افتح الصندوق أولاً

فهد عامر الأحمدي

من المصطلحات التي شاعت في السنوات الأخيرة "التفكير خارج الصندوق".. لا يعرف معظمنا معنى ذلك ولكننا نفهم من سياق الكلام (وتكراره في وسائل الإعلام) أنه التفكير بطريقة جديدة ومختلفة..

وهذا الاستنتاج ليس خاطئا تماما كونه يتفق مع طرق التفكير الجانبية والمتشعبة وغير المعتادة التي وضعها رائد التفكير الابتكاري الدكتور إدوارد دي بونو..

لا أعرف متى ظهر هذا المصطلح، ولكن المقصود بـ"الصندوق" هو خبراتنا ومشاعرنا وآراؤنا وتصوراتنا المسبقة.. فهذه كلها تؤثر على طريقة تفكيرنا وحكمنا على الأشياء، ويكفي التذكير بالقاعدة الفقهية الشهيرة: "الحكم على الشيء فرع من تصوره"..

فمشكلتنا هي حبس أنفسنا -دون أن نعلم- داخل صندوقنا الشخصي وعدم تجرّئنا على فتحه لرؤية ما يوجد خارجه.. نحكم على العالم من خلال محتوياته ونعتبره (رغم صغره وخصوصيته) أنموذجاً لما يجب أن يكون عليه العالم الخارجي (رغم ضخامته وتعدديته)..

وبهذا يمكننا القول إن التفكير خارج الصندوق يتطلب التخلي (ولو مؤقتا) عن كل الأفكار والطرق والتجارب القديمة لحل المشاكل الجديدة، أو حين نريد الحكم على الآراء والأفكار التي نسمعها لأول مرة..

بهذه الطريقة فقط ستتعلم وتتطور وستكتشف حلولا إبداعية غير مألوفة.. بهذه الطريقة فقط تصبح مبدعا (وقد تصل لمصاف العبقرية) كون الإبداع نفسه يتطلب التمرد على الأنماط القديمة والمألوفة والتفكير خارج الصندوق..

فمن يبني منزله كزجاجة عطر أو سفينة شراعية يفكر خارج الصندوق..

ومن يبتكر تطبيقا يقدم خدمة التوصيل للجميع (مثل أوبر) يفكر خارج الصندوق..

ومن يلغي كافة الزراير في الهاتف (كما فعلت أبل حين ابتكرت الآيفون) يفكر خارج الصندوق..

ومن ينقل السفن الحربية برا (كما فعل محمد الفاتح) يفكر خارج الصندوق..

ومن يأمر جنوده بقذف أعين الفيلة (كما فعل ابن أبي وقاص في معركة القادسية) يفكر خارج الصندوق..

.. ولكن (كما يشير عنوان المقال) لا يمكننا التفكير خارج الصندوق قبل أن نملك الجراءة على فتحه أولا.. لا يمكننا التفكير خارج قبل أن نتعلم:

الاطلاع على الآراء والأفكار التي تخالف ما نشأنا عليه..

مناقشة الأشخاص الذين يختلفون (وليس من يتفقون) معنا..

التعرف على المنطق والمناهج المختلفة من التفكير..

التعرف على ثقافات مغايرة ورؤية بلدان مختلفة..

القبول بتعددية الأفكار والتعامل بروح رياضية مع الآراء المعارضة..

تمحيص الأفكار - وليس النوايا - وانتقاد الرسالة - وليس حاملها..

قمع روح النرجسية والاستعلاء تجاه من نظنه أدنى منا..

.. افعل ذلك أولا كي تفتح نوافذك وتطل برأسك خارج الصندوق.. وحينها فقط ستصبح مهيئاً للتفكير خارجه بأسلوب غير مسبوق..

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك