المسلمون والغرب هل هي حرب ثقافية؟

المسلمون والغرب هل هي حرب ثقافية؟
جون إل. إسبوزيتو
أستاذ الدين والعلاقات الدولية والدراسات الإسلامية بجامعة "جورج تاون" الأمريكية

الغرب بين الإسلاموفوبيا والإكسونوفوبيا
من ضمن الأسئلة الأولى التي وُجهت إلى من قبل الإعلام الأوربي والأمريكي واللاتيني -بصدد هذا الصراع الجاري- ذلك السؤال القائل: "هل الإسلام مضاد للقيم الغربية؟ بمعنى آخر، هل نحن بصدد حرب ثقافية؟". إن إجابة ذلك السؤال تعتمد على طرح أسئلة استيضاحية أخرى تنص على الآتي: ما هي تلك القيم الغربية التي نقصدها ونتحدث بشأنها؟ هل هي تلك القيم الغربية العلمانية التي لا تُميز دينا بعينه، في سبيل إفساح الطريق لجميع الأديان، وفي سبيل حماية المؤمن وغير المؤمن سواء؟ أم أنها تلك القيم الغربية "العلمانية الأصولية" المضادة للدين، والتي تزداد بسرعة شديدة ومكثفة ضد الإسلام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟.
إن ما نشهده اليوم لا يمت للقيم الديمقراطية الغربية بصلة، فالإعلام الأوربي يعكس اليوم مجتمعا مصابا بالإسلاموفوبيا (كره غير عقلاني لكل ما هو إسلامي) والإكسونوفوبيا (كره غير عقلاني لكل ما هو أجنبي). وإن الرسومات الأخيرة لهي أكبر دليل على الرغبة في الاستفزاز، فهي لا تستخف بـ"أسامة بن لادن" أو بـ"أبو مصعب الزرقاوي"، وإنما هي تستخف بأكثر الرموز قداسة في حياة المسلمين، والغريب أن كل ذلك الاستخفاف يحدث في ظل أسطورة حرية التعبير.
ولكن ما الذي يُحرك ردود أفعال المسلمين؟ في الوهلة الأولى، يقوم بعض المتخصصين طارحين تساؤلهم المعروف: "لماذا يكرهوننا"؟ وتأتي الإجابة "التقليدية الحكيمة": "إنهم يكرهون نجاحنا، وديمقراطيتنا، وحريتنا...". كم هي إجابة سهلة ومُريحة!! وكم هي إجابة خاطئة!! إن من يطلق مثل هذه الإجابة لا يعرف ولا يعترف بأن المحاور الأساسية لهذه "الحرب الثقافية"، الجارية الآن، تتمثل أولا وأخيرا في المعتقدات الإيمانية، وفي الدور الرئيسي للنبي محمد في الإسلام، وفي الحب الذي يحظى به، باعتباره المثل الأعلى والقدوة الحسنة التي يجب أن تُحاكى من قبل المسلمين. إن من يطلق هذه الإجابة لا يدرك محورية الهوية في الحرب الجارية الآن، تلك الهوية التي أُهينت أشد إهانة، والتي نُكل بها أشد تنكيل. فهل كان بإمكان الإعلام الأوربي ذاته -بتوجهه العام- إصدار رسومات كاريكاتيرية مشابهة عن اليهود أو عن الهولوكوست؟ وقد عبر عن ذلك أكبر الأرباب اليهود في فرنسا، "جوزيف سيتروك"، قائلا: "نحن لا نكسب شيئا من الاستهانة بالأديان. إنه نقص في الصدق والاحترام". وقال أيضا: "إن حرية التعبير ليست حقا دون حدود". (إف.بي. 3 فبراير).
أمريكا وأوربا.. أسلوب نفعي

إن الرسومات الكاريكاتيرية المعنية، التي تُسفه وتُحقر من النبي والإسلام، لهي مثيرة للغضب حقا. فهي تدفع إلى الشعور بالاحتقان والازدراء والهامشية في صدور المسلمين، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى بناء جدار عازل بين الغرب والمسلمين المعتدلين الذين سيُسهل استدراجهم واستقطابهم -في أغلب الظن- من قبل المتطرفين. بل إن تلك الرسومات ستدعم الأنظمة المستبدة التي تعارض الديمقراطية، وستفتح لها مجالا أوسع لمهاجمة الديمقراطية باعتبارها مضادة للدين والإسلام، كما تزعم تلك الأنظمة.
إن الأسلوب النفعي الماكر الذي استخدمه "رامسفيلد" لوصف الصراع، لا يترك مجالا لتوجيه أي نقد كان تجاه الغرب. فخطابه بمؤتمر "ميونيخ" لم يحمل أية محاولة للتفريق بين أهداف الحركات الإسلامية المختلفة، ولم يحمل أي اعتراف بفشل السياسات الأمريكية في العراق، بل لم يحمل جملة اعتراف واحدة بالدور التاريخي الذي لعبه الغرب في خلق ذلك الغضب المشروع الذي طالما عانى منه المسلمون، إنما حمل خطابه اختزالا للصراع، من خلال صب اللوم كله على العالم المسلم الذي يكافح دوما -ودون فائدة- للوصول إلى تلك الحرية التي يعيشها الغرب، كما يزعم "رامسفيلد".
لا مساومة في القيم

لا تجوز المساومة في المبادئ والقيم الأساسية، ومن ثم لا تجوز المساومة في مبدأ وقيمة حرية التعبير. إلا أن الحريات لا تتواجد في فراغ، بمعنى أنها لا تتواجد دون حدود. ففي كثير من الدول، يمثل التعبير المُحضّ على الكره (مثل إنكار الهولوكوست، أو تحفيز التعصب العرقي، أو دعم الاستئصال البشري) جريمة، يعاقب عليها القانون. وإن ديمقراطيتنا العلمانية الغربية لا تكفل فقط حرية التعبير، وإنما تكفل أيضا حرية العقيدة، فالاعتقاد وعدم الاعتقاد -سواء- يحتاجان إلى الحماية.

إن العولمة ومعها الغرب المتعدد ثقافيا ودينيا صارا محك الاختبار على مصداقية قيمنا الديمقراطية النبيلة. بمعنى آخر، إن التعددية والتسامح في حاجة اليوم إلى فهم أكبر واحترام أكثر، سواء من قبل غير المسلمين أو من قبل المسلمين.

إن حرية الاعتقاد في داخل مجتمع متعدد لا بد أن تعني وجود بعض المقدسات التي يجب معاملتها كما تستحق، وكما ينبغي. وإن الإسلاموفوبيا -الآخذة في التوغل كسرطان اجتماعي- تمثل خطرا وتهديدا لأصول حياتنا ذات السمة التعددية الديمقراطية، ومن ثم يتحتم علينا رفضها، كرفضنا لحركة مناهضة السامية. وبناء عليه، فإنه يلزم على جميع قادتنا السياسيين والدينيين، وعلى جميع المتخصصين والمعلقين لدينا -وبالطبع على جميع وسائل إعلامنا- أن يقودوا المسيرة سويا لحماية قيمنا النبيلة.

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك