حــوار الأبــنــاء كــيــف نــجــعــلــه بــنــاء

حــوار الأبــنــاء كــيــف نــجــعــلــه بــنــاء    
يصف احد الشعراء خوفه على ابنائه بقوله:
وانما اولادنا بيننا
اكبادنا تمشي على الارض
او هبت الريح على بعضهم
لا متنعت عيني عن الغمض
فالابناء ثمرة القلوب وقرة الاعين وان دل كلام شاعرنا ذاك عن شيء فانما يدلل على مدى حبه وحب كل الاباء والامهات لابنائهم وهذا الحب لابد ان يكرس بالتربية السليمة التي تتطلب منا حمايتهم بعدم اغماض اعيننا عن هفواتهم ليس لاننا نخاف من الريح بل لاننا نحبهم ونبغي لهم حياة افضل، وذلك من خلال خلق حوار مبني على الاسس السليمة التي لابد ان تحكم العلاقة بين الاب وابنه والام وابنتها وبين الاثنين معاً، فقبل ان يبدأ الطفل بالحركة ويخطو خطواته بمفرده يأخذ بنطق كلمات وان كانت غير مفهومة لكن معناها في قلوب الاهل كبيرة حتى لتعني عندهم الشيء الكثير ولان الكلام مهم فلابد ان نتعلم كيف يكون النطق بهذا الكلام ولانهم لا يعرفون شيئاً عن عالمهم فان الحوار يبدأ من الاب والام وعليه لابد ان يكون حوارهم ومنذ الصغر حواراً بناءً مفعماً بالود لتكون البداية صحيحة، فللحوار آدابه كما للنصح والتعليم آدابه وقواعده واذا لم ندركها ونسير عليها فسيكون هناك شرخ ما في نوع العلاقة الاسرية.
متى يبدأ الحوار؟
عند سن الثالثة يبدأ الصراع من اجل الاستقلال لدى الصغير، عندما يبدأ بالتعبير عن رغبته في ارتداء نوع معين من الملابس او طريقة تناوله لطعامه وهنا يبدأ نوع من الحوار الذي لابد للاب والام اتقانه عن هذا الحوار تحدثنا د. ولاء عبدالصاحب (علم اجتماع) قائلة:
عند هذا السن تبدأ المواجهة الاولى فالابن الذي كانت حركاته وتصرفاته تتم وفق سيطرتنا اخذ يعلن العصيان والتفرد بتصرفاته وآرائه وهنا لابد ان نقف عند اي نوع من الحوار سنبدأ مواجهتنا مع ابنائنا، فلابد ان نكون حذرين في الكلام الذي نحاور به الابناء الذين كانوا حتى هذا السن في دور التلقي والتقليد فاي شد زائد في الحديث يمكن ان يؤدي مستقبلاً الى فقدان حالة الثبات والعزم المطلوبين خاصة في مرحلة المراهقة فكثرة المشادات الحوارية تؤدي الى استنزاف الحالتين لديه ولم يعد قادرا على الاستماع الى النصائح، كما ان اي تهاون في الحديث قد يؤدي الى الانفلات مما يدفعه الى التفرد وبآرائه حتى الكبر، فعلينا الانتباه الى نوع الحوار الذي نحاور به ابناءنا حتى لا يأتي بنتائج معكوسة فالحوار في غاية الاهمية ونوع الحوار هو الاهم وعليه يتوقف تفكير الابناء مستقبلاً.
الحوار المثمر
ان ادب الحوار والتخاطب المثمر وانتقاء الكلمات والوقت المناسب كلها اساليب مهمة لتحقيق حوار مثمر وناجح بين الآباء والأبناء، كما على الآباء اتقان فنون الحوار مع الابناء كل حسب عمره وطريقة تفكيره ومدى تقبله للحوار، فمن غير المعقول ان نحاور الطفل الذي لم يتجاوز العشر سنوات كما نحاور المراهق في الخامسة عشر فكما الصغير بحاجة الى حوار مليء بالحب والعطف فالمراهق بحاجة الى حوار مبني على تكريم العقل والذات واعزاز الشخصية.
واعلموا ان الحوار المليء والمتوتر في معظم الاحيان يكون اشد من الضرب على الابناء خاصة في مرحلة المراهقة.
هل فقد الاهل القدرة على الحوار؟
حب الاب والام لابنائهم أمر فطرياً غريزي، لكن مع هذا قد يفشل الاهل في التقرب الى ابنائهم في بعض الاحيان ليصل الامر ببعض الابناء الى الصراخ بصوت عالٍ منادين بان اباءهم لا يفهمونهم. فهل ذلك يعني عدم مقدرة الاهل على الحديث ام جهلهم باسلوب الحوار؟
عبير رعد سلمان (باحثة اجتماعية) تقول: ان هناك اسلوباً للحوار قد يجهل الآباء والامهات طريق اتباعه فالحب للابناء قبل كل شيء لابد ان يكون مطلقاً دون شروط، واذا ما وعينا هذه الحقيقة فاننا سنمنح ابناءنا كل ما عندنا من طاقات فلا اظن ان هناك من يفتقر الى عبارات الحب والاعزاز وخير من نجود لهم بها ابناؤنا فهناك آباء وامهات يوفرون الحديث الجميل والمؤدب والمنمق ليجيدون به امام الاصدقاء والاقرباء بينما لا يسمع الابناء منهم غير الكلام الخشن والجارح.
وهذا الحوار لا بد ان يكون فطري يناسب الحب الفطري الذي منحهم الله اياه لكن الكثيرين يتغاضون عن اهميته، واذا ما ادركنا اهمية هذا الحوار يأتي دور طريقة الحوار فنغمة الصوت لها تأثير وبما يتناسب ونوع الحوار ومستوى الصوت له تأثير هو الاخر كأن يكون الصوت عالياً ام واطئاً فنبرة الصوت العالية قد يفهمها الابناء على انها عراك فعلينا الابتعاد عنها واللجوء الى اسلوب الحوار الهادئ حتى وان كان الموضوع يستحق الانفعال من اجله لان الصوت العالي قد يؤذي مشاعر الابناء ويزيد الموقف حدة.
بعض الاباء يجد في اسلوب الحوار الصارم المبني على القسوة هو الاسلوب الامثل الذي يخلق حولهم هالة من التقدير والشخصية المحترمة التي يرغبون بالظهور بها امام ابنائهم وهذا في الواقع يحدث خللاً في علاقة الآباء بالانباء فهم يدفعون بالحوار الى ان يكون من طرف واحد، الاب يتكلم بينما ينصت الجميع وهذا ما يؤدي الى فقدان العلاقة الطيبة التي يجب ان تكون مبنية على الصداقة فنجد الآباء ينعزلون في حياتهم حينما يكون الابناء صغاراً ويندمون على ذلك حينما يكبرون.
لماذا نفشل في حوارنا مع الابناء؟
وبينما يشكو الكثير من الابناء من انعدام لغة الحوار مع آبائهم تشير د. ولاء عبدالصاحب الى ذلك بقولها:
لقد لمست ذلك من خلال عملي فلغة الحوار المطلوبة لفهم الام لابنتها تكاد معدومة في اغلب الاحيان وكذلك بين الاب وابنه بينما يكون الابناء في سن معينة بحاجة لمد جسور الحوار مع آبائهم، وعندما نسأل الاهل عن سبب ذلك يرجعونه لانشغالهم المستمر بامور الحياة ومتاعبها. والاولى بهم ان يكون الابناء همهم الاول الوقوف على ما يعانونه من مشاكل لغرض خلق جو من الود والالفة المبني على التفاهم داخل الاسرة.
وانني لاعجب من بعض الاسر التي يعتبر الاب والام فيها من المثقفين ولا يسعون الى ايجاد وقت للحوار يستقطعونه من وقت عملهم يجلسون فيه الى ابنائهم ويحاورونهم في مواضيع مختلفة ويناقشونهم في امور تهمهم ولها علاقة بحياتهم ليكونوا مثالاً للاسرة الموحدة التي هي اساس المجتمع.
رفيدة عبدالستار (مدرسة تربية اسلامية) تقول:
لقد علمنا ديننا الاسلامي ان نصاحب ابناءنا منذ سن (14) عاماً بل تنزل الى مستواهم ان تطلب الامر والتفكير معهم وخلق اسلوب للحوار مناسب لعمرهم لكسب ثقتهم وودهم وازالة الحواجز ونهج اسلوب المصارحة فيما بينهم، فلماذا لا نسير على نهج ديننا؟
وانا شخصياً اتبع هذا الاسلوب مع طالباتي احاول التقرب منهن وخلق حوار معهن بما يقارب تفكيرهن لاساعدهن في تقبل الدرس والاقبال على الحياة بكل ثقة وقد يتطلب الامر مشاركتهن مشاكلهن العائلية.
اساليب تساعد على الفشل!
اضف الى كل ما ذكرناه فقد اجمع الباحثون على اساليب عدة يتبعها الآباء تساهم في فشل الحوار مع الابناء ارتأينا ان نضعها بين ايديكم للاستفادة منها في حوار الابناء.
فاسلوب المحقق يكاد يكون اسلوب الحوار الاكثر اتباعاً في التعامل مع الابناء ولو دون قصد فكثير ما يتحث الاباء عن براءة المعتدي وكأنهم يدفعون بابنائهم الى الجريمة فحينما يشكو ابن لابيه وامه من طفل اذاه يلجأ الاهل الى سؤال الابن (هل انت متأكد انك لم تفعل له شيئاً) مثلا واسأله من هذا القبيل وهم بذلك يدفعون بابنهم الذي استنجد بهم الى عدم اللجوء اليهم مستقبلاً وربما المسافات بين الاثنين وذلك يرجع لسوء الاسلوب الذي اتبع مع هذا الابن الصغير.
وهناك اسلوب اللوم وهو ما يجب الابتعاد عنه قدر الامكان فالمعاتبة والتجريح تدفع بالابناء الى مقاطعة الآباء وعدم الرغبة في الحوار معهم في اي موضوع كان.
كما ان هناك بعض الاباء والامهات لا يركزون في حوارهم مع ابنائهم ويشدون انتباهم بامور ثانوية حتى بتنا نجد البعض يحاول جذب انتباه امه وابيه بسحب وجههم بيده نحوه ليطلب الانتباه لحديثه وربما يزيد الطين بلة يجاب الابن او البنت بكلام جارح فيرد عليه (دعني وشأني فانا لا اريد ان اسمع شيئاً) او (انا لست فارغاً لك) وكلام من هذا القبيل من شأنه ان يؤثر على التقارب والتفاهم فيما بينهم، ومما يؤلم حقاً ان نسمع بعض الابناء ينادي (اننا بحاجة للحوار معكم فاسمعونا)؟
فاذا كان الآباء ينهجون اساليب مثل هذه ولا يحسنون خلق حوار فعال مع الابناء فانهم يفقدون علاقتهم بابنائهم ويدفعون بهم الى الحديث مع غيرهم وهنا لا يخلو الامر من المخاطر لانهم سيجهلون مع من يتحاور ابناؤهم وما نوع الحوار الذي يدور بعيداً عن اعينهم واذانهم.
عبارات مفيدة!
وبينما اشار الباحثون الى فشل الحوار فانهم لم ينسوا ان يثيروا الى ما ينعش الحوار ويفيده وهذا ما اكد عليه د. وليد ارشد المشهداني بقوله:
ان الاسلوب الامثل للحوار بحاجة الى بعض العبارات التي اثبتت فاعليتها في الحوار مع الابناء فكلمات مثل (بارك الله فيك - ممتاز- رائع- جميل) عبارات بسيطة لكن تأثيرها كبير واثرها اكبر في نفوس الابناء كوسيلة تشجيعية على استمرارية الحوار وتكراره لمد جسور التفاهم بينهم كما جرى التأكيد المستمر على ان ينوع الآباء والامهات في طريقة طرحهم لافكارهم واستهلالهم لحوارهم مع الابناء وحسب طاقة تقبل الابناء طبعاً، فالتجديد والتنوع يشدان الابناء الى حديث الآباء ويخلفان الرغبة القوية في تعزيز العلاقة بالآباء والامهات.
الابداع يزيد لمعان الجواهر!
نريد ان نخلق جواً من الحوار يحول حالة السكون التي تحكم علاقة الآباء بالابناء (الجواهر) كما وصفهم الغزالي الى حوار بالدفء المشوق حين الاستماع، واذا ما ادركنا ذلك عندها لابد ان نعلن كسر حاجز الصمت الذي ربما يكون قد طغى على علاقة الآباء بالابناء واستبدال كلماتنا وعباراتنا القديمة بعبارات تشعر الابناء بمدى حبنا لهم فلابد ان نترجم حبنا لابنائنا لا ان نعلنه امام الملأ دون ان ندونه عملياً من خلال حوار فعال يستمتعون بسنوات عمرهم كباراً كانوا ام صغاراً ولنردد على مسامعهم عبارات من قبيل (انا احب ان استمع لك) وليكن هذا شعار الآباء والامهات رغم مشاغل الحياة فالآم المخاض والولادة التي اثمرت الابناء يجب ان لا تذهب سدى وان تكرس لاجلهم، وان لا ننسى ان ما يحمل الحوار ويجعله اكثر جمالاً بعض لمسات حب تغدقونها على ابنائكم او اذرعة تحوطهم بالاحضان وايدٍ تربت على اكتافهم عندها سيكون تأثير الحوار اعمق وسيكون الابناء (الجواهر) اكثر لمعاناً في الحياة امام اعيننا واعين الآخرين.
 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك