الحرية والفكر النقدي أو التطرف والكراهية

إبراهيم غرايبة
 

تبدو أزمة مواجهة التطرف والكراهية غير ممكنة بدون سيادة الحرية والفكر النقدي والعقلاني، فلا يمكن إقناع الناس بالاعتدال ونبذ التطرف والكراهية بالوصاية على الناس وعلى عقولهم وأفكارهم، ولا يمكن إجبار أحد على الاعتقاد بفكرة أو منعه من ذلك، لا يملك دعاة الاعتدال سوى الإقناع والثقة، لكن الأنظمة السياسية العربية يغلب عليها على رغم ما يمكن تصديقه عن جديتها في مواجهة الإرهاب أنها تريد الاعتدال وتطالب الأفراد والمجتمعات بالثقة من غير حريات ومشاركة ومن غير مراجعة المؤسسات والأنظمة التعليمية والثقافية في اتجاه الحريات والعقلانية… تريد أن تدفع الناس إلى الاعتدال بالإكراه والوصاية على عقولهم وأفكارهم، أو على الأقل تريدهم في لحظة المواجهة مع التطرف أحراراً وعقلانيين، لكنها لا تريدهم كذلك عندما يتعلق الأمر بالتفكير في السياسات والتشريعات والاتجاهات السياسية والاقتصادية المتبعة!

وهكذا فإن مأزق الاعتدال والتنوير أنه لن يكون مقتصراً على الشأن الديني أو الاجتماعي؛ ففي تشكله في بيئة من الفكر الحر والنقدي (ليس من طريقة أخرى لتكريس الاعتدال) يتشكل الفرد صعب المراس، فالمواطن الذي يؤمن بالاعتدال من خلال تجربته الذاتية الفكرية والعقلية، سوف يكون بطبيعة الحال ناقداً للسياسات والاتجاهات الحكومية والشركاتية، ولن يؤيدها تلقائياً. وستكون التفسيرات الحكومية والمؤيدة لها في وسائل الإعلام موضع نقد ومراجعة، وسيكون سلوكه السياسي والانتخابي والاستهلاكي أيضاً مزعجاً للنخب السياسية والاقتصادية. وفي مجتمع تغلب عليه العقلانية والفكر الناقد، ستتغير كل اتجاهات التسويق والإعلان، كما السياسة والانتخابات، والحال أن الاعتدال لا يلائم «الأوليغارشيا»؛ بما هي النخب السياسية والاقتصادية المغلقة والاحتكارية، لأنه مؤشر على اتجاهات عقلانية ونقدية، وستكون مجبرة في بيئة معتدلة حتى تظل في مواقعها، أن تنال ثقة المواطنين والمستهلكين على أسس عقلانية.

يجب الاعتراف ومواجهة أنفسنا بأن المؤسسات الرسمية والحليفة لها، والقيادات الاجتماعية والفكرية والأكاديمية، لم تعد قادرة على إنجاح سياسات وأهداف الدولة المفترضة في مواجهة التطرف والكراهية، وأنها على رغم الإنفاق الكبير والدعم السياسي والتسهيلات والفرص التي تحظى بها، فشلت؛ بدليل الحالة الكاسحة من التطرف والكراهية، وضعف مستوى التعليم والانتماء والسلوك الاجتماعي الصحيح.

ولكن، لم يعد ثمة مناص من مواجهة حقيقة أنه لم يعد ممكناً مواجهة التطرف والكراهية من غير مشاركة المجتمعات، وأنه لا يمكن إجبارها على المشاركة، وأنها (المجتمعات) لن تكون قادرة على المشاركة حتى في حالة عدم ممانعتها إن لم تكن مؤهلة لذلك، فلا يمكن لمجتمعات أن تواجه الكراهية والعنف إلا أن تكون متماسكة ومنظمة، وتملك مؤسساتها ومواردها وولايتها على شؤونها واحتياجاتها.

يبدو البديل بالنسبة إلى الأنظمة السياسية عن الحريات واستقلال المجتمعات وتمكينها في استراتيجية الخوف، بمعنى اكتساب تأييد الأفراد والجماعات مقابل الأمن والاستقرار وتحت وطأة الخوف من الفوضى والإرهاب، لكنها لعبة أكثر خطورة وتهديداً من الحريات، فلا خوف من غير إرهاب! ولا يمكن التنبؤ بمسار الصراع مع الإرهابيين ولا السيطرة عليه، مهما بلغت القوة المؤسسية والأمنية لنظام سياسي، فليس متخيلاً أنه يمكن الزيادة في الإدارة الأمنية وبناء المؤسسات الأمنية والاستخبارية على النظام العراقي في عهد صدام حسين أو النظام السوري أو الليبي القذافي، لكن ذلك لم يفد الحكام والأنظمة، وكانت نهاية قادتها في حجم الإهانة أقرب إلى الخيال السينمائي، وأصبح منطقياً وبديهياً القول إن الأنظمة السياسية التي أمكنها تجنب الكارثة لم تفعل ذلك بسبب قوتها الأمنية والقمعية، لكن بالقدر الذي أنشأته من الرضا والثقة والتماسك… لكن يجب الاعتراف أيضاً بأنه قدر من الإنجاز لا يكفي للحماية من التهديد ومواجهة التحديات، وليس لدينا سوى فرص محدودة للاستمرار، وإذا لم توظف الفرصة القائمة وبأقصى سرعة ممكنة في إعادة التشكيل الاجتماعي والسياسي نحو المشاركة والثقة المتبادلة، فإننا فقط نلعب في الوقت الضائع.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=1246

الأكثر مشاركة في الفيس بوك