من دروس الحملة الأوروبية على نبي الإسلام

من دروس الحملة الأوروبية على نبي الإسلام
للمفكر فهمي هويدي
لا أستطيع أن أخفي عدم ارتياحي للعنف الذي استخدم ضد بعض السفارات الدنماركية والنرويجية في الخارج، لكن غضبي لكرامة نبي الإسلام الذي أهين في البلدين أكبر، فضلا عن أنني أزعم أن موقف حكومة الدنمارك بوجه أخص يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية عن الذي جرى لسفاراتها، ولأنني أحسب أنني لست بحاجة لأن أشرح لماذا كان الغضب كبيراً لكرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وعند غيري، فإنني سأتوقف قليلاً أمام النقطتين الأخريين.
ذلك لم يحدث للأسف، الأمر الذي ينبهنا إلى ان الثقافة السائدة لم تستوعب لا فقه انكار المنكر كما تعلمناه في الإسلام، ولا أساليب النضال المدني وفنونه التي تقدمت كثيراً في عالمنا المعاصر، فقد تعلمنا أن للانكار درجات، كما أن له أصولاً وقواعد، منها مثلا أن يؤدي الانكار إلى تحقيق المراد، وأنه لا يتسبب في وقوع منكر أشد منه وأكبر، وهو ما لم يحدث في الحالة التي نحن بصددها، حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية صور السفارات الدنماركية وهي تحترق، في حين تجاهلت الصور التي أهانت نبي الإسلام وأثارت ثورة المسلمين.

من ناحية أخرى، فإن جوهر النضال المدني يقوم على فكرة استخدام الأساليب السلمية التي تحترم القانون في إيصال رسالة الاحتجاج والغضب، وقد أشرت تواً إلى مسألة التظاهر السلمي، التي هي أبسط تلك الأساليب، التي سبقتنا إليها الممارسة في الديمقراطيات الحديثة، لكننا تخلفنا في هذا الباب، لأنه ليست لدينا ديمقراطيات تفرزها!

في هذه الأثناء أطلقت الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية، وهي الدعوة التي حققت نجاحاً نسبياً في العالم العربي على الأقل، الأمر الذي أزعج السلطات في كوبنهاجن، التي تعرضت لضغوط قوية من المؤسسات الاقتصادية صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة، فنشرت الصحيفة التي أثارت الفتنة اعتذاراً خجولاً باللغة العربية على إحدى صفحاتها، في حين تمسكت بموقفها الذي زعمت أنه يمارس «حرية التعبير»، فيما نشرته باللغة الدنماركية في نفس العدد، وفي الوقت ذاته صدرت عن المسؤولين في الحكومة الدنماركية تصريحات تحدثت بشكل عام عن أهمية احترام أديان الآخرين، ولم تتضمن أي حديث صريح عن الاعتذار للمسلمين عما أقدمت عليه الصحيفة، التي وفرت لها الحكومة الغطاء الأدبي والسياسي.
بقيت بعد ذلك عدة ملاحظات على المشهد ألخصها فيما يلي:
* إن سلاح المقاطعة الشعبية أثبت جدارته، باعتباره يمس المصالح الغربية في اقتصادها (الذي هو أعز ما تملك)، وهو سلاح ينبغي الاحتفاظ بفعاليته، لأهميته البالغة من ناحية، ولأنه يعد من أقوى أساليب النضال المدني تأثيراً، ويحسب لأزمة الرسوم الكاريكاتورية أنها دفعت البعض إلى التنادي لاستحضار ذلك السلاح المعطل، الذي نحن أشد ما نكون حاجة لاستخدامه على جبهات أخرى، خصوصاً في مواجهتنا للضغوط ومظاهر العدوان الغربي الكثيرة على أمتنا.
* إن الموقف الشعبي من الأزمة أسبق وأقوى كثيراً من الموقف الرسمي في العالم العربي والإسلامي، وإذ نقدر الجهود والمواقف التي عبرت عنها منظمة المؤتمر الإسلامي وعدد من الحكومات العربية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أننا يجب أن نعترف بأن النتائج ستصبح أفضل كثيراً لو تضأمنت أغلب أو كل الحكومات الإسلامية في اتخاذ موقف حازم من حكومة الدنمارك، وهو الحد الأدنى، لو أن وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في العالم العربي على الأقل، عقدوا اجتماعاً طارئاً وأصدروا بياناً مشتركاً أعلنوا فيه موقفهم الرافض لإهانة نبي المسلمين، وهم الذين لم يقصروا ـ فرادى ومجتمعين ـ بل وتنافسوا في الحملة ضد الإرهاب وأهله.
المصدر:
http://www.islamstory.com/أزمة_الإساءة_للنبي_بأقلام_المحللين

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك