المنهج الإسلامى فى التربية

محمد قطب

 

حينما نكتب عن التربية الإسلامية فمن الطبيعى أن نركز على العقيدة الإسلامية وعلى الوجدان الدينى باعتبار أنه الأساس الذى تقوم عليه الترية الإسلامية وعندئذ يظن العلمانيون ، بل بعض المسلمين أنفسهم، أن التربية الإسلامية محصورة فى هذا الجانب، وأنها توازى ما يسمى "التربية الدينية " فى كتابات الغربيين التربوية . ومن ثم ينظرون إليها على أنها جزء من التربية المطلوبة (لمن أراد أن يطلبها!) ولكنها ليست المطلوبة ! وإنما هذه يبحث عنها فى مصادر أخرى غير الاسلام!

وابتداءً لابد من إزالة هذا الوهم ، المتأثر بصورة "الدين" فى الغرب ، والواقع الذى يعيشه الغرب بالنسبة للدين. فالدين هناك "علاقة بين العبد والرب، محلها القلب ، ولا علاقة لها بواقع الحياة" .

علاقة تسكن فى وجدان صاحبها ، وتؤثر على بعض سلوكياته الشخصية، ولكنها لا تتدخل فى حركة الحياة الواقعية ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، التى يشترك فيها صاحب الدين مع التخلى عن الدين مع المتمرد على الدين ، كلهم بطريقة واحدة، وبنسب متساوية! فيصبح الدين مزاجاً شخصياً لا يؤثر فى واقع الحياة العملى !هذه هى الصورة "العلمانية " للدين ، وهى السائدة فى حياة الغرب ، والذى يسر من سريانها هناك المفهوم الكنسى ذاته للدين ، الذى  قال " أد ما لقيصر لقيصر وما لله لله ! " وهو الشعار الذى رفعته النصرانية فى أيام استضعافها ، ولم تغيره حتى فى أوج سلطانها ،الذى امتد فى أوروبا ثمانية قرون على الأقل ، من القرن الرابع الميلادى إلى القرن الثانى عشر ، فقد كان سلطان الكنيسة متمثلاً فى إخضاع كل الناس – حاكمين ومحكومين -  لأهواء رجال الدين وليس للدين ! ليس للشريعة المنزلة على عيسى عليه السلام ! فلما قامت العلمانية فى أوروبا ، كان هدفها إقصاء نفوذ رجال الدين عن السياسة (ثم عن الحياة العملية كلها ) وليس إقصاء "الدين "، الذى كان غائباً عن الهيمنة على السياسة (وعلى الحياة العملية كلها ) منذ دخلت أوروبا فى مسيحية بولس ، وليس فى دين عيسى عليه السلام!

هذا هو المفهوم الكنسى للدين ، الذى يسر للعلمانية فى أوربا أن تفصله عن واقع الحياة ، ليس هو حقيقة الدين المنزله من عند الله .... وليس هو الإسلام على أى حال !

الدين هو الحياة ! الحياة بحذافيرها ، بكل جوانبها وكل مجالاتها !

{ قل إن صلاتى ونسكى ومحاي ومماتى لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت } .

ومن ثم لا يمكن فصله عن الحياة ، إلا إذا قلنا إنه يمكن فصل الحياة عن الحياة !

إنه العقيدة المستقرة فى القلب ، والواجدان الذى يحرك الشعور، والعبادات التى توجه لله سبحانه وتعالى وحده بلا شريك ، والشريعة التى تحكم السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والسلوك الفردى والاجتماعى ، وتحدد لكل شئ فى حياة الإنسان حدودا لا يتعداها ( وأحياناً لا يقربها إذا كانت متعلقة بأمور شديدة الجذب ) :

{ وتلك حدود الله فلا تعتدوها } .

{تلك حدود الله فلا تقربوها }   .

وهو بذلك عمارة الأرض بمقتضى المنهج الربانى :

{ وهو الذى أنشأكم من الارض واستعمركم فيها } .

وفى كل مجال من مجالات الحياة له تشريع أو توجيه بحيث لا يخرج  شئ على الإطلاق عن أحوال الشرعية الخمسة : إما حلال وإما حرام وإما مباح وإما مستحب وإما مكروه .

ومن ثم فإن" التربية الإسلامية " لا تشمل العقيدة وحدها ، ولا الوجدان الدينى وحده ،

ولا الشعائر التعبدية وحدها ، فهذه كلها جوانب من الإسلام ، وليست هى " الإسلام" الذى قال الله عنه : { إن الدين عند الله الاسلام}.

وقال عنه : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا } .

                                 *    *    *

التربية الإسلامية هى التى ربى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وتربى عليها التابعون وتابعوهم ، الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم خير أمه أخرجت للناس :

{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }

فهل كانت تربية الرسول صلى الله عليه لأصحابه رضوان الله عليهم محصورة فى العقيدة أو الوجدان الدينى أو الشعائر التعبدية ؟ وهل  خّرجت هذه التربية مجرد عّباد لله بالمعنى الضيق للعبادة.... بمعنى آخر : هل اقتصرت التربية النبوية على الجانب الروحى وحده؟ أم كان الذين رباهم عليه الصلاة والسلام عمالقة فى كل اتجاه : عمالقة فى سياسة الحكم، عمالقة فى الحرب ، عمالقة فى العلم ، عمالقة فى الأخلاق ، عمالقة فى كل شئ من شئون

 الحياة؟ وكانوا هم ، وذرياتهم الذين تربوا على أيديهم من بعدهم ، سادة العالم وقادته ورواده وهداته إلى النور ؟

هذا المعنى الواضح للتربية الإسلامية لم يعد واضحاً فى أذهان الكثيرين اليوم ........ لعدة أسباب .

أولها : المفهوم الغربى "الدين" ، الذى يزحف على حياتنا عن طريق الغزو الفكرى، وينظر الناس إلى الإسلام من خلاله .

وثانيها : الواقع السئ الذى يعيشه المسلمون اليوم ، والذى يوشك أن يختفى فيه اّ ثار التربية الإسلامية ، والذى يجعل الأمة التى تحمل اسم الإسلام-إلا ما رحم بك- أسوء نموذج للأمم ، ضعفاً وتخاذلاً وتفرقاً وتخلفاً وتنابذاً وسوء خلق ... فتبدو التربية الإسلامية الحقه إلى جانب هذا الوضع السيئ خيالات لا وجود لها فى الواقع ، وشعارات معلقة فى الفراغ . يضاف إلى ذلك الجماعات الإسلامية التى انبثقت عن الصخرة الأخيرة لم تستوعب هى نفسها كل معانى التربية الإسلامية ، لتعرضها واقعاً يقنع الناس بحقيقة هذه التربية، بل زادت فتصارعت فى ما بينها وتنابذت ، فأعطت المثل السئ ، الذى يزيد الناس بعداً عن تصور الحقيقة .

                                     *  *   *

ولكن تظل  الحقيقة مع ذلك هى الحقيقة ! تظل هى الحقيقة لأنها عاشت بالفعل ، فى عالم الواقع ، عدة قرون . عاشت بالقدر الذى يثبت لها وجوداً تاريخياً ، ويثبت لها كياناً واضحاً وهيكلاً صلباً ، لاصورة هلامية، ولا شيئا رجراجا يذهب ويجىء . وإذا كانت الأمة قد انحرفت عن الإسلام فعليها وزرها ، وهى تتحمل تبعتها ، وتتحمل نتائج انحرافها ، ولكن يظل الإسلام هو الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى لا يتغير ، وتظل أصول التربية الإسلامية قائمة كما هى وكما طبقت بالفعل فترة من الزمن غير قصيرة لأنها محفوظة فى الكتاب المحفوظ ، وفى تعاليم الرسول المربى ، المحفوظة هى الأخرى بحفظ الله .

 وواجبنا أن نتعرف عليها ونعيد لها الحياة .

                                 *   *   *

منهج التربية الإسلامية منهج كامل يشمل كل جوانب التربية ، وكل جوانب الحياة . ومن عجب أن ننخدع بقوة الغرب المادية أو قل ننبهر بها فنتوهم أن التربية الحقة هى ما يقدمه الغرب، وأننا ينبغى أن نأخذ علوم التربية من هناك . وأما أنهم بارعون فى بعض جوانب التربية فأمر لاشك فيه. ولا شك أيضاً فى أنهم أجروا من التجارب التربوية الجادة الدقيقة المؤسسة على قواعد البحث العلمى الصحيح ما أعطاهم حصيلة عملية يستطيعون أن يستندوا إليها وهم يقدمون نظرياتهم التربوية ، فلا تكون مجرد رؤية نظرية ، ولكنها رؤية تستند إلى واقع تجريبى ، يبلورها ويحدد صورتها ، ويجعلها جاهزة للتطبيق . ولا شك أيضاً أنهم يتابعون أبحاثهم فلا يقعدهم الوصول إلى نتائج معينة عن إجراء تجارب جديدة وطرق أبواب جديدة من البحث .     

 وكل تلك إيجابيات يجب الاستفاده منها ، لأنها تنقصنا ، ولأننا فى حاجه شديدة إليها .

ولكن يجب فى الوقت ذاته أن ننظر فى الحصيلة النهائية لمناهج التربية عندهم ، لنعرف ماذا نأخذ وماذا ندع ، ولا يأخذنا الإنبهار فنقول لأنفسنا : يجب أن نأخذ كل شئ ، ولا ندع أى شئ !

الحصيلة هى إنسان ذو شخصية فردية بارزة ، واثقة من نفسها ، إيجابية ، لا ترهب التجربة ، ذات نزوع علمى ، وذات قدرات نامية ، متحملة لمسئوليتها ، منظمة ، قابلة للنظام ، قادرة على التعامل مع الأخرين بقدر عال من التهذيب ، وبأقل قدر من الاحتكاك ، وقادره على بذل الجهد ، والمثابرة فى بذل الجهد حتى تتحقق الغاية.....

وفى الوقت ذاته إنسان عالمه هو الحياة الدنيا ، قلما يؤمن بالاخرة أو قلما يفكر فيها، شديد الرغبة فى الاستمتاع بكل لحظة تمر به، لا يبالى فى استمتاعه بحلال أو حرام ، بل هو يستحل كل ما يخطر فى باله ، ويسعى الى تحقيقه ، شاذاً أو سوياً ، ويرى أن ذلك من حقه الطبيعى ، وداخل فى حريته الشخصية مادام لا يؤذى الأفراد الأخرين ، الذين لهم مثل حقوقه ، ولهم أن يفعلوا بأنفسهم ما شاءوا.

وفى الوقت ذاته كذلك إنسان معرض لكثير من حالات القلق والأمراض العصبية والنفسية وإدمان الخمر ، وإدمان المخدرات ..... وليست الجريمة منه ببعيد!

هل يجوز لنا – حين نرى إيجابيات التربية الغربية ، وهى كثيرة- أن نغمض أعيننا عن سلبياتها ، وهى كثيرة كذلك ؟ وحين تبهرنا الإيجابيات فنغمض أعيننا عن السلبيات ، هل يكون موقفنا سليماً ، وهل نكون أصلاء؟ أو نكون أتباعا مقلدين .... فينتج من تبعيتنا فى عالم الواقع أن نأخذ السلبيات لأنها سهلة الأخذ ، لا نحتاج إلى بذل الجهد ، ونحن لم نتعود عليه ؟!

ذلك حالنا مع الغرب فى واقعنا المعاصر !

                               *   *   *

ما نقطة الخلل فى مناهج التربية الغربيه ؟.

هى النظرة إلى " الإنسان ".....

الحيوان المتأله ، الذى يعيش لدنياه ، ولا يؤمن بأخرته .

إنه بارع جداً فى العمارة المادية للأرض ، لأنها همه الذى يعيش من أجله . وبراعته تلك وروعة إنجازاته فيها هى التى تجعله يتأله ، لأنه يقول كما قال قارون من قبل { إنما أوتيته على علم عندى } وفى الوقت ذاته هو منحط إلى أسفل سافلين فى شهواته الدنسة التى لا تشبع ، لأنه ليس من طبيعتها أن تشبع حين يفتح لها الباب على مصراعيه ، بل من طبيعتها أن تزداد نهما وضراوة حتى تردى صاحبها ..... ثم هو فى النهاية إنسان غير سعيد بواقعه الذى يعيشه ، فيسعى إلى الهروب منه فى الخمر والمخدرات ، أو الصياح والضجيج ، أو الرقص المخبول .... أو الجريمة !

أوكذلك نريد أن نربى أبناءنا وبناتنا ؟!

يقول الحالمون : نأخذ إيجابياتهم ونترك عيوبهم وانحرافاتهم .......

حلم جميل ما باله لم يتحقق خلال قرنين من الزمان جرى فيهما العالم الإسلامى لاهثاً وراء الغرب "لينهل" من منابعه ؟!

الإجابه – كما أسلفنا قبل قليل – أننا جابهنا الغرب وقد فقدنا أصالتنا ، فلم يعد فى وسعنا أن نأخذ السلبيات التى لا تحتاج إلى جهد ، وعجزنا عن أخذ الإيجابيات لأنها تحتاج إلى بذل جهد ، والمثابرة عليه ....... وهو أمر لايطيقه إلا الأصلاء !

لكى نستفيد من إيجابيات التربية الغربية يجب أن نكون أولاً مسلمين !!! يجب أن نعود إلى أصالتنا ، وأن نسترد ذاتيتنا التى فقدنها فى فترة الإنبهار ، فتصبح عندنا العزيمة ، وتصبح عندنا البصيرة ، التى نأخذ بها ما ينفع ، وندع ما يضر ، والتى نتابع بها بذل الجهد حتى نصل إلى تحقيق المطلوب!

وهكذا كانت تفعل الأجيال الأولى من المسلمين تجاه ما تجد نفسها محتاجة إليه من الوسائل و الأدوات ، مما ليس عندها ، ومما هو موجود لدى الجاهليات من حولها فى فارس وبيزنطه .

كانت تأخذ فى عزة المؤمن الواثق أنه بإيمانه هو الأعلى ، وأن لديه فى المنهج الربانى كل ما يحتاج إليه من العقائد والمبادئ والقيم والأصول .... إنما يستعير من غيره أدوات ووسائل ، ويطوعها لما يريد هو ، ولا تطوعه هى لما تريد ! وواجبنا اليوم أن نفعل ذلك بالنسبة لما نحتاج أن نتعلمه من الغرب.... فى التربية وفى غير التربية .

فى التربية نملك المنهج الأعلى ، لأنه المنهج الربانى البرئ مما يعرض للبشر من قصور وخطأ فى الرؤية.... ولكننا نحتاج إلى استنباطه مرة آخرى من منابعه بعد أن نسيناه وهجرناه ، ونحتاج أن نستنبط الوسائل التى تعيننا على تطبيقه فى عالم اليوم ، وهى ما سبقنا إليه الغرب وبرع فيه . ولكن أخذنا للوسائل من هناك لا يجعلنا نتبع مناهجهم بالضرورة، وإنما نطوعها لما نريده نحن من تطبيق المنهج الربانى ، البرئ من الخلل والقصور .

والمنهج موجودة أصوله ومبادئه فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وموجودة صورته العملية التطبيقية فى عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فى تربية أصحابه ..ثم إنه فى تراثنا كثير من الكتابات النافعة نسيناها وأهملناها فى فترة انبهارنا ، وظنّنا أنها أمور حديثة كلها ، لم يفطن إليها إلا الغرب ، ولم يتعرف عليها إلا الغرب !

سنجد فى كتب الماوردى ، والقابسى ، والغزالى ، وغيرهم ، سنفاجأ بأنهم تنبهوا فى عصرهم المتقدم إلى قضايا تربوية وتعليمية كنا نحسب أنها لم تعرف إلا فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين ! وكتبوا فيها كتابة علمية مبلورة محددة نتيجة خبرتهم واجتهادهم .

والحصيلة التربوية لهذا المنهج – متمثلة فى الجيل الذى رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم – هى "الإنسان الصالح" فى أعلى صورة يكون عليها الإنسان الصالح فى واقع الأرض.

إنسان يؤمن إيمانا صادقاً بالله واليوم الأخر ، يعيش بإيمانه فى واقع الحياة الدنيا، فيبذل فها أقصى ما يبذل الإنسان من النشاط ، دون أن تكون الحياة الدنيا فتنة له  تصرفه عن ربه وآخرته . إنسان متوازن ... أجمل ما فيه توازنه .

توازن بين العمل للدنيا والعمل للأخرة . توازن بين نوازع الجسد ونوازع الروح . توازن بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية . توازن بين الضرب فى مناكب الأرض سعياً وراء الرزق والمتاع ، وبين الترفع على متاع الأرض رجاء الفوز برضوان الله فى الآخرة ، فلا يطغيه السعى ، ولا تقعد به الرهبانية . توازن بين الإيمان بالغيب والإيمان بالمحسوس . توازن بين العقل والإيمان . توازن بين الشدة فى الحق وسماحة الأخلاق ولين الجانب ...

إنسان مجاهد ... يعلم أنه لابد من الجهاد من أجل التمكين . فلا يجنح الترف الذى يؤدى إلى الترهلة الطراوة والعجز... ويكون مستعداً للفداء فى أية لحظة بنفسه وماله ، لا يتردد فى العطاء .

إنسانعامل .. يعلم أنه لابد من الكدح فى الحياة وتحمل الكًبَد من أجل الوصول.

إنسان عزيز ... عزيز بالإيمان بالله ، والإيمان بالقضاء والقدر أنه لا يصيب الإنسان إلا ما قدره الله له ، فلا يذل من أجل قضاء حوائجه ، ولا يهين نفسه من أجل متاع الأرض الزائل.

إنسان متعاون متكافل ، سهل الالتحام مع المجموع ، دون أن يذوب فيه .. 

 إنسان عفيف عن ارتكاب الكبائر ، سريع التوبة حين يخطئ ، كثير الاستغفار .. هكذا كان الرعيل الذي رباه رسول صلي الله عليه وسلم في عالم الواقع ..         

 ومعلوم أن هذا المستوي الرفيع كان هو مستوي الصفوة ، وليس كل الناس ، حتي في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم  .     

 ومعلوم  كذالك أننا قد لا نصل أبدا إلي  تكوين جماعة من البشر علي مستوي تلك الصفوة الفريدة في التاريخ .. ولكن المنهج الإسلامي هو لكل مستويات البشر .. كل يأخذ منه قدر ما يطيق { ولكل درجات مما عملوا } فمن أطاق الصعود إلي أقصي القمة فالمنهج معه يعاونه ويمده ويغذيه ..  ومن قعدت به قدراته ففي حدود قدراته ، بشرط ألا يهبط  عن الحد الأدني المفروض.. وحتي حين يهبط – مع المجاهدة – فهو فى رحمة الله ما يزال، لا يطرده الله من رحمته وهو يستغفر ويتوب : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين }

ولكن القيمة العلمية للنموذج الأعلى هى أن يبقى حافزاً دائماً لمحاولة الصعود- مادام قابل للتطبيق الواقعى ولو فى أفراد متناثرين – ومحاولة الصعود هى خير دائماً من القعود ، لأن القعود ييسر الاتزلاق إلى الحضيض !

ذلك هو المنهج الربانى .... { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون }

ومهمة المشتغلين بالتأصيل الإسلامى فى مجال التربية هى إعادة اكتشاف المنهج ، وتفصيلالحديث فى جوانبه المتعددة ، وفى شموله وتوازنه، مع محاولة إجراء التجارب العلمية التى توصل إلى تحويل المنهج من نظريات إلى واقع قابل للتطبيق .

 يحتاج – بداهة – أن يكونوا هم أنفسهم عميقى الإيمان بالمنهج ، واعين فى الوقت ذاته إلى مكنوناته ، مجتهدين فى اكتشاف أسراره، جادين فى الدعوة إليه ومحاولة تطبيقه . ولن تكون مهمتهم سهلة من جانبين : الإنبهار بما عند الغرب ، الذى يصل إلى حد الفتنة ، وبعد المسلمين فى واقعهم المعاصر عن حقيقة الإسلام .

ولكنه جهاد .... يبذلون فيه جهدهم ويتطلعون إلى الأجر عند الله ... ولا يخذلهم أن يروا إعراض المعرضين ، ولا سخرية المستعبدين للغرب ، الذين لايطيقون مجرد الحديث عن الإسلام ! { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

المصدر: http://ahlusunnah.org/node/93498

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك