من يتبنى الفكرة الجاهزة لا يمكن إدراجه في قائمة المفكرين !!

سعدية مفرح
 

الحياة فكرة، وكل انتصار فيها، مهما كان حجمه وأثره على الفرد والجماعة، إنما هو تطبيق لفكرة خطرت على عقل بشر وتعرضت لاحقا للتطوير نحتاً وإضافة لمرة أو مرات حتى استوت في شكلها القابل لأن يستفيد منه هذا الفرد وتلك الجماعة.

وعلى الرغم من أن الأفكار كثيرة جداً وربما بعدد فرص الحياة التي تهيأت لكل الكائنات الحية في الكرة الأرضية على مر التاريخ كله، إلا أنها غير متكررة مهما بدا ذلك أحيانا، فالفكرة دائما تبدأ فردية وقد تنتهي، إن انتهت،  كذلك لكنها غالبا ما تنتهي كتطبيق بشكل جماعي حيث يمكن أن تكون ملك الجميع كتطبيق ولكنها تبقى كفكرة ملك من انتجها أولاً!

والفكرة جديدة وأصيلة بالضرورة، ولذلك فالفكرة الجاهزة ليست فكرة حقيقية، ومن يتبناها لا يمكن أن ندرجه في قائمة المفكرين بغض النظر عن قيمة هذه الفكرة وعن اتفاقنا أو اختلافنا معها.

هناك العديد من الأفكار التي انتجها العقل البشري في ثقافات ومجتمعات وأزمنة متغيرة، بل أن حياتنا كلها في تطوراتها وتحولاتها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها حتى الآن هي نتاج الأفكار التي  التي انتجتها عقول البشر وتحولت على شكل تطبيقات مادية أو معنوية.

والفكرة الحقيقية كمياه النهر الجاري، لا يمكن أن تتكرر ولا أن تكون هي نفسها ذلك أن المياه تجري وتتغير والأفكار كذلك. ومع أن هذه بدهية بسيطة وأصيلة إلا أنك لا تنفك تجد نفسك في نقاش فكري معين تجاه قضية من القضايا حيث يجادلك أحدهم  كأنه يملك الحقيقة النهائية، فقط لأنه مؤمن بواحدة من الأفكار الجاهزة ويعتقد أنها فكرته!

إن المؤمنين بيقين الأفكار وصيغها النهائية ليسوا مؤهلين لأي نقاش أصلا، ذلك أن النقاش بطبيعته يحتاج عقولا منفتحة وتفكيرا متجددا، وسلوكا تحليليا متشككا ومنتقدا تارة ومتقبلا متصالحا على الأخر النقيض تارة أخرى.

‏وما يضحكني ذلك الضحك الذي يشبه البكاء أولئك النفر من العرب الذين تطلق عليهم زورا وتدليسا صفة المفكرين، وهم الذين يحتلون منصات الرأي العام ويتقدمون صفوف الكتابة والقول بهويات التجديد والتفكير الجديد ودعاوى الانفتاح على الحداثة وما بعد الحداثة وتجلياتها في كل شيء حولنا وهم لا يملكون من عدة النقاش والجدل سوى الإصرار على صحة ما تختزنه عقولهم من أفكار جاهزة وموروثة على علاتها وأحيانا بسبب علاتها واعتمادا عليها، بالإضافة إلى سيوف صدئة ومثلومة ولكنها مصلتة على القديم لمجرد أنه قديم، وعلى التراث لمجرد أنه تراث، وعلى كل كا سبق لمجرد أنه سبق، متناسين أن أفكارهم الجاهزة أيضا قديمة لو نظروا إليها بحياد النقد وموضوعية التفكير وتشكك الأسلوب العلمي.. لكنهم لا يفعلون  شيئا من هذا لأنهم عاجزون عن انتاج البديل، فلا يجدون لإثبات حداثتهم المزعومة وما بعدها سوى محاربة القديم بأفكار أقدم منها، ولكن بإدعاءات مزيفة وأشكال جديدة لا تعبر عن المضمون!

على سبيل المثال؛ يجتهد هؤلاء المدعون بكل ما أوتوا من حيل في محاربة ما يسمونه بالفكر السلفي، بغض النظر عن تعريف الفكر السلفي، من خلال أفكار أكثر سلفية في مضمونها وأن بدت بثوب حديث.. مستعار. ذلك أن السلفيين المعروفين بهذه الهوية، في محيط التفكير العربي الراهن على الأقل، إنما يتقدمون بهويتهم معلنةً وصريحةً متصالحين مع أنفسهم وإن اختلفوا مع العالم كله حولهم، أما تلك الفئة ذات النمط الطفولي الساذج في التفكير والتفاعل معهم بالرفض فإنهم يستخدومن الفكرة القديمة ويصرون عليها وهم يحملون هوية مزيفة  لثقافة الاختلاف وقبول الرأي الآخر والتصالح مع العالم بكل ثقافاته وأفكاره وخياراته في الحياة. لكن هذه الهوية سرعان ما ينكشف زيفها أمام أي اختبار بسيط في إطار الحوار مع الآخر المختلف فتظهر الصورة المعبر بصدق عن المضمون وتنزاح الصورة المنتحلة.

اندمجت قبل أيام في حوار كهذا الحوار مع أحد هؤلاء المدعين سيقت فيه كل الأفكار الموروثة على أنها أفكار جديدة ومبتكرة، وذبحت كل القيم الحداثية الحقيقية على منصة التراث ولم أستغرب أبدا سرعة انكشاف مضمون ذلك المثقف المدعي المختبيء تحت الصورة الحداثية البراقة كما كان يحدث لي سابقا، فقد جرت من الاحداث الكبرى في السنوات العربية القليلة الماضية ما عرض معظم النماذج العربية من المثقفين بل من الناس أجمعين لاختبارات الحقيقة والادعاء مما ضاعف من خبراتنا في هؤلاء البشر وتحولاتهم وادعاءاتهم، ولم نعد نصدم بأحد منهم! فلا جديد من الأفكار تحت شمسهم، ذلك أنهم “سلفيون” في تفكيرهم مختبئون تحت ثياب على الموضة يحاربون سلفيين حقيقيين بسيوف تنتمي لعصور الانحطاط والتردي حيث الغلبة للمقلدين.. ولا عزاء للأفكار الحقيقية ومجدها!

المصدر: http://hewarpost.com/?p=635

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك