الإرهاب الإسلامي .. تهافت النظرية
الإرهاب الإسلامي .. تهافت النظرية
ليث العبدويس
عسير ان تُقنع المُتزمّت بخلاف أفكاره الجاهزة وآراءه المُسبقة، وشاقٌ بمكان تبديدُ الضلالات الشائعة والمفاهيم الخاطئة خصوصاً تلك التي علقتْ كلطخةٍ مشؤومة على جدار الذاكرة الجمعية
المتدنية الذكاء والبدائية الاستجابة، ولأنها إسفنجية التلقي ومُشبعةٌ بالتحامل والتمييز والانطباعات الاولى، لا تفتأ تعاني من فشل مستمر في التحليل وقصورٍ في التفسير، الخطل عند التأسيس يورث إعوجاجاً مبكراً لا يلبث ان يتجلى في انحرافٍ ملحوظ وفق منحنٍ متعاظم ينتهي بسقوطٍ مدوٍ هائل، هكذا هي مصائر النظريات الموتورة الضيقة الافق والنفس والاطار، في لافتة الطريق الأخيرة ستهضم نفسها وتأدُ بنات أفكارها وتُطلق الرصاص على صُدغها الفارغ أصلاً معلنةً إنتحارها الفكري عندما تفشل في المواكبة وتتعثر عن ركب الحياة، تؤول الى النفاية، منها ابتدأت واليها تعود، في حتميةٍ أزلية لانهائية.
سجّلَ (أندريس بيرنغ ريفيك)، جزّار النرويج الشهير، ارقاماً قياسية في سُرعة إزهاق الأرواح البريئة، بيد أن هذا الماسوني المعادي للإسلام بشراسة، وبلا شعورٍ او تخطيطٍ مُسبق منه، حطّم نظرية الإرهاب الاسلامي وجعلها جُذاذاً، وهو الذي أُشيع عنه عداءه الشديد للأقليات المُهاجرة والمُسلمة منها على وجه الخصوص، مُذكّراً شعوب القارة المُتمدينة المُتحضرة بواقع الإرهاب الذي يستحيل إلصاقه بدينٍ ما، او معتقدٍ معين، او طائفةٍ دون سواها، صفع بكفّه المُلطّخة بدماء ضحاياه التسعين صلافة الرأس الأوروبي الُمنهمك في حرب الظاهرة الاسلامية من حِجاب ومآذن وجمعيات إغاثةٍ وتبرع، فيما تترعرعُ طحالب الإرهاب الابيض راشحةٍ من رحم البيئة الاوروبية ومجتمع الوفرة والرفاهية والتُخمة وحقوق الانسان – سواسيةً وشواذاً - والحرب العادلة – مهما بلغت بربريتها - والقتل الرحيم، واصناف كثيرة من فُتات الفكر البشري الهابط، ( ريفيك) ليس اكثر من صنيعة ونتاج مجتمعه، تماماً كالإرهابيين الاسلاميين – إن صحّت اللاحقة الدينية، الفرق بينهما ان الاول كان يرفُل في الخَزّ والحرير ويستحم بالطيب والحليب وينعم بالجاه والثراء والتعليم والضمانات الصحية والمستقبل الواعد العريض، خلافاً لجيل الإرهاب الاسلامي المسحوق تحت وطأة الفاقة والجوع والحرمان واليأس والتهميش، ورغم ذلك لم تهتزَّ له فريصةٌ لحظة صوّب مدفعه الرشاش ليحصد زهاء التسعين من أنفس مواطنيه، كلا المجتمعين – على تبايناتهما الشاسعة وتنافراتهما الحادة – خرّجا في النهاية قتلة لا تعرف الرحمة لقلوبهم سبيلاً، وان التمسنا عُذراً لشرق اوسطي يزاول الإرهاب مدفوعاً بقنوط فظيع ومرارة سوداء، فأنى لنا ان نجد تبريراً لأنموذج الإرهاب الاوروبي الجديد ممثلاً بـ (ريفيك)؟ يبدو ان اوروبا لا تتعلم شيئاً من اخطاءها، استحال بدر الديمقراطية الاوروبية مُحاقاً يوم اسرفتْ القارة العجوز في تهتّكها وتخلّعها وتغنّجها وتسفلها، وكان لابُد لفُسقِها السياسي والاخلاقي من عواقب وخيمة، كانت اولى بشائره إطلالة النازية الجديدة بأثوابها القشيبة التي تُخفي تحتها جُثة التمييز والأبادة والعنصرية، وما امرُ حليقي الرؤوس عنا ببعيد، فبالأمس القريب فقط مزّقت حِراب الحقد العنصري جسد المصرية مروة الشربيني علناً وفي حرم محكمة المانية، سِتة عشر طعنة ارسلتها وجنينها الى عالم الغيب، وثانيها ترك تيار اليمين المتطرف يتعاظم دون نكير او لجام، وهو الذي في نُخاعه العميق ليس اكثر من نعيق الحملات الصليبية احياها مغرمون معاصرون بمحاكم التفتيش ومكافحة الهرطقة، والثالثة تبعيةٌ رعناء للقرار الامريكي المتجاهل لحجم اوروبا الموحدة في خضم حمى استراتيجيته الكونية، والقاصمة الرابعة التي ليس لها من عاصمة تحول القارة – الامن رحم الله – الى أُذُن للغُلاة الراديكاليين المُنادين باقتراب الحرب العالمية الرابعة وفق رؤية فوكوياما وفلتته "صراع الحضارات" وضرورة المبادرة بالهجوم الغادر على حضارة الإرهاب التي يختزلها الادب السياسي الاوروبي بحضارة الاسلام، فهل تُرانا اليوم نشمتْ بالنرويج؟ معاذُ الله، فالضحايا ابرياء، وهم وان لم يكونوا شركاء لنا في الدين فهم، على الاقل، نُظراء لنا في الخلق، اي استهتار بحيواتهم المهدورة لا يعني سوى التواطؤ المخزي مع الإرهابي الابيض القاتل، ولسنا نقول " لم تسؤنا ولم نأمر بها "، فبالكاد نجونا هذه المرة من التهمة رُغم ما راجَ في بداية الإنهيال الاعلامي الكثيف عن تبني جناحٍ اسلاميٍ مُتطرف للتفجيرات التي سبقت مجزرة الجزيرة، ثم لم يلبث هِرقل النرويج (ريفيك ) ان بدّدَ التكهنات بالخبر اليقين، الإرهاب هذه المرة اوروبي مسيحي ماسوني صِرف، دون مواربة او خجل، قد يكون (ريفيك) ضحية إساءة او تحرش او اعتداء في الصغر، وما اكثرها في اوساط "خواجات" اوروبا، ولعله حانقٌ على العالم باسره ويخطط لإرساله دفعة واحدة الى خالقه، هذا وارد كذلك في ثقافة اوروبا اليوم، وقد يكون متعصباً اغضبه شيوع الفُحش والاجهاض والمثليّة فقرر فرض "عدالة الإله" بمأسورة بندقيته، محتمل، او من بقايا اليسار المتطرف او السلام الاخضر او الخلاص النهائي، او مجنوناً مُعقداً مُلتاثاً، او حتى خارجاً من قصة حب فاشلة، لستُ ادري، كثيرة هي الاحتمالات، لكن المؤكد اننا – كشرق اوسطيين موصومين سلفاً بالإرهاب والأصولية - كنا محظوظين هذه المرة، أجل، من حسن حظنا ان هتلر النرويج الجديد ليس مسلماً، والا لكانوا صدعوا رؤوسنا بالتهم الجاهزة ولقُيض للنظرية الرخيصة ان تستمر حيناً من الدهر، إذن فلسنا – والى حين – موضع اتهام، في المدى الراهن على الاقل، ولسنا شامتين ايضاً، لا أشُكُّ في ذلك قيد شعرة، فَلَنا – على خلافهم – خصالٌ تردعنا عن التشفي بكوارث سوانا، غير ان إسقاطاً فلسفياً حضرني للحظة، للحظةٍ فقط، ثم سارعتُ الى طرده على عجل، حين أُقارِن ما أهريقَ من دماءٍ بريئةٍ عند تُخوم تلك الجزيرة النرويجية المعزولة بما يُسفكُ يومياً من دماءٍ في تلك الدولة الصحراوية الممزقة، افغانستان، بِحراب القوة النرويجية المُشاركة في الإيساف؟ هل الجزاءُ من جنس العمل؟ أم هي لعنة الأفغان؟ لستُ أدري.
ليث العبدويس بغداد
المصدر: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5...