لا نود، في هذا المجال، الدخول في تفاصيل قد تبعدنا عن المقصد المتوخى من تحليلنا للأسس البيداغوجية والديداكتيكية المعاصرة، اللازمة لبلوغ منهج التَّعَلُّم، وليس منهج تعليم التربية الإسلامية؛ وقبل عرض العناصر والأسس البيداغوجية والديداكتيكية المعاصرة؛ يجدر بنا في المقام الأول، الإشارة، ولو في عجالة، إلى الأسس التي يرتكز عليها تدريس التربية الإسلامية بالتعليم الابتدائي في المدرسة المغربية؛ والتي يتحدد أهمها، فيما يلي:

- الإنصات والاستماع مع الخشوع والتبتل.

- تتبع القراءة المرتلة من طرف الأستاذ(ة).

- استظهار السور.

- تعميق إيمان المتعلم(ة) بخالقه، وترسيخ محبته في وجدانه.

- تقوية إيمان المتعلم(ة) برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبته له.

- التعرف على الكتب السماوية، واحترامها، ومحبته الأنبياء الذين أنزلت عليهم.

- إتقان الوضوء والصلوات الخمس عملياً، والتعرف على الصلوات الأخرى.

- تطبيق المتعلم(ة) لما تقتضيه العقيدة والعبادات من قيم سلوكية....

- حفظ المتعلم(ة) لأحاديث نبوية تنفعه...

- التعرف على فضل بعض الأخلاق الحميدة، والتخلق بها.

- بر الوالدين، وطاعتهما، والإحسان إليهما.

- تأدب المتعلم(ة) بآداب المعاشرة...

- التشبع بقيم الرحمة، والتكافل، والتزام الصدق في القول.

- الإيمان بأهمية الكسب، والجد، والاجتهاد.

- اجتناب الرذائل ومرافقة الأشرار[10].

إن هذه الأهداف المتوخاة من تدريس التربية الإسلامية في التعليم الابتدائي؛ يمكن تحليلها من خلال مستويين رئيسيين: هما المستوى البيداغوجي والديداكتيكي المعاصر؛ ومستوى السلوكات الواقعية لدى المتعلمين والمتعلمات في سلك التعليم الابتدائي في المدرسة المغربية.

2-1- التحليل البيداغوجي والديداكتيكي المعاصران للتربية الإسلامية في التعليم الابتدائي من خلال المستوى الأول:

عندما نلقي نظرة شمولية حول جل الأهداف المتوخاة من التربية الإسلامية في التعليم الابتدائي؛ يبرز، بشكل واضح، أن جل، إن لم نقل كل، تلك الأهداف متسمة بسلبية المتعلم(ة)؛ الذي يشكل في الواقع إناء ينبغي ملؤه، وليس كائناً مفكراً ينبغي أن تبنى شخصيته بالاعتماد على النفس، والمبادرة، والخلق، والإبداع.

إلى جانب هذا كله؛ فإن مضامين التربية الإسلامية، وأهم أهدافها المسطرة أعلاه، لا تتصل، بأي حال من الأحوال، بالخصوصيات النمائية للطفل؛ فهي في مضامينها تتطلب درجة معينة من التجريد، شأنها في ذلك شأن الفكر الفلسفي، الذي لا يدرس إلا في سلك الثانوي التأهيلي؛ حيث يكون المتعلم(ة) قد أصبح ممتلكاً لناصية التفكير الاستدلالي الاستنباطي (الفكر المجرد)؛ وبالتالي مؤهلاً للخوض في مسائل استيعاب وامتلاك مضامين التربية الإسلامية؛ وفق متطلبات وأسس البيداغوجيا والديداكتيك الحديثة.

2-2- التحليل السلوكي للمتعلم(ة) في التعليم الابتدائي من خلال المستوى الثاني:

دون اعتماد دراسات ميدانية تؤكد لنا نوع ونمط تصرفات تلاميذ التعليم الابتدائي؛ التي تتسم في معظمها بالزيغ الكبير عن الأهداف المسطرة في برنامج التربية الإسلامية؛ فإن الواقع الملموس، يؤكد شبه الغياب التام للممارسة الفعلية لما تنشده أهداف التربية الإسلامية داخل تصرفات تلامذة التعليم الابتدائي؛ والسبب الرئيس في هذه المفارقة، أن هؤلاء التلاميذ يتم تعليمهم أموراً تتجاوز إمكاناتهم النمائية؛ وبالمقابل فهي تبقى منحصرة داخل مجال الحفظ والاستظهار، دون الارتقاء إلى استيعابها وتمثلها، لتتحول إثر ذلك إلى مكون من مكونات تصرفاتهم؛ هذا إلى جانب مفعول البرادايم المؤسس على التعلم بالنموذج، يلعب في تنشئة ما لا تستطيع المناهج المدرسية، برمتها، القيام به[11].

تقود هذه النتائج السلبية، بشكل حتمي، إلى ضرورة مراجعة برامج التربية الإسلامية في مختلف أسلاك التعليم بالمغرب؛ والأجدى تأخيرها حتى التعليم الثانوي، ليكون المتعلم(ة) قادراً على استيعاب الأهداف والمضامين المتوخاة من التربية الإسلامية؛ إلى جانب أن التلميذ في هذا المستوى، يكون مؤهلاً بما يكفي للاستدلال، والاستنباط، والاستقراء لمضامين وأهداف برنامج التربية الإسلامية، المقرر له.

ثالثاً- ملاءمة الاستراتيجيات المنشودة في تدريس التربية الإسلامية:

بصدد هذه التيمة المرتبطة بملاءمة الاستراتيجيات التدريسية لمادة التربية الإسلامية، يمكن اقتراح بعض المؤشرات التوجيهية، من أهمها:

- إبعاد التفكير التجريدي في تدريس مادة التربية الإسلامية إلى حدود إحدى عشرة سنة فما فوق؛ وتعويض ذلك بقصص قرآنية (يوسف، أهل الكهف...)؛ هذا إلى جانب قصص دينية بعيدة كل البعد عن التجريد، لتحبيب الدين للناشئة، والمساهمة في البناء السليم لشخصية الأطفال المتعلمين للتربية الإسلامية.

- التزام برامج التربية الإسلامية، في مختلف الأسلاك التعليمية، باعتماد المعطيات السيكولوجية النمائية، مرجعية أساساً؛ حتى نضمن الملاءمة بين المحتويات المدرسية وبين الإمكانات الذهنية الفعلية للمتعلم.

- ضرورة انتقاء المدرسات والمدرسين المؤهلين، والمكونين بيداغوجياً وديداكتيكياً في مادة التربية الإسلامية؛ مع العمل على إعادة تكوينهم وفق المستجدات البيداغوجية، والديداكتيكية.

- العمل داخل المواد الدراسية الأخرى على صياغة كفايات مستعرضة (Compétences transversales)؛ وذلك بغرض ضمان انفتاح مادة التربية الإسلامية على غيرها من المواد الدراسية الأخرى، حتى نحببها، من خلال ذلك، إلى المتعلمات والمتعلمين.

- الابتعاد عن السلوك الترويضي، والذي يتغيى الشحن، وفق مبدأ «التعلم في الصغر كالنقش على الحجر»[12]؛ وهو التوجه الذي تتبناه برامج التربية الإسلامية حالياً.

- اعتماد التوجه البنائي، الذي يعتمد في المقام الأول على المعطيات العلمية السيكولوجية والبيداغوجية الحديثة، بغرض بناء شخصية المتعلم(ة) حتى يكون قادراً على:

- بناء المعرفة انطلاقاً من فعل التعلم لا التعليم.

- إبداء الرأي الشخصي عن طريق الاستدلال، والاستقراء، والاستنباط.

- الإيمان المبني على القناعة العلمية، وليس على الشحن.

- التسلح بالاستقلالية، وحرية المبادرة.

- ربط تدريس التربية الإسلامية بالمستويات الدراسية التي تدرس بها الفلسفة؛ لأن كلا المجالين يتطلبان مستوى معيناً من النضج الذهني.

خلاصة:

في العديد من الندوات، كنا نضع أصبعنا على هذا الخلل في مسألة انعدام ملاءمة «تدريسية» مادة التربية الإسلامية بالمدرسة المغربية؛ لكن، مع كامل الأسف، التعود المتخشب غلب على الاجتهاد والتجديد الذي - بالتأكيد - سينعكس إيجاباً على المتعلمات والمتعلمين، والمجتمع، والقيم السمحة التي ينضح بها الدين الإسلامي الحنيف، والتي ينبغي أن تشكل مناعة أخلاقية للمجتمعات الإسلامية.

ومما نوصي به، في هذا السياق، ضرورة مراقبة المقررات المضمرة، أو المتسترة، والتي تعود إلى ما يقوم به، بالفعل، المدرس أو المدرسة داخل الفعل التعليمي؛ لأن تجربتنا في التدريس، أبانت بخصوص مادة التربية الإسلامية التي أسندت إلى بعض معتنقي الإلحاد، الذين كانوا عوض تدريسهم الإيمان بالله، يدرسون الإلحاد به؛ وفي هذا الوضع تنقلب المقاصد إلى عكسها.

بالإضافة إلى هذا كله، فإن الضرورة البيداغوجية والديداكتيكية المعاصرة، والمؤسسة على المعرفة العلمية، تفترض في الأساس، خضوع مناهج التربية الإسلامية للمعايير والمؤشرات السيكونمائية، بغرض بناء شخصية المتعلم(ة) وتأهيله وفق متطلبات هذا العصر المعولم، المؤسس في المقام الأول على السبق المعرفي.


[1] - نشر هذا البحث في إطار المشروع البحثي "تجديد التعليم الديني من المقصودات الكلاسيكية إلى المقصودات الحديثة"

[2] - المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، الكتاب المرجعي لتكوين مربي ومربيات التعليم الأولي، 1990م.

[3] - المرجع نفسه، ص 19.

[4] - غريب، عبد الكريم، علم النفس المعاصر: المدارس والتيارات، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط1، سنة 2012م.

[5] - للمزيد من التعمق بخصوص هذا المفهوم انظر: غريب، عبد الكريم: بيداغوجيا الكفايات، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب، ط5، 2004م.

[6] - غريب، عبد الكريم: سيكولوجيا الكمال: من عقدة أوديب إلى عقدة الأمير، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب، ط1، 2009م، ص 59-69.

[7] - المصدر نفسه، ص 168-169.

[8] - ميثاق التربية والتكوين صدر سنة 1999م، بعد تشكيل لجنة وطنية بأمر الملك الراحل الحسن الثاني، تضم في عضويتها كل الفعاليات السياسية، والاقتصادية، والعلمية...، ويهدف هذا الميثاق إلى تأطير خطوات وإجراءات الإصلاح التعليمي في المملكة المغربية.

[9] - المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية: الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، ص 133-134.

[10] - المرجع نفسه، ص 133-135.

[11] - غريب، عبد الكريم، علم النفس المعاصر: المدارس والتيارات، (م. س).

[12] - ذكره الزرقاني في مختصر المقاصد 622، والسمهودي في الغماز على اللماز 167.

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك