من وحي القرآن: قراءة في منهجية فهم الخطاب القرآنـي

أحمد بابانا العلوي

 

Penser le Coran

 

 

صدر عن دار النشر الفرنسية ""غراسي Grasset "" كتاب "" النظر في القرآن "" أو بالأحرى ""من وحي القران "" Penser Le Coran"  للمؤلفين " بهجت  النادي وعادل رأفت"  المشهورين باسمهما المستعار ""محمود حسين ""منذعقد الستينيات من القرن الماضي ...

 وقد صدر للمؤلفين عن نفس الدار سنة (2005و2007 ) كتابا في جزئيين حول سيرة الرسول عليه السلام كما رواها أصحابهAl Sira. Le Prophète de l’Islam raconté par ses compagnons) 2 vol – 2005-2007)

والكتاب الصادر مؤخرا يصب موضوعه حول دراسة القران الكريم ضمن منظور أو منهجية " القراءاتLectures " وهي طريقة تقارب النص وتبحث  في طواياه عن ما تحمله الألفاظ والمعاني من دلالات وأحكام بغية الاستفادة منها في وضع تصورات أو الدفاع عن رأي أو مذهب.

ومن جملة هذه القراءات الحديثة في هذا الباب تجدر الإشارة إلى دراسة محمد أركون  "Lecture du Coran" الصادر سنة 1982 وكذلك دراسة المفكر التونسي محمد الطالبي(réflexions sur le coran )  الصادرة سنة 1989.

وإذا كان "أركون" يستعمل المناهج الغربية لمقاربة النص القرآني فان الطالبي على العكس تماما يجعل من المنهج الإسلامي أداته للكشف عما كمن أو أشكل في آي الذكر الحكيم.

ويمكن أن ندرج كتاب (محمود-حسين ) ضمن هذه القراءات الحديثة التي تتأثر بمناخ الصدام بين الإسلام والغرب.

وقبل أن نشرع في تناول ما يتضمنه الكتاب من أفكار، أود أن أقف قليلا للتمعن والتأمل في المعاني الدلالية والمعرفية والمنهجية التي توحي بها دراسة القران الكريم للذين ""يتدبرون"" ، ويتفكرون ، ويتأملون معانيه ويتبصرون ما فيه ...

          يرى العلامة حسين فضل الله بأن التدبر هو أخذ الشيء والنظر في عواقب الأمور، والفرق بين التدبر والتفكر هو أن التدبر تصرف في العواقب، والتفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل ... (( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا))  (سورة النساء -82)

اختلافا بمعنى تناقضا في معانيه وتفاوتا في بيانه ومتانة أسلوبه . والاختلاف المخالف أي أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الأخر في حاله أو في قوله ...

          وقال الطبرسي ، الاختلاف هو امتناع أ حد الشيئين  أن يسد مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته، كالسواد الذي لا يسد مسد البياض، فكلام الله لا يمكن أن يكون موضع للاختلاف والتنافر، والتنافي، بل هو الذي يصدق بعضه بعضا، ويبن أوله آخره ، وآخره أوله. وينبغي أن ندرس القرآن ونتدبر في مدا ليله فقد نزل في حالات متباينة، وأوضاع مختلفة، وتعرض لاكثرمن موضوع وقضية، وربما تعرض للقضية الواحدة أكتر من مرة واحدة في أكثر من مناسبة ...

فلا بد إذن من التعمق في معانيه لئلا يتوهم القارئ وجود اختلاف فيما ليس فيه اختلاف : كالذي يقرأ بعض الآيات التي ظاهرها الجبر في مقابل بعض الآيات التي يظهر منها حرية الاختيار أو التجسيم من عدمه، وهكذا فيما اختلفت فيه أساليب التعبير، فقد يطلق اللفظ الظاهر في معنى، بحسب أصل الوضع ويراد به المعنى الآخر على سبيل الكناية والمجاز ، بسبب بعض العوائق العارضة للفظ عن معناه الحقيقي ، وذلك كما في الآيات التي تتحدث عن وجه الله ويده  التي هي كناية عن ذاته ، وقدرته ونعمته فيتوهم البعض أنها تعبر عن العضو الجسدي الخاص ، فيذهب إلى التجسيم ونحو ذلك ...

فلابد اذن من أن نتعلم بأن للفظ العربي قواعد معينة مضبوطة في طريقته في التعبير عن المعنى ، فلا يجوز إغفالها فيما نريده من فهم الكلام القرآني لكي لا نقع في الخطأ الناشئ عن عدم التدبر'' (1) ومن هدا المنطلق لابد من التدقيق في الأبحاث على أساس معرفة دقيقة بقواعد اللغة العربية، وحركة العقل السليم ، تجنبا لكل انحراف وقصور في فهم معاني كتاب الله العظيم .

وقد ورد في تفسير الكشاف للزمخشري بان معنى تدبر القرآن أي تأمل معانيه وتبصر فيه ( لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) بمعنى لكان الكثير منه مختلفا متناقضا ، وقد تفاوت نظمه، وبلاغته، ومعانيه ، وكان بعضه بالغا  حدالإعجاز وبعضه قاصرا عنه، يمكن معارضته ..، فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوى البلغاء ، وتناصر صحة معان وصحة أخبار علم انه ليس إلا من عند  قادر على ما لا يقدر عليه غيره (2)

 ويقول صاحب الظلال رحمه الله ""يعرض عليهم الأحتكام في أمر القرآن إلى إدراكهم هم وتدبر عقولهم ويعين لهم منهج النظر الصحيح ، كما يعين فهم الظاهرة التي لا تخطئ إذا اتبعها ذلك المنهج :  التناسق المطلق الشامل الكامل هو الظاهرة التي لا يخطئها من يتدبر القرآن..،

 

 إن كل واحد يستطيع عند التدبر ، وفق منهج مستقيم أن يدرك أن من هده الظاهرة ظاهرة عدم الاختلاف أو ظاهرة التناسق، ما تهيئ له قدرته وثقافته وتجربته وتقواه، بإدراكها في حدودها الخاصة.

تتجلى ظاهرة التناسق ابتداء في التعبير القرآني من ناحية الأداء وطرائقه الفنية فيما يخص التعبير اللفظي والأداء الأسلوبي ، فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز، تختلف ألوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها ولكن يتخذ مستواه وأفقه والكمال والأداء بلا تغير ولا اختلاف من مستوى إلى مستوى ، انه يحمل طابع الصنعة الإلهية ويدل على الصانع، يدل على الموجود الذي لا يتغير من حال إلى حال ...

كما تتجلى في المنهج الذي تحمله العبارات ويؤدي به الأداء منهج التربية للنفس البشرية والمجتمعات البشرية، منهج التنظيم للنشاط الإنساني ومنهج التقويم للإدراك البشري ذاته، وتناول شتى قواه وطاقاته ، والتنسيق بين الكائن الإنساني وبين الكون  الذي يعيش فيه، وبين دنياه وآخرته وما يشجر من علاقة بينهما ومن ملابسات في عالم كل فرد، وفي عالم كل إنسان وهو يعيش في هذا الكون .

          يحمل الطابع البشري رؤية النظر الجزئية والتأثر الوقتي بالملابسات الوقتية وعدم رؤيته المتناقضات .     

في النظرية أو المذهب أو الخطة  التي تؤدي إلى الاصطدام بين مكوناتها إن عاجلا أو آجلا .. إلى عشرات النقائص الناتجة عن محدودية الإدراك البشري. ومن الجهل البشري بما وراء اللحظة الحاضرة فوق جهله بكل مكونات اللحظة الحاضرة... أما المنهج القرآني فهو الشامل المتكامل الثابت الأصول، ثبات النمواميس الكونية، الذي يسمح بالحركة الدائمة مع ثباته. كما تسمح النمواميس الكونية (3).

          أما ما يختلف الناس في إدراكه فيتمثل في آماد وآفاق وأبعاد ذلك التناسق العجيب.

          ومن دروس التدبير  في آي الذكر الحكيم ما يتعلق  بصلاح العقيدة والاعتقاد. لان قدسية العقيدة مصدرها حكمة الوجود العليا.

          فالإنسان يتجه إلى الدين من أجل تقرير مكانه في هذا الكون او في هذه الحياة وبالتالي فيتعلق من الدين بمعنى الحياة...

          وإذا طلب الحياة الأبدية فلأنه يريد  لحياته معنى، وهو لا يطلب ذلك، لأنه فرد من أفراد النوع، فإن النوع قد يبقى ألوف السنين، إلا أن كل ذلك  لا يغنيه عن طلب الحياة الأبدية، لأنه يريد  لحياته معنى، لا يزول، ويريد أن يتصل بحياة الكون كلهفي أوسع مداه.

 وقد يعلم الإنسان أسرارا من الكون وهو يشعرانه غريب عنه أو عارض فيه فإذا اعتقد فإنما يعتقد لأنه  يريد أن يشعر بأنه ليس في الكون بالغريب، ويؤمن انه موصول الحياة بحياته. وليس بالعارض فيه.

وحسب العقيدة الصالحة من الصلاح أنها تنهض بالعقل والفريضة، ولا تصدهما عن سبيل العلم والصناعة، ولا تحول  بين معتقديها، وبين التقدم في الحضارة، وأطوار الاجتماع.(4).

ويرى أستاذنا  العقاد رحمه الله بأن موضوع الفلسفة القرآنية هو صلاح العقيدة الإسلامية لحياة الجماعة البشرية، وان الجماعات التي تدين بها تستمد منها حاجتها إلى الدين الذي لا غنى عنه، ثم لا تفوتها منها حاجتها  إلى العلم والحضارة ولا استبعادها لمجارات الزمن حيث اتجه مجراه (5).

  "ويبدو إلى الذهن أن الشمول الذي امتازت به العقيدة الإسلامية  صفة خفية عميقة لا تظهر للناظر من قريب، ولابد لإظهارها من بحث عويص في قواعد الدين وأسرار الكتاب وفرائض المعاملات.

فليست هي ما يراه الناظر الوثني، أو الناظر البدوي لأول وهلة، قبل أن يطلع على حقائق الديانة ويتعمق في الاطلاع. ومن المحقق أن إدراك الشمول (ومن الوجهة العلمية لا يتأتى بغير الدراسة الوافية والمقارنة المتغلغلة في وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف بين الديانات ولكن الناظر القريب قد يدرك شمول العقيدة الإسلامية  من مراقبة أحوال المسلم ومعيشته  وعبادته  ويكفي أن يرى المسلم مستقلا بعبادته عن الهيكل والصنم والأيقونة والوثن  ليعلم أنه وحدة كاملة في دينه، ويعلم من ثم  كل ما يرغبه في ذلك الدين أيام كان الدين كله حكرا للكاهن وقفا على المعبد  وعالة على الشعائر والمراسيم مدى الحياة.

 فلما ظهر المسلم في تلك الآونة ظهر الشمول في عقيدته من نظرة واحدة ظهر أنه وحدة كاملة في أمر دينه يصلي  حيث شاء، ولا تتوقف له نجاة في مشيئة أحد من الكهان  وهو مع الله في كل مكان "فأينما تولوا فثم وجه الله" (6). فليست العقيدة إذن مجموعة من الأزياء الموسمية التي يغيرها الإنسان ثارة بعد ثارة لا يمزجها ببواطن الضمير إنها العقيدة إيمان، موافقة لدواعي الحياة ومطالب الفكر وخلجات الشعور.

 إنها  ذخيرة قوة، وحوافز الحياة تمد الجماعات البشرية بزاد صالح، لا تستمده من غيرها.

 إن هذه الذخيرة الضرورية خلقت لتعمل عملها، ولم تخلق ليعبث بها العابثون.. وفي هذا العصر الذي تتصارع فيه معاني الحياة بين الإيمان والتعطيل، بين الروح والمادة، بين الأمل والقنوط تلوذ الجماعات الإسلامية بعقدتها المثلى ولا تخطئي الملاذ..، لأنها عقيدة تعطيها كل ما يعطيه الدين من خير ولا تحرمها شيئا من خيرات العلم والحضارة (7).

والقرآن كتاب عقيدة يخاطب الضمير، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يتضمن حكما  يشل حركة العقل في تفكيره أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلم ما استطاع..، وكل هذا مكفول للمسلم  في كتابه، كما لم يكفل فيها في كتاب من كتب الأديان..، فقد جعل من التفكير السليم والنظر الصحيح إلى آيات الله وسيلة من وسائل الإيمان بالله : (الدين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).

          ولا يرتفع المسلم بفضيلة كما يرتفع بفضيلة العلم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات) (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (وقل ربي زدني علما).

فضيلة الإسلام الكبرى انه يفتح للمسلمين أبواب المعرفة ويحثهم على ولوجها والتقدم فيها وقبول كل مستجدات من العلوم.

 فلا بد إذن من فهم مناهج القرآن باعتباره المصدر الأول لثقافة المسلم.

إن المسلمين اليوم يعانون من أمية عقلية عميقة أدت إلى أزمة فهم والى غياب (مناهج الفهم) و(وسائل المعرفة) وبالتالي فيجب أن تنصب الجهود إلى صياغة  مناهج للفهم  التي تمكننا من القراءة الواعية والتفكيرالسليم والتدبير الصحيح.

ومن يتدبر القرآن ويتغلغل في أعماق معانيه وأسراره سيجعله يبصر الكون والتاريخ والحياة برؤية إيمانية جامعة، تستوعب الأشياء، وتمنح العقل التوهج والتآلق لينفذ إلى ما وراء الأشياء، ويفسر حركة الحياة، تفسيرا جامعا للعوالم المنظورة والعوالم الغير المنظورة.

القرآن كتاب جامع لفنون المعاني والحقائق ولا بد للباحث في علومه، أن يمتلك منهجا معرفيا جامعا، ملما بخصائص البيان القرآني، مالكا لأدوات الذوق والمعرفة والقدرة على التمييز بين أنماط البيان المختلفة، عارفا بعلوم التفسير وعلوم القرآن في علومه أن يمثلك منتهى معرفيا جامعا، ملما بخصائص البيان القرآني، مالكا لأدوات الذوق والمعرفة والقدرة على الميز بين أنماط البيان المختلفة، عارفا بعلوم التفسير وعلوم القرآن.

قادرا على النظر الطويل والتأمل العميق في التراث الإسلامي باحثا في علومه عن الزاد المعرفي والمنهجي الذي يسمح للباحث الكشف عن حقائقه والنفاذ إلى جوهر معانيه. لقد أردنا من هذا التقديم أن نلمح إلى ما تنطوي عليه الدراسات والمباحث القرآنية من قضايا فكرية ومعرفية  جليلة ودقيقة، لا ينبغي اختزالها في بعض "الطروحات" أو القراءات الحديثة المتهافتة والمبسترة، نتيجة ابتعادها عن قواعد المنهج الصحيح لدراسة القرآن للتوصل إلى مدلول النص. وقد تطرق الإمام الغزالي (8) إلى أن فهم النص يحتاج إلى معرفة اللغة ومنطقها، سواء تعلق الأمر عن دلالة المطابقة، ودلالة التضمين والمزايلة والمشكلة والمتشابهة والمستعارة والمنقولة،  وعن المعنى الحقيقي والمعنى المجازي. وعن الخاص والعام والمطلق والمقيد، في إطار العلاقة بين المنقول والمعقول، فهناك رأي يجعل المعقول أصلا والمنقول تابعا، ورأي آخر يجعل من المنقول أصلا والمعقول تابعا، ورأي ثالث يجمع بين المعقول والمنقول.

وخلاصة رأي الإمام  الغزالي انه يجب أن نفرق بين الإمكان والاستحالة العقلية المنطقية والإمكان والاستحالة الوجودية. وبين الإمكان الذي يتبادر إلى الذهن وبين الذي لا يدرك إلا بدليل. إلا أن التوفيق بين المعقول والمنقول بدقيق النظر هو المنهج الذي يتيح للفكر مقاربة مدلول النص والكشف عن معانيه الحكمية.

هذا ما أردت التأكيد عليه كمدخل لقراءة كتاب "النظر في القرآن"

(Penser le coran) الصادر باللغة الفرنسية سنة 2009 للكاتبين (محمود حسين). وسوف أبدا من العنوان حيث تستوقفنا كلمة (Penser) وللكلمة في اللغة الفرنسية معان كثيرة ومضامين جمة: (ملكة التفكير La faculté de penser ) أن نفكر يعني أن نصدر حكما كما يقول الفيلسوف كانط (Penser c’est juger) ومن معانيها أيضا النظر والتفكر والتأمل والتدبر (Méditer réfléchir) وطريقة التفكير (façon de penser)

وفي لسان العرب : نظر  ينظر نظرا) : النظر تأمل الشيء بالعين وكذلك النظرات. والنظر الفكر في الشيء تقدره وتقيمه.

يبدأ المؤلفان بشرح الدوافع التي دعتهم إلى تأليف هذا الكتاب حول القرآن الكريم.

يقول المؤلفان بأنه بعد صدور كتابهم حول سيرة الرسول عليه السلام قاما بجولة في أوربا والبلدان العربية، من أجل إلغاء سلسلة من المحاضرات، مما أتاح لهم لقاء شريحة واسعة من الجمهور..، وقد طرحت عليهم العديد من الأسئلة حول القرآن الكريم وربطه بالمحيط الذي نزل فيه rendue à son contexte) ) إلا أن السؤال الذي اعتبر انه يستحوذ على اهتمامات الجمهور يتعلق بمضامين الخطاب القرآني

(  Ce que dit le Coran).

ما كان يريده الجمهور هو أجوبة بسيطة وقاطعة ومقنعة. وهذا النوع من الأجوبة يصعب عليهما تقديمه. ويتطرق المؤلفان لنماذج من الأسئلة التي طرحت عليهم " (هل يجيز القرآن عمل "الكامكاز Kamikazes أي أن يقوم شخص ما بتفجير نفسه في مكان عمومي يعرض فيه حياة الأبرياء للموت  المحقق، دون التفريق بينهم وبين العدو المقاتل.

ويجيبان على هذا السؤال بأن القرآن لا يجيز قتل الأبرياء أو تعريض حياتهم للخطر، كما أن الرسول (ص) قد نهى عن ذلك. ويضيف المؤلفان بهذا الخصوص بأن هناك من يستشهد بالآية 5 من سورة التوبة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد..). فالآية تشير إلى المشركين

(Les polythéistes). إلا أن هناك من يؤول  القرآن حسب هواه

(Ils font dire au coran ce qui les arrangent) كما يقول المؤلفان فيطبق معنى هذه الآية على من يعتبرهم أعداءه رغم أنها نزلت في المشركين..،

         ونفس الأمر يقولان انه ينطبق على حالة المرتد l’apostasier حيث يستشهد رجل بالآية 27 من سورة البقرة (الذين ينقضون عهد الله بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولائك هم الخاسرون).

         ويتحدث المؤلفان عن رجم الزانية باعتبار أن القرآن لم ينص على الرجم، وأيضا عن المساواة بين الرجل والمرأة وعن مسألة والرق. وعن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة. وعن إباحة التعدد في الزواج، إلى ما هنالك من القضايا والمسائل التي تثار حول الإسلام.

بالنسبة للمرأة يرى المؤلفان أن القرآن حسن من وضعية المرأة في المجتمع وأعطاها حقوقا كانت محرومة منها. وجعلها على المستوى الإيماني مساوية للرجل.

         أما بخصوص الرق فإن القرآن حض على تحريرهم ابتغاء مرضاة الله ومغفرته. فالقرآن حسب رأيهم إنما سعى إلى إصلاح الأوضاع المختلفة الظالمة، من اجل أن يتحقق فيها التكافؤ..،

 بعد هذا  ينتقل بنا المؤلفان إلى ما يمكن اعتباره  طريقتهم  في مقاربة النص القرآني وقراءته بشكل متبصر ومن منطلق أن النص القرآني( La parole coranique)  يقيم علاقة حية (Lien vivant) مع الوسط أو المحيط الذي نزل فيه، وبالتالي فإن الغالبية من المسلمين ترفض هذا الخطاب لأن مذهبا ترسخ بعد وفاة الرسول (ص) وقد أدى إلى تصدع فكري بالغ.

         وأصحاب هذا المذهب يقولون بما أن القرآن كلام الله فإنه ليس مرتهنا بالزمن ومن ثم فإن الآيات القرآنية ليست مقرونة بالملابسات التي نزلت فيها.

 (والحقيقة أن ما يقوله علماء القرآن بعيد كل البعد عن ما فهمه المؤلفان. ولا بأس من التذكير به بإيجاز وإن كنا سوف نعود إليه في سياق هذا العرض عندما نصل إلى الحديث حول أسباب النزول..أما ما نريد الإشارة إليه هنا هو أن فهم ما حول النص بترتيب الآيات فيه حسب نزولها لمعرفة ظروف الزمان والمكان. كما يستأنس بالمرويات في أسباب النزول من حيث هي قرائن لا سبب  نزول الآية. لأن العبرة  بعموم اللفظ لا بخصوص السبب  الذي نزلت فيه الآية). وقد أدى الفهم الضيق للمؤلفين إلى إطلاقهما أحكاما عامة، متشنجة، لا نرى لها أي مبرر، كقولهم بأن  التسليم بحرفية القول ان القرآن ليس مرهونا بالزمن سيؤدي لا محالة الى بلبلة الضمائر والى تمزق رهيب بين ضرورة التمسك بحرفية النص او القبول بضغوط المتغيرات والتجارب المعاشة..

وبين الحقيقة المطلقة والنسبية وبين الخضوع للمعتقد السائد أو الاهتداء بالتأمل والنظر الفردي.

         ويعتبر المؤلفان أن هذا التمزق والتيهان ليس  مصدره القرآن وإنما يرجع إلى التيار التقليدي الذي يرفض التسليم بان في القرآن  مكونات زمنية

La composante temporelle du livre)) ، في حين أن قراءة لا تعتمد على المعارف المنقولة تكشف أن للقرآن بعدا زمنيا وبعدا إلاهيا..، باعتبار أن الوحي نزل في مكان محدد وزمان معلوم. ووجه إلى العرب في القرن السابع الميلادي. ونزل بلغتهم مستجيبا لتطلعاتهم وانتظاراتهم، سواء تعلق الأمر بالجانب الروحي الذي يتشابك مع أحوال معاشهم.

وبناء عليه فإن الوحي( La parole de Dieu) يمتزج بالزمن البشرى الذي سجل فيه. ولابد من بذل الجهد لتفسير القرآن  من اجل ملائمة توجهاته وتعاليمه مع الأحوال المتغيرة للحياة.

وقبل المضي مع المؤلفين في قراءتهما العصرية للقرآن، لابد من الإشارة بأن علماء الإسلام لمقاربة الكتاب المبين وضعوا تصانيف شملت كل علم وتناولت كل فن، متنوعة الطرائق، متغايرة تضم من قوانين وبدائع الحكم ..

وهكذا وضع تاريخ اللغة وعلومها وتاريخ البلاغة وأسرارها وتاريخ الفقه ومذاهبه وتاريخ الأصول ومدارسه، وتاريخ التفسير وأطواره.

         ولا تنكشف الحقيقة للمؤرخ إلا متى عالج بنفسه علم التفسير وفنه، وتبحر فيه، وعرفه بطويل المتافنة لكتبه والوقوف على مصادره  وهذا ضرب عزيز وهو الأكمل والأجود (9).

         لقد وسعت الشخصية العلمية الإسلامية علوم الوسائل والمقاصد  على أكمل وجه وعرفت تطورات العلوم العقلية والنقلية  وانفتحت على الحضارات الإنسانية...

         وقد انعقد الإجماع على أن كل لفظ في القرآن له معناه الافرادي وان لكل كلام معناه التركيبي. ومن هذا المنطلق فإن تاريخ النزول كان منظورا فيه إلى مناسبة الظروف والوقائع مناسبة ترجع إلى ركن من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

          وبهذا الخصوص يرى العلامة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور رحمه الله بان ترتيب التلاوة أو الترتيب التعبدي كان منظورا فيه تسلسل المعاني، وتناسب أجزاء الكلام بعضها مع بعض، وذلك يرجع إلى مطابقة الكلام بمقتضى الحال. وكلا الترتيبين راجع إلى الوحي وكلاهما واقع به التحدي ألإعجازي إلا أن أولهما مؤقت زائل بزوال ملابساته من الوقائع والأزمنة والأمكنة، والترتيب الآخر هو ترتيب التلاوة التعبدي باق لأنه في ذات الكلام يدركه كل واقف عليه، وتال  له من الأجيال  المتعاقبة، بينما الترتيب التاريخي  لا يدركه إلا شاهد العيان لتلك الملابسات من الجيل الذي كان معاصرا لنزول  القرآن. ممن كانت لهم تلك الملابسات دلائل  وقرائن على ما أريد من المعاني التي استفادوها من التراكيب القرآنية. إن الرجوع إلى الملابسات  الوقتية إنما نحتاجه إلى معرفتها معرفة  نقلية تصورية ليتمكن الأتون من استعمال القرائن والدوال التي اهتدى بها إلى معاني  التراكيب  القرآنية سابقوهم. وبذلك طلبوا الرجوع إلى المعارف المنقولة عن تواريخ نزول الآيات ومحالها والمناسبات التي جاءت فيها للاستعانة بذلك على استضاح المعاني  المقصودة من التراكيب  استعانة فقط لأن للتراكيب دلالتها  الذاتية التي لا تحددها، ولا تتحكم في تكييفها تلك المناسبات  وإن كانت معينة على استجلائها (10).

         هذا إذن هو الفهم الصحيح للعلاقة بين النص والملابسات الزمنية  وقد صعب على المؤلفين فهم دلالته بجهلهما بقوانين التركيب اللغوي العربي.

         يتطرق المؤلفان إلى مدارس التفسير( écoles de lecture du coran) وما كان بينها من اختلاف  فبعضها كان يتمسك بحرفية النص  الى ابعد الحدود ليبقى قريبا من النص (Près du texte ) في شروحاته آخذا بالمأثور من السلف، أما البعض الآخر فقد فضل الاجتهاد بناء على النظر العقلي.

  عندما تشكلت المدارس الدينية وشب الصراع بين التيار  العقلي والتيار التقليدي  (بين القائلين بالقدر  والقائلين  بالجبر) وعندما انتشرت الفلسفة اليونانية  نتيجة الترجمة إلى العربية وخاصة منطق أرسطو( La logique d’Aristote ) فإن التيار العقلي عزز مكانته ..

 وقد أدى التأثر بالفلسفة  إلى ظهور الجدل( le grand débat théologique)  ومن أبرز الفرق  التي ظهرت في هذا المجال "المعتزلة"  الذين قالوا بخلق  القرآن  وقاوم مذهبهم الإمام أحمد بن حنبل.

وقد تبنى المؤلفين مذهب المعتزلة حول خلق القرآن ورأوا  ان القول بأن القرآن مخلوق (le Coran est créée ) معناه أنه يتميز عن الذات الإلهية، وبالتالي فهو حادثsurvenu dans le temps ) ) في الزمن يحتكم فيه للعقل في حين أن الله قديم .

وبالتالي فعلى المؤمنين أن يأولوا النص حسب ما لديهم من قدرات تماشيا مع الأوضاع المختلفة عن تلك التي أنزله الله فيها.

وهذا بخلاف ما يراه "" ابن حنبل "" الذي يقول بأن القرآن غير مخلوق

Incréé)        le coran est) بمعنى أنه يعلو على العقل أي لا ينبغي أن يحتكم في تأويله إلى النظر العقلي.

 وهنا لابد من إيضاح عدة أمور أغفلها المؤلفان يصعب على غير الملم بتاريخ الفكر الإسلامي، فهمها على وجهها الصحيح

 أولا: أن الفرق الفكرية الكبرى في تاريخ الإسلام هم الفقهاء والمتكلمون والفلاسفة.

ثانيا: المعتزلة فرقة كلامية (تدافع عن العقيدة )، والأصول الجامعة لمذهب المعتزلة هي التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكانوا يعتمدون في الاستدلال على عقائدهم على القضايا العقلية دون الآثار النقلية، يعرضون كل مسألة من مسائلهم على العقل، فما قبله أقروه وما لم يقبله رفضوه (11).

تأثر المعتزلة بالفلسفة اليونانية في أرائهم، وأخذوا عنها في مقدمة دلائلهم وأقيستهم واستخدموا بعض طرق الفلاسفة في الجدل والنظر وقد تصدوا للدفاع عن الإسلام في مواجهة الفرق الهدامة (الزنادقة والرافضة والمتنوية وغيرهم)  خالف المعتزلة طريقة السلف في فهم عقائد الدين الحنيف وحكموا العقل في كل شيء وجعلوه أساس بحثهم، فجلب عليهم عداوة الفقهاء وكراهيتهم.

وقد اشتغلوا بالجدل والمجادلة نوع من النزال والمحاربة والمحارب مأخوذ بطرق محاربه في القتال مقيدا بأسلحته متعرف لخططه دارسا لمراميه، متقص  لغايته، وكل ذلك من شأنه أن يجعل الخصم متأثرا بخصمه، أخذ عنه بعض مناهجه ...

فالمعتزلة إذن تأثروا إلى حد ما بآراء مخالفيهم  وأفكارهم (لان من نازل عدوا عظيما في معركة فهو مربوط به مقيد بشروط القتال وتقلب أحواله) وربما  تؤثر فيه روح العدو وحيله .

وكذلك في معركة الأفكار وفي الجملة فللعدو تأثير في تكوين الأفكار، ليس بأكثر من تأثير الحليف فيه، فلاغرو اذا رأيت شذوذا في أراء المعتزلة لتأثرهم بهذه المجادلة.

كانت طريقتهم في معرفة العقائد عقلية خالصة، لا يعتمدون على نص، اللهم إلا إذا كان موضوع الكلام حكما شرعيا أو له صلة بحكم شرعي، وللعقل نزوات وغرة، لذلك وقعوا في مجموعة من الهينات نتيجة نزعتهم العقلية الخالصة (12).

أما بخصوص مسألة خلق القرآن التي تطرق إليها المؤلفان،فان أول من قال بخلق القرآن ( الجعد ابن الدرهم) في العصر الأموي، فقتله ولي الكوفة، ولما جاء المعتزلة، ونفوا صفات المعاني ثم بالغوا فأنكروا أن يكون الله متكلما، وأولوا ما ورد في القرآن بأن الله خلق الكلام كما خلق كل شيء ...

وقد اشتد الخوض في شأن القرآن في عصر الرشيد، ودار الحديث هل القرآن قديم أو حادث...، ولما جاء المأمون أحاط به المعتزلة وكان جل حاشيتهم من شيوخهم، وكان لهم الأثر الكبير عليه فزينوا له القول بخلق القرآن فأعلن ذلك سنة 212 هـ، ثم حمل الناس بقوة السلطان على اعتناق القول بخلق القرآن.

 لقد بالغ المؤلفان في تصوريهم لمسألة خلق القرآن، واتخذوا منها الأساس الذي قام عليه التفكير العقلاني، وهذا غير صحيح.

فالمسألة إذا ما دققنا فيها النظر، سوف نجد أنها لا تعدو نظرية كلامية جدلية، كما أن موقف ابن حنبل من خلق القرآن ومن بعض نزعات الاعتزالية المغالية وهو نفس الموقف الذي اتخذه( مالك والشافعي) وغيرهم من كبار الفقهاء .

وقد تناول أبو حسن الأشعري الموضوع من منظور زواج بين مناهج العلوم النقلية والعقلية، كان الأحرى بالمؤلفين الوقوف عنده.

يرى الأشعري بأن كلام الله يطلق  إطلاقين أحدهم الصوت والأخر بكلام النفس، ليس بصوت ولا حرف، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ، فالمعنى النفسي وهو القائم بذاته وهو الأزلي والقديم وهو لا يتغير بتغير العبارات ولا يختلف باختلاف الدلالات وهذا الذي نريده اذا وصفنا كلام الله بالقدم وهو الذي يطلق عليه كلام الله حقيقة، أما الأصوات والحروف الدالة على المعاني فهي مخلوقة حادثة (13)، وهكذا يتضح أن كلام الله صفة لذاته.وأن الأدوات المعبرة عنها بالألفاظ هي وحدها الحادثة في الزمن.

و يرى المؤلفان أن التصور التقليدي ساد في العالم الإسلامي لقرون طويلة وتواصل مع تعاليم ابن تيمية وأحمد ابن عبد الوهاب وطيلة هذه الحقبة فإن النهج التقليدي (النقليLittéraliste  ) سيكون هو المهيمن والمعبر عن الإسلام، ونتيجة لهذا الواقع فإن غالبية المسلمين اليوم ينظرون إلى القرآن باعتباره نصا يلجأون إليه لتقوية إيمانهم  دون عقولهم حيث يتوقف النظر عند تفسير معاني الألفاظ. ومن ثم فهم غير قادرين على تدبر النص أو اكتشاف مضامينه ومن الصعب أن يغامروا بالبحت في معاني النص وتأويله  وبالتالي فإنهم  يحرمون أنفسهم من فهم خاص لمعاني القرآن، الأمر الذي يؤدي إلى فقدانهم جزءا من هويتهم وثقتهم في أنفسهم وهذا ما يؤدي إلى عزلتهم عن العالم، بدلا من الانخراط مع باقي المكونات البشرية في صنع المصير المشترك.

 ويتطرق المؤلفان إلى رؤيتهم لفهم القرآن( comprendre le coran ) وينطلقان من أن مقولة عدم خلق القرآن تسد السبل أمام مقاربة حرة وذكية وعقلانية للقرآن الكريم

(une approche libre intelligence rationnelle  )

وتأسيسا على ذلك يدعوان إلى قراءة مباشرة للقرآن lecture directe) ) تجتهد في فهم معانيه على ضوء ملابسات نزوله.

ويرى المؤلفان أن القرآن صعب المنال(d'un accès ardu )

وبالتالي فإن فهمه ليس ميسورا لأنه يحتوي على"" 6236"" آية جمعت في كتاب بعد 20 سنة من وفات الرسول (ص) وتم ترتيبها ترتيبا مبهما

 (dans un ordonnancement inexpliqué ) لأنه لا يتوافق مع تاريخ النزول وأسبابه.

انطلاقا من هذه الصعوبة في الفهم (cette difficulté de lecture) ترسخ الاتجاه النقلي الذي يرفض القيام بتأويل النص، وللخروج من هذا الإشكال يجب الرجوع أإلى معاني الآيات القرآنية وفقا لأسباب نزولها أي إلى النص وملابسته texte et contexte ) )

وقد استشهد المؤلفان ببعض الروايات الخاصة بأسباب نزول بعض الآيات وخلاصة القراءات التي قاموا بها أن القرآن كتاب لا يمكن عزله عن المجال التاريخي الذي ظهر فيه، سواء في مضمونه أو شكله

(dans son contenu  comme dans sa    forme )فهو بمثابة حوار بين السماء والأرض يخاطب فيه الله بواسطة نبيه الرجال والنساء من أهل الجزيرة العربية في القرن السابع للميلاد، وكان هؤلاء الناس الذين عاشوا في عصر النبوة يتطلعون إلى أن يستجيب الوحي لما خالج أنفسهم بنيل  مرضاة الله وتحقيق السعادة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة.

ويؤكد المؤلفان بأن أسباب النزول تكشف عن حقيقة بديهية، هي أن الوحي (نزل) طبقا لظروف بشرية

 (celle d’une parole Divine décendue dans le tempshumain)إلا أن العلماء لا يعتبروا السبب علة لنزول الآية (lui ont refusé toute validité causale)

و يطرح المؤلفان في هذا السياق أمثله عديدة حول الملابسات التي أحاطت بأسباب نزول الآيات القرآنية، وكذلك العلاقة الشرطية أو العلية التي تربط بين نزول الآية والحدث الذي رافق نزولها..، إلى ما هنالك من ألأمثلة التي تحاول ربط النص بأسباب نزوله بحيث يعتبر حادثا في الزمان لا يمكن إسقاطه على حقبة أو عصر أخر مختلف عن عصر النزول.

 ويربط المؤلفان أسباب النزول بنظرية خلق القرآن،لأن نزول القرآن حادث في الزمان كما أن له علاقة بملابسات الحدث أو صلة الوحي بالواقع ومن ثمة أهمية هذه الملابسات في فهم معنى النص .

في هذا الجزء من عرضنا للكتاب لا بد من إبداء بعض الملاحظات حول بعض القضايا التي أثارها المؤلفان، سواء بخصوص جمع القرآن وترتيبه أو بأسباب النزول أو بمسألة العقل والنقل...، وقد وقع المؤلفان في أخطاء منهجية جسيمة نتيجة جهلهم بمباحث علوم القرآن التي تضم جهود العلماء المسلمين في تعاملهم مع نص المصحف ومحاولاتهم تفهم مسائله وتدبر قضاياه.

 وبخصوص القرآن الكريم فإن التعريف الاصطلاحي المتفق عليه بين الأصوليين والفقهاء وعلماء اللغة ويشاركهم فيه المتكلمون هو أنه كلام الله المعجز المنزل على محمد (ص) المكتوب في المصاحف المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته.

ويقول الزمخشري في مقدمة تفسيره الكشاف ( الحمد لله الذي أنزل القرآن مؤلفا ونزله بحسب المصالح منجما )

والدارس لتاريخ القرآن يعلم أن القرآن كان يدون فور نزول آياته من طرف كتاب الوحي، كما كان بعض الصحابة أيضا ينسخون بعض آياته ويحفظونه في صدورهم. وقد جمعت صحفه المنثورة بعد وفات النبي عليه السلام في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) كما تم جمعه في مصحف إمام جمعا مرتبا في عهد عثمان ابن عفان (رضي الله عنه).

المصدر: http://almultaka.org/site.php?id=741&idC=1&idSC=1

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك