مفهوم حوار الأديان
مفهوم حوار الأديان
يعد مفهوم "حوار الأديان" مفهوماً قديمًا، ربما قِدم الأديان نفسها، ولكنه اكتسب زخمًا أكبر في العقود الأخيرة، أما "حوار الحضارات" فهو جديد نسبيًا، وربما جاء الاهتمام الواسع به في عقد التسعينيات ردًا على أطروحة "صامويل هنتنجتون" (صدام الحضارات) وما أثارته من جدل.
والتعاون بين الأديان في المحافظة على سلامة البيئة، وفي محاربة الأمراض الخطيرة، وفي القضاء على التفرقة العنصرية، وفي رفع الظلم عن الشعوب والطوائف والفئات التي تتعرض للاضطهاد، هو مجالٌ واسعٌ للتعايش بين المؤمنين.
كذلك ينبغي أن يشمل التعايش بين الأديان العملَ المشترك لمحاربة الإلحاد، والانحلال الخلقي، وتفكك الأسرة، وانحراف الأطفال، ومقاومة كل الآفات والأوبئة التي تتهدّد سلامة كيان الفرد والجماعة، وتضر بالحياة الإنسانية.
ويجب أن يتسع مفهومُ التعايش بين الأديان للقضاء على أسباب التوتر واضطراب حبل الأمن والسلام وعدم الاستقرار في أنحاء عديدة من العالم، مثل فلسطين، والبوسنة والهرسك، وإقليم كوسوفو، وكشمير، والفليبين، وفي مناطق كثيرة في أفريقيا وآسيا، فيكون العمل في هذا النطاق تعايشاً نافعاً ومُجدياً وذا تأثيرٍ في حياة الناس وواقعهم المعيش. وبذلك يصير التعايش بين الأديان وسيلةً فعالة لدعم جهود المجتمع من أجل السلام وإقامة العلاقات السليمة بين الشعوب والأمم في ظلّ سيادة القانون الدولي، واحترام حقوق الإنسان، وإقرار الحريات الأساس المنصوص عليها في المواثيق والعهود والأوفاق الدولية.
وينبغي أن يتجه التعايش بين الأديان نحو إنصاف المظلومين والمقهورين في الأرض جميعاً من دون استثناء، وإلزام كل من يمارس الظلم والقهر والإرهاب على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد والجماعات، باحترام أحكام القانون الدولي، والانصياع إلى تعاليم الأديان السماوية. ولا يجوز أن يُخرج التعايش بين الأديان من نطاق اهتماماته، محاربةَ الظلم والعدوان والاستيلاء على أراضي الغير بالقوّة، تحت أية دعوى من الدعاوي، أو مهادنة الجهة التي ترتكب هذه الجرائم بحجة عدم الخوض في المسائل السياسية، فمن أهداف التعايش بين الأديان، العملُ على إقرار مبادئ الحق والعدل واحترام كرامة الإنسان من حيث هو إنسان وكفى. فهذه المبادئ والتعاليم هي القاسم المشترك بين جميع الأديان.
ويجب أن يكون التعايش بين الأديان دعماً للجهود الخيّرة التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل التعايش الحضاري والثقافي بين الأمم والشعوب، وأن يكون قوّة دفع لهذه الجهود نحو تطويرها، وإغنائها، وتعميمها. وحتى يكون التعايش بين الأديان في خدمة السلام العادل، يجب أن تتحرّر الأطراف المشاركة فيه، من كل القيود والضغوط والارتباطات التي تتعارض ومبادئ هذا التعايش وأهدافه.
إن هناك تأثيراً واضحاً لليهودية الصهيونية على بعض الأطراف المسيحية، تتجلى مظاهرهُ في مواقف عديدة تصبُّ جميعُها في الاتجاه المناهض للحقائق التاريخية. وعلى سبيل المثال، ظهرت في بريطانيا أولاً، ثم في الولايات المتحدة الأمريكية حركات دينية مسيحية إنجيلية، أهمها وأقـــواها هي ما يُعرف بالحــركــة التدبيرية ـ DISPENSATIONALISM ـ وهذه الحركة تؤمن بأن في الكتاب المقدس، وخاصة في سفر حزقيال، وسفر الرؤيا، وسفر يوحنا، نبوءات واضحة حول الوصايا التي يحدّد اللَّه فيها كيفية تدبير شؤون الكون ونهايته : عودة اليهود إلى فلسطين، قيام إسرائيل، وقوع محرقة "هَرْمَجَدُّون" النووية، انتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين، وظهور المسيح المُخَلِّص، مبادرة من بقى من اليهود إلى الإيمان بالمسيح، انتشار السلام في مملكة المسيح مدة ألف عام. وهي حركة تضم أكثر من أربعين مليون أمريكي، وكان من بين أعضائها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وتسيطر هذه الحركة على قطاع واسع من المنابر الإعلامية الأمريكية، وبصور ة خاصة المتلفزة، ويشارك قادتُها كبارَ المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض، والبنتاغون، ووزارة الخارجية، في صناعة قراراتهم السياسية والعسكرية من الصراع العربي ـ الصهيوني. وأتباع هذه الحركة يؤمنون بأن اليهود هم شعب اللَّه المختار، وبحقّ اليهود في التجمّع في أرض فلسطين. وهذه الحركة هي الأساس الراسخ للصهيونية المسيحية.
وعلى الرغم من أن هناك كنائس مسيحية كاثوليكية في الدرجة الأولى، وحتى كنائس إنجيلية، مثل الكنيسة المشيخية (بالإضافة إلى الكنائس الشرقية الأرثوذكسية)، تنبذ هذه الأفكار وتعتبرها دخيلةً على المسيحية ومُقوِّضة لأركانها الإيمانية(45)، فإن قوّة هيمنة هذه الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية، تجعلها نافذة وقادرة على الانتقال والتوسّع والامتداد، وإن كان في أشكال مختلفة. وقد رأينا في الفترة الأخيرة كيف أن الفاتيكان قد اتخذ قرارات تاريخية بإزاء اليهود تدخل في صميم العقيدة المسيحية المتوارثة جيلاً بعد جيل، وهي قرارات تخدم في المقام الأول السياسيةَ الصهيونية.
من أجل هذا كلّه، ينبغي الحذر من أن يقع التعايش بين الأديان تحت تأثير مثل هذه الحركات والأفكار التي تبرأ منها المسيحية، والتي تخدم أهدافاً سياسية خطيرة تتعارض مع الأهداف الإنسانية النبيلة، لأن أي طرف مسيحي يشارك ويندمج في التعايش بين الأديان، يقع تحت تأثير مثل هذه الحركات ــ التي يحقّ لنا أن نصفها بأنها هدَّامةٌ للتعايش من حيث هو ــ من شأنه أن يعرّض كلَّ جهد يبذل في هذا المجال للخطر، بأن يفقده جدواه ويفرغه من قيمته ويسلبه أهميته.
إن التعايش بين الأديان، الذي هو في الوقت نفسه تعايُشٌ بين الثقافات والحضارات، إن لم يكن الهدف منه خدمة الأهداف السامية التي يسعى إليها الإنسان، ضاع المعنى الإيجابي منه، وصار إلى الدعاية واللجاجة، أقرب منه إلى الصدق والتأثير في حياة الإنسان المعاصر. ومن أجل ذلك، يتوجب علينا نحن المسلمين، أن ندقّق في الأغراض والمرامي التي تنطوي عليها الدعوات التي تصدر عن بعض الأطراف إلى الحوار مع الأديان والثقافات والحضارات، والتي تدعونا إلى التعايش مع أهل هذه الأديان والمنظومات العقائدية، حتى لا نكون ضحية للغشّ الثقافي والديني، الذي هو أشدّ خطراً وأقوى أثراً وأسوأ عاقبةً، من الغشّ التجاري والصناعي.
إننا، ومن واقع تقديرنا للمخاطر التي تتهدّد البشرية في هذه المرحلة من التاريخ، نؤمن بأن التعايش مع الأديان بصفة خاصة، ضرورةٌ من الضرورات الملحة التي يفرضها الحفاظُ على سلامة الكيان الإنساني، ويُمليها الحرصُ المشترك على البقاء الحرّ الكريم فوق هذا الكوكب.
ولا يخامرنا شك في أن التعايش بين الأديان، سيكون أشدّ إلحاحاً في المستقبل القريب، لما يبدو لنا من مؤشّرات في الأفق تؤكّد جميعُها على أن القرن الحادي والعشرين، سيعرف أزمات شديدة الوطء على المستوى السياسي والاقتصادي، وعلى الصعيد الحضاري والثقافي معاً. وفي مثل هذا المناخ، تتضاعف أهميةُ رسالة الأديان السماوية، وتَتَعَاظَمُ مسؤولية المؤمنين في الدّفع بالتعايش بين الأديان نحو الاتجاه الصحيح، عملاً بالتوجيه الربَّاني في قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلاَّ اللَّه، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنَّا مسلمون }.
ويمكن لنا أن نستنبط من هذه الآية الكريمة القاعدة الشرعية التي تحدّد موقف الإسلام من التعايش بين الأديان. إن (كلمة سواء) التي أمر اللَّه سبحانه وتعالى نبيّه محمداً صلى اللَّه عليه وسلم، بأن يدعو أهل الكتاب إليها، يأتي بيانُها المفصَّلُ في ثلاثة أمور رئيسَة، هي إن كانت تدور حول التوحيد والإقرار بالربوبية والألوهية للَّه عزَّ وجل، فإن الحسّ المؤمن يستمدّ منها معاني وإشارات ذات علاقة بواقع الناس في معاشهم وحياتهم، وهي :
أولاً : ألاَّ نعبد إلاَّ اللَّه؛
ثانياً : ولا نشرك به شيئاً؛
ثالثاً : ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه.
فهذه الآية هي القاعدة الذهبية للتعايش بين الأديان، لأنها تدعو إلى إفراد اللَّه بالعبودية، وإلى عدم الإشراك به، وإلى رفض الطغيان والجبروت .
الحوار بين الحضارات ضرورةٌ مؤكدة من ضرورات استكمال شروط الحياة الإنسانية الكريمة في ظل السلام العادل والاحترام المتبادل والتطبيق النزيه لقواعد القانون الدولي، والحوار يؤكّد الحق في الاختلاف والمغايرة والتعدّدية، داخل إطار وحدة المجتمع الإنساني، ويضمن الدفاع عن حقوق الإنسان التي كفلتها القوانين والمواثيق الدولية والمبادرات الإنسانية، وفي مقدمتها حلف الفضول الذي يعتبر أول عهد لحماية حقوق الإنسان في التاريخ الإنساني،
-تعزيز الحوار بين الحضارات مسؤوليةٌ إنسانيةٌ مشتركة يتحمَّلها بصورة خاصة، صانعو القرار بمختلف درجات المسؤولية، والنخب الفكرية والثقافية والقيادات الإعلامية في العالم كلِّه، من أجل المشاركة الجماعية في بناء السلام في الحاضر والمستقبل، على أسس قوية تصمد أمام الأزمات الطارئة الناتجة عن الأحداث غير المتوقعة التي من شأنها أن تهزَّ الاِستقرار الدولي وتروّع الضمير الإنساني،
رابعاً : الحوار بين الحضارات وسيلة فعالة للقضاء على التمييز العنصري والاِستعلاء العرقي والتطرّف الديني، وهو العنصر الأكثر قوةً في إقرار مبادئ المساواة الكاملة بين الشعوب والأمم في الحقوق والواجبات جميعاً،
- الحوار بين الحضارات، يُساهم بدرجة كبيرة، في التقارب بين الشعوب والأمم، وفي إزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل ومن الأفكار المسبقة القائمة على أسس غير صحيحة التي تختزنها الذاكرة الجماعية لثقافة شعب من الشعوب عن ثقافة شعب آخر، مما يجعل من مواصلة الحوار وتوسيع دائرته وتعزيز التعايش، رسالةَ النخب الفكرية والكفاءات الثقافية والعلمية، ومسؤوليةَ المهتمين بالمصير الإنساني، كلٌّ من الموقع الذي يشغله،
- توجيه الحوار بين الحضارات إلى الاهتمام بالموضوعات التي تشغل الإنسانية وتؤرّق ضميرَها، وإلى إيجاد حلول وتسويات مستلهمة من روح الحضارات والثقافات، بحيث يستهدف الحوار في المقام الأول، دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن أراضيها ومقدساتها واسترجاع أراضيها المحتلة، ومناهضة روح الهيمنة وفرض نظام العولمة ذي المنزع الفكري والثقافي الواحد على المجتمع الدولي قسراً وضد إرادة الحكومات والشعوب، ومنع العدوان بكل أشكاله على الشعوب الطامحة إلى الحرية والانعتاق، وأن يكون الحوار بين الحضارات على جميع مستوياته، وسيلةً للوقوف ضد حرمان الشعوب من حقوقها التي أكدتها المواثيق الدولية وكفلتها الشرائع السماوية وضمنتها المبادئ الإنسانية،وأن يكون عاملاً فعالاً في التوعية بأهمية قضايا التنمية المستدامة ودورها في تطور الحياة الإنسانية ونشر قيم العدل والمساواة والتعايش بين شعوب العالم .
- قيام الحوار بين الحضارات والثقافات على قاعدة الاِحترام المتبادل بين المنتسبين لهذه الثقافات والمنتمين لهذه الحضارات جميعاً، يحمي مبادئ الحق والعدل والإنصاف، ويكون دافعاً مساعداً لمساعي المجتمع الدولي من أجل تعميق التسامح واستتباب الأمن والسلام والتعايش الثقافي والحضاري الشامل بين البشر.
المغرب : حوار الأديان و السلم العالمي
يقول تعالى:" قل يا أهل الكتب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون " يلاحظ أنها دعوة صريحة للحوار بين مختلف الديانات السماوية . فكيف يسعى المغرب إلى نشر قيم التسامح و الحوار، و تحقيق الأمن و السلم في العالم؟
I : ينبني الحوار بين الأديان على عدة مبادئ و شروط:
* الحوار بين الديانات هو اللقاءات بين أهل الديانات السماوية من أجل العمل على نشر الأمن و السلم في العالم و البحث عن أساليب نبذ العنف و الحرب و مكافحة الفقر و حماية البيئة و صيانة كرامة الإنسان.
* يعتمد حوار الأديان على جملة من الشروط و المبادئ منها:
الشروط الحوار بين الديانات : الإيمان بمبادئ الدين و أهدافه، العلم الواسع بقضايا الدين و الدنيا، الإستقلال في التفكير الرغبة في الوصول إلى الحق و الاعتراف به.
مبادئ الحوار بين الديانات : الدعوة إلأى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة، نبذ العنف و التعصب و كراهية الآخر، اعتماد العقل و البرهنة و الإقناع، الدعوة إلى نقط التلاقي و التعايش.
* يتم الحوار بين الأديان بثلاثة أساليب: حوارات فردية، حوارات جماعية ، حوارات بالمراسلة
* و يعتمد المغرب في مجال لحوار بين الأديان على عدة مرجعيات منها الدين الإسلامي و الدستور المغربي و مواقف ملوكه و خاصة المرحوم الحسن الثاني و جلالة الملك محمد السادس
II - قدم المغرب عدة مساهمات في العمل على نشر الأمن و السلم في العالم:
* بقراءة تصدير الدستور المغربي نجد ما يلي: " إن المملكة المغربية...تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلم و الأمن في العالم. "
و لقد أكد المغرب على هذه المواقف انطلاقا من تشبثه بالتعايش السلمي فقدم مجموعة من المساهمات منها:
1960 : إرسال تجردة مغربية للدفاع عن وحدة الكونغو
1977: إرسال تجردة مغربية إلى زايير لتحرير شابا
1988 : نجاح الوساطة المغربية في المصالحة بين بلجيكا و زايير
1996 : إرسال تجردة مغربية إلى البوسنة
1999 : إرسال بعثة طبية إلى كوسوفو
2004 : إرسال تجردة مغربية إلى هايتي.
المصدر: http://paix.firstgoo.com/t2-topic