علم نفس النمو بين العصور القديمة والحديثة

نجلاء محمد

 

قال الله تعالى "مالكم لاترجون لله وقاراً ، وقد خلقكم أطواراً.13, 14 نوح"

 من خلال  هاتين الآيتين الكريميتن نجد أن أول من أشار إلى أسس  (النمو) هو القرآن الكريم وذلك في الآيات الكريمات من سورة نوح وعلى لسان نوح عليه السلام عندما كان يعظ  قومه لعبادة الله وحده والعبادة المُطْلَقة لله تعالى دون غيره من الأوثان . وذكّر قومه بالنعم التي أنعمها الله عليهم والتي لا تحصى في هذه السورة , ومن هذه النعم نعمة (الخلق في أطوار) وأن من يرجو توقير الله تعالى وإجلاله فليتأمل أطوار الخلق , والواضح تماماً أن نوح عليه السلام يعي ويدرك حقيقة الأطوار ونمو الأطوار الجسدية والنفسية لخلق الانسان وأنها باعث قوى على الهدى والإذعان للوحى السماوى لذلك خاطبهم نوح بهذه الصيغة عندما رأى وأيقن إعراضهم عن المنهج الإلهى  والأطوار هنا نوعان 1ـ  أطوار خلق الجنين في الرحم.

2ـ مراحل أطوار الجسد البشري من الطفولة وحتى الممات وكذلك مراحل النمو النفسي لهذا الجسد البشري. يقول تعالى  " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث  فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئأ .. 5 الحج"  .

  ويقول تعالى في سورة غافر "هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ، ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم  ثم لتكونوا شيوخاً  ومنكم من يتوفى من قبل  ولتبلغوا أجلاً مسمىً ولعلكم تعقلون آية 67 ..) .

وبالتأكيد فإن النوع الثاني من الأطوار بالنسبة لنمو الانسان هو

أطوار نمو الجسد والنفس  ونأتي بعد ذلك إلى الكلام عن العلم البشري في مراحل نمو النفس وهو ( علم نفس النمو)

 

* أولا تعريف علم نفس النمو

   هو فرع من فروع علم النفس يدرس النمو النفسي في الكائن الحى ويشمل ذلك الانسان .منذ بدء وجوده عند الاحصاب الى نهاية وجوده في هذا العالم عند الممات .

* البذور الأولى :

وقد أوردها الدكتور حامد زهران في كتابه علم نفس النمو سوف اذكرها  بشيء من التلخيص:ـ

 

لقد وضعت البذور الاولى لعلم نفس النمو في التعاليم الدينية والتأملات الفلسفية القديمة. وحاول رجال الدين والفلاسفة والعلماء على مر العصور إلقاء الضوء على ظاهرة النمو .

ولاشك أن الانسان البدائي قد تساءل وفكر في أطوار نموه ابتداءً من طورالجنين , وتذكر كتب التاريخ أن إخناتون قد حاول أن يصور حياة الجنين في تطورها

وقد اهتم كثير من الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع بدراسة النمو لدى الإنسان فقد تكلم أفلاطون عن التكاثر وذكر مبادئ النمو عند الطفل وخصائصه في المراحل المختلفة, وقيَم جمهوريته على هذا الاساس واهتم كذلك باكتشاف أفضل الطرق  لتربية الشباب وتهيئتهم للمواطنة ليصبحوا مواطنين صالحين .

* واهتم أرسطو بوصف مرحلة المراهقة ,

* وقد اهتم كثيرون في القرن السابع عشر مثل (جون لوك) الذي ذكر الكثير من عادات الطفل وكيفية تكوينها ودوافعه وأنواعها  واتفاقها مع معايير الجماعة وقال أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء.

*وفي القرن الثامن عشر كتب( جان جاك رسو )كتابه( أيمل) ونادى بإعطاء الطفل حريته المطلقة للتعبير عن نزعاته الطبيعية وتنمية مواهبه وقدراته التي حبته بها الطبيعة . ويرى رسو أن الطفل مخلوق بدائي نبيل وأنه خير بطبيعته ولايفسد أحواله سوى تدخل الكبار ومن ثم يجب ألا يقحم الكبار أرائهم  وألا يفرضوا سلوكهم على الطفل وقال إن الطبيعة مصلح الفرد والمجتمع ,

* وفي القرن التاسع عشر تأثر( بستالوزي) بآراء رسو وأثرت نظرياته في التربية فهو يرى أن الانسان خيِر ويسعى دائماً إلى تحقيق الخير وإذا كان شريراً فإن ذلك يكون بسبب غلق طريق الخير في وجهه . وبعد ذلك جاء (فروبل )وأسس نظام مدرسة الحضانة وانتشرت آراؤه عن استمرار النمو .وأسهم( دارون) مطور (نظرية التطور) مباشرة في علم النمو حيث نشر في سنة 1877 م  تحليلا لتاريخ حياة طفله الأول الذي ولد سنة 1839 .

* وجدير بالذكر أن العرب قسموا مراحل النمو التي تبدأ بالجنين فالوليد والفطيم والدارج (إذا درج ومشى) والخماسي ( إذا بلغ طوله خمس أشبار) والمثغور ( إذا سقطت أسنانه اللبنية) والمثغر ( إذا نبتت أسنانه الدائمة) والمترعرع الناشئ( إذا كاد يجاوز عشر سنوات) واليافع المراهق ( إذا بلغ الحلم) .

في العصور الحديثة : عندما تقدمت وسائل البحث والدراسات التجريبية اتجه نشاط العلماء نحو دراسة مظاهر النمو المتكاملة في مراحله المتتابعة وكيف يسلك الاطفال والمراهقون , قدم علماء النفس والمختصون في علم نفس النمو الجزء الأكبر من المعلومات والحقاق والقوانين والنظريات حول ظاهرة النمو, مثل

 ( ستنالي هول) الذي لمع إسمه كرائد من رواد علم نفس النمو في أمريكا وأسهم في ارساء دعائم طرق البحث في هذا العلم وأمدنا بالكثير من المعلومات عن الأطفال والمراهقين . وكان هو نفسه أستاذاً لكثير من علماء النفس الذين اهتموا بالطفولة والمراهقة فيما بعد . وكذلك فإن (ألفرد بينيه) إهتم بالنمو العقلى للأطفال ووضع أول مقياس كامل للذكاء سنة 1905م  , ترجم وقنن في معظم بلاد العالم ومن بينها مصر  وفي فيينا أنشأ (كارل بوهلر) وزوجته شارلوت بوهلر في العشرينات مركزاً للبحث في سيكلوجية الطفولة .

* وتوالت الدراسات والبحوث الجديدة في علم نفس النمو وزادت في الوقت الحاضر بدرجة كبيرة حتى لنجد الكثير من المجالات العلمية قد انفردت بنشر هذه البحوث وتحوى  هذه المجلات العلمية الآلاف من البحوث في علم نفس النمو ولقد تزايد الاهتمام في مصر في السنوات الأخيرة بالدراسات الخاصة بعلم نفس النمو ويجد الباحث دراسات في النمو تغطي مراحله ومظاهره المختلفة.وهكذا نرى أن علم نفس النمو ما زال ينمو.

وكانت هناك بعض التوقعات للمستقبل وقد حدثت بالفعل مثل : ـ

* أن هناك وسائل متطورة في تنشئة الطفل . * وأصبح معدل سرعة النمو العقلي والنموالاجتماعي الآن أعلى مما كان عليه  في الماضي .

* أصبح هناك مفهوماً جديداً للطفولة فلم يعد الطفل مسئولية والديه فقط بل اصبح مسئولية المجتمع والدولة .

* أصبح  هناك تخصصات دراسية جديدة مثل "تكوين الأسرة" و" الصحة الإنجابية" للمرأة التي هى مهد ورحم الطفولة وعلم نفس النمو وكذلك في الطب تخصص " طب الأسرة".

أهمية دراسة علم نفس النمو

لاشك أن دراسة سيكلوجية الطفولة مهمة في حد ذاتها ومفيدة لفهم مرحلة المراهقة وكذلك دراسة سيكلوجية المراهقة مهمة في حد ذاتها ومفيدة لمرحلة الرشد ودراسة سيكلوجية الرشد  مهمة في حد ذاتها ومفيدة لفهم الشيخوخة ودراسة سيكوجية الشيخوخة مهمة لكي نمكن من قدموا لنا وللمجتمع كل عمرهم من أن يعيشوا سعداء أصحاء جسمياً ونفسياً بقدر المستطاع.

أولاً أهمية دراسة علم نفس النمو من الناحية النظرية: ـ

تزيد من معرفتنا للطبيعة الانسانية ولعلاقة الانسان بالبيئة التي يعيش فيها .

*تؤدي إلى تحديد معايير النمو في كافة مظاهره وخلال مراحله المختلفة مثل معايير النمو الجسمي والعقلي والانفعالى والاجتماعي في مرحلة ما قبل الميلاد ثم مرحلى الطفولة ثم مرحلة المراهقة ثم الرشد فالشيخوخة .

ثانياً  من الناحية التطبيقية: ـ

* تزيد من قدرتنا على توجيه الأطفال والمراهقين والراشدين والشيوخ . وعلى التحكم في العوامل والمؤثرات المختلفة التي تؤثر في النمو بما يحقق التغيرات التي نفضلها على غيرها ويقلل أو يوقف التغيرات التي لانفضلها .

* يمكن قياس مظاهر النمو المختلفة بمقاييس علمية تساعدنا من الناحية النفسية والتربوية في مساعدة الأفراد إذا ما اتضح شذوذ النمو في أيٍ من هذه النواحي على المعيار العادي .

ثالثاً أهمية دراسة علم نفس النمو بالنسبة لعلماء النفس : ـ

* تساعد الأخصائيين النفسيين  في جهودهم لمساعدة الأطفال والمراهقين والراشدين والشيوخ خاصة في مجال علم النفس العلاجي والتوجيه والارشاد النفسي والتربوي والمهني .

* تعين دراسة قوانين ومبادئ النمو وتحديد معاييره في إكتشاف أى انحراف أو شذوذ  في سلوك الفرد, وتتيح معرفة أسباب هذا الانحراف وتحديد طريقة علاجه.

رابعاً بالنسبة للمربيين : ـ

* تساعد في معرفة خصائص الأطفال والمراهقين وفي معرفة العوامل التي تؤثر في نموهم , وفي أساليب سلوكهم وفي طريقة توافقهم في الحياة , وفي بناء المناهج وطرق التدريس واعداد الوسائل المعينة في العملية التعليمية والتربوية.

* يؤدي فهم النمو العقلي ونمو الذكاء والقدرات الخاصة والاستعدادات والتفكير التذكر والتخيل إلى أفضل طرق التربية والتعليم  التي تناسب المرحلة ومستوى النضج. وتفيد في إدراك المدرس للفروق الفردية بين تلاميذه . ويهتم بالتربية الفردية.

خامساً أهمية دراسة علم نفس النمو بالنسبة للوالدين:

* تساعد الوالدين في معرفة خصائص الأطفال والمراهقين مما يعينهم وينير لهم الطريق في عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي لأولادهم.

* تعين الوالدين على تفهم مراحل النمو والانتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل النمو فلا يعتبرا الأطفال راشدين ص&Ucir"mso-spacerun: yes"> 

سادساً بالنسبة للأفراد :

* تفيد بالنسبة للأطفال وهم راشدو المستقبل, فبفضل فهم أولياء الأمور والقائمين على التربية والرعاية النفسية الطبية والاجتماعية لعلم نفس النمو أصبح التوجيه على أساس دليل علمي ممكناً مما يحقق الخير للأفراد من الطفولة إلى الشيخوخة.

* تساعد في أن يفهم كل فرد ـ بقدر مستوى نموه ـ طبيعة مرحلة النمو التي يعيشها ويعتبر أن عليه أن يحياها بأوسع وأكمل وأصح شكل ممكن باعتبارها غاية في حد ذاتها،قبل أن تكون وسيلة لغيرها . ( أى أن الفرد لاينبغى أن يضحي بطفولته من أجل رشده), بل يجب أن يحيا الطفولة على أحسن وجه ممكن حتى يبلغ أكمل رشد ممكن.. وهكذا.

سابعاً أهمية دراسة علم نفس النمو بالنسبة للمجتمع :

* يفيد فهم الفرد ونموه النفسي  وتطور مظاهر هذا النمو في المراحل المختلفة         في تحديد أحسن الشروط الوراثية والبيئية الممكنة التي تؤدي إلى أحسن نمو ممكن

* تعين على فهم المشكلات الاجتماعية وثيقة الصلة بتكوين ونمو شخصية الفرد والعوامل المحددة لها مثل مشكلات الضعف العقلي والتأخر الدراسي والجناح والانحرافات الجنسية.. الخ والعمل على الوقاية منها وعلاج ما يظهر منها.

* تساعد في ضبط سلوك الفرد وتقويمه في الحاضر بهدف يحقيق أفضل مستوى ممكن  من التوافق النفسي والتربوى والاجتماعي والمهني مما يحقق صحته النفسية والمهنية في الحاضر والمستقبل.

* تؤدي إلى التنبؤ الدقيق بقدر الامكان كهدف رئيسي يساعد في عملية التوجيه في المستقبل بالنسبة لكل فرد حتى يفيد المجتمع أقصى فائدة من أبنائه.

المصدر: http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=993

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك