مفهوم التسامح والكتلة التاريخية التي تصنعه
مفهوم التسامح والكتلة التاريخية التي تصنعه
سلام كاظم فرج
السؤال الابرز الذي يثيره كتاب الاستاذ ماجد الغرباوي (التسامح..ومنابع اللاتسامح.. فرص التعايش بين الاديان والثقافات).. ماهي التخوم التي يمكن ان نصل اليها نحن شعوب شرق
المتوسط في شيوع مفهوم التسامح فكرا وتطبيقا..على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والمذهبية؟؟. وهذا ما لايمكن تخمينه ان اعتمدنا الامنيات الطيبة وحدها..او الدعوات.. والنداءات.. في مجتمع لايمر على انامل ثمانين بالمئة منه كتاب او صحيفة او مجلة ولم يسمع بالشبكة العنكبوتية ما يقارب هذه النسبة او يزيد.. وتتدهور فيه كل يوم فنون مؤثرة كان لها حضورا فاعلا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.. كالسينما (انتاجا ودور عرض) والمسرح. والمعارض التشكيلية.
والغناء والموسيقى.. وكلها روافد يمكن لها ان تلعب دورا فاعلا في انتاج كتلة تاريخية مؤثرة يمكن ان نعول عليها لتحويل القيم التي تناولها كتاب الاستاذ ماجد الى واقع ملموس..لكن هذه الفنون تشهد انحطاطا مريعا.. حتى انني اتذكر رايا للروائي الكبير نجيب محفوظ قاله في اخريات ايام حياته.. يبدو ان هنالك سباقا محموما نحو الحضيض.. لا اريد ان اخرج عن جوهر الموضوع.. ثمة منطقة معتمة غائمة غائبة عن حدود معرفتنا تمنع عنا رؤية المدى الذي يمكن لكتاب ما ان يحدث تغييرا ما.. كذلك بالنسبة الى مقالة ما. او عمل ادبي..او تظاهرة.. او اعتصام مثلا.. أي ان السؤال يبقى قائما.. كيف يمكن لنا نحن المثقفين الحريصين على مستقبل شعوبنا ونهضتها وارتقائها ان نخترق أستياتيك العلاقات الاجتماعية (جمودها) ومدى الحراك الذي يمكن ان نحدثه في مياه راكدة اتت على شعوب منسية حين من الدهر كأنها لم تكن شيئا مذكورا!. اعني بها الفترة المظلمة الممتدة تحت الهيمنة العثمانية والفارسية لاكثر من خمسة قرون خلت..؟
والاستاذ الغرباوي يستعرض في كتابه القيم جملة من المفاهيم والاقتراحات لولوج مرحلة لا بد منها لكي نغادر ارصفة التخلف والصراعات الطائفية العبثية والاقتتالات غير المبررة.. ويحاول ان يؤسس لمجموعة من القيم.. ويدحض ويسفه مجموعة من قيم اللاتسامح. وأن يخترق بتؤدة ودقة بعض التابوهات المتعسفة التي امتلكت جبروتها بسبب سيادة الفكر القبلي المبني على قبول الموروث دون تمحيص زهدا في اعمال الذهن وخوفا من تعب الرأس او الاصطدام بالسائد..أن عقم الاستنجاد بالموروث لأشاعة قيم التسامح . وعقم محاولات الاستنجاد بالنصوص المقدسة لتوكيد قيم التسامح تجعلنا نفكر بمخارج اخرى ولا نكتفي بالانتظار وهذا مايفعله الاستاذ الغرباوي.. ان محاولات كثيرة حاولت ان تستنبط قيم العلمانية واللبرالية من النص المقدس لم تأتي أكلها بل انقلبت الى الضد.. كمحاولات السيد القمني وعلي شريعتي المفكر الايراني.. حامد ابوزيد ..وان الرجوع الى سماحة السيد المسيح عليه السلام والايات القرانية والاحاديث الشريفة وسيرة الصحابة الكرام لن تاتي اكلها لان هنالك الكثير من النصوص التي يمكن ان تؤل بعكس مقاصدنا .. سيما اذا علمنا ان القران الكريم والاحاديث والاناجيل المقدسة حمالة اوجه وتعتمد المجاز والاستعارة..وهكذا نرى ان النزاعات الطائفية والمذهبية مستمرة وشيوع المفاهيم الساذجة التي تعتمد المنة والكرم الحاتمي للتنازل عن بعض كبرياء الطائفة الاقوى.. ومفاهيم النبالة .. والكبرياء.. والشرف الرفيع الذي لايسلم من الاذى بدون دماء..
كتاب الاستاذ ماجد الغرباوي لايدعي لنفسه انه انجيل معاصر.. بل هو محاولة لردم بعض البناءات المتهرئة في منظومة الافكار المتمظهرة بايديولوجيات راكدة.... وهو يقترح منظومات ومفاهيم اخرى جديدة عابرة
للمفاهيم المناهضة للتسامح ايا كانت مصادرها..دون التخلي عن الاشتراطات العبادية او التعبدية لاية فئة بشرط ان لاتصطدم بشكل مؤذ باشتراطات الفئات الاخرى كبرت ام صغرت.. وتغليب السلام الاجتماعي على القناعات المسبقة..
ويبقى السؤال قائما.. ماهي الكتلة التأريخية المؤهلة الفاعلة لاحداث التغيير الذي يطمح اليه الكتاب .. بعد ان اتفقنا ان الكتاب لوحده او المقالة او النداء.. لايمكن ان يحدث تغييرا كبيرا فمهما بلغ عدد القراء المتفاعلين معه.. سيظل قاصرا عن اداء رسالته.. وذلك موضوع يستحق مقالة اخرى..
المصدر: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1...