الحاجة إلى التعددية وقبول الآخر

د. أمين ساعاتي
 

إن التعددية التي نقصدها في هذا المقال هي قبول الآخر حتى إذا اختلف معنا في العقيدة والمذهب والعرق والتفكير، بمعنى إن التعددية هي حرية التفكير والعقيدة لكل أفراد المجتمع الواحد.

وهناك كثير من الدلالات المرتبطة بمفهوم التعددية تتضح في قوله تعالى (… وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، وقوله سبحانه وتعالى “ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وقوله سبحانه وتعالى “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”.

إذن الإسلام من وجهة نظره الرحبة والسمحة والفسيحة مع التنوع والتعدد والتعايش.

والإنسان في الأساس لا يختار عقيدته، وإنما العقيدة تفرض عليه من محيطه، فالإنسان الذي ينشأ في بيئة إسلامية فإنه بالضرورة يعتنق الدين الإسلامي الحنيف، والإنسان الذي ينشأ في بيئة مسيحية فإنه يعتنق المسيحية، وأيضا الإنسان الذي يعيش في بيئة يهودية فإنه يعتنق اليهودية وهكذا.

ولذلك فإن مسألة العقيدة تشبه مسألة العرق، فالإنسان الأسود لم يختر لونه الأسود وإنما ولد بهذا اللون، والإنسان الأبيض لم يختر لونه الأبيض، وكذلك الإنسان الأصفر لم يختر لونه الأصفر، وكل هؤلاء لم يختاروا والديهم، وإنما هي مشيئة من الله سبحانه وتعالى، إذن كيف نحاسب الإنسان على ذنب لم يقترفه، ونضاغنه على مشيئة من مشيئات الله سبحانه وتعالى؟!

ولذلك يقول العلماء إن الإنسان هو ابن بيئته، فلماذا نعاقبه على إثم لم يرتكبه؟ وأذكر أننا حينما كنا ندرس في الولايات المتحدة الأمريكية كنا نتعجل العودة إلى الوطن حتى لا يتأثر أولادنا كثيرا بالبيئة الغربية بكل عقائدها وتقاليدها.

إن التعددية بهذا المفهوم تتضمن الإقرار بمبدأ عدم نفي الآخر وعدم إقصائه، وتتضمن الاعتراف بمبدأ الحرية في العقيدة والتفكير، ومبدأ المساواة في ظل مجتمع آمن يحكمه القانون والنظام واعتماد الحوار واجتناب الإكراه.

والسؤال الآن إلى أي حد نحن نحتاج في مجتمعنا السعودي إلى الاعتراف بالتعددية ونحن نخوض مشاريع رؤية المملكة 2030؟

نحتاج إلى بناء مجتمع يقبل بالتعدد وعدم إقصاء الآخر، لأن مجتمع المملكة في الواقع وكما قال الملك سلمان بن عبد العزيز هو مجتمع متعدد المذاهب، فهناك السنة وهناك فروعها، وهناك الشيعة وهناك فروعها.

يقول الملك سلمان بن عبد العزيز لا فض فوه: إننا في السعودية نؤمن بالوسطية والاعتدال والوسطية والتعددية والتنوع، ونعترف بأن هناك سنة وشيعة، وكل أطياف الشعب السعودي سواء بسواء أمام القانون، ولا فرق بين سني وشيعي، ولقد طرح الوسطية والتعددية كخيار مختار ومقرر، وقال إنه ضد الإقصاء، لأن الشعب السعودي جسد واحد في مملكة تطبق مبادئ العدالة والمساواة بين أبناء الشعب كافة.

هذه المبادرة التي طرحها الملك سلمان بن عبد العزيز حينما تسلم سدة الحكم قبل عام ونيف يجب أن تكون نقطة الانطلاق إلى مشروع إصلاح الخطاب الديني بعيدا عن الإغواء، وبعيدا عن التعصب وإهدار حقوق الآخر وإنكارها.

إذن احترام التعددية شيء ضروري وأساسي لبناء مجتمع يتعايش على مبادئ أساسية في وطن ينشد العدالة والمساواة بين أطيافه وطوائفه كافة.

في رؤية المملكة 2030 مشاريع تنموية واسعة الأرجاء وكلها تحتاج إلى أرضية تعددية تنطلق منها.

إن التعددية السياسية عنصر مهم من عناصر تفعيل الشورى واختيار أعضاء المجلس من كل أطياف المجتمع، وإذا استعرضنا مجلس الشورى نجد أنه بالفعل يضم كل الطوائف وكل المذاهب المنتشرة في ربوع مملكتنا الفتية، بمعنى أن كل القرارات التي يتخذها مجلس الشورى هي قرارات تتخذها الأطياف والمذاهب المكونة لمجلس الشورى.

وهذه هي طبيعة الأمور في السعودية وفي غير السعودية من دول العالم، فالبرلمانات تتكون من كل أطياف المجتمع إمعانا في التنوع وقبول الآخر وعدم تطبيق مبدأ الإقصاء.

يجب أن ندرك أنه في ظل الإسلام لا تلغى الديانات الأخرى، بل يخاطبهم القرآن الحكيم معترفا بوجودهم وتاركا لهم حرية اختيارهم يقول الله سبحانه وتعالى “لكم دينكم ولي دين”.

هذا ما فعله الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حينما ظفر بأصحاب بدر وكانوا مشركين لم يقتلهم بل أخذ منهم الفداء وتركهم على شركهم، وكذلك فعل بأهل مكة قال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، فلم يقتلهم ولم يجبرهم على الإسلام، وكذلك فعل بأهل حنين، والشاهد أن الدولة الإسلامية منذ أن كانت في المدينة المنورة وحتى انتشارها في كل ربوع العالم تعايشت مع كل فئات المجتمع جنبا إلى جنب مع المسيحيين ومع اليهود ومع الشيعة بكل أطيافها ونحلها.

وحينما تقبل الدولة بوجود سائر الملل والنحل ضمن المجتمع المسلم الآمن، فإنها تمنحهم الحرية دون أن تفرض عليهم شعائرها وأحكامها، وهنا تكتمل التعددية وقبول الآخر!!

 
الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك