خطوات نحو الإصلاح

حسام كمال النجار

 

تَعِجُّ مجتمعاتُنا بالفساد، وتمتلئ دوائرها بالفاسدين المفسدين".

هكذا يُردِّد الكثيرون طَوال الوقت، ناعتين مجتمعاتِهم بأنها مجتمعاتٌ فاسدة، وبحاجة إلى الإصلاح، لا شك أن الإصلاح أمر يُراد، ولكن لنَيْل ما يُراد من إصلاح؛ هناك خطوات لا يُنال الإصلاح إلا بها.

الاعتصام بالله، ونَبْذ الفُرْقة، والإخلاص في السعي نحو الإصلاح:

فإن أهل الإصلاح لا بد أن يجتمعوا ويتَّحِدوا في محاربة أهل الإفساد؛ قال تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

ولا يستساغ أن يركنَ أهل الإصلاح بحال إلى أهل الإفساد؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 1133]، ولا بد قبل كل شيء من مجاهدة النفس لإخلاص العمل في سبيل الإصلاح لله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

إصلاح الفرد لبنة إصلاح المجتمع:
فالفرد هو وحدةُ تكوين المجتمع، فإن أردنا إصلاح المجتمع لا بد من إصلاح الفرد بداية، فعندما تتحدَّث عن فساد الأخلاق في مجتمع، انظر إلى أخلاق الفرد في هذا المجتمع:
كيف تمت تربيته؟.
وما مدى وجود الدِّين في حياته؟.

وما هو الخط الذي رسم له في المجتمع من حوله كخط أحمر بين حُسن الخُلق وسوء الخلق؟.

تفحَّص التعليم الذي تلقَّاه، ألقِ نظرةً على الإعلام الذي يتفاعل معه معظم وقته، ستجد الفرد في مجتمعاتنا بعيدًا عن تعاليم دينه، محاطًا بسياج من الفوضى في التعليم، ودمار في الإعلام، وهلامية لا يكاد يعرف معها كيف يكون فردًا صالحًا مصلحًا في مجتمعه.
فعند رغبتِنا في الإصلاح لا بد من ربطِ الفرد بتعاليم دينِه الحنيف الذي يحضُّه على كل خيرٍ، وينهاه عن كل شر، ولا بد من تعليمه جديًّا بشكل يؤهِّله أن يكون فردًا صالحًا مُصلحًا في مجتمعه، وذلك بعد توفير حياة محترمة كريمة كحق أصيل له.

الاعتراف بالخطأ وتحديده أول الطريق نحو الإصلاح:
فأكثر ما يُفشِل أيَّ إصلاح هو اعتبار الخطأ المتعمد (الإفساد)، أو غير المتعمد (التهور) تجربةً لا تستحق حتى أن نقفَ عندها، أو نأخذ منها أي فائدة، واعتبارُ أن معاقبة المخطئ دربٌ من درب الخيال، واعتبار الاعتراف بالخطأ كبيرة من الكبائر، أو فضيحة من الفضائح، وهذا منافٍ لِمَا يفترض أن يكون عليه مريدو الإصلاح، فتحديد الخطأ والاعتراف به يدفعك للبحث عن أسبابه؛ لتأخذ بعد ذلك على كاهلِك بكل جدٍّ عدمَ تَكرار هذا الخطأ من جديد، والانطلاق نحو الإصلاح الحقيقي.

كسر العوائق:
فمن أكبر عوائق الإصلاح عائق الإفساد، فهناك في مجتمعاتنا أناسٌ تشرَّبوا الفساد، أو أقروه بتعاملهم مع الفساد والمفسدين بكثير من التبعية أو اللامبالاة، فهم لا يريدون أي إصلاح، بل يقفون أمام مريدي الإصلاح؛ لأنهم سيُحطِّمون بالإصلاح ممالك الفساد التي يريد لها أصحابُها أن تستمر، أو لأنهم سيفضحون بالإصلاح هؤلاء المقرِّين للفساد بالتبعية أو اللامبالاة، فعلى مريدي الإصلاح التعامل مع عائق الإفساد بشيء من الحزم والردع، مع الحرص على عدم السير في ركب أرباب هذا العائق بأي حال من الأحوال.

ومن أكبر عوائق الإصلاح أيضًا عائق التهور، فيلزم المصلحين مراعاتُهم الحكمةَ في الإصلاح، وتقديم الأَولى، وتأخير الأقل أولوية، مع التسليم بأن أهل الإصلاح دائمًا مبتلَوْن، ولهم في رسل الله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - وهم أعظم المصلحين - أسوةٌ حسنة.

التخطيط والمتابعة:
فيلزم أهلَ الإصلاح في طريقهم خططٌ ذكية تراعي الواقع وتلمسه، فالعشوائية لا تُجدِي أبدًا، ولا تأتي بإصلاح، لا سيما وأن أهل الإفساد على الدوام يعملون وَفْق خطةٍ وترتيب، وكأنهم في غرفةِ عمليات يُدِيرون من خلالِها الحرب مع الإصلاح والمصلحين، ثم متابعة هذه الخطط، وإضافة ما يقوِّيها وَفْق المستجدَّات والمعطيات التي تتاح في كل خطوة من خطوات تطبيق هذه الخطط.

ولا يلزم المصلحين أن ترى أعينُهم الإصلاح الكامل الذي يريدونه، بل عليهم السعي على الطريق القويم، وبذل كل ما في وسعهم؛ حتى تأتيَهم منيتُهم وهم على ذلك.

اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين، ولا تقبضنا إلا على حسن خاتمة وأنت راضٍ عنا .

المصدر: http://www.denana.com/main/articles.aspx?article_no=15416&pgtyp=66

 
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك