مؤشرات الإرهاب: تكمّية أم تعمّية؟

سعود الشرفات

 

الإرهاب هو إرهاب الهجوم القادم.

أرجون أبادوراي، الخشية من الأعداد الصغيرة: دراسة في جغرافية الغضب، 2010

فأرجو أن تكون هذه المقالة فاتحة لأخريات حول موضوع قياس ظاهرة الإرهاب (الدولي/المحلي /العالمي) بهدف المساهمة في تطوير حقل دراسات الإرهاب؛ ثم على أمل القدرة على التوصل لبناء مؤشر عربي كمّي للإرهاب بما في ذلك مساهمتي المتواضعة لبناء هذا المؤشر، والذي أطلقت عليه اسم (مؤشر الإرهاب البديل-S). والذي سأتحدث عنه في مقالتي القادمة.

نقصد بمؤشرات الإرهاب، تلك المؤشرات الخاصة بالقياس الكمّيّ للظاهرة، ويستخدمها الباحثون والمهتمون والخبراء، إن على مستوى الأفراد أو مراكز الدراسات والأبحاث الحكومية أو الخاصة، أو مراكز الأبحاث الجامعية أو الدراسات الأكاديمية المتخصصة التي نشطت بشكل منقطع النظير بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة.

إنّ الجزء الأكبر من مشكلة دراسة الإرهاب يتمحور حول إشكالية تكمّية الإرهاب وبناء مؤشرات محددة له، وتأتي طبيعة هذه الإشكالية من جوهر مفهوم الإرهاب نفسه، واختلاف وجهات النظر حوله، وسيطرة وجهة النظر الغربية والأمريكية تحديداً في حقل الدراسات والأبحاث في هذا المجال.

ومن هنا؛ تأتي أهمية أن تكون عملية القياس (التكمّية) عملية ومحايدة بهدف الدراسة العلمية لظاهرة الإرهاب خاصة في ظل الحقبة الحالية من العولمة، ونحن نشاهد ونراقب مشدوهين من الدرجة التي توحشت فيها الجماعات الإرهابية والذئاب المنفردة. وليس تعمّية لخطورة هذه الظاهرة والتقليل من شأنها وتأثيراتها على الجماعات والأفراد، وعلى بنية وسلوك الدول.

والإرهاب فعلٌ ذو خلفية وأبعاد سياسية، وهو ليس إلا شكلاً من أشكال العنف واستخدام القوة، ويخضع تعريفه ومعالجته ومكافحته، وتميزه عن غيره من أشكال العنف الأخرى إلى اعتبارات سياسية محكومة بالبيئة السياسية الدولية والظروف التاريخية والموضوعية السائدة، وهو في ذلك كله مرتبط بقيمة الأمن التي تعدّ إحدى القيم الأساسية في العلاقات الإنسانية، وموضوعاً جوهرياً في النظرية السياسية، على الرغم من تعرضه للإغفال من جانب منظّري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية في المدرستين "الوضعية" التي أغرقته في بحر من المسائل الغائية، مثل: استراتيجية الردع، والسياسة الدفاعية، ودبلوماسية الإكراه والقسر، ومدرسة "ما بعد الوضعية" التي تخلط ما بين الأخلاق والإيديولوجيا([1]).

وللدلالة على المنهجية "الوضعية" السائدة يكفي أن نعطي مثالاً بسيطاً من الأدبيات التي درست وحللت ظاهرة الإرهاب، وبخاصة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر2001م، ولنرى أنه ومن أصل (31) باحثاً ومنظّراً من منظّري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستخبارية الآن، وعلى رأسهم كيوهان، وباري بوزان، وستيف سميث، وكينت والتز، وفريد هاليدي، وفرنسيس فوكومايا الذين ساهموا في الدراسة التي حررها (كين بوث وتيم ديون) سنة 2002، تحت عنوان (World In Collision: Terror And The Future Of Global Order) عوالم متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالميّ) كان هناك أربعة منظرين بشكلٍ مؤكد يمثلون منهجيات معارضة ومختلفة، وهم: إيمانويل فالرشتاين، نظرية العالم الجديد، أندرو لنكلاتر، النظرية النقدية، كريس بروان، النظرية المعيارية، وريتشارد فولك، النظام العالميّ والحكومات العالمية.

