كارتر: منظور للسلام في الشرق الأوسط !
لقد شّدني كثيرا الكتاب الجديد للرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر ، وخصصه عن الشرق الأوسط وتركيا . وكان الرجل قد شهد أثقل الأحداث في منطقتنا ، وقادت نتائجها إلى ما نحن عليه اليوم . لم يكن كارتر برئيس أمريكي لامع ، حكم بين 1977 – 1981 ، وكان عمره عند تولي السلطة 53 عاما . وتميّز عهده وخصوصا عام 1979 ، بعودة قناة بنما لأصحابها ، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام ، وأحداث الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن الأمريكيين ، وغزو السوفييت لأفغانستان ، واعتلاء صدام حسين الموقع الأول في العراق.. ومنذ خروجه من البيت الابيض ، وهو يركض ساعة في الصباح .. وقد تفرّغ للكتابة والمشاركات السياسية ومنح جائزة نوبل للسلام 2002 .
في كتابه الثاني بعد الأول : ” إمكانية السلام في الأراضي المقدسة : خطة ستعمل ” ، يقول : إن الوقت الآن فريد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ، بخطة إستراتيجية .. وان الرئيس الجديد أوباما سيواجه فرصا كبيرة ومسؤولية حقيقية في إنهاء الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب .. لقد شغفت بقراءة الكتاب المتألف من 13 فصلا وبـ 228 صفحة ، ويختفي فيه دور تركيا في تحقيق السلام بالمنطقة ، حتى الفصل الأخير . ويكشف كارتر بعض الأوراق الرسمية عن الدور التركي في محادثات السلام غير المباشرة التي جرت بين سوريا وإسرائيل ، ولكن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان حريصا جدا أن يكون الدور للأمريكيين وحدهم فقط . وبدا للمؤلف أن تركيا راعية ممتازة لمحادثات السلام . ويكشف أن الولايات المتحدة كانت وراء صناعة الوساطة التركية .. ويخشى أن لا تنجح مهمة السلام في الأراضي المقدسة إن بقيت إسرائيل لم تحقق جميع المطالبات بصدد القدس الشريف ، وإصرارها على أن لا تتراجع إلى حدود 1967 ! هكذا غدا كارتر شخصا غير مرغوب فيه بإسرائيل !
يبدأ كارتر كتابه بعلامة تاريخية عمرها 4000 سنة ، عندما رحل أبو الأنبياء إبراهيم من اور بالعراق إلى ارض كنعان .. مرورا بمصر واليهود قبل 3500 سنة ، وحكم الملك داوود وسليمان قبل 3000 سنة .. والقدس وإعادة بناء معبدها الشهير قبل 2500 سنة ، وولادة المسيح قبل 2000 سنة .. ويقول كارتر ، بالرغم من كونها قصة أنبياء عظام ، فهي تقرأ من اليهود على مر التاريخ ، ولكن المسلمين كانوا قد جعلوا الأرض المقدسة واقعا لهم منذ خلافة عمر وصولا إلى الأتراك العثمانيين . وفي الفصل الثاني ، يحكي كارتر قصة زيارته لإسرائيل رفقة زوجته روزالين عام 1973 ، ومشاركته في صنع السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد عام 1979 ، أي قبل 30 سنة بالضبط .. ولقد جاءت معظم الفصول الأخرى سردا لأحداث تاريخية .
لقد عرف عن كارتر صداقته لتركيا ، منذ جهوده الجريئة لرفع الحصار الأمريكي عن تركيا ، اثر تدخلها بقبرص 1974 ضد اليونان ، ومحاولته إرضاء القبارصة اليونانيين .. ويعتقد انه لم يفعل الكثير للمساعدة من اجل إحلال السلام ، وتتلخص رؤيته للسلام كمشروع إنساني يؤمّنه للمحتاجين إليه في جميع أنحاء العالم ، وغدا كارتر أكثر فاعلية ونشاطا من اجله بعد مغادرته السلطة ، واستمد مبادئه من الرئيس وودرو ويلسون الذي نادي بمبدأ ” حق تقرير المصير ” للشعوب عند بدايات القرن العشرين ، فكان أن اكتسبت أمريكا سمعة هائلة لدى الشعوب وقت ذاك . ويأمل كارتر أشياء عدة في الرئيس الجديد اوباما إن استطاع أن يشق طريقه بذكاء منقطع النظير ، ومن خلال مبدأ ” التغيير ” الذي نادى به .. ويوصي بالاعتماد على تركيا في محادثات السلام ، وتغيير النظرة السابقة عنها ، إذ أنها الوحيدة التي باستطاعتها اللعب بأوراق كثيرة .
لقد شاركت تركيا في شؤون الشرق الأوسط لسنوات مضت ولم تزل ، وبالرغم من حادث دافوس ، وإنصات إسرائيل لتعابير اردوغان القوية ، فثمة متغيرات تتضمنها رسالة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية من اوباما إلى الأتراك ، تقول بأن على إسرائيل الانصياع لقرارات الأمم المتحدة ، والتوقف عن قتل الفلسطينيين ، وعلى حماس الفلسطينية أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود .
ولكنه في الفصل الأخير ، يعرض رؤيته ويذهب إلى خطة للسلام والتي تشمل : 1) دولة فلسطينية منزوعة السلاح . 2) على الطرفين قبول تعديلات على حدود 1967 . 3) تقاسم القدس ، التي ستكون عاصمة للدولتين . 4) حق الفلسطينيين في العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة . 5) المصالحة بين الفلسطينيين والوحدة بين غزة والضفة الغربية . 6) تحديد مهلة زمنية معينة لتحقيق هذه الأهداف .
لقد وجدت ـ أيضا ـ أن الكتاب يحتوي على ثروة من المعلومات عن السكان ، اذ تشير تقديرات الأمم المتحدة من خلال القرار 242 عام 1967 ، واتفاقات كامب ديفيد عام 1978 ، ومبادرة السلام العربية لعام 2002 ، والنقاط الرئيسية التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية لخارطة الطريق للسلام عام 2003 ، إلى أحدث التقديرات ، فالسكان اليهود هم 5552000 ، وان السكان العرب 5385000 في الأراضي المقدسة ، بالإضافة إلى 318000 غيرهم من غير اليهود. ويعرف الرئيس كارتر “الأرض المقدسة” ، وهي عبارة عن التقليد المسيحي ، وعلى المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط ، ويشمل المكان المقدس الذي يطالب به اليهود بجبل المعبد والمسلمون الحرم الشريف.
أخيرا ، هل ثمة متغيرات جديدة على عهد اوباما في المنظور الأمريكي في الشرق الأوسط والأراضي المقدسة ؟