دروس تجربة التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ولبنان
دروس تجربة التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ولبنان
هل من جامع بين تجربة مسلمي أوروبا وتجربة مسيحيي الشرق؟ هل يمكن لتجربة التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ولبنان أن تقدم دروساً يمكن لأوروبا وألمانيا أن تقتدي بها؟ تساؤلات بحثت ندوة أقيمت في دويتشه فيله الإجابة عنها.
تحت عنوان "لنتعلم من الشرق الأوسط: حوار الأديان في ألمانيا"، استضافت مؤسسة دويتشه فيله ندوة حول التعايش بين المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط، وذلك ضمن مشروع "القاهرة ـ بيروت" الثقافي. وشارك في هذه الندوة عدد من الباحثين العرب والألمان، كالمؤرخ اللبناني عبد الرؤوف سنو وعضو لجنة الفاتيكان للحوار مع المسلمين يوسف كمال الحاج من لبنان؛ ومن مصر شارك فيها كبير الباحثين لدى معهد كارنيجي للسلام عمرو حمزاوي والباحث في معهد الدراسات القبطية في القاهرة ميشال غطاس. كما شارك من ألمانيا عدد من المستشرقين والباحثين المتخصصين في قضايا الشرق الأوسط كجمال مالك من جامعة إيرفورت وبيتر شتايناكير من جامعة ماربورغ بالإضافة إلى يورغ أمبروستر المراسل السابق للقناة الأولى في التلفزيون الألماني في الشرق الأوسط والمراسلة البرلمانية لدويتشه فيله بتينا ماركس.
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: يقر حمزاوي بصعوبة المقارنة بين تجربتي مصر ولبنان وبين التجربة الأوروبية . وجاءت الندوة تتويجا لجهود استمرت فترة طويلة من التحضير وأثمرت عن عدة نشاطات ثقافية عربية ألمانية مشتركة بدأت مدينتا دوسلدورف وبون باستضافتها منذ ثلاثة أشهر، وذلك بمبادرة من عدة مؤسسات ثقافية ودينية ألمانية. وطرحت هذه الندوة عدة أسئلة تتعلق بالتعايش السلمي بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية في الشرق الأوسط. وتمحورت الأسئلة حول الدروس التي من الممكن لأوروبا عموماً، وألمانيا خصوصاً، أن تتعلمها من التجربتين اللبنانية والمصرية في التعايش بين المسلمين والمسيحيين. كما طرحت الندوة أسئلة حول مستقبل هذا التعايش في ظل تناقص عدد مسيحيي الشرق وهجرة العديد منهم إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا.
من يتعلم ممن؟
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: جورج خوري مدير مشروع "القاهرة ـ بيروت" لكن هل التجربتان اللبنانية والمصرية في تعايش الأديان جديرتان بأن يُقتدى بهما؟ أليس من الأفضل لدول الشرق الأوسط أن تقتدي هي بأوروبا وتتعلم من تجاربها، خصوصاً وأنها تتكون من دول تقوم أنظمتها على أسس ودساتير ديمقراطية تفتقر إليها معظم الدول العربية والإسلامية. ثم من يؤكد أن التعايش كان دائماً سلمياً بين المسلمين والمسيحيين في العالمين العربي والإسلامي؟ ألم تنتج التجربة اللبنانية حروباً أهلية منذ قيام الكيان اللبناني؟ وإذ يقر جورج خوري مدير مشروع "القاهرة ـ بيروت" بإشكالية الأمر إلا أنه يرى أن "المسألة تتعلق بالتعايش عبر التاريخ" وليس الآني وأن "التعلم لا يعني الإيجابيات وحدها، بل يعني التجربة برمتها، بسلبياتها وإيجابياتها".
أما المؤرخ اللبناني عبد الرؤوف سنو فيرفض المقارنة أصلا بين الشرق الأوسط وأوروبا واستحضار التجربتين المصرية واللبنانية ويقول في مقابلة مع دويتشه فيله: "إن التجربة اللبنانية، التجربة الطائفية في لبنان، ليست إيجابية حتى يتعلم منها الناس". وبالرغم من أن سنو صاحب موسوعة "حرب لبنان" يرفض تسمية الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و1990 بالأهلية والقائمة لأسباب دينية، فإنه يرسم صورة قاتمة لوضع المسيحيين في العالم العربي ويضيف بالقول: "المسيحيون في المشرق العربي لا يتمتعون بالحرية الدينية مقارنة بالمسلمين في أوروبا، باستثناء لبنان وسوريا وإلى حد ما الأردن". وحين يتساءل المؤرخ سنو بأن الدول، التي ذكرها، هي الدول العربية الأساسية التي يتواجد فيها المسيحيون، يستشهد هو بمصر ويقول "إن أوضاع الأقباط في مصر ليست جيدة والحريات الدينية غير موجودة، إذ لا يستطيع المسيحيون حتى ترميم كنيسة بدون مرسوم جمهوري والانتخابات تكشف مقدار التهميش الذي يعاني منه الأقباط".
هل تجوز المقارنة بين مسيحيي الشرق ومسلمي أوروبا؟
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: المؤرخ اللبناني عبد الرؤوف سنو وينضم الباحث المصري عمرو حمزاوي إلى المؤرخ اللبناني سنو في الإقرار بـ"صعوبة المقارنة"، إلا أنه يرى أن بالإمكان "توظيف التاريخ الطويل للتعايش السلمي الذي تطورت في سياقه الحضارة العربية الإسلامية". وإذ يشيد حمزاوي بهذا السياق واصفاً إياه "بالسياق التاريخي الرائع والجميل" فإنه لا يرى أية إمكانية للتعلم من الحاضر لأنه "ومع الأسف الشديد، شديد الإحباط".
ويوجه حمزاوي الذي يقيم في بيروت منذ حوالي سنة انتقادات شديدة إلى التجربة المصرية لأنها لا تقوم، كما هي الحال في أوروبا، على "سياق محكوم بفكرة المواطنة". ويضيف حمزاوي "من الصعب الحديث في اللحظة الراهنة عن تعلم أوروبي، أو ألماني تحديداً، من خبرة التعايش أو الحياة المشتركة بين المسلمين والأقباط في مصر". ويقدم حمزاوي صورة قاتمة عن أوضاع الأقلية المسيحية في مصر متهماً المثقفين ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية، سواء حزب السلطة أو أحزاب المعارضة، بأنها لا تتعامل مع هذه القضية "بصورة حقيقية" بل تعتمد "خطاباً احتفالياً يستشهد بالوحدة الوطنية كلما حدثت صدامات طائفية في الصعيد". ويؤكد حمزاوي على وجود ما يصفها بـ"معضلات حقيقية وكبيرة" لما يتعلق بوضع الأقباط في مصر ويستشهد بالمادة الثانية من الدستور المصري، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، ما يعني برأيه "منعاً عملياً لمسألة حرية الأديان".
"التجربة اللبنانية غنية وفريدة"
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: عضو لجنة الفاتيكان للحوار مع المسلمين يوسف كمال الحاجلكن للباحث اللبناني يوسف كمال الحاج، عضو لجنة الفاتيكان للحوار مع المسلمين، رأي آخر؛ فهو يرى أن التجربة اللبنانية "فريدة وغنية" وفيها دروس يمكن للغرب أن يستفيد منها "بلا شك"، لأن لبنان برأيه "ليس بلد الأديان والطوائف والتنوع فحسب، بل هو بلد ضمان الحريات والحقوق لهذه الطوائف". ويضيف الفيزيائي، الذي عينه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في لجنة الحوار مع المسلمين، بأن أهمية التجربة اللبنانية تكمن بأنها تقوم على "نظام عريق قائم احترام سلة من الحقوق الفردية وحقوق الجماعات الروحية والجماعات الثقافية". وفي حين أشادت الصحافية الألمانية بتينا ماركس بـ"خصوصية التجربة اللبنانية" إلا أنها طرحت عدة تساؤلات حول "الزواج المختلط" واضطرار أبناء الأديان والطوائف المختلفة إلى السفر إلى دول أوروبية، كقبرص مثلا، للزواج لأن القانون اللبناني لا ينص على وجود زواج مدني. فالزواج برأي ماركس "موضوع أساسي يبين واقع المجتمعات الحقيقي وفيما إذا كانت منفتحة أم لا؟ " وختمت ماركس ملاحظاتها بالتطرق إلى الديمقراطية في لبنان وفيما إذا كان من الضروري التمسك بهذه "الصيغة الطائفية التي تحافظ على التعايش وعلى الوجود المسيحي". وطرحت ماركس سؤالا آخر "فيما إذا تعد الديمقراطية العددية، الديمقراطية القائمة على أسس غير دينية وطائفية، نهاية المسيحية في لبنان".
وفي الختام اقترح عضو لجنة الفاتيكان للحوار مع المسلمين يوسف كمال الحاج على الأمم المتحدة "إصدار إعلان خاص بحماية حقوق الجماعات الدينية والأقليات يشابه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: عماد م. غانم
المصدر: http://www.dw-world.de/dw/article/0,,5009178,00.html