أما على الجانب العربي والإسلامي، فإن الأدبيات حول الدراسات العلمّية للإرهاب بشكل ٍ عام؛ والمؤشرات بشكلٍ خاص (حسب علمّي) تبدو معدومة، ثم إن ما نشر عربياً حول موضوعات الإرهاب بشكل عام؛ وقد نشط بعد 2001م وبروز تنظيم القاعدة ثم ظهور تنظيم داعش وبوكوحرام حالياً، تغلب عليه السطحية وعدم العمق حتى الآن.

ويلاحظ بأنه على الرغم من أهمية ظاهرة الإرهاب والاتجاهات المعاصرة لهذه الظاهرة، إلا أنه لا تتوافر لدى الباحثين والدارسين مؤشرات (Indexes) يعتدّ بها من حيث الشمول والمصداقية. ويمكن القول، إن مشكلة عدم توافر المؤشرات المرضية والكافية للبحث تلازم مسألة الصعوبات التي ترافق البحث في الظاهرة وتعقدها، وتجعل من العسير القيام بأبحاث علمية عميقة للظاهرة([2]).

ويرى بعض الباحثين أن هناك عدداً من الإشكاليات([3]) تعيق البحث العلميّ للظاهرة، وتعقّد من مسألة بناء المؤشرات، وأهمّ هذه الإشكاليات أن معظم المعلومات عن الإرهاب تأتي من الصحافة والمصادر الصحفية المفتوحة، وفي حالات محدودة من مصادر رسمية، لذلك فإن مسألة إجراء "دراسات كمّية (Empirical) للظاهرة أو بحث مسائل، مثل: دوافع الإرهاب، الخصائص النفسية للإرهابين واتجاهات الظاهرة الجغرافية ـ غير موجودة، فضلاً عن بناء مؤشرات لها، وبشكل عامّ فإن المتوافر من معلومات وبيانات لدراسة الظاهرة أو بعض الأحداث الإرهابية لا يعدو أن يكون تقارير صحفية وسجلات الشرطة أو الأمن. أما المعلومات والبيانات الصحيحة والموثقة والدراسات حولها، فإنها تحفظ في خزائن الأجهزة الأمنية والمخابرات بشكل سرّي، ولا تصل إلى أيدي الباحثين المهتمين بذريعة حماية الأمن القوميّ([4]).

هذا بالإضافة إلى مشكلة تداخل حقل الإرهاب مع حقول أخرى من الدراسات، مثل علم النفس، والاجتماع، والاقتصاد، والعلوم السياسية، وعليه، فليس هناك نظريات خاصة بدراسة الإرهاب كظاهرة حسب ما يؤكد ذلك (أليكس شميد، 1983)([5])، ويؤكد آخرون بأن معظم الدراسات حول الإرهاب تعاني من الضعف والضحالة المنهجية، وليس هناك أيّ نموذج نظريّ متماسك لدراسة الظاهرة وبناء المؤشرات([6]).

وما يزيد من الصعوبة والإشكالية في بناء المؤشرات استمرار النظرة السطحية للظاهرة بشكل عامّ، أو حتى التقليل من شأنها، واستمرار "المناظرات" حول التقليل من دور الإرهاب وتأثيره على "بنية الدول وسلوكها"، والمحاججة باستمرار حول سيطرة الدولة، والبقاء في فضاء "منهجية الواقعية" الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من شأن خطورة الإرهاب. لذلك، نرى أن ويلتس (2004 ,Willttes) يؤكد الادعاء بأن التمحور حول الدولة، وأنها وحدها التي تملك قوة التأثير، هو انحياز تحليلي غير مقبول، وأن هناك طرحاً أكثر شمولاً يعرف "بالتعددية"، يقوم على أن كل أصناف الأطراف الفاعلة، يمكن أن تؤثر في النتائج السياسية([7]).

وقد عبر بعض الباحثين منذ تسعينيات هذا القرن عن حالة الاستخفاف هذه، عندما أشار صراحة إلى أنه يصعب أن تجد دراسة جدية تبحث في أثر الإرهاب على الأفراد، وبدلاً من ذلك، فإن الأعمال الإرهابية ومؤشراتها تمّ التعامل معها كأنها من "الكوارث الطبيعية Natural Disaster"، فعلى سبيل المثال تعاملت الإدارات الأمريكية مع أحداث إرهابية، مثل: تفجير مركز التجارة العالميّ، وتفجيرات مدينة أوكلاهوما، ثم أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر2001م، بالعقلية نفسها؛ أي كأنها هزة أرضية، أو فيضان([8])، أو إعصار، ويركّز آخرون([9]) على مشاكل ومعيقات أخرى تحول دون إجراء الدراسات العلمية للإرهاب وبناء المؤشرات، مثل الفصل بين إرهاب الدولة وإرهاب المجموعات والأفراد ضد الدول، ومعظم الدول تعطي نفسها حق الردّ على العمليات الإرهابية باسم "الحق في الدفاع عن النفس"، وحماية المصالح الوطنية، وتحرم غيرها من هذا الحق([10])، لذلك يرتبط بهذه النقطة بالذات أن الكثير من دراسات الظاهرة تركز على الإرهاب الدوليّ([11])، لذلك كله فإنه وكما كان مفهوم الإرهاب مثار خلافٍ وتباين كبير فإن مؤشرات الإرهاب" تحمل هذا التباين نفسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

المراجع:

[1]- جاكسون، روبرت، "ميثاق العولمة: سلوك الإنسان في عالم عامر بالدول", تعريب فاضل جتكر، العبيكان للنشر، الرياض، 2003، ص 339

2- Alkhattar, Aref, “Religion And Terrorism, An Interfaith Perspective”, Foreword By Vincent Moor, Prager Publishers, West Port, Ct, USA, 2003, P.36

3- Ibid.

4- Ibid.

5- Ibid

6- Ibid

7- بيليس، جون وسميث، ستيف، "عولمة السياسة العالمية"، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، دبي، 2004، ص 594-596

8- Al Khattar, op, op. cit., P. 36

9. Ibid

10. بايرز، مايكل، الإرهاب ومستقبل القانون الدولي، في كتاب: بوث، كين وديون، تيم، "عولمة متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي"، ترجمة صلاح عبدالحق، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ص، ص161

- Cordes, Bonnie, “A Conceptual Frame Work For Analyzing Terrorism Groups”, 1985, PP.1-10,11 Http: //Library,Mipt.Org/Uhtbing/Vol/5.? Search Dated=A+ Conceptual+ Frame Work+ For+ Analysis In, 21/07/2007.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] - جاكسون، روبرت، "ميثاق العولمة: سلوك الإنسان في عالم عامر بالدول", تعريب فاضل جتكر، العبيكان للنشر، الرياض، 2003، ص 339

[2]- Alkhattar, Aref, “Religion And Terrorism, An Interfaith Perspective”, Foreword By Vincent Moor, Prager Publishers, West Port, Ct, USA, 2003, P.36

[3]- Ibid.

[4]- Ibid.

[5]- Ibid

6- Ibid

[7]- بيليس، جون وسميث، ستيف، "عولمة السياسة العالمية"، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، دبي، 2004، ، ص 594-596

8- Alkahttar,op, op. cit., P. 36

9- Ibid

10- بايرز، مايكل، الإرهاب ومستقبل القانون الدولي، في كتاب: بوث، كين وديون، تيم، "عولمة متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي"، ترجمة صلاح عبدالحق، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ص، 161

11- Cordes, Bonnie, “A Conceptual Frame Work For Analyzing Terrorism Groups”, 1985, PP.1-10, Http: //Library,Mipt.Org/Uhtbing/Vol/5? Search Dated=A+ Conceptual+ Frame Work+ For+ Analysis In, 21/07/2007

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D...

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك