مبدآ الحوار والتعايش وُجدا للممارسة، لا شعارات للتلويح والاستدلال، ومن خلال التفاعل مع الآخر تمتحن فرضية صدقهما. كثر يفشلون في أول مواجهة مع الحقيقة، والبعض يكونون مرتبكين، في مواقف ضبابية.. القلة من يفعلون، يعكسون وعيهم على الواقع، لكنهم قليلون جدا، للأسف.

مجتمعاتنا من أصعب المجتمعات القابلة للاختراق، لا أعني الاختراق الإلكتروني، أو الولوج غير المحمود، وإنما أقصد القبول للآخر. حديثي لا يعني الاستحالة، وإنما الشروط المعقدة، والانتقائية، والتصنيف، والنظر بأفضلية من قبل البعض. كل هذا، وغيره، فوّت علينا فرص الاندماج، للآخر معنا، ولنا لاستيعابه، وتمرير رسائلنا وقيمنا وإنسانيتنا. الاهتمام، كفيل بكل شيء، لكنه لم يكن مدرجا، على الإطلاق.

 

وصلني مقطع فيديو، ضمن مئات المقاطع التي تصلني يوميا عبر الفضاء التقني، لم أنتبه له كثيرا، إلا عندما قمت بغزوة تفتيش لجوالي، ساعة تحليق، ووجدت به أَسْمَى صور التعايش، والتداخل مع الآخر. بالمناسبة، أعني بالآخر كل من هو من خارج مجتمعاتنا، لا أعني بالتصنيف شيئا، وإنما ترتيب للأفكار. يتمثل المقطع برجل قرر التوقف عند محطة محروقات، وقبل أن يهم عمال المحطة بمساعدته، فتح الباب ورفع صوت المسجل، الذي كان يردد بعض الأغاني بلغة وثقافة العمال.. ترجل من مركبته ورقص معهم. بمشهد عفوي وتلقائي، وكانوا في أَسمى مراحل الفرح. قد لا يعنيه ملف التعايش برمته، لكنه أفضل أنموذج يمثل التعايش، ويمكن مشاهدة أثر ذلك من خلال الفيديو مباشرة.

 

نحن نفوّت ملايين الفرص، لم نستطع أن نوجد أرضية اتفاق أو تخاطب موحدة، ويستبعد من هذا المبادرات المحدودة، وهي موجودة بالتأكيد، لكنها تكاد لا ترى مع نسبة التجاهل الأخرى. الملايين من عشرات الجنسيات، يمكن أن يكونوا سفراء لنا، أن يعكسوا المجتمع بحقيقته من الداخل، ويمثلوا «القوة الناعمة» لنا.

 

توجد جهود لمكاتب الجاليات، لا يمكن الحديث عن القضية دون المرور عليها، وهي مشكورة، لكنها أحادية التوجه والتخصص. الدعوة ليست كل شيء، المنتمون للجاليات، هم ضيوف بالدرجة الأولى، يستحقون الاهتمام والاندماج والتفاعل. لا يجب أن تنحصر المجهودات في «بروشورات»، وتكريم بالدروع، وصور جماعية. الصورة أشمل وأكبر، وتحتاج فهماً أعمق.

 

العمل المجتمعي مهم، وأعني وعي وإدراك الأفراد، لكن الأهم هي برامج المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، المعنية بنشر التوعية واحتضان المبادرات.. والتفكير بالإنسان أولا! والسلام..

المصدر: http://www.alriyadh.com/1593057