أنواع التعايش بين المسلمين والآخر

 

الأصل في الحياة الإنسانية التواصل والتعايش بين المجتمعات بعضها البعض، من خلال عدة قواسم مشتركة، تعمل في تفعيل التعايش الإيجابي، الذي لا ينحصر في مجال معين، وإنما في العديد من مجالات التعاون بين الشعوب والمجتمعات سواء كانت دينية أو اجتماعية أو اقتصادية وغير ذلك، والخطاب الدعوي عبر مراحله المستمرة عبر القرون يعمل على إيجاد نقاط التقاء لتكون منطلقا لإرساء دعائم التعايش، مع الآخرين، برز من خلالها عدة أنواع من التعايش.

1-التعايش الديني:

ينطلق مفهوم التعايش الديني بين الإسلام والآخر على مبدأ عظيم وهو التسامح الذي يعترف بحقوق وحرية الآخر في اعتقاد ما يعتقد بأنه حق، ولعل سورة الكافرون كانت نبراسا لتأصيل التعايش وخاصة الآية الكريمة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [1]،فهذا اعتراف من القرآن الكريم بوجود أديان أخرى ، ولذا لابد من وجود علاقة تربطنا مع أهل الأديان مبنية على التسامح.[2]

2-التعايش الاجتماعي:

ومن منطلق أهمية الحوار في تحقيق التعايش الإيجابي البناء المطلوب، فإنه ينبغي أن تتضافر الجهود من أجل ترسيخ جهود التعايش الاجتماعي معه لتحقيق الثمرة المرجوة.

فالتعايش الاجتماعي يحد من تطرف الصراعات العرقية، ويكسر من شوكة التعصب القبلي، ويزيل الحواجز النفسية بين طبقات المجتمع المختلفة، وينمي الشعور بالأخوة الإنسانية، ويقضي على الحقد والضغينة، ويشيع المحبة والتعاون بين الناس، ويقوي العلاقات بين الأفراد.

هذا النوع من التعايش له أثر كبير في العلاقة بين الإسلام والآخر، فالعلاقة الاجتماعية بين الإسلام ربطت من خلال عدة أسس اجتماعية تواصلية ومن أبرز هذه الصور ، صورة الزواج بنساء أهل الكتاب، وهذا له دور كبير في ربط ومتانة العلاقة، حيث يكون المسلم صهرا لأهل الكتاب، والأبناء يكونون أكبر امتداد بينه وبين الآخرين، من خلال التكافل الاجتماعي الذي لا يفرق بين مسلم وغيره، وكذلك العمل من أجل حياة اجتماعية عالية لجميع أفراد المجتمع.[3]

3-التعايش الاقتصادي:

توجد مجالات أخرى كثيرة ومتعددة للتعايش مع الآخر، لها مكانتها وأهميتها في نجاح مقصد التعايش، من تلك المجالات العلاقات المبنية مع الآخر من الجانب الاقتصادي، فيمكن من خلال ربط علاقة مع الآخر من أجل التعاون في رفع مستوى الفقراء، وخلق فرص عمل لشعوب المجتمعات الفقيرة، والتقدم بها في ميادين العمل والإنتاج.[4]

إن الإصلاح الاقتصادي بين الشعوب ضرورة حتمية وعامل هام لاستقرار التعايش بين الشعوب، وتحقيق السلم العالمي، وقد وجد التواصل الاقتصادي في الحضارة الإسلامية، بين المسلمين وغيرهم، فقد كان المسلمون يهاجرون لأجل التجارة إلى بلاد الشام، وقد سافر الرسول صلى الله عليه وسلم بتجارة لخديجة أم المؤمنين، تعامل فيها مع غير المسلمين.

عليه فإن التعايش الاقتصادي سيبقى مستَمرًّا بين الأمم والشعوب، ولذا ينبغي للمسلمين أن يركزوا على نوع من التعايش لربط جسور مع الآخر، وبخاصة أن المسلمين الأوائل كان العامل الاقتصادي سببا في دخول الكثيرين إلى الإسلام.

4-التعايش الثقافي:

الثقافة هي روح الأمة وعنوان هويتها، وهي من الركائز الأساسية في بناء الأمم ونهوضها، فلكل أمة ثقافة تستمد منها عناصرها ومقوماتها وخصائصها، وتصطبغ بصبغتها فتنسب إليها، وقد عرف التاريخ الإنساني العديد من الثقافات كالثقافة اليونانية والثقافة الرومانية والثقافة الهندية والثقافة الفارسية، والثقافة العربية الإسلامية.

وقد استعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقي الأدبي والفكري والاجتماعي للأفراد والجماعات، فالثقافة ليست مجموعة أفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، ويكون للعقائد والقيم واللغة والمبادئ والسلوك والقوانين شعارا للتمايز بين الثقافات وتنوعها.[5]

والثقافة لها دور كبير في تفعيل التعايش بين الآخرين وذلك لما تحمله من معاني سامية تميزها عن غيرها فخصائصها تكمن في أنها ظاهرة إنسانية، أي أنها تأصيل بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأنها تعبير عن إنسانيته، كما أنها وسيلته المثلى في الالتقاء مع الآخرين.

وهي تعد بأنها إنجاز كمي مستمر تاريخياًّ، بقدر ما تضيف من الجديد، فتحافظ على التراث السابق وتجدد قيمه الروحية والفكرية والمعنوية، وتوحّد معه الهوية روحا ومسارًا، وهذا هو أحد محركات الثقافة الأساس كما أنه بعدٌ أساسيّ من أبعادها.[6]

والثقافة الإسلامية تختلف عن الثقافات الأخرى في أن مقومات كل منها تختلف عن الأخرى، فالثقافة الإسلامية تستمد من الوحي الإلهي، بينما الثقافات الأخرى فهي ثقافة إنسانية محضة نابعة من فكر فلاسفة اليونان والقوانين الرومانية وتفسيرات المسيحية.[7]

وفي فترة وجيزة استطاعت الثقافة الإسلامية أن تعيش في مختلف البلاد التي دخلها الإسلام، وجعل كثيرٍ من معالم الثقافات المحلية القائمة تتكيف مع مقومات الثقافة الإسلامية، فأصبحت العادات والأعراف تنسجم في غالب الأحيان مع ثوابت الثقافة الإسلامية، والفوارق تكمن في الممارسة والتطبيق، على أن هذا كله لا يصل إلى مجال العقائد والقيم والمقاصد.[8]

ولقد كان للجانب الثقافي دوره الكبير في تفعيل التعايش الثقافي بين المسلمين وغيرهم من الشعوب الأخرى وبخاصة الشعوب الغربية، فقد حصل تواصل كبير بين المسلمين والغرب في هذا الجانب حيث استطاع المسلمون قراءة الغرب ومعرفته وذلك من خلال كتب فلاسفة الغرب أمثال سقراط وأفلاطون حيث قام المسلمون بالرد على بعض هذه الكتب وتصحيح بعض الأفكار الواردة فيها، وكان للترجمة دور كبير في إبراز صور التواصل سواء من خلال ما ترجمه المسلمون من كتب علماء الغرب، أو ما قام به الغربيون من ترجمة لكتب المسلمين وخاصة كتب ابن رشد والغزالي، وذلك بعد اتصالهم بالحضارة الإسلامية في الأندلس، والتي ساهمت في التقارب بين المسلمين وغيرهم من الأوروبيين في المجال العلمي والثقافي، كان له دوره في النهوض بالحضارة الأوروبية الحالية.[9]

ولذا فإنّ التفاعل الثقافي من جانب الثقافة الإسلامية مع الثقافات الأخرى فتح الباب لإنشاء مراكز حضارية تعايشية جامعة لكل الثقافة العالمية وإن صبغت بالثقافة الإسلامية كالشام ومصر والأندلس، وبذلك نشأت تربة خصبة يمكن لها أن تنبت ثقافة جديدة وفلسفة جديدة وعلوما دينية وطبا ورياضة وغيرها، كل ذلك على أرضية التعايش الثقافي.[10]

ـــــــــــــــــــــ

سورة الكافرون، الآية6.

ينظر: التعايش السلمي الايجابي البناء في مجتمع متعدد، فوزي فاضل الزفزاف، مجلة التواصل،س5، ع 17، ص67-69، 2008م،مرجع سابق.

ينظر: التعايش السلمي الايجابي البناء في مجتمع متعدد، فوزي فاضل الزفزاف،مجلة التواصل،س5،ع17، ص70، 2008م،مرجع سابق.

ينظر: المرجع السابق نفسه، ص70

ينظر معلمة الإسلام، أنور الجندي،ج 1،ص 524-525، المكتب الإسلامي، بيروت،1980م.

الخطة الشاملة للثقافة العربية ، ص 16،ط2، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،تونس،1996م.

ينظر: الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي،ص 52-53، المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم،الرباط، المغرب، 1997م

ينظر: المرجع السابق نفسه،ص56.

ينظر: الحضارة الإسلامية وتحديات القرن الحادي والعشرون، د.عبد الفتاح مقداد الغنيمي،ص53، مكتبة مدبولي، القاهرة،مصر،1995م

ينظر: موسوعة النظم والحضارة الإسلامية ،د.أحمد شلبي،مج1،ص 37-38،ط3،مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر،1997م

المصدر: http://irtikaa.com/learning/1999-%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D...

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك