الحوار الخلاق وتنمية مهارات الاتصال عناصر لديمومة التواصل الإنساني

إسلام الشوملي

  

   يعد الحوار عملية تبادلية تتضمن الارسال والاستقبال بالحديث والاصغاء، ورغم أن الحوار أحد وسائل التواصل الانساني إلا أنه في بعض الأحيان يفقد قيمته، خصوصاً عندما تنقطع القنوات بين الطرفين بفقدانهم أدوات الاتصال.

   وتكثر التساؤلات حول انتهاء الحوار بين الطرفين في طريق مسدود، إلا أن هذا يرتبط بالتسلسل الذي يؤول إليه مجرى الحوار في الغالب.

وعادة ما يبدأ الحديث كحوار عادي حول موضوع معين قد تتضارب فيه الآراء ولا مشكلة في اختلاف الآراء وإنما المشكلة في تحول الحوار شيئاً فشيئاً إلى جدال يتطور ليصل إلى صراع وسباق ذهني يسعى فيه كل طرف إلى إثبات صحة رأيه في غمرة المعركة الكلامية.

   ويأتي أهمال الطرفين لسر الحوار الجيد ليزيد الأمر سوءا فيضيع الموضوع الأساسي ويختلط الماضي والحاضر بالمستقبل، خصوصاً بين الأزواج عندما يتم استذكار المواقف المشابهة والخوف من تكرارها في المستقبل، ما يعقد المسائل فيصبح الخروج منها من دون جروح نفسية أمرا صعباً.

   ويحتل الاردن المرتبة 55 بين 62 دولة تشهد اكثر حالات الطلاق في العالم. وأشارت أبحاث ودراسات ميدانية الى ارتفاع نسبة الطلاق قبل اتمام مراسم الزواج أي خلال فترة الخطبة. ويعزى أغلب هذه الحالات إلى عدم التفاهم بين الشريكين، وطغيان الخلافات بينهما.

واظهرت دراسات اجرتها جمعية العفاف العام الماضي ان عدد حالات الطلاق في المملكة وصل الى 10373 حالة، في حين بلغ عدد حالات الطلاق البائن قبل الدخول 4602 حالة، أي ان نسبة الطلاق قبل الدخول وصلت الى 44%.

   والحوار، وفق ما تعرفه استاذة علم الاتصال والاعلام في جامعة فيلادلفيا د. رزان جدعان، هو "عملية تفاعلية بين أطراف التواصل تبنى على اساس تبادلي في الاستقبال والارسال مع وجود رجع الصدى بين المرسل والمستقبل". ويتم في عملية الحوار تبادل الآراء والمواقف والتجارب " من دون ان يكون الهدف الباطن هو الاقناع، بل بهدف إغناء الادراك الاستيعابي عند الطرف الآخر".

وتبين جدعان ان ذلك يوصل الغاية النهائية من الحوار التي تكمن في خلق معرفة جديدة عند الآخر من خلال استيعابه والتفاعل المتبادل والمنفتح معه، بحيث ينعدم التمسك الأعمى والمطلق والنظرة الأحادية التي يتمسك بها الفرد بناءً على ظروفه المحيطة.

   ولأن سر الحوار الجيد يكمن في الاصغاء للطرف الآخر والاهتمام بحديثه،  ومن ثم الرد الهادئ لتأكيد الاحترام بين الطرفين، فإن فقدان ادوات الاتصال لايؤدي إلا إلى ارتفاع في نبرة الحديث وصولاً إلى الصراخ الذي مهما ارتفع صوته لن يجدي نفعاً في ايصال أي معلومة للمتلقي.

وعندما يتجنب أحد أطراف الحوار وخصوصاً أحد الزوجين او كليهما الحديث في الأمور البسيطة اعتقاداً منهما بأنهما أرفع من الخوض فيها، فهما بذلك ينتقصان من قيمة الحوار ودوره في تعزيز أواصر العلاقة على المستويات الروحية والنفسية والانسانية.

  ويؤدي الترفع عن الحديث في أبسط الأمور مع الزمن إلى التمنع عن الخوض والحديث في الأمور المهمة، ما يوصل أطراف الحوار إلى طريق مسدود تملؤه الأفكار السلبية المرتبطة إلى حد كبير فيما يقودهما إلى استنتاج أن العلاقة كان مبنية على اساس خاطئ، بحيث يستعد أطراف المشكلة في هذه الحالة لاسوأ الاحتمالات التي كان من السهل ان تحل لو امتلك الطرفان أسس حوار ناجح.

   ولايمكن تجاهل أن المشروعات الناجحة في حياة البشر تبدأ بالاعتناء بالتفاصيل التي تعتبر اساساً للانطلاق الصحيح نحو ما هو أهم.

وتبين جدعان أن فشل الحوار عادة ما يتولد من سوء فهم بين أطراف الاتصال. وتعزو سوء الفهم المؤدي لتحويل الحوار إلى جدال عقيم لوجود عدد من التصورات تجاه الآخر.

وتقسم جدعان التصورات تجاه الآخر إلى اربعة اقسام مختلفة تبدأ بالتصورات المسبقة ، حيث أن وجود صورة مسبقة عن الآخر قبل عملية الاتصال أو الحوار يؤدي في النتيجة إلى سوء فهم.

   وهناك كذلك التصورات النمطية التي تربطها بالمعتقدات المترسخة كبديهات عند فرد أو مجتمع، ما يخلق فجوة مع الآخر تتسبب في فشل الحوار.

ومن ضمن تصنيفاتها أيضاً التصورات العدائية تجاه الآخر وتقسمها لقسمين: المقصودة وغير المقصودة. وتلفت إلى أن الصورة العدائية المقصودة تكون ناتجة عن استراتيجية عدائية في التعامل مع الطرف الآخر وهي في الغالب صورة غير قابلة للتغيير لعدم توفر الاستعداد والارادة للنقاش، وعادة ما يكون الهدف في هذه الصورة تحقيق المكاسب او السيطرة، بعيداً عن الحوار.

أما الصورة العدائية غير المقصودة فهي غالباً ما تكون ناتجة عن توجهات الأفراد نحو السائد في مجتمعهم مع توفر فرصة التغيير التي تعتمد على مدى انفتاح الفرد واستعداده للتعامل مع الآخر.

أما التصور الأخير الذي تناولته جدعان فهو يرتبط بفكرة تجاه الآخر مبنية على اساس الاطر الجاهزة، وعادة ما يكون ناتجا عن نوع من أنواع الخمول عند الانسان، خصوصاً عندما يكون طموحه محدودا بحيث يعتمد على اطر جاهزة لفكرة رمزت وفصلت من دون الخوض في تفاصيلها أو حتى التأكد منها ، وهو ما يقود أيضاً إلى سوء الفهم.

   وترى جدعان أن الحوار الناجح يعتمد على مجموعة من الأسس والمعايير يتوجب على اطراف الا تصال مراعاتها مثل الاحترام المتبادل والالتزام بالانفتاح تجاه الآخر بتقبل الاختلافات واحترامها من دون التنازل عن الهوية ضمن امتلاك الارادة والاستعداد لتقبل الآخر.

وتجد جدعان أن الاصغاء للطرف الآخر يعد من أهم الشروط لحوار ناجح، لافتة إلى أن ذلك لا يتحقق بالاستماع الشكلي، بل باستيعاب ما يقدمه الآخر في مضمون حديثه.

   وكان المجلس الوطني لشؤون الأسرة دعا في ندوة نظمت قبل أشهر إلى وجود برامج متخصصة في الإرشاد الأسري يشرف عليها اختصاصيون مؤهلون ومدرسون يعملون وفقا لمعايير مهنية في مؤسسات ذات مواصفات وأسس واضحة ومعروفة.

ويشترط اختصاصيون في علم النفس والاجتماع على كل طرف من اطراف الاتصال ان يضع نفسه في موقع التعلم ليستفيد من الآخر، بالاستغناء عن النظرة الأحادية تجاه الواقع. كما تشترط ايضاً على كل طرف أن يضع نفسه في موقع النقد الذاتي، ليكون قادراً على السيطرة على أخطائه والتخفيف منها.

   وتولي اهتماماً باختيار المكان والزمان المناسبين لكي تنضج العملية بين اطراف الاتصال، ما يتيح لأطراف الاتصال فرصة استيعاب الآخر.

وتجد جدعان أن اعطاء الآخر الثقة الكافية يحقق حواراً ناجحاً. وتشير إلى أن الاسلوب التواصلي اللفظي وغير اللفظي يمنح الآخر احساساً بالراحة والثقة.

المصدر: http://www.alghad.com/articles/775955-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك