بعد ثمانية قرون من الحضارة الإنسانية لماذا كل هذا الإرهاب؟

عزمي عاشور

 

لماذا نحن المسلمين دون بقية الأديان نفرز هذا الشكل من الإرهاب والإجرام الذي يتناقض مع جوهر وقيم دين جاء مبشرا بالسلام والأمان لكل البشر دون إجبار احد أن ينتمي إليه ! فلا  تمر ساعة إلا وخنجر الإرهاب يطعن باسمه في ظهر إنسانيتنا لا تمييز مابين أطفال وشيوخ ولا نساء ورجال ولا مجتمع إسلامي ولا غير إسلامي، فالكل أصبح هدفا لقنابله ورصاصه..وتندهش في نفس الوقت من هذا الزخم من التدين  الطقوسي الذي يخرج من بينه  كل هذه  الشرور الإرهابية من عقول فئة لا تخجل من أن تتباهي بذبح أو بتفجير بطون الأبرياء الآمنين في الشوارع…فما هذا الخلل  الذي لحق بالخطاب الديني الآن بعد أن كان له للإسلام مساهمات في الحضارة الإنسانية استمرت للعقود، ولماذا يتم معاداتها بهذا الشكل المفجع ..

نعم أصبحنا كلنا متهمين ومساهمين في هذه التدهور الذي لحق بهذا الدين ليفرز لنا هذا الشكل القبيح من الإرهاب ..فالقضية لم تعد النفي وان من يقومون بهذا ليسوا مسلمين، فبالنظر إلى خريطة وعولمة ظاهرة الإرهاب الإسلامي نجده  لا يختلف في جرائمه  سواء حدث في ذلك قلب شوارع القاهرة أو في قرى نيجيريا على يد بوكو حرام أو حتى في  سوريا أو العراق على يد داعش أو على يد متطرفى  مسلمي الغرب مثلما شهدنا مؤخرا في فرنسا ..فالجريمة واحدة  والدوافع واحدة وان أخذت أشكالا مختلفة ..

 يضعنا كل هذا الإجرام باسم الدين جميعا في وجه المدفع لنبحث عن الأسباب التي تقف وراء الخلل ، نعم قد يكون منها ما هو متعلق بالصدمة الحضارية والفكرية  التي وجد فيها هذا الشباب نفسه بعدما تم تحنيط العقلية الإسلامية  ووضعها في قوالب باسم التدين الشكلي، والتي ساهمت فيها عوامل كثيرة أبرزها  التراجع والتدهور الذي لحق بالمؤسسات التقليدية  الدينية على حساب ظهور المؤسسات الموازية من الجماعات والتنظيمات الأخرى تحت مسميات إخوان مسلمين وسلفيين وغيرهم، الأمر الذي ساهم أكثر في تجميد وتحنيط  هذا الخطاب الديني، فأصبح بدلا من أن توجد أطروحات نقدية وتنويرية داخل المؤسسات التقليدية ظهر خطاب التطرف الموازى الذي لا يكتفي بأخذه بالقشور بتفسيره للواقع وللدين وإنما بأسره بالرجوع إلى ماضي الأيام  في رؤيته للحاضر.. فوجدنا خطابا يحرم كل ما هو موجود ، وكل ما جاءت به الحضارة الإنسانية، ويٌصَدّر خطاب هذا الماضي البعيد ليعيش به شباب اليوم …فكان من الطبيعي لقطاع منهم  الذي يواجه مشاكل أخرى اجتماعية واقتصادية  أن تقع في فخ هذه  الازدواجية ما بين الحداثة وهذا الخطاب الماضوي، وان يكون هناك خلل فكرى في تفسير هذا الواقع وفق الرؤية والتكوين المبنى على خطاب اختصر الحضارة الإنسانية على  فترة وجيزة من  التاريخ الإسلامي.. والخلل الثاني في الخطاب الديني الذي يفرز الإرهاب .. أن التطور الإنساني في التكنولوجيا  من اتصالات وانترنت وغيرها  على قدر ما انه عولم الفوائد  أيضا عولم السلبيات ، فإذا كانت فوائده جمة فان أضراره أيضا بالنسبة لنشر الأفكار التطرفية كبيرة، فأصبح العالم الافتراضي للإرهاب  يتوازى مع عوالم افتراضية أخرى وتحول التخلف والإرهاب إلى  فضاء الكترونيا  ينتقل بتفاعلاته  مابين بيئات ومجتمعات وعقليات مختلفة بنفس الشكل الأصولي التطرفي، فعقلية بوكو حرام هي نفس عقلية داعش هي نفس عقلية من يفجر ويقتل في أقصى الشمال في فرنسا أو في أقصى الجنوب في استراليا باسم هذا الدين . والسبب أن هذا الخطاب يتم التعمد بأخذه بشكل أصولي تطرفي دون مواجهته بالنقد في الكثير من الممارسات .. فالتكنولوجيا بدلا من أن تساعد على تغيير العقلية عملت على تجميدها وزيادة رقعة التطرف في مفارقة غريبة لا تحدث إلا في مجتمعات تعيش ازدواجية تحديثية في ماضي تريد العيش فيه بأدوات الحداثة.  وعلى ما يبدو أن هذه نتيجة طبيعية،  فهذا الذي نستحقه من الحضارة الإنسانية الحديثة.  فمالذي صنعناه وساهمنا فيه سواء بالأفكار أو الجهد  …فلو كان هناك إسهام جاد لنا فيها، كانت هذه  العقول نفسها لن تكون هذا حالها ..وهو ما يفسر أننا واجهة استهلاكية لكل منتجاتها، وحتى عندما حاولنا أن نستفيد منها استفدنا منها في نشر التخلف والإرهاب  وقتل الأبرياء باسم الدين والدفاع عن الرسول..

 وهنا يجب أن نمتلك الجرأة ونواجه أنفسنا بخطايا هذا النوع الفاشستي من الخطاب الديني ونبحث بمنهجية مختلفة عن جوهر الدين وقيمه التي لا يمكن  أن  تختزل في هذا الشكل من التطرف في السلوك والتدين الذي يقود في النهاية إلى كل هذه التوحش المختلف من الإرهاب … فثمانية قرون من الحضارة الإنسانية  تمددت من شبه القارة الهندية وشرق آسيا مرورا بالجزيرة العربية والشام  وشمال إفريقيا والى بلاد الأندلس في أوروبا ..

فمع هذا التنوع في الثقافات والمجتمعات  استطاع الدين الإسلامي أن يصنع حضارة وان يحول قبائل ثقافتها هي القتال والنهب مثل المغول لتكون صانعة للحضارة في آسيا وشبه القارة الهندية ..بالمثل استطاع يكون له خطاب إنساني في شتى العلوم الإنسانية الطبيعية والاجتماعية وعلى رأسها الفلسفة التي يحرمونها الآن وكانت محطة مهمة عند معظم علماء الحضارة الإسلامية   ..

فلماذا الآن يظهر بهذا الشكل الهمجى الفظيع في عصر تتجلى فيه كل السبل التحديثية والتكنولوجية لإظهار قيم الدين التي أظهرتها الحضارة الإسلامية ونشرتها  برغم فقر الإمكانيات التواصلية مقارنة بما هو حادث الآن ..كل ما يحدث على الأرض يبرهن على وجود هذا الخلل في التفسيرات المتطرفة للدين ..فكيف يتحول دين جاء لزرع السلام والمحبة والتراحم بين البشر إلى دين متهم بالهمجية والإرهاب !!!

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك