جدليَّة الإرهاب والثَّورة
لحسن أوزين
1 منطلقات استراتيجيّة
من الخدع الارهابية التي تنصبها القوى الارهابية في صراعها ضد كل ما هو حي ودينامي في هذه الحياة، بما في ذلك البعد الايكولوجي والانساني وما يطبع سيرورته من تغير وتحولات ثورية في المعرفة و العلم والتكنولوجية وفي الاقتصاد والتطور التاريخي للبنيات الاجتماعية، هومسخ وتمييع وتشويه وتعتيم المفاهيم بنوع من التركيب المعقد لكل هذه الوظائف بما يتجاوز البعد التقليدي للايديولوجي في التحكم في الوعي الى السيطرة على الادراك. بمعنى ان القوى الارهابية هي اكبر بكثير من الحدث المحدود رغم دمويته البشعة والكارثيةّ في حق الانسانية الذي يحدث على الارض هنا او هناك، خاصة في المنطقة العربية الاسلامية – في ليبيا، سوريا، العراق… – التي تحتضن فقط الادوات والوقود للممارسات السياسية الارهابية. لذلك نرى أن ضرورة تحليل ونقد ومحاربة الارهاب تأتي من فهمه اولا أي معرفة القوى التي تمارسه والذي هو جزء موضوعي من طبيعة وجودها السياسي وأن مدته وحدته وشدتهومدى انتشاره مرتبط بظروف وشروط كل مرحلة تاريخية وما تحمل في سيرورتها من تحولات وازمات وتناقضات وأشكال مختلفة من الصراعات. اننا نحاول التفكير فيما هو ابعد من الخلفيات التاريخية والمرجعيات الدينية و النصوص والعتبات المقدسة التي تقف بشكل او باخر وراء الممارسات الارهابية في مظهرها الطائفي الديني والاثني والمذهبي… للنظر الى الارهاب كشكل سياسي راهن في الممارسة السياسية للقوى الارهابية المحلية والاقليمية وفق سيطرة وهيمنة عالمية، وهكذا يكون الارهاب هو الوجه الاخر للفاشية. بمعنى ان القوى العظمى الامبريالية في ازماتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية تخوض صراعا فاشيا في بلدانها وارهابيا في بلداننا بالتحالف بالطبع مع قوى ارهابية محلية تستفيد من جدلية هذا الصراع بين قوى الثورة وقوى الارهاب. اذا كان الصراع السياسي في المجتمعات الغربية في حركته الانتباذية فاشيا كشكل سياسي لاعادة انتاج السيطرة و الهيمنة حيث لاتخلو اية دولة من دوله من اكتساح اليمين واليمين المتطرف للفضاء المجتمعي والمجال العام السياسي واحيانا في صورته النازية الصريحة، فان الصراع السياسي في مجتمعاتنا في حركته الانتباذية ارهابي كشكل سياسي لاعادة انتاج السيطرة والهيمنة، لهذا يمكن القول ان الارهاب والفاشية عبارة عن الوجه والقفا متكاملان بالنظر للخدمات المتكاملة و للاعتماد المتبادل وللاهداف المراد تحقيقها، انهما اليوم عبارة عن ممارسة سياسية للقوى الارهابية الفاشية. وهذا ما يتطلب منا الكثير من الجهد لفهم ما تقف وراءه معاهد و مراكز البحث العلمي الامريكي والاوربي والروسي في نوع من التحالف بين النيوليبرالية في سياستها الاقتصادية والمالية والاعلامية، والمخابرات، والديبلوماسية الرسمية في شخص وزارات الخارجية لصنع القرار والممارسات السياسية في تدبير الازمات وحل التناقضات وفي خوض الصراعات المجتمعية بالمزيد من الهجوم الوحشي للنيوليبرالية على مكتسبات وطموحات وتطلعات شعوبها وشعوب سائر بلدان العالم.
نخلص من هذا الى ان حركة الصراع بالنسبة لشعوبنا” الربيع العربي ” وللشعوب الغربية الامريكية والاوربية والروسية ” احتلو وولستريت، اسبانيا، برتغال، اليونان،المانيا…” في جدليتها هذه بين الارهاب الفاشي والثورة ليست سهلة، خاصة ونحن نرى القوى الديمقراطية واليسارية والمدنية عموما في الغرب وعندنا تعاني من الكثير من الانهيارات واشكال من التشردم و التجزيء الايديولوجي السياسي، اما في البلدان العربية فالقوى الثورية مشتتة وفاقدة لاية استراتيجية سياسية ارشادية مما يجعلها تنزاح عن الصراع السياسي الحقيقي لتنشغل كليا بأحد أقنعة الصراع الايديولوجي الارهابي المتمثل في الاسلام السياسي هكذا تتشوه جدلية الصراع في نوع من معركة وهمية بين الذات في هويتها واصولها وتراثها ودينها وبين منطق العصر في صيرورته الزمانية والمكانية. وبالتالي حرفت القوى الارهابية الفاشية الصراع لتجعله صراعا بين احد تجلياتها الايديولوجية أي قوى الاسلام السياسي وبين عموم الشعب بما فيه الحركات الشبابية وقوى التغيير. للاسف تورطت الكثير من الاقلام المستقلة، على الصفحات الورقية والمواقع الالكترونية، والاحزاب اليسارية، وحتى اليمينية والدينية المحافظة – بالكثير من النفاق السياسي – بما في ذلك بعض السلفيين وحركة النهضة في الصراع ضد احد اقنعة القوى الارهابية الفاشية المتمثل في الفكر الديني في عنفه الرمزي والحربي فسقط الجميع في فخ الممارسة السياسية لقوى الارهاب كتواطؤ ذاتي والية داخلية ذاتية لتدمير أوطانها وشعوبها. بمعنى ان القبول بمنطق الممارسة السياسية للقوى الغربية وحلفائها الاقليميين والمحليين يعني التدمير الذاتي ليس فقط لقوى النهوض الثوري بل لكل ما يشكل الكيان الوطني، وبالنهاية القضاء على كل اشكال الحراك الاجتماعي والسياسي وصولا الى اجتياف نفسي يرسخ العداء للتغيير والتكفير بالثورة.
لكن لحسن الحظ وليس بتفاؤل مجاني من طرفنا بل بسبب منطق حركة تطور السيرورة التاريخية للمجتمعات الغربية والعربية في وحدة التاريخ العالمي للراسمالية بكل تناقضاتها وازماتها المختلفةعلى مستوى البنيات الاجتماعية في شموليتها لن تنجح الحسابات الذاتية الارادية لقوى الارهاب الفاشي، الاستبدادي المحلي، والامبريالي العالمي لان منطق التاريخ لايقبل بهذا الشكل الارادي في عالم غير متكافئ يزيد من حدة التناقضات والازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسيةالشيء الذي يتطلب من قوى التغيير الوعي بحقيقة الصراع هذه، مع الايمان العميق بقدرة الممارسة الاجتماعية السياسية كأفق للتغييرالمجتمعي على حسم الصراع مع أبرز اقنعة القوى الارهابية الفاشية سواء كان الاسلام السياسي عندنا أواليمين المتطرف عندهم. التحولات المجتمعية هي الكفيلة باسقاط هذه الاقنعة وتجاوز الثنائيات النمطية الاسلام الغرب او الدين السياسة او الدين العلمانية…
التحولات المجتمعية هي الكفيلة بإسقاط أقنعة التجوهر الديني والهوياتي والمذهبي والطائفي…
2 من لا إستثناء من الثورة إلى لا إستثناء من الإرهاب
سيرورة جدلية الارهاب والثورة هذه قادرة على توضيح حقيقة الصراع الاجتماعي السياسي، فكلما كانت حركة الصراع انجذابية في ضرورتها السياسية كممارسة اجتماعية سياسية تتطلع نحو الوجود السياسي الشعبي المستقل في خوض الصراع كلما رفعت شعارها الواثق: لا استثناء لاي نظام استبدادي قهري من الثورة. هكذا تنتصر جدلية القوى الثورية على قوى الارهاب الفاشي بمختلف اقنعتها. وقد رأينا كيف كان للربيع العربي من تونس صدى وتفاعلات على مستوى العالم بخروج الكثير من الحركات الاجتماعية للتعبير عن رفض الواقع المؤلم الذي فرضته السياسات النيوليبرالية على كافة الاصعدة.
لكن القوى المضادة لكل هذه الاحتجاجات والانتفاضات لم تقف مكتوفة الايدي بل استندت الى ترسخها على الارض سياسيا واقتصاديا وماليا واعلاميا لتغير من ميزان القوى حتى يتسنى لها قلب جدلية التناقض لصالحها من خلال هيمنتها على مؤسسات المجتمع الدولي بالاضافة الى سيطرتها وتحكمها في المؤسسات الاقتصادية والمالية والاعلامية بما يخدم سياساتها وتوجهاتها الاستراتيجية في تحديد مصائر الشعوب. لذلك كانت تفرض بالعنف السياسي والعسكري اختياراتها الجيوسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يتناقض كليا مع اغلب الفئات الاجتماعية في البلدان المتخلفة والمتقدمة. ولهذا اختارت في ممارستها السياسية لمواجهة اشكال الفعل السياسي والاجتماعي التي تنتجها ازمات الرأسمالية المتتالية والتي تزداد شدة وحدة وعمقا على كافة المستويات المجتمعية، الشكل السياسي الارهابي في مجتمعاتنا والشكل السياسي الفاشي المتطرف في المجتمعات الغربية، ولعل المشهد السياسي الاوربي والامريكي والروسي خير شاهد على ما نقول حيث حوصرت القوى المدنية واليسارية الديمقراطية عبر العالم ، وانتعشت الحركات الارهابية الدينية والطائفية والعرقية كما توسعت الحركات العنصرية الفاشية ذات التوجهات والممارسات الشوفينية. هكذا تم الهجوم على الحركات الاجتماعية وتشتيت جهودها في الاحتجاج والتنظيم بفرض واقع يشجع على التجزيء السياسي مع نشر ثقافة اللاأمن والخوف من المستقبل المجهول باعتماد الارهاب والفاشية شكلا سياسيا لمعاودة انتاج السيطرة والهيمنة، و لردع الحلم بالتغيير والاحتجاج والثورة ضد الاستبداد وهمجية النيوليبرالية. بناء على هذا ترفع هذه الاخيرة شعار لا استثناء من الارهاب والفاشية ضد أي شعب يعبر عن سخطه ضد الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية وكل الازمات الرأسمالية.
في ظل الواقع الذي تهيمن فيه السياسات النيوليبرالية لا يمكن القول ان هناك بلدا مستثنى من الارهاب والفاشية إلا اذا قبل بالامر الواقع القهري واستسلم له كقدر مكتوب واكتوى بنار الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والسياسية، في نوع من مقايضة الحرية والكرامة والعدالة بحاجات الامن والآمان. لكن للتاريخ منطقه فالممارسة الاجتماعية سياسية تغييرية ثورية مهما بدا شكلها العفوي والتلقائي او المنظم، وهذا ما يجعل تفاؤلنا واقعيا بانتصار قوى الثورة مهما كانت كلفة التغيير باهظة وثقيلة، خاصة وان النيوليبرالية تعيش تناقضا داخليا بين التفكير الاستراتيجي في مصالحها الاقتصادية والتفكير الآني في ممارستها السياسية مما يجعلها افق سيطرتها وهيمنتها محدودا حسب السيرورة التاريخية لجدلية الارهاب الفاشي والثورة.
المصدر: http://alawan.org/2016/06/30/%D8%AC%D8%AF%D9%84%D9%8A%D9%91%D9%8E%D8%A9-...