الكتــاب الأبيــض حـول حـوار الثقافـات ‮''‬من أجل العيش معاً ‮ ‬متساوين في‮ ‬الكرامة‮''‬

الكتــاب الأبيــض حـول حـوار الثقافـات ‮''‬من أجل العيش معاً ‮ ‬متساوين في‮ ‬الكرامة‮''‬

تقديم للكتاب الأبيض حول حوار الثقافات السيد تيري‮ ‬ديفيس الأمين العام لمجلس أوروبا
يعتبر الكتاب الأبيض حول حوار الثقافات ثمرة عمل مضن وعزيمة قوية وحوار متواصل ومشاورات طويلة بين الدول الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني‮ ‬والجماعات الدينية والمهاجرين والسلطات المحلية والإقليمية وغيرها‮.‬ لقد صار الحوار بين الثقافات ضرورة ملحة في‮ ‬وقتنا الراهن‮. ‬ففي‮ ‬عالم تتضاءل فيه فرص الأمن والاستقرار وتتعاظم فيه مظاهر التنوع،‮ ‬أصبحنا مطالبين بتجاوز الاختلافات العرقية والدينية واللغوية والوطنية لضمان التماسك الاجتماعي‮ ‬وتفادي‮ ‬النزاعات‮.

‬إن الرسالة الرئيسة التي‮ ‬يحملها الكتاب الأبيض هي‮ ‬أن حوار الثقافات أمر مستحيل بدون الرجوع إلى القيم الإنسانية المشتركة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون‮.‬

إن الترحيب الواسع الذي‮ ‬لقيه الكتاب الأبيض‮ ‬يحتم علينا تفعيل وتتبع الخلاصات والتوصيات الواردة فيه ومتابعتها من خلال إرساء حوار مع جميع المعنيين بالأمر‮. ‬إن الحوار بين الثقافات‮ ''‬عملية جارية ومستمرة‮'' ‬وهو مرحلة جديدة على درب إرساء نموذج اجتماعي‮ ‬وثقافي‮ ‬جديد‮ ‬يواكب التحولات المتسارعة التي‮ ‬تشهدها القارة الأوروبية ويساير التغيرات المتلاحقة التي‮ ‬يعرفها عالمنا اليوم‮.‬‭

الحوار ــ‭ ‬عنصر جوهري‮ ‬لمستقبل أوروبا
بعدما ترسخ التنوع الثقافي‮ ‬في‮ ‬تاريخ قارتنا الأوروبية وتنامى حجمه مع العولمة،‮ ‬أصبح التدبير الديمقراطي‮ ‬لهذا التنوع من الأولويات في‮ ‬السنوات الأخيرة‭. ‬فكيف‮ ‬يتعين التعامل مع هذا التنوع ؟ وما هي‮ ‬رؤيتنا لمجتمع الغد؟ هل‮ ‬يتعلق الأمر بمجتمع‮ ‬يعيش فيه الأفراد داخل مجموعات منفصلة،‮ ‬يطبعها في‮ ‬أحسن تقدير تعايش الأغلبيات والأقليات المختلفة من حيث الحقوق والواجبات وتربط بينها أواصر‮ ‬غير محكمة تتميز بجهل الواحدة للأخرى وبالأفكار النمطية المتبادلة ؟‮ ‬أم على عكس ذلك سنشكل مجتمعاً‮ ‬ديناميكياً‮ ‬منفتحاً‮ ‬خال من كل تمييز،‮ ‬ننتفع به جميعا ويتميز بإدماج السكان كافة في‮ ‬إطار الاحترام التام لحقوقهم الأساسية ؟ ويعتقد مجلس أوروبا أن احترام التنوع الثقافي‮ ‬و تعزيزه على أساس القيم التي‮ ‬ترتكز عليها المنظمة‮ ‬يعتبران شرطين جوهريين لتطوير مجتمعات أساسها التضامن‭.‬

يؤكد‮ ''‬الكتاب الأبيض حول حوار الثقافات‮'' ‬المقدم هنا،‮ ‬باسم حكومات الدول السبعة والأربعين الأعضاء في‮ ‬مجلس أوروبا،‮ ‬أن مستقبلنا المشترك مرتبط بقدرتنا على حماية حقوق الإنسان وتطويرها،‮ ‬كما وردت في‮ ‬الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان،‮ ‬والديمقراطية وسيادة القانون فضلاً‮ ‬عن تعزيز الارتقاء بالتفاهم المتبادل‭. ‬ويبرهن الكتاب الأبيض على أن المقاربة التي‮ ‬تستند على تعدد الثقافات توفر نموذجاً‮ ‬استشرافياً‮ ‬لتدبير التنوع الثقافي‭. ‬ويقترح الكتاب الأبيض تصوراً‮ ‬يرتكز على الكرامة الإنسانية لكل فرد‮ )‬يشمل الإنسانية المشتركة والمصير المشترك‮(.‬‭ ‬وإذا أريد لهوية أوروبية أن تتحقق،‮ ‬فيتعين أن تنبني‮ ‬على قيم أساسية مشتركة واحترام الإرث المشترك والتنوع الثقافي‮ ‬فضلاً‮ ‬عن احترام كرامة كل فرد‭. ‬

ويضطلع حوار الثقافات بدور مهم في‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬حيث‮ ‬يمكننا من تفادي‮ ‬الانقسامات الإثنية والدينية واللغوية والثقافية من جهة،‭ ‬ويسمح لنا من جهة أخرى بالتقدم سوياً‮ ‬قصد التعامل مع هوياتنا المختلفة بشكل بناء وديمقراطي،‮ ‬على أساس قيم كونية مشتركة‭.‬

ولا‮ ‬يمكن لحوار الثقافات أن‮ ‬يتطور إلا إذا توفرت بعض الشروط المسبقة‭. ‬ويرى الكتاب الأبيض أن تطوير حوار الثقافات‮ ‬يستدعي‮ ‬تكييف الحكامة الديمقراطية للتنوع الثقافي‮ ‬من عدة جوانب،‮ ‬وتعزيز المواطنة الديمقراطية والمشاركة،‮ ‬وتدريس وتعلم كفاءات التفاعل بين الثقافات بالإضافة إلى خلق فضاءات مخصصة لحوار الثقافات وتوسيع نطاقها،‮ ‬كما‮ ‬يجب إضفاء بعد دولي‮ ‬على حوار الثقافات‭.

‬يرتكز الكتاب الأبيض على الأسس القوية لتشريعات مجلس أوروبا ويأخذ بعين الاعتبار جل المعلومات التي‮ ‬تم تجميعها خلال استشارة العديد من الأطراف المتدخلة،‮ ‬بما فيها الشركاء‮ ‬غير الأوروبيين،‮ ‬في‮ ‬تشرين الأول‮ / ‬أكتوبر‮ ‬‭.‬2007‮ ‬فهو‮ ‬يعتبر إذن،‮ ‬من نواح متعددة،‮ ‬نتاجاً‮ ‬للحوار الديمقراطي‮ ‬الذي‮ ‬يدخل في‮ ‬صميم حوار الثقافات نفسه‭.‬

ويستجيب الكتاب الأبيض للحاجة المتزايدة لتوضيح كيف‮ ‬يمكن لحوار ‬الثقافات المساهمة في‮ ‬إبراز قيمة التنوع مع المحافظة على التماسك الاجتماعي‭. ‬ويسعى الكتاب إلى توفير إطار نظري‮ ‬ودليل‮ ‬يستعين به أصحاب القرار السياسي‮ ‬والخبراء‭. ‬إلا أنه لا‮ ‬يمكن لحوار الثقافات أن‮ ‬يفرض بحكم القانون،‮ ‬بل‮ ‬يجب أن‮ ‬يظل دعوة مفتوحة لتطبيق المبادئ الأساسية المنصوص عليها في‮ ‬هذه الوثيقة وتنفيذ مختلف توصياتها بمرونة فضلاً‮ ‬عن المشاركة في‮ ‬النقاش الدائر حول التنظيم المستقبلي‮ ‬للمجتمع‭.‬

إن مجلس أوروبا مقتنع تمام الاقتناع أن مسؤوليتنا المشتركة تتمثل في‮ ‬بناء مجتمع بوسعنا أن نعيش فيه معاً‮ ‬متساوين في‮ ‬الكرامة‮.‬‭

‬مقدمة
1‮. ‬1‮. ‬مجلس أوروبا وحوار الثقافات

يساهم النهوض بحوار الثقافات في‮ ‬تنفيذ المهمة الأساسية لمجلس أوروبا ألا وهي‮ ‬حماية حقوق الإنسان والارتقاء بها وتكريس الديمقراطية وسيادة القانون‮. ‬حيث إن القمة الأولى لرؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء،‮ ‬المنعقدة سنة‮ ‬1993،‮ ‬والتي‮ ‬أكدت أن التنوع الثقافي‮ ‬خاصية من خاصيات الإرث الأوروبي‮ ‬الغني‮ ‬وأن التسامح‮ ‬يضمن بناء مجتمع منفتح،‮ ‬أفضت إلى إعداد الاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية وخلق اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب وإعطاء الانطلاقة للحملة الأوروبية للشباب ضد العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الأجانب والتعصب تحت شعار‮ ''‬كلنا مختلفون وكلنا متساوون‮''.‬

وعرّفت القمة الثالثة لرؤساء الدول والحكومات،‮ )‬2005‮(‬،‮ ‬حوار الثقافات‮ )‬بما في‮ ‬ذلك بعده الديني‮(‬‭ ‬بوصفه وسيلة للنهوض بالوعي‮ ‬والتفاهم والتصالح والتسامح ومنع وقوع النزاعات بالإضافة إلى ضمان اندماج المجتمع وانسجامه‮. ‬وقد تم عرض هذا الموقف مفصلاً‮ ‬في‮ ''‬إعلان فارو لاستراتيجية مجلس أوروبا بشأن تطوير حوار الثقافات‮''‬،‮ ‬الذي‮ ‬اعتمده وزراء الثقافة في‮ ‬وقت لاحق من نفس السنة،‮ ‬والذي‮ ‬اقترح إعداد كتاب أبيض حول حوار الثقافات‮.‬

1‮. ‬2‮. ‬عملية إعداد الكتاب الأبيض

أوضحت لجنة الوزراء،‮ ‬خلال اجتماع عقد شهر أيار‮ / ‬مايو‮ ‬2006،‮ ‬أن الكتاب الأبيض حول حوار الثقافات من شأنه أن‮ ‬يحدد الوسائل الكفيلة بتشجيع الحوار بين الثقافات بشكل مكثف داخل المجتمعات الأوروبية و فيما بينها،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن الحوار بين أوروبا وجيرانها‮. ‬كما‮ ‬يجب أن‮ ‬يقدم التوجيه حول أدوات التحليل والمنهجية،‮ ‬وحول المعايير الواجب تطبيقها‮. ‬ويتوجه الكتاب الأبيض إلى المسؤولين السياسيين والإداريين،‮ ‬والقيمين على التربية ووسائل الإعلام،‮ ‬إضافة إلى منظمات المجتمع المدني،‮ ‬لاسيما الجماعات الدينية والمهاجرين،‮ ‬ومنظمات الشباب والشركاء الاجتماعيين‮.‬

وانطلقت عملية الاستشارة على نطاق واسع حول حوار الثقافات ما بين شهري‮ ‬كانون الثاني‮ / ‬يناير وشباط‮ / ‬فبراير‮ ‬2007‮ ‬وفق قرار أصدرته لجنة الوزراء‮. ‬وقد شملت هذه العملية،‮ ‬ضمن أمور أخرى،‮ ‬جميع اللجان التوجيهية المعنية،‮ ‬وأعضاء الجمعية البرلمانية ومجلس السلطات المحلية والإقليمية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن هيئات أخرى تابعة لمجلس أوروبا،‮ ‬ومن بينها اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب،‮ ‬واللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية،‮ ‬وفرقة العمل رفيعة المستوى المعنية بالتماسك الاجتماعي‮ ‬ومفوض حقوق الإنسان‮. ‬وتم إرسال استمارات لكل الدول الأعضاء وأعضاء الجمعية البرلمانية ومجلس السلطات المحلية والإقليمية وممثلي‮ ‬الجماعات الدينية ومجموعات المهاجرين والمنظمات‮ ‬غير الحكومية والثقافية وغيرها‮. ‬وعلاوة على ذلك،‮ ‬نظمت أمانة مجلس أوروبا‮ )‬أو شاركت في‮ ‬تنظيم‮(‬‭ ‬عدداً‮ ‬من التظاهرات مع منظمات‮ ‬غير حكومية للمهاجرين والنساء والشباب والصحفيين ومنظمات تنشط في‮ ‬مجال الإعلام فضلاً‮ ‬عن منظمات دولية‮. ‬وتم تسليم نسخ‮ ‬أولية للكتاب الأبيض للدراسة المدققة من قبل جهات متدخلة تم اختيارها خلال‮ ''‬اجتماعات استقاء الآراء‮''(‬1‮).‬‭ ‬وتم تقديم هذه النسخة خلال الندوة الإقليمية‮ ‬غير الرسمية للوزراء المكلفين بالشؤون الثقافية‮(‬2‮).‬

أبانت هذه العملية عن اهتمام كبير‮. ‬وفي‮ ‬نفس السياق،‮ ‬توجه مجلس أوروبا بالشكر لكل الأشخاص والمؤسسات التي‮ ‬ساهمت بسخاء في‮ ‬هذا النقاش‮. ‬وأظهرت الاستشارة أنه بالنظر إلى أسسه المعيارية وتجربته الغنية،‮ ‬يتمتع مجلس أوروبا بموقع جيد للقيام بهذه المبادرة في‮ ‬الوقت الملائم‮. ‬كما مكنت هذه الاستشارة من الحصول على كم هائل من الاقتراحات حول مضمون الكتاب الأبيض في‮ ‬حد ذاته‮.‬

يرتكز محتوى الصفحات التالية على الأسس القوية التي‮ ‬تمثلها تشريعات مجلس أوروبا،‮ ‬لاسيما الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ومعايير أخرى أساسية‮.‬‭ ‬ويأخذ بعين الاعتبار المعلومات العديدة التي‮ ‬تم استقاؤها خلال الاستشارة‮. ‬ومن هذا المنظور،‮ ‬يعد هذا الكتاب نتاجاً‮ ‬لنقاش ديمقراطي‮ ‬يدخل في‮ ‬صلب حوار الثقافات في‮ ‬حد ذاته‮. ‬ولضمان التحرير الجيد لم‮ ‬يتم نسب الأفكار التي‮ ‬وردت في‮ ‬هذا الكتاب الأبيض إلى أي‮ ‬من الجهات المشاركة التي‮ ‬تمت استشارتها،‮ ‬وذلك لأن العديد من هذه الأفكار سبق طرحها من قبل عدة منظمات أخرى‮.‬

يمكن الاطلاع على الوثائق التي‮ ‬تم الاعتماد عليها في‮ ‬عملية إعداد الكتاب الأبيض على الموقع الإلكتروني‮ ‬لمجلس أوروبا وفي‮ ‬المنشورات المرافقة،‮ ‬وخاصة تحليلات إجابات الدول الأعضاء والمنظمات‮ ‬غير الحكومية والجماعات الدينية عن الاستمارة حول حوار الثقافات وبمراجعة‮ ‬الدراسات التي‮ ‬أجريت حول حوار الثقافات والمخصصة لقضايا معينة‮ )‬التربية والإعلام‮(‬‭ ‬أو لفاعلين محددين‮ )‬الشباب والمهاجرين‮(.‬‭ ‬وتوجد بعض الوثائق الإضافية في‮ ‬نسخة مطبوعة وعلى الموقع الإلكتروني‮ ‬منها طائفة من‮ ''‬الأسئلة المتكررة‮'' ‬وبعض مقالات الصحف‮.‬‭ ‬‮ ‬

1‮. ‬3‮. ‬الانشغالات الكبرى

خلال عملية الاستشارة،‮ ‬غالباً‮ ‬ما كانت تتكرر فكرة مفادها أن المقاربات التقليدية لتدبير التنوع الثقافي‮ ‬لم تعد ملائمة للمجتمعات التي‮ ‬تشهد درجة من التنوع‮ ‬غير مسبوقة وتنمية متواصلة‮. ‬وكشفت الإجابات عن الاستمارات الموجهة للدول الأعضاء على الخصوص أن المقاربة المتبعة إلى عهد قريب في‮ ‬العمل العمومي‮ ‬في‮ ‬هذا المجال ــ والتي‮ ‬تتلخص في‮ ‬كلمة‮ ''‬التعددية الثقافية‮'' ‬ــ لم تكن ملائمة‮. ‬ومن جهة أخرى،‮ ‬لم تكن هناك رغبة للعودة إلى الفترة التي‮ ‬كان‮ ‬يتم التركيز فيها على الإدماج‮. ‬وكان بناء مجتمعات تشمل الجميع‮ ‬يستدعي‮ ‬مقاربة جديدة،‮ ‬فكان الطريق الذي‮ ‬يتعين اتباعه هو حوار الثقافات‮.‬

ومع ذلك،‮ ‬ظل معنى عبارة‮ ''‬حوار الثقافات‮'' ‬غير واضح إلى حد ما‮. ‬ولهذا السبب،‮ ‬دعت وثيقة الاستشارة الجهات المعنية إلى تقديم تعريف،‮ ‬غير أن تلك الجهات ترددت في‮ ‬القيام بذلك لأن حوار الثقافات ليس معياراً‮ ‬جديداً‮ ‬ثابتاً،‮ ‬سهل التعريف ويمكن تطبيقه في‮ ‬كل المواقف الحقيقية دون تدخل أطراف أخرى‮. ‬وكشف هذا التحفظ عن التباس حقيقي‮ ‬بخصوص المعنى المتداول لحوار الثقافات‮.‬‭ ‬

إلا أن الجهات التي‮ ‬أجابت عن الاستمارات وتلك التي‮ ‬شاركت في‮ ‬الاستشارة تتفق على أن المبادئ الكونية،‮ ‬كتلك التي‮ ‬يدعو إليها مجلس أوروبا،‮ ‬تشكل مرجعية معنوية‮. ‬وتوفر هذه المبادئ الإطار الضروري‮ ‬لإرساء ثقافة التسامح وتبين حدودها بشكل واضح،‮ ‬خاصة فيما‮ ‬يتعلق بكل أشكال التمييز وعدم التسامح‮. ‬ولا‮ ‬يجوز للتقاليد الثقافية،‮ ‬سواء كانت تشكل‮ ''‬الأغلبية‮'' ‬أو‮ ''‬الأقلية‮''‬،‮ ‬أن تعلو على المبادئ والقيم،‮ ‬كما وردت في‮ ‬الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وفي‮ ‬صكوك مجلس أوروبا الأخرى المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية‮.‬

وأشارت الجهات التي‮ ‬تمت استشارتها،‮ ‬على الخصوص،‮ ‬بأن المساواة بين الجنسين تشكل شرطاً‮ ‬لا‮ ‬يقبل التفاوض للحوار بين الثقافات الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬يأخذ بعين الاعتبار تجارب النساء والرجال على حد سواء‮. ‬لقد تمت إثارة مسألة المساواة مرات عديدة‮. ‬وهكذا شددت حكومات ومنظمات‮ ‬غير حكومية جمعيات المهاجرين باستمرار على انشغال مفاده أنه لا‮ ‬يمكن رفع تحدي‮ ‬العيش سوياً‮ ‬داخل مجتمع متنوع بدون‮ ‬مساواة في‮ ‬الكرامة‮.‬

وتبين أنه لا‮ ‬يجب استثناء أية جهة من مهمة الانخراط في‮ ‬حوار الثقافات،‮ ‬سواء تعلق الأمر بالأحياء أو بأماكن العمل أو بالنظام التربوي‮ ‬أو المؤسسات التابعة له أو المجتمع المدني‮ ‬وعلى الخصوص قطاع الشباب،‮ ‬أو وسائل الإعلام أو عالم الفن والسياسة‮. ‬فكل الفاعلين ــ منظمات‮ ‬غير حكومية،‮ ‬وجماعات دينية،‮ ‬وشركاء اجتماعيين وأحزاب سياسية ــ‭ ‬معنيون على‮ ‬غرار الأفراد‮. ‬وكل مستوى في‮ ‬الحكامة،‮ ‬محلي‮ ‬أو إقليمي‮ ‬أو وطني‮ ‬أو دولي،‮ ‬معني‮ ‬بالتدبير الديمقراطي‮ ‬للتنوع الثقافي‮.‬

وأخيراً،‮ ‬أظهرت الاستشارة بشكل ملموس الكم الهائل للممارسات الجيدة التي‮ ‬تم اكتسابها‮. ‬ويتعين علينا حالياً‮ ‬تلخيصها ونشرها بهدف تجاوز التحفظات ونسخ التجارب الإيجابية‮. ‬وإذا كان هناك درس‮ ‬يجب استخلاصه من هذه الاستشارة،‮ ‬فهو الأهمية التي‮ ‬تكتسيها ضرورة إرساء حوار الثقافات وذلك لعدة سنوات قادمة‮.‬

1‮. ‬4‮. ‬المصطلحات الأساسية

يقدم الكتاب الأبيض حول حوار الثقافات،‮ ‬والذي‮ ‬يعتمد بشكل عام المصطلحات التي‮ ‬أعدها مجلس أوروبا ومؤسسات دولية أخرى،‮ ‬بعض المفاهيم التي‮ ‬ينبغي‮ ‬تعريفها‮.‬‭ ‬ففي‮ ‬الكتاب الأبيض‮ :‬

* ‬يفيد‮ ''‬حوار الثقافات‮'' ‬تبادل لوجهات النظر مبني‮ ‬على الانفتاح والاحترام والتفاهم المتبادل ما بين الأفراد والجماعات ذات الخلفيات العرقية والثقافية والدينية واللغوية المختلفة‮ )‬انظر الجزء‮ ‬3‮(. ‬ويمارس في‮ ‬كل المستويات ــ داخل المجتمعات الأوروبية وفيما بينها وما بين أوروبا وبقية دول العالم‮.‬

* ‬تحيل‮ ''‬التعددية الثقافية‮'' )‬على‮ ‬غرار‮ ''‬سياسة الإدماج‮''(‬‭ ‬على مقاربة سياسية معينة‮ )‬انظر الجزء‮ ‬3‮( ‬في‮ ‬حين تشير كل من عبارتي‮ ''‬التنوع الثقافي‮'' ‬و‮''‬تعدد الثقافات‮'' ‬إلى تواجد ثقافات مختلفة على أرض الواقع إمكانية تفاعلها في‮ ‬فضاء محدد وداخل تنظيم مجتمعي‮ ‬معين‮.‬

* ‬يقصد بـ‮ ''‬التماسك الاجتماعي‮''‬،‮ ‬وفق تصور مجلس أوروبا،‮ ‬قدرة مجتمع ما على ضمان الرخاء لكل أفراده وذلك بتقليص الفوارق قدر الإمكان وبتفادي‮ ‬تشكل الأقطاب‮. ‬فالمجتمع المنسجم جماعة متضامنة مكونة من أفراد أحرار‮ ‬يسعون إلى تحقيق أهداف مشتركة عبر وسائل ديمقراطية‮.‬

* ‬تحيل عبارة‮ ''‬الأطراف المشاركة‮'' ‬على كل الأفراد أو المجموعات سواء كانت تمثل الأغلبية أو الأقلية والمعنية بحوار الثقافات والتي‮ ‬تقوم بدور مهم في‮ ‬هذا الإطار‮. ‬ويتعلق الأمر على الخصوص بمسؤولي‮ ‬السلطات المحلية والبرلمانات على كل المستويات والجماعات المحلية والجهوية ومنظمات المجتمع المدني‮ ‬وجاليات المهاجرين والجماعات الدينية والمنظمات الثقافية والإعلامية والصحفيين والشركاء الاجتماعيين‮.‬

* ‬يقصد بـ‮ ''‬السلطات العمومية‮'' ‬حكومة البلد والأجهزة السياسية والإدارات على المستوى المحلي‮ ‬والإقليمي‮ ‬والمركزي‮. ‬وتحيل هذه العبارة كذلك على المجالس البلدية والجماعات المحلية والأشخاص الذاتيين والمعنويين حسب القانون الخاص والذين‮ ‬يزاولون مهاماً‮ ‬عمومية أو‮ ‬يمارسون سلطة إدارية‮.‬

* ‬تفيد عبارة‮ ''‬الاندماج‮'' )‬الإدماج الاجتماعي‮(‬‭ ‬عملية ذات اتجاهين وقدرة الأشخاص على العيش سوياً‮ ‬في‮ ‬إطار الاحترام التام للكرامة الفردية والصالح العام والتعددية والتنوع وغياب العنف والتضامن،‮ ‬كما تحيل أيضاً‮ ‬على قدرتهم على المساهمة في‮ ‬الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية‮.‬‭ ‬وتشمل هذه الكلمة كل مظاهر التنمية الاجتماعية وجل السياسات‮. ‬ويستدعي‮ ‬الاندماج حماية الضعفاء وضمان تمتعهم بحق الاختلاف والابتكار والتجديد‮(3‮). ‬لذلك،‮ ‬يعد من الضروري‮ ‬تبني‮ ‬سياسات إدماجية ناجعة لتمكين المهاجرين من المساهمة مساهمة كاملة في‮ ‬حياة البلد المضيف‮. ‬ويجب على المهاجرين،‮ ‬كأي‮ ‬شخص آخر،‮ ‬احترام القوانين والقيم الأساسية للمجتمعات الأوروبية وإرثها الثقافي‮. ‬ومن الضروري‮ ‬أن تغطي‮ ‬الاستراتيجيات الإدماجية كل ميادين المجتمع وتستوعب كل المظاهر الاجتماعية والسياسية والثقافية‮. ‬كما‮ ‬يجب أن تحترم هذه الاستراتيجيات كرامة المهاجرين وهويتهم المستقلة وأخذها بعين الاعتبار عند إعداد السياسات العامة‮.‬

* ‬تهدف‮ ''‬التدابير الإيجابية‮'' ‬بشأن إزالة الفوارق المرتبطة بالعرق أو الجنس أو بمميزات خاصة‮ ‬يحميها القانون إلى إرساء مساواة تامة وفعلية وإلى التمتع بحقوق الإنسان وممارستها في‮ ‬إطار المساواة‮.‬

لا‮ ‬يوجد تعريف قانوني‮ ‬معتمد على المستوى الدولي‮ ‬لمفهوم‮ ''‬الأقلية‮''. ‬وفي‮ ‬سياق الكتاب الأبيض،‮ ‬يفهم من العبارة أنها تحيل على أشخاص،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك المهاجرون،‮ ‬ينتمون إلى جماعات أقل عدداً‮ ‬من باقي‮ ‬الساكنة ويتميزون بهويتهم،‮ ‬وخاصة بعرقهم،‮ ‬أو ثقافتهم،‮ ‬أو دينهم أو لغتهم‮.‬

ـــــــــــــــ‬ ‮

(1)‮ ‬ ‬ستراسبورغ،‮ ‬ستوكهولم وموسكو‮ )‬أيلول‮ / ‬سبتمبر‮ / ‬تشرين الأول‮ / ‬أكتوبر‮ ‬2007‮(.‬

‮(2)‮ ‬بلغراد،‮ ‬8‮ ‬و9‮ ‬تشرين الثاني‮ / ‬نوفمبر‮ ‬‭.‬2007

(3)‮ ‬برنامج عمل اعتمده المؤتمر العالمي‮ ‬للتنمية الاجتماعية سنة‮ ‬‭.‬1995

‮. ‬فضاء‮ ‬يشمل التنوع الثقافي
2‮. ‬1‮. ‬التعددية والتسامح وحوار الثقافات

ليس التنوع الثقافي‮ ‬ظاهرة جديدة في‮ ‬نسيج أوروبا،‮ ‬إذ نجد فيه الآثار المختلفة للهجرات داخل القارة وإعادة رسم الحدود والاستعمار والإمبراطوريات المتعددة الجنسيات‮. ‬وبفضل مجتمعاتنا المبنية على مبادئ التعددية السياسية والتسامح،‮ ‬خلال القرون الماضية،‮ ‬تمكنا من العيش في‮ ‬إطار التنوع دون خلق أخطار‮ ‬غير مقبولة تهدد التماسك الاجتماعي‮.‬

وخلال العقود الماضية،‮ ‬تسارعت وتيرة التنوع الثقافي‮. ‬واستقطبت أوروبا مهاجرين وطالبي‮ ‬اللجوء من العالم بأسره‮ ‬يسعون إلى حياة أفضل‮. ‬ومع العولمة،‮ ‬تقلصت عوامل المكان والزمان إلى درجة‮ ‬غير مسبوقة‮. ‬وساهمت الثورات التي‮ ‬عرفتها مجالات الاتصالات والإعلام،‮ ‬لاسيما بعد ظهور خدمات جديدة للتواصل كالإنترنيت،‮ ‬في‮ ‬جعل الأنظمة الثقافية الوطنية أكثر شفافية‮. ‬وساهم كذلك تطور المواصلات والسياحة في‮ ‬الربط،‮ ‬وبشكل مباشر،‮ ‬بين عدد قياسي‮ ‬من الأشخاص،‮ ‬مضاعفاً‮ ‬بذلك إمكانيات حوار الثقافات‮.‬

وفي‮ ‬هذا السياق،‮ ‬اكتسب كل من التنوع والتسامح وروح الانفتاح أهمية‮ ‬غير مسبوقة‮(‬1‮). ‬وأقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن‮ ''‬التعددية ترتكز على الاعتراف والاحترام الفعليين لتنوع وديناميكية التقاليد الثقافية والهويات العرقية والثقافية والمعتقدات الدينية والأفكار والمفاهيم الفنية والأدبية والسوسيو ــ اقتصادية‮'' ‬وبأن‮ ''‬التفاعل المنسجم ما بين أفراد وجماعات ذات هويات مختلفة‮ ‬يعتبر ضرورياً‮ ‬للتماسك الاجتماعي‮''(‬2‮).‬

ولكن قد لا تكون التعددية والتسامح وروح الانفتاح كافية‮. ‬لذلك‮ ‬يجب اتخاذ تدابير سابقة التأثير،‮ ‬ومحكمة البناء ومشتركة على نطاق واسع قصد تدبير التنوع الثقافي‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬يعد حوار الثقافات وسيلة أساسية‮ ‬يصعب من دونها حماية حرية ورفاهية الأفراد الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬هذه القارة‮.‬

2‮. ‬2‮. ‬المساواة في‮ ‬الكرامة الإنسانية

لا‮ ‬يساهم التنوع في‮ ‬إنعاش الحياة الثقافية فحسب،‮ ‬بل‮ ‬يساهم كذلك في‮ ‬تحسين القدرات الاجتماعية والاقتصادية‮. ‬إذ‮ ‬يخلق التنوع والإبداع والتجديد حلقة مثمرة،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يمكن للفوارق أن تتقوى بشكل متبادل،‮ ‬مما‮ ‬يسبب نزاعات تهدد الكرامة الإنسانية والرعاية الاجتماعية‮. ‬فما هي‮ ‬الأواصر التي‮ ‬يمكنها أن تجمع ما بين سكان هذه القارة ؟

تعتبر القيم الديمقراطية التي‮ ‬يدعو إليها مجلس أوروبا كونية،‮ ‬فهي‮ ‬ليست في‮ ‬حد ذاتها أوروبية محضة‮. ‬غير أن أوروبا،‮ ‬ونظراً‮ ‬لما شهدته من فظاعات خلال القرن العشرين‮ ‬،‮ ‬اقتنعت وبشكل خاص بالقيمة المؤسسة للكرامة الإنسانية لكل فرد‮. ‬وهكذا وضعت الدول الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية نظاماً‮ ‬أكثر‮ ‬غنى لحماية حقوق الإنسان عبر الحدود الوطنية وفي‮ ‬متناول الجميع،‮ ‬وليس فقط مواطني‮ ‬البلدان‮. ‬ويقر هذا المتن لحقوق الإنسان بكرامة كل إنسان فضلاً‮ ‬عن الحقوق التي‮ ‬يتمتع بها الأفراد بصفتهم مواطني‮ ‬دولة معينة‮.‬

وتقر ترسانة حقوق الإنسان بإنسانياتنا المشتركة وبالفردية الخاصة لكل واحد‮.‬‭ ‬ومن شأن الاندماج داخل وحدة بدون تنوع أن‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى مجانسة قسرية وإلى فقدان الحيوية،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصبح الاعتراف المتبادل والإدماج الاجتماعي‮ ‬أمراً‮ ‬مستحيلاً‮ ‬إذا لم‮ ‬يتم إخضاع التنوع إلى إطار شامل‮ ‬يتمثل في‮ ‬مبدأي‮ ‬الإنسانية المشتركة والتضامن‮. ‬فإذا أردنا بناء هوية مشتركة،‮ ‬يجب أن ترتكز على أخلاقيات استضافة الآخر واحترام الكرامة المتساوية لكل فرد‮. ‬ويعتبر الحوار والتواصل مع الآخرين عنصرين مرتبطين ارتباطاً‮ ‬جوهرياً‮ ‬بهذه القيم‮.‬

2‮. ‬3‮. ‬المعايير والأدوات‮ :‬‭ ‬إنجازات مجلس أوروبا خلال العقود الخمس الأخيرة‮(‬3‮) ‬

تبرهن مختلف صكوك مجلس أوروبا،‮ ‬لاسيما الاتفاقيات والمواثيق التي‮ ‬تشرك كل الدول الأعضاء أو بعضها وكذلك التوصيات والإعلانات والبيانات،‮ ‬على الإجماع الأوروبي‮ ‬القوي‮ ‬حول القيم‮.‬‭ ‬

وجسدت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان‮ )‬1950‮( ‬التزام الدول بعد الحرب باحترام الكرامة الإنسانية‮. ‬ونتج عن ذلك تأسيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي‮ ‬تفسر الاتفاقية في‮ ‬اجتهاداتها القضائية على ضوء الظروف الحالية‮. ‬تضمن البروتوكول رقم‮ ‬12‮ ‬لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية‮ ) ‬2000‮( ‬منعاً‮ ‬عاماً‮ ‬للتمييز‮. ‬ويبين الميثاق الاجتماعي‮ ‬الأوروبي‮ ‬بوضوح‮ )‬تم اعتماده سنة‮ ‬1961‮ ‬ومراجعته سنة‮ ‬1996‮( ‬أنه‮ ‬يجب أن‮ ‬يستفيد الكل وبدون تمييز من الحقوق الاجتماعية التي‮ ‬يحددها‮. ‬وجاء في‮ ‬الإعلان حول المساواة ما بين النساء والرجال‮ )‬1988‮( ‬بأن التمييز على أساس الجنس في‮ ‬أي‮ ‬مجال‮ ‬يشكل حاجزاً‮ ‬أمام الاعتراف والتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وممارستها‮. ‬وأقرت الاتفاقية الأوروبية حول الوضع القانوني‮ ‬للعامل المهاجر‮ )‬1977‮( ‬بحق العمال المهاجرين في‮ ‬نفس المعاملة التي‮ ‬يحظى بها مواطنو الدول الأعضاء‮.‬

وتعترف الاتفاقية الثقافية الأوروبية‮ )‬1954‮( ''‬بالإرث الثقافي‮ ‬المشترك‮'' ‬من جهة،‮ ‬وبضرورة التعلم في‮ ‬مختلف الثقافات،‮ ‬في‮ ‬حين تشير الاتفاقية الأوروبية حول التلفزيون العابر للحدود إلى أهمية الإذاعة لتنمية الثقافة والتكوين الحر للآراء‮. ‬ومن جانبها،‮ ‬توضح الاتفاقية الإطار حول قيمة الإرث الثقافي‮ ‬بالنسبة للمجتمع‮ )‬2005‮(‬‭ ‬كيف أن معرفة هذا الإرث‮ ‬يمكن أن تشجع على إرساء الثقة والتفاهم‮.‬

ونجد مسألة تشجيع وحماية التنوع في‮ ‬إطار روح التسامح في‮ ‬صلب كل من الميثاق الأوروبي‮ ‬للغات المحلية أو لغات الأقليات‮ )‬1992‮(‬‭ ‬والاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية‮ )‬1995‮(.‬‭ ‬وتتطرق كل من الاتفاقية الإطار الأوروبية حول التعاون العابر للحدود ما بين الجماعات والسلطات الترابية‮ )‬1980‮(‬‭ ‬والاتفاقية حول مساهمة الأجانب في‮ ‬الحياة العامة المحلية‮ )‬1992‮(‬‭ ‬والميثاق الأوروبي‮ ‬حول مساهمة الشباب في‮ ‬الشأن المحلي‮ ‬والإقليمي‮ )‬2003،‮ ‬معدلة‮(‬‭ ‬إلى المساهمة في‮ ‬الحياة العامة على المستوى المحلي،‮ ‬بالإضافة إلى عمل جمعية السلطات المحلية والجهوية،‮ ‬لاسيما إعلان شتوتغارت الذي‮ ‬اعتمدته حول إدماج‮ ''‬الأجانب‮'' )‬2003‮(. ‬ويمنع بموجب الاتفاقية حول الاعتراف بالكفاءات المتعلقة بالتعليم الجامعي‮ ‬في‮ ‬المنطقة الأوروبية لمجلس أوروبا واليونسكو‮ )‬1997‮( ‬اعتبار عوامل خارجية،‮ ‬مثل المعتقدات والآراء ووضعية المرشحين،‮ ‬عند تقييم كفاءاتهم‮.‬‭ ‬

قبل إعلان فارو حول استراتيجية مجلس أوروبا لتنمية حوار الثقافات‮ )‬2005‮(‬،‮ ‬وقع اختيار وزراء الثقافة على حوار الثقافات ليكون موضوع عمل في‮ ‬إعلان أوباتيجا‮ )‬2003‮(‬‭ ‬في‮ ‬حين تدارس نظراؤهم في‮ ‬قطاع التربية مسألة التعليم المشترك بين الثقافات في‮ ‬إعلان أثينا‮ )‬2003‮(.‬‭ ‬لقد أعطى الوزراء الأوروبيون المكلفون بقطاع الشباب،‮ ‬خلال اجتماعهم ببودابست سنة‮ ‬2005،‮ ‬الأولوية للتربية على حقوق الإنسان والتضامن العالمي‮ ‬وتحويل الصراعات والتعاون ما بين الأديان‮. ‬إضافة إلى ذلك،‮ ‬تبنت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا،‮ ‬منذ الثمانينات،‮ ‬سلسلة واسعة من التوصيات والقرارات وعقدت مجموعة من الجلسات والحوارات حول مختلف مظاهر حوار الثقافات وبين الأديان‮(‬4‮). ‬لقد مكن مخطط العمل،‮ ‬المعتمد خلال القمة الثالثة لرؤساء الدول والحكومات،‮ ‬من تطوير استراتيجيات لتدبير التنوع الثقافي‮ ‬والنهوض به،‮ ‬ضامناً‮ ‬في‮ ‬الآن نفسه انسجام مجتمعاتنا كما شجع حوار الثقافات بما في‮ ‬ذلك بعده الديني‮.‬

يعمل مجلس أوروبا بوصفه منظمة حكومية دولية وله نفوذ في‮ ‬باقي‮ ‬العالم من خلال آليات المتابعة وبرامج العمل وعبر تشجيع بعض السياسات والتعاون مع الشركاء الدوليين‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬تعد اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح أداة مهمة حيث تقوم بمتابعة ظاهرة الميز العنصري‮ ‬وكل أشكال التعصب والتمييز التي‮ ‬تصاحبها في‮ ‬الدول الأعضاء،‮ ‬وتعد توصيات لسياسة عامة،‮ ‬بالإضافة إلى تعاونها مع منظمات المجتمع المدني‮ ‬لتحسيس المجتمع‮. ‬وللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح اتصالات منتظمة مع كتابة لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري‮ ‬ومكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا ووكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي‮. ‬وبشكل عام،‮ ‬يقوم مفوض حقوق الإنسان لمجلس أوروبا بدور مهم من خلال النهوض بالتربية والتحسيس بحقوق الإنسان واحترامها‮.‬‭ ‬كما كان للجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية من خلال القانون‮ )''‬لجنة البندقية‮''(‬،‮ ‬وهي‮ ‬عبارة عن جهاز استشاري‮ ‬تابع لمجلس أوروبا‮ ‬ينكب على القضايا الدستورية،‮ ‬دور رائد في‮ ‬تبني‮ ‬دساتير تتوافق ومعايير الإرث الدستوري‮ ‬الأوروبي،‮ ‬كما تحدثت في‮ ‬مناسبات عدة عن حقوق الأقليات‮. ‬وأصبح‮ ''‬المركز شمال ــ جنوب‮'' ‬فضاء مهماً‮ ‬للحوار بين الثقافات وجسر‮ ‬يربط ما بين أوروبا والمناطق المجاورة‮.‬

2‮. ‬4‮. ‬مخاطر اللا حوار

يجب تقدير مخاطر اللا حوار بما‮ ‬يكفي‮. ‬فغياب الحوار‮ ‬يساهم بشكل كبير في‮ ‬تطوير صورة جاهزة عن الآخر وإرساء جو من الريبة المتبادلة والتوتر والقلق،‮ ‬وفي‮ ‬اعتبار الأقليات أكباش فداء ويساهم بشكل عام في‮ ‬تشجيع التعصب والتمييز‮. ‬ويمكن لفشل الحوار داخل المجتمعات أو في‮ ‬ما بينها أن‮ ‬يشكل في‮ ‬بعض الأحيان أرضاً‮ ‬خصبة لظهور التطرف بل وحتى الإرهاب واستغلال البعض لذلك الوضع‮. ‬وبالتالي‮ ‬يعتبر حوار الثقافات ضرورياً‮ ‬ما بين الجيران محلياً‮ ‬ودولياً‮.‬

إن إغلاق الباب أمام بيئة تتميز بتنوع كبير‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوفر أماناً‮ ‬وهمياً‮ ‬كما‮ ‬يمكن للانطواء في‮ ‬الرفاهية المطمئنة ظاهرياً‮ ‬لجماعة حصرية أن‮ ‬يخلق أحادية في‮ ‬التفكير خانقة‮. ‬يحرم‮ ‬غياب الحوار كل فرد من إمكانية الاستفادة من الانفتاح الثقافي‮ ‬الجديد الضروري‮ ‬للتنمية الشخصية والمجتمعية في‮ ‬ظل عالم العولمة‮. ‬فالجماعات المنعزلة والمنطوية على نفسها تخلق جواً‮ ‬غالباً‮ ‬ما‮ ‬يكون معارضاً‮ ‬للاستقلالية الشخصية والممارسة الحرة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية‮.‬

لا‮ ‬يأخذ‮ ‬غياب الحوار بعين الاعتبار الدروس المستخلصة من خلال الإرث الثقافي‮ ‬والسياسي‮ ‬لأوروبا،‮ ‬فقد تميزت المراحل السلمية والمثمرة في‮ ‬تاريخ أوروبا دائماً‮ ‬بالإرادة القوية في‮ ‬التواصل مع الجيران والتعاون ما وراء الحدود‮. ‬وغالباً‮ ‬ما تسبب ضعف الانفتاح على الآخر في‮ ‬كوارث إنسانية،‮ ‬فوحده الحوار‮ ‬يمكن الناس من العيش في‮ ‬إطار الوحدة والتنوع‮.‬

ـــــــــــــــ‬ ‮

(1)‮ ‬‬بشأن أهمية التعددية والتسامح والتفتح في‮ ‬المجتمعات الديمقراطية،‮ ‬راجع مثلاً‮ ‬قضية هانديسايد ضد المملكة المتحدة،‮ ‬الحكم الصادر بتاريخ‮ ‬7‮ ‬ديسمبر‮ ‬1976،‮ ‬سلسلة أ رقم‮ ‬24،‮ ‬49‮. ‬ ‮

(2)‮ ‬كورزيليك وآخرون ضد بولونيا‮ )‬الغرفة الكبرى‮(‬،‮ ‬الحكم رقم‮ ‬98‭/‬44158‮ ‬بتاريخ‮ ‬17‮ ‬فبراير‮ ‬‭.‬2004

‮(3)‮ ‬انظر الملحق ــ جدول حول وضع المصادقات على الأدوات الاتفاقية الرئيسية‮.‬

‮(4)‮ ‬انظر مرجعيات التوصيات المهمة للجمعية البرلمانية في‮ ‬الملحق‮.‬


‬الإطار النظري
3‮. ‬1‮. ‬مفهوم حوار الثقافات‮ ‬

يقصد بحوار الثقافات في‮ ‬الكتاب الأبيض عملية تبادل وجهات النظر بشكل متفتح ومحترم ما بين أشخاص ومجموعات ذات أصول وتقاليد إثنية وثقافية ودينية ولغوية مختلفة،‮ ‬في‮ ‬إطار روح التفاهم والاحترام المتبادلين‮. ‬ومن بين العناصر الأساسية في‮ ‬هذه العملية،‮ ‬هناك الحرية والقدرة على التعبير فضلاً‮ ‬عن الإرادة وملكة الإنصات إلى الآخرين‮. ‬ويساهم حوار الثقافات في‮ ‬الاندماج السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والثقافي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬وفي‮ ‬الانسجام ما بين مجتمعات مختلفة ثقافياً،‮ ‬كما‮ ‬يشجع الارتقاء بالمساواة والكرامة الإنسانية وإرساء الشعور بالأهداف المشتركة‮. ‬ويسعى حوار الثقافات إلى التعريف بشكل أفضل بمختلف الممارسات والتصورات وكذلك إلى تقوية التعاون والمشاركة‮ )‬أو حرية الاختيار‮(‬‭ ‬وتوفير الفرصة للأشخاص للتطور والتحول بالإضافة إلى تشجيع التسامح واحترام الآخر‮.‬‭ ‬

ويمكن للحوار بين الثقافات أن‮ ‬يخدم أهدافاً‮ ‬عدة في‮ ‬إطار الهدف الأصلي‮ ‬المتمثل في‮ ‬النهوض باحترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون‮. ‬ويعد خاصية أساسية تميز المجتمعات الإدماجية حيث لا‮ ‬يهمش ولا‮ ‬يقصى أي‮ ‬فرد،‮ ‬بالإضافة إلى كونه‮ ‬يشكل أداة قوية للوساطة والمصالحة‮. ‬فهو‮ ‬يجيب،‮ ‬بالتزام أساسي‮ ‬وبناء بعيد عن الانقسامات الثقافية،‮ ‬على الانشغالات المتعلقة بالتقسيم الاجتماعي‮ ‬واختلال الأمن مع تشجيع الاندماج والتماسك الاجتماعي‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬تعد حرية الاختيار وحرية التعبير والمساواة والتسامح والاحترام المتبادل للكرامة الإنسانية مبادئ جوهرية‮.‬‭ ‬ويستدعي‮ ‬نجاح حوار الثقافات عدداً‮ ‬كبيراً‮ ‬من السلوكيات تهيئ لها ثقافة ديمقراطية ألا وهي‮ ‬رحابة الفكر وإرادة فتح الحوار وإفساح المجال للآخرين للتعبير عن آرائهم والقدرة على حل النزاعات بالطرق السلمية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن القدرة على الاعتراف بصحة حجة الآخر‮. ‬ويساهم حوار الثقافات في‮ ‬تنمية الاستقرار الديمقراطي‮ ‬ومكافحة الأفكار الجاهزة والأحكام المسبقة في‮ ‬الحياة العامة والخطاب السياسي،‮ ‬بالإضافة إلى تسهيل تطوير تحالفات ما بين جماعات ثقافية ودينية وبهذا‮ ‬يمكن من تفادي‮ ‬النزاعات أو التخفيف من حدتها ــ بما في‮ ‬ذلك أوضاع ما بعد النزاعات و‮''‬النزاعات الجامدة‮''.‬

ولا‮ ‬يتعلق الأمر بحلول سهلة وجاهزة،‮ ‬فحوار الثقافات ليس الدواء الذي‮ ‬يشفي‮ ‬جميع الأمراض ولا بالحل لكل القضايا،‮ ‬لذلك‮ ‬يجب إدراك حدوده‮. ‬وغالباً‮ ‬ما قيل،‮ ‬وهو قول صائب،‮ ‬بأن التحاور مع من‮ ‬يرفض الحوار‮ ‬يعد أمراً‮ ‬مستحيلاً،‮ ‬غير أن هذا لا‮ ‬يعفي‮ ‬المجتمعات المنفتحة والديمقراطية من واجبها في‮ ‬اقتراح إمكانيات للحوار باستمرار‮. ‬في‮ ‬حين أن التحاور مع من هو مستعد لذلك ولا‮ ‬يشاطرنا ؟ أو لا‮ ‬يشاطرنا بشكل كامل ــ‭ ‬‮''‬قيمنا‮'' ‬يمكن أن‮ ‬يشكل نقطة انطلاقة لعملية تفاعل على المدى الطويل‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينتج عنها تفاهم حول أهمية قيم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون وتطبيقها على أرض الواقع‮.‬

3‮. ‬2‮. ‬بناء الهوية في‮ ‬بيئة متعددة الثقافات

إن الكرامة الإنسانية للفرد هي‮ ‬أساس المجتمع إلا أن الفرد ليس في‮ ‬حد ذاته فاعلاً‮ ‬اجتماعياً‮ ‬متجانساً‮. ‬ومن المتعارف عليه أن الهوية ليس ما‮ ‬يماثلنا بالآخر بل ما‮ ‬يميزنا في‮ ‬فرديتنا‮. ‬فالهوية هي‮ ‬مجموعة عناصر مركبة تتأثر بسهولة بسياقها‮.‬

إن الاختيار الحر لكل فرد لثقافته أمر أساسي،‮ ‬فهو جانب أساسي‮ ‬من جوانب حقوق الإنسان‮. ‬ويمكن لكل شخص،‮ ‬في‮ ‬آن واحد أو عبر مراحل مختلفة من حياته،‮ ‬اختيار الانخراط في‮ ‬عدة أنظمة مرجعية ثقافية مختلفة‮. ‬ومع أن كل فرد،‮ ‬إلى حد ما،‮ ‬هو نتاج إرثه وأصوله الاجتماعية في‮ ‬الديمقراطيات المعاصرة،‮ ‬إلا أنه من حق كل واحد إغناء هويته باختياره لانتماءات ثقافية متعددة‮. ‬فما من أحد‮ ‬يجب أن‮ ‬يظل حبيس مجموعة أو جماعة أو نظام فكر أو تصور،‮ ‬بل على العكس‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون لكل فرد الحرية في‮ ‬التخلي‮ ‬عن خيارات الماضي‮ ‬وتبني‮ ‬خيارات جديدة ما دامت هذه الأخيرة تتوافق والقيم الكونية لحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون‮. ‬ويشكل الانفتاح والتقاسم المتبادل مكونين للانتماء الثقافي‮ ‬المتعدد،‮ ‬فكلاهما‮ ‬يعدان قاعدتين للتعايش ما بين الأفراد والجماعات التي‮ ‬لها كامل الحرية في‮ ‬ممارسة ثقافات من اختيارها شريطة احترام الآخر‮.‬‭ ‬

وهكذا،‮ ‬فإن حوار الثقافات مهم في‮ ‬تدبير الانتماء الثقافي‮ ‬المتعدد في‮ ‬بيئة متعددة الثقافات،‮ ‬فهو‮ ‬يمثل آلية تمكن الشخص باستمرار من إيجاد توازن جديد للهوية‮ ‬يستجيب للتفتح والتجارب الجديدة ويضيف أبعاد جديدة للهوية دون فقدان جذوره‮. ‬يساعدنا حوار الثقافات في‮ ‬تجاوز عقبات السياسات المبنية على الهوية وفي‮ ‬الانفتاح بشكل دائم على متطلبات المجتمعات العصرية‮.‬

3‮. ‬3‮. ‬المقاربات السابقة للتنوع الثقافي

في‮ ‬أوج سياسة‮ ''‬الدولة ــ الوطن‮'' ‬التي‮ ‬كانت تنهجها أوروبا ما بين حوالي‮ ‬1870‮ ‬و1945،‮ ‬كانت هناك فكرة سائدة مفادها أن كل الأفراد الذين‮ ‬يعيشون داخل حدود دولة ما‮ ‬يجب عليهم اتباع نموذج الحياة السائد الذي‮ ‬كان‮ ‬يعمل كقاعدة للتكييف الاجتماعي‮ ‬للأجيال المتعاقبة لاسيما من خلال طقوس قومية بل وفي‮ ‬بعض الأحيان طقوس التعصب القومي،‮ ‬ضمن أمور أخرى‮. ‬غيرأن أوروبا عرفت خلال القرون الماضية‮ ‬تجارب أخرى أكثر إيجابية،‮ ‬خلال بعض المراحل من تاريخ أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية على سبيل المثال،‮ ‬تساعدنا على فهم كيف كانت ثقافات وديانات مختلفة تتعايش بسلام في‮ ‬إطار التسامح والاحترام المتبادلين‮.‬

وفي‮ ‬ما سيصبح الجهة الغربية لأوروبا المنقسمة ما بعد الحرب،‮ ‬تم ربط تجربة الهجرة بتصور جديد للنظام الاجتماعي‮ ‬يعرف باسم التعددية الثقافية‮. ‬وكان هذا النموذج‮ ‬يوصي‮ ‬بالاعتراف السياسي‮ ‬بما كان‮ ‬ينظر إليه على أنه نظام قيم مختلف‮ )‬نظام الجماعات الأقلية‮(‬‭ ‬على‮ ‬غرار نظام الأغلبية‮ ''‬المضيفة‮''. ‬وإذا كان‮ ‬يبدو أنه‮ ‬يبتعد‮ ‬عن نموذج الإدماج إلا أن نموذج التضامن الطائفي‮ ‬غالباً‮ ‬ما كان‮ ‬يتقاسم معه نفس التصور المبسط لمجتمع حبيس تعارض ما بين الأغلبية والأقلية ولم‮ ‬يكن‮ ‬يختلف عنه إلا في‮ ‬دفاعه عن انفصال الأقلية وعدم مماثلتها بالأغلبية‮.‬

لقد استبعد إعلان أوباتيجا‮ )‬2003‮( ‬هذا التعارض ما بين الأغلبية والأقلية‮.‬‭ ‬وفي‮ ‬تعريفه‮ ''‬للتنوع الثقافي‮''‬،‮ ‬أكد الإعلان بأنه‮ »‬لا‮ ‬يمكن تطبيق هذا المبدإ حصرياً‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من تعارض‮ ''‬الأغلبية‮'' ‬و‮''‬الأقلية‮''‬،‮ ‬لأن هذا التصور‮ ‬يشير بالأصابع إلى الثقافات والجماعات ويصنفها ويسمها إلى درجة أنه‮ ‬يتم ربط السلوكيات الاجتماعية والصور الثقافية الجاهزة بوضعية كل واحدة من تلك الجماعات المختلفة‮«.‬‭ ‬ولا‮ ‬يمكن اعتبار هويات تتقاطع في‮ ‬بعض المظاهر بأنها متناقضة بل على العكس هي‮ ‬مؤهلات من شأنها أن تكشف عن نقط توافق ممكنة‮.

رغم كل النوايا الحسنة التي‮ ‬كانت تحركه،‮ ‬فالعديد‮ ‬يعتبرون بأن التضامن الطائفي‮ ‬قد شجع على التمييز حيال الجماعات وانعدام التفاهم المتبادل كما ساهم في‮ ‬إضعاف حقوق الأفراد‮ )‬لاسيما النساء‮(‬‭ ‬داخل الجماعات الأقلية التي‮ ‬ينظر إليها كفاعلة جماعية‮. ‬يجب الإقرار بالتنوع الثقافي‮ ‬للمجتمعات الحالية كمسألة تجريبية‮.‬‭ ‬لكن،‮ ‬وخلال الاستشارة،‮ ‬ذكرت الدول التي‮ ‬تم استفسارها وفي‮ ‬مناسبات عدة بأن التضامن الطائفي‮ ‬لم‮ ‬يعد سياسة ملائمة‮.‬

لا‮ ‬يطبق أي‮ ‬من النموذجين،‮ ‬المماثلة والتضامن الطائفي،‮ ‬بشكل كامل في‮ ‬أي‮ ‬من هذه الدول‮. ‬وتنضاف عناصر كلا النموذجين إلى بعض مظاهر النظام البين ثقافي‮ ‬الناشئ الذي‮ ‬يدمج أحسن عناصر كلا النموذجين‮. ‬فهو‮ ‬يأخذ من المماثلة الأولوية التي‮ ‬تعطيها للفرد ومن التضامن الطائفي‮ ‬اعترافه بالتنوع الثقافي‮ ‬ليضيف إليهما عنصراً‮ ‬جديداً‮ ‬أساسياً‮ ‬للاندماج والتماسك الاجتماعي‮ ‬ألا وهو الحوار على أساس الكرامة المتساوية والقيم المشتركة‮.‬

3‮. ‬4‮. ‬شروط حوار الثقافات

3‮. ‬4‮. ‬1‮. ‬حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون‮ ‬

تعتبر القيم الكونية التي‮ ‬يدافع عنها مجلس أوروبا شرطاً‮ ‬أولياً‮ ‬للحوار بين الثقافات‮. ‬بالفعل،‮ ‬يعد الحوار مستحيلاً‮ ‬في‮ ‬غياب احترام الكرامة المتساوية للأفراد وحقوق الإنسان وسيادة القانون والمبادئ الديمقراطية‮. ‬إن هذه القيم،‮ ‬خاصة احترام حرية التعبير والحريات الأخرى الأساسية هي‮ ‬ما‮ ‬يضمن حواراً‮ ‬خالياً‮ ‬من كل هيمنة،‮ ‬تحكمه قوة الحجة وليس حجة القوة‮.‬

غالباً‮ ‬ما نتحدث،‮ ‬عندما‮ ‬يتعلق الأمر بالقضايا البين ثقافية،‮ ‬عن الحقوق الأساسية المتنافسة،‮ ‬لذلك‮ ‬يجب إيجاد توازن بينها‮. ‬وتبين اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأنشطة أجهزة المتابعة،‮ ‬مثل لجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح أو اللجنة الاستشارية للاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية،‮ ‬كيفية الوصول إلى هذا التوازن في‮ ‬التطبيق‮.‬‭ ‬

لا‮ ‬يمكن التحجج بالتقاليد الإثنية أو الثقافية أو الدينية أو اللغوية لمنع الأفراد من ممارسة حقوق الإنسان أو المساهمة بكل مسؤولية في‮ ‬الحياة المجتمعية‮. ‬وينطبق هذا المبدأ لاسيما في‮ ‬ما‮ ‬يخص حرية عدم تكبد تمييز مبني‮ ‬على أساس الجنس أو عوامل أخرى وكذلك حقوق ومصالح الأطفال والشباب وحرية ممارسة أو عدم ممارسة دين أو عقيدة معينة‮. ‬ولا‮ ‬يمكن في‮ ‬أي‮ ‬حال من الأحوال،‮ ‬وكيف ما كان السياق الثقافي،‮ ‬تبرير انتهاكات حقوق الإنسان مثل الزواج الإجباري‮ ‬أو‮ ''‬جرائم الشرف‮'' ‬أو عمليات تشويه الأعضاء التناسلية‮(‬1‮).‬‭ ‬كما أنه لا‮ ‬يمكن اتخاذ قواعد‮ ''‬ثقافة سائدة‮'' ‬حقيقية أو خيالية لتبرير التمييز أو خطابات الكراهية أو أي‮ ‬شكل من أشكال الميز المبني‮ ‬على أساس الدين أو العرق أو الإثنية أو هوية أخرى‮.‬

تعد الديمقراطية أساس نظامنا السياسي‮ ‬ويتم تقدير المواطنين ليس فقط بصفتهم أشخاصاً‮ ‬اجتماعيين ومساهمين ومستفيدين من رخاء الوطن بل كذلك بصفتهم فاعلين سياسيين‮. ‬وتتقدم الديمقراطية لأنها تساعد الأفراد على إيجاد أنفسهم داخل المجتمع الذي‮ ‬يعيشون فيه ولأنها تضمن ممارسة شرعية للسلطة واتخاذ القرارات‮. ‬ولعل التطور الذي‮ ‬عرفه مجلس أوروبا خلال العقدين الأخيرين‮ ‬يشهد بصفة خاصة على قوة الديمقراطية‮. ‬ويجب أن‮ ‬يقر الحوار النقدي‮ ‬والبناء ــ وهو قاعدة في‮ ‬حد ذاتها ديمقراطية في‮ ‬العمق ــ بقيمة مبادئ ديمقراطية أخرى مثل التعددية والاندماج والمساواة‮. ‬ومن المهم أن‮ ‬يأخذ الحوار بعين الاعتبار روح الثقافة الديمقراطية ومكوناتها الأساسية‮ :‬‭ ‬الاحترام المتبادل ما بين المشاركين وإرادة كل واحد البحث عن نقط تفاهم والقبول بها‮.‬

وتوفر القواعد الأساسية لأولوية القانون في‮ ‬المجتمعات الديمقراطية إطاراً‮ ‬يمكن للحوار بين الثقافات أن‮ ‬يتطور فيه بحرية،‮ ‬كما تضمن الفصل الواضح ما بين السلطات والأمن القانوني‮ ‬ومساواة الكل أمام القانون‮. ‬كما تحول دون اتخاذ السلطات العمومية لقرارات تعسفية وتمييزية بالإضافة إلى أنها تمكن الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم من اللجوء إلى المحاكم لطلب جبر الضرر‮.‬

3‮. ‬4‮. ‬2‮. ‬كرامة متساوية واحترام متبادل

يستدعي‮ ‬حوار الثقافات تبني‮ ‬منهج تأملي‮ ‬يمكن كل واحد من رؤية نفسه انطلاقاً‮ ‬من وجهة نظر الآخرين‮. ‬ولهذا الغرض،‮ ‬من الضروري‮ ‬وضع نظام ديمقراطي،‮ ‬على أساس قيم مجلس أوروبا،‮ ‬يتميز باحترام الفرد كإنسان ويعتبر بأن الإنسانية محكومة بمعايير أخلاقية موحدة وبالاعتراف المتبادل‮ )‬حيث وضع القيمة المتساوية معترف به من لدن الجميع‮(‬‭ ‬والمعالجة الحيادية‮ )‬حيث تخضع كل الطلبات لقواعد‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتقاسمها الجميع‮(.‬

وعند هذا المستوى،‮ ‬تتميز بوضوح المقاربة المبنية على تعدد الثقافات عن النماذج السابقة‮. ‬فبعكس المماثلة،‮ ‬تؤكد المقاربة البين ثقافية بأن على السلطات المحلية الالتزام بالحياد ــ عوض اتخاذ نظام قيم الأغلبية كقاعدة وحيدة ــ وذلك لتفادي‮ ‬التوترات ما بين الجماعات‮. ‬لكنها تدعو،‮ ‬وعلى عكس التضامن الطائفي،‮ ‬إلى تبني‮ ‬قواعد مشتركة،‮ ‬وتقصي‮ ‬النسبية الأخلاقية‮. ‬وخلافاً‮ ‬للنموذجين السابقين،‮ ‬تقر المقاربة البين ثقافية بالدور الأساسي‮ ‬للقطاع الجمعوي‮ ‬داخل المجتمع المدني‮ ‬حيث‮ ‬يمكن للحوار بين الثقافات،‮ ‬على أن‮ ‬يتم الاعتراف المتبادل،‮ ‬أن‮ ‬يأتي‮ ‬بالحل لمشاكل الحياة اليومية التي‮ ‬ليس بإمكان الحكومات حلها وحدها‮.‬

تعد المساواة والاحترام المتبادل عناصر مهمة مؤسسة للحوار بين الثقافات وضرورية لتجاوز المشاكل التي‮ ‬تواجه عملية تطبيقه‮. ‬يمكن للتوترات الاجتماعية أن تظهر في‮ ‬المجال الثقافي‮ ‬في‮ ‬غياب أي‮ ‬تقدم نحو المساواة مع أن أسبابها الرئيسية‮ ‬يمكن أن تتجلى في‮ ‬أشياء أخرى كما‮ ‬يمكن أن تستعمل الهويات الثقافية كأدوات وسم‮.‬

3‮. ‬4‮. ‬3‮. ‬المساواة بين الجنسين

تعتبر المساواة ما بين النساء والرجال قضية جوهرية في‮ ‬المجتمعات النامية كما أوضح ذلك المؤتمر الوزاري‮ ‬الأوروبي‮ ‬الخامس حول المساواة ما بين النساء والرجال‮ )‬2003‮(. ‬ويتعلق الأمر بعنصر حاسم في‮ ‬الديمقراطية،‮ ‬فالمساواة بين الجنسين جزء من حقوق الإنسان‮. ‬ويعتبر التمييز الجنسي‮ ‬عقبة أمام التمتع بحقوق الإنسان والحريات‮. ‬ويعد احترام الحقوق الأساسية للمرأة قاعدة لا تفاوض فيها بخصوص النقاش حول التنوع الثقافي‮.‬

ولكن‮ ‬يجب أن لا تفضي‮ ‬مناهضة عدم المساواة بين الجنسين إلى صور جاهزة خادعة‮. ‬فمن الضروري‮ ‬التوضيح بأنه ما من شيء‮ ‬يبرر الربط ما بين‮ ''‬الجماعات الأقلية‮'' ‬و‮''‬المساواة ما بين الجنسين‮'' ‬كما لو أن كل شيء مثالي‮ ‬داخل جماعة‮ ''‬الاستقبال‮'' ‬وأن كل ما‮ ‬يتعلق بالأقليات وبأشخاص‮ ‬يمارسون بعض الديانات‮ ‬يطرح مشكلاً‮. ‬فإذا كانت تجارب النساء تتشابه أحياناً‮ ‬من جماعة إلى أخرى،‮ ‬فبالضبط لأنه ما من جماعة تحتكر المساواة أو عدم المساواة ما بين الجنسين‮.‬

تضفي‮ ‬المساواة ما بين الجنسين بعداً‮ ‬إيجابياً‮ ‬على حوار الثقافات‮. ‬فتعقيد الهوية الفردية‮ ‬يمكن من قيام أشكال من التضامن‮ ‬غير ممكنة من منظور مبني‮ ‬على القولبة النمطية‮. ‬فانعدام المساواة ما بين الجنسين بوصفه قضية عامة‮ ‬يعني‮ ‬في‮ ‬حد ذاته أن المشاريع المشتركة بين الثقافات التي‮ ‬تساهم فيها نساء تنتمي‮ ‬إلى كل من‮ ''‬الأقلية‮'' ‬والأغلبية‮ ''‬المضيفة‮'' ‬بوسعها أن تستفيد‮ ‬من تجارب مشتركة‮.‬

وتشير بوضوح استراتيجية مجلس أوروبا للانسجام الاجتماعي‮ ‬المعدلة إلى كون المساواة بين النساء والرجال التزام جوهري‮ ‬ذو أهمية خاصة‮. ‬وتدعو إلى‮ ''‬إدماج منظور النوع‮'' ‬في‮ ‬مجال التماسك الاجتماعي‮ ‬وفي‮ ‬كل مظاهر حوار الثقافات‮.‬

3‮. ‬4‮. ‬4‮. ‬رفع الحواجز أمام حوار الثقافات

هناك عقبات عديدة تقف أمام حوار الثقافات،‮ ‬البعض منها‮ ‬يعود إلى صعوبة التواصل بلغات متعددة وأخرى مرتبطة بالسلطة والسياسة‮ :‬‭ ‬فالتمييز،‮ ‬الفقر والاستغلال ــ التي‮ ‬تمس بكل قسوة على الخصوص أفراد جماعات مهمشة ومحرومة ــ كلها حواجز بنيوية تعوق الحوار‮. ‬وفي‮ ‬العديد من المجتمعات الأوروبية،‮ ‬توجد أيضاً‮ ‬جماعات ومنظمات سياسية تدعو إلى كره‮ ''‬الآخر‮''‬،‮ ‬أو‮ ''‬الأجنبي‮'' ‬أو بعض الهويات الدينية‮. ‬ويرفض التمييز،‮ ‬وكره الأجانب والتعصب وكل أشكال التمييز فكرة الحوار نفسها ويستهدفها بشكل دائم‮.‬

3‮. ‬5‮. ‬البعد الديني

يضم الإرث الثقافي‮ ‬الغني‮ ‬لأوروبا تشكيلة من التصورات الدينية والعلمانية حول الغاية من الحياة‮. ‬وقد كان لكل من المسيحية واليهودية والإسلام ــ كل حسب نظام تأويلاته الخاص ــ‭ ‬تأثير عميق على قارتنا‮. ‬لكن أوروبا عرفت،‮ ‬سواء في‮ ‬الماضي‮ ‬البعيد أو القريب،‮ ‬نزاعات قامت فيها العقيدة بدور القاسم المشترك‮.‬

وتعتبر حرية التفكير والوعي‮ ‬والدين إحدى أسس المجتمع الديمقراطي‮ ‬ويضمنها البند‮ ‬9‮ ‬من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان‮. ‬وتعد حرية الدين أحد أهم العناصر المرتبطة بهوية المؤمنين وتصورهم للحياة بل وكذلك هوية الملحدين واللاأدريين والارتيابيين واللا مبالين‭. ‬وإلى جانب ضمانه لهذه الحرية،‮ ‬ينص البند‮ ‬9‮ ‬على أن طرق التعبير عن هذه الحرية‮ ‬يمكن أن تقيد بشروط محددة‮. ‬وتدارست المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مسألة الرموز الدينية في‮ ‬المجال العام،‮ ‬خاصة في‮ ‬ميدان التربية‮(2‮). ‬وفي‮ ‬غياب إجماع للدول الأعضاء حول القضايا المتعلقة بالدين،‮ ‬تترك المحكمة‮ ‬غالباً‮ ‬للدول‮ ''‬هامش تقدير‮'' ‬مهم في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬رغم محدوديته‮.‬

وتتقارب في‮ ‬معظمها أولويات مجلس أوروبا وأولويات الجماعات الدينية‮ :‬‭ ‬حقوق الإنسان،‮ ‬مواطنة ديمقراطية،‮ ‬النهوض بالقيم،‮ ‬السلم،‮ ‬الحوار،‮ ‬التربية والتضامن‮. ‬وأبانت الاستشارة كذلك عن إجماع حول مسؤولية الجماعات الدينية في‮ ‬المساهمة،‮ ‬عن طريق الحوار بين الديانات،‮ ‬في‮ ‬تقوية التفاهم ما بين الثقافات‮.‬

ويفترض الدور المهم للجماعات الدينية في‮ ‬مجال الحوار بدل جهود ما بين الجماعات الدينية والسلطات العمومية‮. ‬وقد سبق لمجلس أوروبا أن تدخل في‮ ‬هذا الإطار عبر مبادرات عدة للجمعية البرلمانية ولقاءات مفوض حقوق الإنسان الذي‮ ‬جمع منذ سنة‮ ‬2000‮ ‬ممثلي‮ ‬الجماعات الدينية بهدف إشراكهم في‮ ‬أنشطة مجلس أوروبا في‮ ‬مجال حقوق الإنسان‮. ‬وتعتبر ممارسة الديانة مكوناً‮ ‬من الحياة المعاصرة‮. ‬ومن هذا المنطلق،‮ ‬لا‮ ‬يمكن ولا‮ ‬يجب إقصاؤها من دائرة اهتمام السلطات العمومية،‮ ‬على الرغم من أنه على الدولة الحفاظ على دورها المحايد لضمان ممارسة مختلف الديانات والعقائد والمعتقدات‮(‬3‮). ‬ودعا‮ ''‬إعلان منتدى لا فولكا‮'' )‬2006‮((‬4‮) ‬مجلس أوروبا إلى إجراء‮ ''‬حوار مفتوح وشفاف ومنتظم‮'' ‬مع المنظمات الدينية مع الإقرار بكون هذا الإجراء‮ ‬يجب أن‮ ‬يرتكز على قيم ومبادئ كونية‮. ‬ويمكن لهذا المسلسل الذي‮ ‬سيباشر فيه لهذا الغرض أن‮ ‬يسترجع نموذج المائدة المستديرة المعتمد من طرف عدد من الدول الأعضاء لتيسير الحوار ما بين الجماعات الدينية‮. ‬ويؤكد إعلان سان مارين‮ )‬2007‮((5‮) ‬حول البعد الديني‮ ‬للحوار بين الثقافات بأنه‮ ‬يمكن للديانات ترقية الحوار وإغناؤه‮.‬‭ ‬ويوافق سياق هذا الحوار طموحاً‮ ‬مشتركاً‮ ‬لحماية كرامة كل إنسان بالنهوض بحقوق الإنسان وإقرار المساواة ما بين النساء والرجال ودعم التماسك الاجتماعي‮ ‬وتشجيع التفاهم والاحترام المتبادلين‮. ‬وفي‮ ‬إعلان سان مارين،‮ ‬رحب ممثلو الجماعات الدينية والمجتمع المدني‮ ‬الحاضرون باهتمام مجلس أوروبا في‮ ‬هذا المجال وأشاروا إلى أن مجلس أوروبا سيحافظ على حياده اتجاه الديانات مع الدفاع عن حرية الفكر والوعي‮ ‬والدين وعن حقوق وواجبات كل المواطنين وعن استقلالية الدولة والديانات‮. ‬وارتأوا أنه من الضروري‮ ‬خلق منتديات ملائمة لدراسة أثر الممارسة الدينية على مجالات السياسة العامة الأخرى مثل التربية والصحة بدون تمييز وفي‮ ‬إطار احترام حقوق‮ ‬غير المؤمنين‮. ‬إن لغير المؤمنين نفس الحق في‮ ‬المساهمة في‮ ‬النقاشات حول الأسس الأخلاقية للمجتمع،‮ ‬إلى جانب ممثلي‮ ‬الديانات والمشاركة في‮ ‬منتديات حول حوار الثقافات‮.‬

نظم مجلس أوروبا،‮ ‬في‮ ‬8‮ ‬أبريل‮ ‬2008،‮ ‬على سبيل التجربة لقاءاً‮ ‬حول البعد الديني‮ ‬للحوار بين الثقافات تحت عنوان‮ ''‬تعليم الشؤون الدينية والمتعلقة بالمعتقدات‮.‬‭ ‬وسيلة معرفة الشؤون الدينية والمتعلقة بالمعتقدات داخل نظام التربية،‮ ‬مساهمة في‮ ‬التربية على المواطنة الديمقراطية،‮ ‬وحقوق الإنسان وحوار الثقافات‮''. ‬وشارك في‮ ‬هذا‮ ''‬اللقاء‮'' ‬الدول الأعضاء في‮ ‬مجلس أوروبا والدول الملاحظة وشركاء مؤسساتيون للمنظمة واللجنة الأوروبية وممثلو الديانات المتواجدة في‮ ‬أوروبا وممثلو عقائد أخرى وممثلو منظمات‮ ‬غير حكومية دولية ومنظمات‮ ‬غير حكومية وخبراء بالإضافة إلى ممثلين لوسائل الإعلام‮. ‬وكان الهدف الأساسي‮ ‬من هذا الحدث المستجد والتجريبي‮ ‬هو النهوض بالقيم الأساسية لمجلس أوروبا التي‮ ‬تكمن في‮ ‬احترام حقوق الإنسان والنهوض بالديمقراطية وأولوية القانون وتقويتها،‮ ‬مساهماً‮ ‬بذلك في‮ ‬تشجيع الاحترام والمعرفة المتبادلة بالإضافة إلى التسامح والتفاهم المتبادل داخل المجتمع الأوروبي‮. ‬وتم إشراك ممثلين عن الديانات وفاعلين آخرين في‮ ‬المجتمع المدني‮ ‬بما فيهم ممثلين لعقائد أخرى،‮ ‬مساهمين في‮ ‬حوار مفتوح وشفاف حول موضوع مرتبط بهذه القيم‮. ‬ولم‮ ‬يكن الهدف هو فتح نقاش لاهوتي‮ ‬ولا وضع إطار للحوار بين الديانات‮.‬

وإلى جانب تشجيع الحوار ما بين السلطات العمومية والجماعات الدينية،‮ ‬يجب أن‮ ‬يتطور الحوار كذلك ما بين الجماعات الدينية نفسها‮ )‬حوار الأديان‮(.‬‭ ‬وغالباً‮ ‬ما اعترف مجلس أوروبا بأهمية الحوار بين الأديان‮ )‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يدخل مباشرة في‮ ‬إطار اختصاصاته‮(‬‭ ‬في‮ ‬إطار حوار الثقافات،‮ ‬وشجع الجماعات الدينية على النهوض بحقوق الإنسان والديمقراطية وأولوية القانون في‮ ‬إطار أوروبا متعددة الثقافات‮. ‬يمكن للحوار بين الأديان أن‮ ‬يساهم أيضاً‮ ‬في‮ ‬دعم الإجماع داخل المجتمع حول حلول للمشاكل الاجتماعية‮. ‬يعتبر مجلس أوروبا كذلك بأن الحوار ضروري‮ ‬داخل الجماعات الدينية والتيارات الفكرية الفلسفية‮ )‬حوار داخل الديانات ونفس العقيدة‮(‬‭ ‬لاسيما لتمكين السلطات العمومية من التواصل مع الممثلين المرخصين للديانات والعقائد التي‮ ‬ترغب في‮ ‬أن‮ ‬يعترف بها بموجب القانون الوطني‮.‬

ـــــــــــــــ‬ ‮

(1)‮ فيما‮ ‬يخص عمليات تشويه الأعضاء التناسلية انظر كولينس وأكازيبي،‮ ‬السويد،‮ ‬قرار رقم‮ ‬05‭/‬23944‮ ‬بتاريخ‮ ‬8‮ ‬مارس‮ ‬‭.‬2007

‮(2) ‬انظر مثلاً‮ ‬قضية كرتلمس ضد تركيا،‮ ‬قرار رقم‮ ‬01‭/‬65500‮ ‬بتاريخ‮ ‬24‮ ‬يناير‮ ‬‭.‬2006‮ ‬ليلى شاهين ضد تركيا،‮ ‬قرار بتاريخ‮ ‬10‮ ‬نونبر‮ ‬2005‮ )‬الغرفة الكبرى‮(. ‬وقضية دهلب ضد سويسرا،‮ ‬قرار بتاريخ‮ ‬15‮ ‬فبراير‮ ‬‭.‬2001

‮(3) ‬انظر مثلاً‮ ‬قضية‮ ‬ليلى شاهين ضد تركيا،‮ ‬قرار رقم‮ ‬98‭/‬4474‮ ‬بتاريخ‮ ‬10‮ ‬نونبر‮ ‬2005،‮ ‬فقرة‮ ‬‭.‬107 ‮

(4) ‬الوثيـقة النـهائية للـندوة الـدوليـة حـول‮ ''‬حـوار الثـقافات والتعاون فيما بين الأديان‮'' )‬منتدى لا فولكا‮( ‬نيجني‮ ‬موفكورود/فدرالية روسيا،‮ ‬9‭-‬7‮ ‬شتنبر‮ ‬2006‮ )‬يمكن مراجعتها على العنوان التالي‮ :‬‭ ‬ ‭.(‬www.coe.int/dialogue

‮(5) ‬الإعلان النهائي‮ ‬للندوة الأوروبية حول‮ ''‬البعد الديني‮ ‬للحوار بين الثقافات‮''‬،‮ ‬سان مارين،‮ ‬23‮ ‬و24‮ ‬أبريل‮ ‬2007‮ )‬متوفر على الموقع‮ : ‬‭.(‬www.coe.int/dialogue‭ ‬


‬خمس مقاربات للعمل السياسي‮ ‬من أجل النهوض بحوار الثقافات
يرتكز النهوض بحوار الثقافات على خمسة أبعاد منفصلة ولكن مرتبطة فيما بينها وتخص كل الأطراف المشاركة‮. ‬وترتبط هذه المسألة بالحكامة الديمقراطية للتنوع الثقافي‮. ‬ويمكن تحقيق النهوض بحوار الثقافات عبر المشاركة والمواطنة الديمقراطية،‮ ‬كما‮ ‬يتطلب اكتساب كفاءات بين ثقافية ويستدعي‮ ‬وجود فضاءات حوار مفتوحة‮. ‬وأخيراً،‮ ‬يجب إنجاز هذا الأمر على المستوى الدولي‮. ‬ولقد تم اختبار عدة مبادرات بنجاح في‮ ‬الأبعاد الخمس السابقة الذكر‮(‬1‮).‬

4‮. ‬1‮. ‬حكامة ديمقراطية للتنوع الثقافي

4‮. ‬1‮. ‬1‮. ‬ثقافة سياسية تبرز قيمة التنوع

تعد القيم المشتركة للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية وأولوية القانون والتعددية والتسامح وعدم التمييز والاحترام المتبادل حجر الزاوية لثقافة سياسية تبرز قيمة التنوع‮.‬‭ ‬

ولا‮ ‬يمكن لثقافة التنوع أن تتطور إلا إذا وفقت الديمقراطية ما بين قاعدة الأغلبية وحقوق الأفراد المنتمين إلى الأقليات‮. ‬وتعتبر مسألة فرض إرادة الأغلبية على الأقلية دون ضمان الحماية الفعلية لحقوق الجميع متعارضة مع مبادئ الإرث الدستوري‮ ‬المشترك لدول أوروبا‮. ‬ولا‮ ‬يمكن لمجتمع أوروبي‮ ‬مصمم على التوفيق ما بين الوحدة والتنوع أن‮ ‬يكون مجتمعاً‮ »‬يحظى فيه الفائز بكل شيء‮« ‬بل‮ ‬يجب أن‮ ‬يسعى إلى نشر قيم المساواة والاحترام المتبادل في‮ ‬الميدان السياسي‮. ‬ولا‮ ‬يقصد بالديمقراطية بكل بساطة بأن وجهة نظر الأغلبية هي‮ ‬التي‮ ‬يجب أن تطغى‮ :‬‭ ‬لذلك‮ ‬يجب إيجاد توازن‮ ‬يضمن تعاملاً‮ ‬ملائماً‮ ‬ومنصفاً‮ ‬لكل الأفراد المنتمين للأقليات ويمنع أي‮ ‬تعسف من موقع الهيمنة‮(‬2‮).‬

إن إعداد ثقافة سياسية تشجع على التعددية الثقافية مهمة موجبة،‮ ‬حيث‮ ‬يستدعي‮ ‬ذلك وجود نظام تربوي‮ ‬يشجع على تطوير كفاءات التفكير النقدي‮ ‬والتجديد بالإضافة إلى فضاءات‮ ‬يمكن للأشخاص المشاركة والتعبير بداخلها‮.‬‭ ‬

يجب تكوين عناصر حفظ الأمن والمسؤولين السياسيين والأساتذة والمجموعات المهنية الأخرى بالإضافة إلى زعماء المجتمع المدني‮ ‬بطريقة تمكنهم من أداء مهامهم داخل جماعات تتميز بتنوعها الثقافي‮. ‬يجب أن تكون الثقافة فعالة وتتميز بالتجريب‮.‬‭ ‬ووسائل الإعلام مدعوة لنشر معلومات موضوعية وأفكار جديدة وإعادة النظر في‮ ‬الأفكار الجاهزة‮. ‬فمن الضروري‮ ‬وجود مبادرات وفاعلين متعددين ويتعين تدخل المجتمع المدني‮ ‬بقوة‮.‬

4‮. ‬1‮. ‬2‮. ‬حقوق الإنسان والحريات الأساسية

تحدد حقوق الإنسان إطاراً‮ ‬أساسياً‮ ‬لممارسة حوار الثقافات‮. ‬ويعد حق حرية التفكير والتعبير وحرية الدين وحرية الاجتماع والتجمع وكذلك حق احترام الحياة الخاصة والحياة العائلية،‮ ‬من أهم مقتضيات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان‮. ‬يجب أن‮ ‬يكون من الممكن ممارسة كل الحقوق المنصوص عليها في‮ ‬الاتفاقية السابقة الذكر وبدون أي‮ ‬شكل من أشكال التمييز‮. ‬ويحتوي‮ ‬البروتوكول‮ ‬12‮ ‬من الاتفاقية على بند عام حول عدم التمييز‮. ‬وتتضمن مجموعة الحقوق،‮ ‬بالإضافة إلى الحقوق المدنية والسياسية،‮ ‬الحقوق السوسيو ــ اقتصادية التي‮ ‬يضمنها الميثاق الاجتماعي‮ ‬الأوروبي‮ ‬والذي‮ ‬يتطرق لعدد من القضايا‮ ‬يمكن أن تمس خاصة أشخاص منتمين لمجموعات مهمشة‮ )‬الولوج لسوق الشغل،‮ ‬التربية،‮ ‬الحماية الاجتماعية،‮ ‬الصحة والسكن‮((‬3‮)‬،‮ ‬بالإضافة إلى الحقوق الثقافية المنصوص عليها في‮ ‬عدد من المواثيق والاتفاقيات مثل العهد الدولي‮ ‬الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‮ )‬1966‮(.‬

وتعد حرية التعبير،‮ ‬المنصوص عليها في‮ ‬البند‮ ‬10‮ ‬فقرة‮ ‬1‮ ‬من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان،‮ ‬شرطاً‮ ‬أساسياً‮ ‬للمشاركة في‮ ‬حوار الثقافات‮. ‬ويمكن لممارسة هذه الحرية،‮ ‬التي‮ ‬تتكون من واجبات ومسؤوليات،‮ ‬أن تقيد ببعض الشروط المحددة في‮ ‬البند‮ ‬10‮ ‬فقرة‮ ‬2‮ ‬من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان‮. ‬لقد أصبح تعدد‮ ''‬خطابات الكراهية‮'' ‬موضوع اهتمام متزايد من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي‮ ‬عرفت،‮ ‬في‮ ‬اجتهادها،‮ ‬حالة بحالة الحد الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن عنده ممارسة حرية التعبير‮.‬‭ ‬

وتعتبر بعض أشكال التعبير،‮ ‬اعتباطياً،‮ ‬مهينة وجارحة إلى درجة أنها‮ ‬يمكن أن تهدد وجود ثقافة التسامح نفسها‮. ‬فمن شأنها ليس فقط أن تمس بكرامة أفراد الجماعات الأقلية وبشكل‮ ‬غير مقبول بل أيضاً‮ ‬يمكن أن تعرضهم للتخويف والتهديد‮.‬‭ ‬ويتعارض التحريض على الكراهية المبنية على التعصب مع احترام الحقوق والحريات الأساسية التي‮ ‬تضمنها اتفاقية واجتهاد المحكمة الأوروبية‮.‬

ولكن المحكمة رفعت المستوى في‮ ‬ما‮ ‬يخص القيود المفروضة على حرية التعبير،‮ ‬حيث دعت إلى حماية حتى الأقوال‮ ''‬الصادمة أو المزعجة‮''(4‮)‬،‮ ‬وهو ما‮ ‬يترك مثلاً‮ ‬بعض الحرية لانتقاد دين الآخر‮ )‬كنظام أفكار‮ ‬يمكن أن نختار الانخراط فيه‮(.‬‭ ‬وتأخذ المحكمة بعين الاعتبار تأثير هذه الأقوال والسياق الذي‮ ‬قيلت فيه،‮ ‬مع تحديد لاسيما إذا ما كانت تساهم في‮ ‬خلق نقاش عمومي‮ ‬متعدد حول مواضيع ذات أهمية عامة‮.‬

وبالنسبة لوسائل الإعلام،‮ ‬تعتبر حرية التعبير مبدأً‮ ‬أساسياً،‮ ‬رغم أنه للصحفيين كذلك مسؤوليات وواجبات معينة‮. ‬بالفعل،‮ ‬هم أحرار في‮ ‬التعبير عن أرائهم،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك أحكام القيمة،‮ ‬حول مواضيع ذات أهمية عامة ولكن من واجبهم كذلك استقاء ونشر أخبار موضوعية‮. ‬ويجب تحسيس مهنيي‮ ‬الإعلام بضرورة إرساء أسس حوار وتعاون بين ثقافي‮ ‬يتعدى الحواجز الإثنية والثقافية والدينية واللغوية من أجل النهوض بثقافة التسامح والتفاهم المتبادل،‮ ‬مع إبقاء دورهم في‮ ‬إخبار العموم نصب أعينهم‮.‬

4‮. ‬1‮. ‬3‮. ‬من المساواة في‮ ‬الفرص إلى المساواة في‮ ‬التمتع بالحقوق

يهدف‮ ''‬النموذج الاجتماعي‮ ‬الأوروبي‮'' ‬المذكور في‮ ‬استراتيجية التماسك الاجتماعي‮ ‬المعدلة،‮ ‬إلى ضمان مساواة حقيقية في‮ ‬الفرص‮. ‬إن أكثر الأشخاص حاجة لحماية حقوقهم هم‮ ‬غالباً‮ ‬أقل الناس قدرة على فرضها‮. ‬لذلك‮ ‬يجب مرافقة الحماية القانونية للحقوق بتدابير محددة لسياسة اجتماعية تهدف إلى ضمان ولوج كل فرد،‮ ‬وبشكل عملي،‮ ‬إلى حقوقه‮. ‬وينص الميثاق الاجتماعي‮ ‬الأوروبي‮ ‬والاتفاقية الأوروبية حول الوضع القانوني‮ ‬للعامل المهاجر مثلاً‮ ‬على ضرورة التزام الدول الأطراف بضمان معاملة العمال المهاجرين وذويهم المتواجدين بشكل قانوني‮ ‬فوق أراضيهم بنفس الطريقة التي‮ ‬يعامل بها المواطنون في‮ ‬مختلف السياقات الاقتصادية والاجتماعية‮.‬

وفضلاً‮ ‬عن مبدإ عدم التمييز،‮ ‬فالدول مدعوة كذلك إلى اتخاذ تدابير إيجابية لإلغاء الفوارق المرتبطة بالتمييز الذي‮ ‬يمارس على أفراد مجموعات مهمشة‮. ‬وفي‮ ‬المجال العام،‮ ‬يجب على سلطات الدولة فرض منع التمييز وبشكل صارم،‮ ‬يترجم حياد الدولة فيما‮ ‬يخص القضايا الثقافية والدينية‮. ‬ولكن المساواة الشكلية ليست دائماً‮ ‬كافية ويستدعي‮ ‬النهوض بالمساواة الحقيقية،‮ ‬عند اللزوم،‮ ‬تبني‮ ‬تدابير خاصة تتوافق مع مبدإ عدم التمييز‮. ‬وفي‮ ‬بعض الحالات،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يؤدي‮ ‬غياب تعامل مميز لإزالة فارق ما،‮ ‬بدون مبرر موضوعي‮ ‬ومعقول،‮ ‬إلى التمييز‮(‬5‮).‬‭ ‬

ويمكن أن‮ ‬يكون ضرورياً،‮ ‬إلى حد ما،‮ ‬اتخاذ إجراءات عملية من أجل أخذ التنوع بعين الاعتبار‮(6‮).‬‭ ‬ولا‮ ‬يجب أن تلحق مثل هذه التدابير التوفيقية الضرر بحقوق الآخرين أو خلق صعوبات تنظيمية‮ ‬غير متناسقة أو التسبب في‮ ‬نفقات مفرطة‮.‬

4‮. ‬2‮. ‬مواطنة ديمقراطية ومشاركة

تفيد المواطنة،‮ ‬في‮ ‬مفهومها الواسع،‮ ‬حق بل مسؤولية المشاركة،‮ ‬إلى جانب الآخرين،‮ ‬في‮ ‬الحياة الاجتماعية والاقتصادية والشؤون العامة‮(‬7‮) ‬للجماعة‮. ‬وتعتبر أساسية للحوار بين الثقافات،‮ ‬فهي‮ ‬تدعونا إلى اعتبار الآخرين،‮ ‬ليس بطريقة جامدة ــ على أنه‮ ''‬الآخر‮'' ‬ــ،‮ ‬بل كمواطنين وأنداد لنا‮. ‬وتتطلب عملية تيسير الوصول إلى المواطنة اتخاذ تدابير قانونية وتشريعية بالإضافة إلى أخرى تربوية‮. ‬وتيسر المواطنة المشاركة المدنية كما تساهم في‮ ‬إبراز قيمة إسهام الوافدين الجدد الذين‮ ‬يدعمون بدورهم التماسك الاجتماعي‮.‬‭ ‬

تساهم المشاركة الفعالة لكل القاطنين في‮ ‬حياة الطائفة المحلية في‮ ‬ازدهار هذه الأخيرة وتيسر اندماجها‮. ‬ويعتبر الحق المخول للأجانب القاطنين بصفة قانونية في‮ ‬بلدة أو إقليم ما بالمشاركة في‮ ‬الانتخابات المحلية والإقليمية وسيلة للنهوض بالمشاركة‮.‬

وفي‮ ‬إطار الاتفاقية الأوروبية حول الجنسية‮ )‬1997‮(‬،‮ ‬تلتزم الدول الموقعة بتوفير إمكانية للتجنيس بالنسبة للأشخاص القاطنين بصفة قانونية واعتيادية على أراضيها،‮ ‬وتحديد مدة عشر سنوات كمدة إقامة قصوى قبل تقديم طلب التجنيس‮. ‬وليس من الضروري،‮ ‬لهذا الغرض،‮ ‬أن‮ ‬يكون التجنيس مشروطاً‮ ‬بالتخلي‮ ‬عن جنسية البلد الأصل‮.‬‭ ‬ومن شأن حق الأطفال الأجانب في‮ ‬الحصول على جنسية بلد المولد والإقامة في‮ ‬تيسير اندماجهم بشكل قوي‮.‬

أعربت لجنة الوزراء عن قلقها إزاء عدم الالتزام السياسي‮ ‬والمدني‮ ‬المتزايد وضعف الثقة في‮ ‬المؤسسات الديمقراطية وتزايد عدد السلوكيات العنصرية والمعادية للأجانب‮. ‬ولكن تبدو التوجهات التي‮ ‬تصب في‮ ‬نفس السياق محدودة في‮ ‬أوروبا‮. ‬وتقترن المستويات العليا للثقة الاجتماعية والالتزام داخل منظمات المجتمع المدني،‮ ‬التي‮ ‬تم تسجيلها في‮ ‬بعض الدول الأعضاء،‮ ‬بنظام حكم ديمقراطي،‮ ‬تميزه سلطة عمومية محايدة ترتكز على أولوية القانون،‮ ‬وتيسر المشاركة‮. ‬ويمكن للحوار بين الثقافات أن‮ ‬يقرب فكرة الديمقراطية من المواطنين،‮ ‬بالمساهمة في‮ ‬تقوية الثقة الاجتماعية وبتيسير مشاركة أفراد الجماعات الأقلية التي‮ ‬تعتبر مهمشة‮.‬

وتقوم السلطات المحلية والجهوية بدور حاسم في‮ ‬هذا السياق‮. ‬وتؤكد اتفاقية مجلس أوروبا حول مشاركة الأجانب في‮ ‬الحياة العامة المحلية على ضرورة دعم المشاركة‮. ‬ومن الجدير مقاومة إغراء تعيين مسؤولين ذكور عن الأقليات من الجيل الأول من المهاجرين كمخاطبين وحيدين،‮ ‬بل‮ ‬يجب أخذ التنوع بعين الاعتبار بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية الموجودة داخل الجماعات الأقلية وإشراك الشباب بصفة خاصة‮.‬

4‮. ‬3‮. ‬تعلم وتدريس الكفاءات البين ثقافية

لا‮ ‬يمكن التمكن بصفة تلقائية من الكفاءات الضرورية للحوار بين الثقافات،‮ ‬بل‮ ‬يجب أن تكتسب وتمارس ويحافظ عليها طيلة الحياة‮. ‬ويمكن للسلطات العمومية ومهنيي‮ ‬قطاع التربية ومنظمات المجتمع المدني‮ ‬والجماعات الدينية ووسائل الإعلام وباقي‮ ‬المتدخلين في‮ ‬القطاع التربوي،‮ ‬العاملين في‮ ‬مختلف السياقات المؤسساتية وفي‮ ‬كل المستويات أن تقوم بدور حاسم في‮ ‬هذا الإطار لمواصلة الأهداف والقيم الأساسية التي‮ ‬يدافع عنها مجلس أوروبا وكذلك لدعم حوار الثقافات‮. ‬ويعتبر التعاون البين مؤسساتي‮ ‬حاسماً‮ ‬لاسيما مع الاتحاد الأوروبي‮ ‬واليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‮ )‬ألكسو‮( ‬والشركاء الآخرين النشيطين في‮ ‬هذا الميدان‮.‬

4‮. ‬3‮. ‬1‮. ‬مجالات الكفاءات الرئيسية‮ :‬‭ ‬المواطنة الديمقراطية وتعلم اللغات والتاريخ

تعتبر التربية على المواطنة الديمقراطية أساسية ليس فقط لسير مجتمع حر ومتسامح ومنفتح وإدماجي،‮ ‬بل كذلك للانسجام الاجتماعي‮ ‬والتفاهم المتبادل والتضامن وحوار الثقافات وبين الأديان ولإرساء المساواة ما بين النساء والرجال‮.‬‭ ‬وتشمل كل الأعمال التربوية النظامية وغير النظامية،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك التعليم المهني‮ ‬والأسرة والجماعات المرجعية،‮ ‬التي‮ ‬تمكن الفرد من التصرف كمواطن نشيط ومسؤول محترم للآخرين‮. ‬وتغطي‮ ‬التربية على المواطنة الديمقراطية التربية المدنية والتاريخية والسياسية والتربية على حقوق الإنسان،‮ ‬بالإضافة إلى التربية للتأقلم مع السياق العالمي‮ ‬للمجتمعات وعلى الإرث الثقافي‮. ‬وتشجع المقاربات المتعددة الفروع كما تجمع ما بين اكتساب المعارف والكفاءات والسلوكيات،‮ ‬لاسيما القدرة على التفكير وقابلية النقد الشخصي‮ ‬الضروريان للعيش داخل مجتمعات مختلفة ثقافياً‮.‬

وغالباً‮ ‬ما تشكل اللغة عائقاً‮ ‬في‮ ‬التفاعلات البين ثقافية‮. ‬بالفعل،‮ ‬تقر المقاربة البين ثقافية بقيمة اللغات المستعملة ما بين أفراد الجماعات الأقلية،‮ ‬إلا أنها تعتبر من الضروري‮ ‬أن‮ ‬يتعلم هؤلاء اللغة السائدة في‮ ‬الدولة التي‮ ‬يعيشون فيها لكي‮ ‬يصبحوا مواطنين بشكل كامل‮. ‬يتوافق هذا المبدأ مع الميثاق الأوروبي‮ ‬للغات المحلية أو لغات الأقلية الذي‮ ‬ينص على ضرورة حماية اللغات الأقل استعمالاً‮ ‬من خطر الاندثار،‮ ‬لأنها تساهم في‮ ‬الغنى الثقافي‮ ‬لأوروبا وتضيف بأن استعمال هذه اللغات حق لا‮ ‬يجوز المس به‮. ‬ويبرز الميثاق الأوروبي‮ ‬قيمة التعدد اللغوي،‮ ‬مؤكداً‮ ‬بأنه لا‮ ‬يجب أن تكون حماية لغات الأقلية في‮ ‬بلد معين على حساب اللغات الرسمية ومقراً‮ ‬بضرورة تعلم هذه اللغات‮. ‬إن تعلم اللغات‮ ‬يساعد المتعلمين على عدم تكوين صورة جامدة عن الآخرين ويساعدهم على تطوير الفضول والانفتاح على الآخر واكتشاف ثقافات أخرى‮.‬‭ ‬ويساعدهم كذلك على إدراك مدى‮ ‬غنى التبادلات مع أشخاص ذوي‮ ‬هوية اجتماعية وثقافة مختلفتين‮.‬

وتشير توصية لجنة الوزراء حول تدريس التاريخ في‮ ‬القرن الحادي‮ ‬والعشرين‮ )‬2001‮((8‮) ‬إلى ضرورة تطوير القدرة على تحليل وتفسير المعلومة عند التلاميذ بطريقة نقدية ومسؤولة من خلال الحوار والبحث في‮ ‬الأحداث التاريخية والنقاش المفتوح المبني‮ ‬على النظرة التعددية خاصة في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بالقضايا الحساسة وموضوع جدل‮. ‬ويساهم تدريس التاريخ في‮ ‬تفادي‮ ‬تكرار المحرقة أو نفي‮ ‬حدوثها أو تكرار الإبادات الجماعية وجرائم أخرى ضد البشرية والتصفيات العرقية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتضميد جراح الماضي‮ ‬والنهوض بالقيم الأساسية التي‮ ‬يدافع عنها مجلس أوروبا‮. ‬ويعتبر تدريس التاريخ عاملاً‮ ‬حاسماً‮ ‬للمصالحة والاعتراف والتفاهم والثقة المتبادلة ما بين الشعوب‮. ‬يجب أن‮ ‬يشغل تدريس التاريخ مكانة أساسية في‮ ‬تكوين مواطن مسؤول ونشيط ولتطوير احترام كل أشكال الاختلافات،‮ ‬بمعنى احترام مبني‮ ‬على فهم الهوية الوطنية ومبادئ التسامح‮. ‬ولا‮ ‬يمكن لتدريس التاريخ أن‮ ‬يكون وسيلة لمناورة إيديولوجية أو دعاية أو لإشاعة قيم قومية متشددة أو معادية للأجانب أو عنصرية أو معادية للسامية أو متعصبة‮. ‬ولا‮ ‬يمكن للأبحاث التاريخية والتاريخ بالطريقة التي‮ ‬يدرس بها في‮ ‬المدرسة أن تكون بأي‮ ‬شكل من الأشكال متلائمة مع القيم الأساسية والنظام الأساسي‮ ‬لمجلس أوروبا إذا كانت‮ ‬تنشر تصورات مغلوطة للتاريخ أو تساعد على القيام بذلك‮. ‬يجب أن‮ ‬يشمل تدريس التاريخ إلغاء كل الأفكار والصور الجاهزة وإبراز التأثيرات الإيجابية المتبادلة،‮ ‬في‮ ‬البرامج،‮ ‬ما بين البلدان والديانات ومدارس التنمية التاريخية لأوروبا بالإضافة إلى الدراسة النقدية للتحريفات التي‮ ‬طرأت على التاريخ سواء تعلق الأمر بتحريف بسبب نفي‮ ‬حقيقية تاريخية أو تزوير أو حذف أو جهل أو استعادة إيديولوجية‮.‬

4‮. ‬3‮. ‬2‮. ‬التعليم الابتدائي‮ ‬والثانوي

في‮ ‬أوروبا متعددة الثقافات،‮ ‬لا تهيئ التربية فقط الشباب لولوج سوق الشغل بل تشجع كذلك تطويرهم الشخصي‮ ‬وتقدم لهم قاعدة واسعة من المعارف‮. ‬وتشكل المدارس محركات مهمة لتهيئ الشباب لحياتهم كمواطنين نشيطين حيث‮ ‬يجب،‮ ‬من جهة،‮ ‬أن توجههم وتساعدهم على اكتساب الوسائل وتطوير سلوكيات ضرورية للحياة داخل المجتمع،‮ ‬بكل مظاهرها،‮ ‬أو اقتراح استراتيجيات عليهم لاكتساب هذه الوسائل ومن جهة أخرى مساعدتهم على فهم القيم التي‮ ‬ترتكز عليها الحياة الديمقراطية والتمكن منها،‮ ‬وذلك عبر إدراج احترام حقوق الإنسان كأساس لتدبير التنوع وتشجيع الانفتاح على الثقافات الأخرى‮.‬‭ ‬

في‮ ‬المنهج النظامي،‮ ‬تحتوي‮ ‬كل المواد على بعد بين ثقافي‮.‬‭ ‬وربما أكثر المواد المعنية في‮ ‬هذا الإطار هي‮ ‬التاريخ وتدريس اللغات والأحداث الدينية وتلك المتعلقة بالمعتقدات‮(‬9‮).‬‭ ‬يمكن تدريس الأحداث الدينية وتلك المتعلقة بالمعتقدات في‮ ‬سياق بين ثقافي‮ ‬من نشر معارف حول كل الديانات والمعتقدات وتاريخها‮. ‬وهكذا‮ ‬يوفر للمتعلمين إمكانية فهم الديانات والمعتقدات وإلغاء الأفكار الجاهزة‮. ‬لقد تبنت كل من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب هذا المنهج‮(10).‬‭ ‬وفي‮ ‬سنة‮ ‬2007،‮ ‬أشار وزراء التربية الأوروبيون إلى أهمية اتخاذ إجراءات من شأنها أن تحسن التفاهم المتبادل ما بين الجماعات الثقافية و/أو الدينية عن طريق التربية المدرسية،‮ ‬بموجب مبادئ مشتركة للأخلاق والمواطنة الديمقراطية‮. ‬ويجب أن‮ ‬يأخذ التعليم بعين الاعتبار التنوع الديني‮ ‬وذلك المتعلق بالمعتقدات،‮ ‬كيفما كان نظام التعليم الديني‮ ‬المعتمد‮(‬11‮).‬‭ ‬

4‮. ‬3‮. ‬3‮. ‬التعليم العالي‮ ‬والبحث

تلعب مؤسسات التعليم العالي،‮ ‬كفاعلة في‮ ‬المجتمع وكفضائات لممارسة حوار الثقافات،‮ ‬دوراً‮ ‬مهماً‮ ‬في‮ ‬دعم حوار الثقافات عن طريق برامجها التعليمية‮. ‬وتبرز الجامعة أحسن من خلال كونيتها ــ تشبثها برحابة الفكر وبالانفتاح على العالم ــ‭ ‬التي‮ ‬ترتكز على قيم موروثة من عصر الأنوار‮. ‬وهكذا تعتبر الجامعة في‮ ‬وضع جيد لتكوين‮ ''‬مثقفين بين ثقافيين‮'' ‬يمكنهم لعب دور فعال في‮ ‬الحياة العامة‮.‬

يجب أن ترتكز هذه الصيرورة على البحث الجامعي‮ ‬حول التعلم البين ثقافي،‮ ‬من أجل أخذ‮ ''‬التعلم على العيش سوياً‮'' ‬والتنوع الثقافي‮ ‬بعين الاعتبار في‮ ‬كل الأنشطة التعليمية‮.‬

4‮. ‬3‮. ‬4‮. ‬التعلم‮ ‬غير النظامي‮ ‬

يضطلع التعلم‮ ‬غير النظامي‮ ‬خارج المدارس والجامعات،‮ ‬لاسيما في‮ ‬إطار أنشطة الشباب وكل أشكال الخدمة التطوعية والمدنية،‮ ‬بدور لا‮ ‬يقل أهمية‮. ‬وشجع مجلس أوروبا الدول الأعضاء على النهوض بالتربية‮ ‬غير النظامية والحث على تشبث الشباب ومساهمتهم في‮ ‬القيم المؤسسة للحوار بين الثقافات‮.‬

وتعتبر منظمات الشباب والجمعيات الرياضية والجماعات الدينية بشكل خاص في‮ ‬موقع جيد للمضي‮ ‬قدماً‮ ‬بحوار الثقافات في‮ ‬سياق التربية‮ ‬غير النظامية‮. ‬وبالإضافة إلى الأسرة والمدرسة ومكان العمل،‮ ‬يمكن لمجموعات الشباب والمراكز الجماعية أن تكون دعامات للانسجام الاجتماعي‮. ‬وغالباً‮ ‬ما تنجح هذه المنظمات أكثر من‮ ‬غيرها في‮ ‬إشراك أشخاص منحدرين من الأقليات وبشكل فعال وفي‮ ‬منحهم إمكانيات حقيقية للحوار،‮ ‬وذلك بفضل تنوع برامجها الكبير وطبيعة أنشطتها المتفتحة والحرة وكذلك بفضل التزام أعضائها‮. ‬وتعتبر منظمات المجتمع المدني‮ ‬وغير الحكومية النشيطة مكوناً‮ ‬أساسياً‮ ‬للديمقراطيات التعددية التي‮ ‬تشجع على المشاركة النشيطة في‮ ‬الشؤون العامة وعلى المواطنة الديمقراطية المسؤولة،‮ ‬في‮ ‬إطار احترام حقوق الإنسان والمساواة بين النساء والرجال‮. ‬لذلك‮ ‬يمكن التفكير في‮ ‬تخويل منظمات المهاجرين الإمكانية والأموال اللازمة لتطوير الخدمات التطوعية لفائدة الأشخاص المنحدرين من الأقليات،‮ ‬لاسيما الشباب،‮ ‬بهدف تقوية حظوظهم في‮ ‬سوق الشغل وفي‮ ‬المجتمع‮.‬

وتساهم وسائل الإعلام كذلك وخدمات التواصل الجديدة في‮ ‬تسهيل التعليم‮ ‬غير النظامي،‮ ‬كما توفر إمكانيات متعددة لاكتشاف الممارسات الثقافية الأخرى‮.‬

4‮. ‬3‮. ‬5‮. ‬دور المدرسين

يقوم المدرسون،‮ ‬في‮ ‬كل المستويات،‮ ‬بدور أساسي‮ ‬في‮ ‬دعم حوار الثقافات وفي‮ ‬تحضير الأجيال القادمة للحوار‮. ‬ويجعل من‮ ‬التزامهم وسعيهم إلى تطبيق ما‮ ‬يدرسونه مع تلاميذهم وطلبتهم نماذج هامة‮ ‬يحتدى بها‮.‬

يجب على برامج تكوين المدرسين وضع استراتيجيات تربوية ومناهج عمل لتهيئهم لتدبير الأوضاع الجديدة الناتجة عن التنوع والتمييز والعنصرية والمعاداة للأجانب والتمييز الجنسي‮ ‬والتهميش،‮ ‬والعمل على فض النزاعات بطريقة سلمية‮. ‬كما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تشجع هذه البرامج على نهج مقاربة شاملة للحياة المؤسساتية،‮ ‬وذلك بالاعتماد على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان،‮ ‬وخلق جماعة من المتعلمين،‮ ‬مع الأخذ بعين الاعتبار التصورات الفردية‮ ‬غير المعلنة،‮ ‬وكذا الجو المدرسي‮ ‬والمظاهر‮ ‬غير النظامية للتربية‮.‬

ويجب أيضاً‮ ‬على مؤسسات تكوين المدرسين تصور آليات لضمان الجودة،‮ ‬تكون مستوحاة من التربية على المواطنة الديمقراطية،‮ ‬وإيلاء أهمية قصوى لأبعاد التداخلات الثقافية مع المساهمة في‮ ‬تطوير مؤشرات ووسائل للتقييم الذاتي‮ ‬قائمة بذاتها خدمة للمؤسسات التربوية‮. ‬كما أنه من واجب مؤسسات تكوين المدرسين أيضاً‮ ‬دعم التربية على تقبل واحترام التداخلات الثقافية في‮ ‬إطار التكوين الجاري‮.‬

إن هدف المركز الأوروبي‮ ‬للموارد من أجل التربية على المواطنة وتلقين مبادئ الاندماج المشترك للثقافات،‮ ‬الموجود مقره بأوسلو،‮ ‬والذي‮ ‬يشتغل بتنسيق مع مجلس أوروبا،‮ ‬يتجلى في‮ ‬الارتقاء بالتفاهم وتنمية سبل المعرفة المتبادلة من أجل إرساء الثقة وتفادي‮ ‬النزاعات عبر برامج تروم تكوين المدرسين‮.‬

4‮. ‬3‮. ‬6‮. ‬المحيط الأسري‮ ‬

للآباء،‮ ‬والبيئة الأسرية بشكل أوسع،‮ ‬دور مهم في‮ ‬إعداد الشباب وتحضيرهم للعيش في‮ ‬مجتمع‮ ‬يتميز بتنوعه الثقافي‮ ‬الكبير‮. ‬لذا‮ ‬يجب على الآباء،‮ ‬بصفتهم نماذج‮ ‬يقتدي‮ ‬بها أطفالهم ويحتدون،‮ ‬المساهمة بشكل فعال بغية تطوير العقليات والتصورات‮.‬‭ ‬ومن شأن بعض البرامج التربوية الموجهة للكبار وللأسر،‮ ‬والمخصصة للتنوع الثقافي،‮ ‬أن تساعد الأسرة على النهوض بهذا الدور‮.‬

4‮. ‬4‮. ‬فضاءات حوار الثقافات

تلح الضرورة على خلق فضاءات حوار مفتوحة في‮ ‬وجه الجميع‮. ‬ويتوقف نجاح الحكامة التي‮ ‬تخص العلاقات الثقافية المتداخلة،‮ ‬توقفاً‮ ‬بيّناً‮ ‬وبشكل كبير،‮ ‬على تعدد هذه الفضاءات التي‮ ‬تأوي‮ ‬الناس من قبيل الأزقة،‮ ‬والأسواق والمحلات التجارية،‮ ‬والمنازل وروض الأطفال،‮ ‬والمدارس والجامعات،‮ ‬والمراكز الاجتماعية الثقافية وأندية الشباب،‮ ‬والكنائس والبيّع‮ )‬المعابد اليهودية‮(‬‭ ‬والمساجد،‮ ‬وقاعات الندوات داخل الشركات،‮ ‬وأماكن العمل،‮ ‬والمتاحف والمكتبات،‮ ‬ومحلات الترفيه والفضاءات الافتراضية مثل وسائل الإعلام‮.‬

ولعلّ‮ ‬التخطيط للفضاءات الموجودة في‮ ‬المناطق الحضرية‮ ‬يشكل في‮ ‬هذا المجال مثالاً‮ ‬معبّراً،‮ ‬حيث‮ ‬يمكن تنظيم هذا الفضاء إن بطريقة‮ ''‬أحادية‮'' ‬الوظيفة أو بصيغة الوظائف‮ ''‬المتعددة‮''. ‬ففي‮ ‬الحالة الأولى،‮ ‬يكون الفضاء الحضري‮ ‬مكوناً،‮ ‬على الطريقة التقليدية المعهودة،‮ ‬من تجزئات سكنية ومناطق صناعية ومواقف للسيارات وطرق محورية‮. ‬وأما الحالة الثانية فتخطيطها‮ ‬يضع تصوراً‮ ‬لساحات تدب فيها الحياة،‮ ‬ومنتزهات وأزقة نشيطة،‮ ‬وأرصفة مقاهي‮ ‬وأسواق‮. ‬والفرق‮ ‬يكمن في‮ ‬أن المناطق ذات التصور الوظيفي‮ ‬الأحادي‮ ‬تنحو نحو تفرقة الأفراد وتشتيتهم،‮ ‬بينما تساهم الفضاءات التي‮ ‬يتم التخطيط لها بتصور وظائف متعددة على خلق احتكاك بين مختلف طبقات المجتمع،‮ ‬وبذلك فهي‮ ‬تنمي‮ ‬عقلية التسامح‮. ‬لذا‮ ‬يبدو من المهم جداً‮ ‬ألا‮ ‬يتم إسكان فئة المهاجرين بكثافة،‮ ‬كما هو عليه الحال في‮ ‬أغلب الأحيان،‮ ‬في‮ ‬مناطق إقامة تنعدم فيها بهجة الحياة ويصمها العار والعزلة والإقصاء من المشاركة في‮ ‬الحياة المدنية الحضرية‮.‬

بدورها تساعد الأنشطة الثقافية على اكتشاف وسائل تعبير ثقافية متعددة،‮ ‬وتساهم بذلك في‮ ‬نشر التسامح والتفاهم المتبادل والاحترام‮. ‬ويبقى الإبداع الثقافي‮ ‬قادراً‮ ‬على المساهمة بشكل واسع في‮ ‬الحث على احترام الآخر‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬تعتبر الفنون مجالاً‮ ‬للتباين والمواجهة في‮ ‬بعدها الرمزي‮ ‬الإيجابي،‮ ‬وحقلاً‮ ‬يتيح التعبير الفردي‮ ‬والتفكير النقدي‮ ‬في‮ ‬الذات والقدرة على القيام بدور الوسيط‮. ‬فالفنون بطبيعتها تتخطى الحواجز،‮ ‬وتنسج وشائج وتخاطب بشكل مباشر أحاسيس وعواطف الأشخاص‮. ‬ويقوم المواطنون المبدعون،‮ ‬من خلال مشاركتهم في‮ ‬الأنشطة الثقافية،‮ ‬بخلق فضاءات وفرص أخرى جديدة للحوار‮.‬

وبالنظر إلى الخصائص الإنسانية المشتركة التي‮ ‬تجمع الأفراد كافة،‮ ‬تغدو المتاحف والمواقع التاريخية قمينة بإعادة النظر في‮ ‬الروايات التي‮ ‬تكرس مفهوم الانتقاء وتعكس الهيمنة التاريخية لمجموعة إثنية أو وطنية معينة،‮ ‬وهي‮ ‬قمينة أيضاً‮ ‬بتوفير فضاءات للتعارف المتبادل ما بين أفراد من أصول مختلفة‮. ‬ويمكن في‮ ‬هذا المضمار لدراسة الإرث الثقافي‮ ‬الأوروبي‮ ‬أن تشكل لوحة خلفية لمواطنة أوروبية متعددة تتماشى ومتطلبات عصرنا‮. ‬فمن المعروف أن الطرق القارية منها والعابرة للحدود،‮ ‬والتي‮ ‬تمت إعادة اكتشافها بمساعدة مجلس أوروبا ضمن إطار شبكة‮ ''‬الطرق الثقافية‮''‬،‮ ‬أثّرت أيما تأثير في‮ ‬تاريخ العلاقات الثقافية ويسّرت،‮ ‬طيلة قرون عديدة،‮ ‬التبادلات بين الثقافات المختلفة‮. ‬وفضلاً‮ ‬عن ذلك،‮ ‬فإنها تمكن من الاطلاع على الإرث الثقافي‮ ‬الأوروبي‮ ‬المتعدد كما أنها تجسد القدرة على العيش سوياً‮ ‬في‮ ‬سلام وفي‮ ‬إطار احترام التنوع والاختلاف‮.‬

ويمكن،‮ ‬بصفة عامة،‮ ‬اعتبار روض الأطفال والمدرسة ونوادي‮ ‬وجمعيات الشباب أماكن بالغة الأهمية في‮ ‬التعلم وفي‮ ‬الحوار بين الثقافات‮. ‬بيد أنه لتصبح فعلاً‮ ‬كذلك،‮ ‬يستلزم الأمر أن تسمح هذه الفضاءات للأطفال وللشباب من أصول مختلفة باللقاء بهدف التواصل وإعداد أنشطة مشتركة‮. ‬وكلما كانت هذه الأمكنة مندمجة كلما ترسّخ تعلم التبادل الثقافي‮ ‬المشترك وأصبح تعلماً‮ ‬فعّالاً‮.‬

بدورها توفر وسائل الإعلام والاتصال فضاءات مهمة للحوار‮ ‬غير المباشر‮. ‬فهي‮ ‬شاهد على التنوع الثقافي‮ ‬للمجتمع،‮ ‬لأنها تضع الثقافات ضمن سياقها وتقترح أرضيات للتعبير عن وجهات نظر مختلفة قد لا تتاح بالضرورة للقراء أو المستمعين أو المشاهدين في‮ ‬حياتهم اليومية‮. ‬ولهذا الغرض،‮ ‬ينبغي‮ ‬على وسائل الإعلام السهر على تشغيل موظفين قادمين من آفاق شتىّ،‮ ‬وتكوينهم في‮ ‬ما‮ ‬يخص قضية التنوع‮. ‬فالخدمات الحديثة التي‮ ‬توفرها وسائل التواصل للجمهور،‮ ‬الذي‮ ‬تعود على التلقي‮ ‬ليس إلا،‮ ‬أصبحت تتيح للناس إمكانية المشاركة في‮ ‬الحوار بين الثقافات بطريقة إعلامية مباشرة،‮ ‬خاصة عبر الشبكات الاجتماعية والمنتديات الموجودة على شبكة الإنترنيت أو عبر المشاركة في‮ ‬مواقع مفتوحة مثل موقع‮ ''‬ويكي‮'' )‬Wiki‮(.‬

وبالإضافة إلى ذلك،‮ ‬تقدم وسائل الإعلام العالمية تنوعاً‮ ‬مذهلاً‮ ‬من نماذج من الأدوار التي‮ ‬يجد المرء فيه ذاته‮. ‬ويمكن،‮ ‬بالنظر لمثل هذا التعقيد،‮ ‬أن‮ ‬يتم الانغراء،‮ ‬من باب الانخداع،‮ ‬في‮ ‬التفكير في‮ ‬حيلة لإلصاق صورة نمطية جاهزة على‮ ''‬الآخر‮'' ‬وإسقاط كل مشاكل العالم وعلله عليه‮. ‬وهنا تبدو مسألة التدبير الديمقراطي‮ ‬للتنوع قضية حساسة حيث‮ ‬يجب الحرص على عدم توجيه الحوار بشكل مفرط،‮ ‬كما‮ ‬يجب الحيول دون تحوله إلى خطابات تدعو إلى الكراهية وعدم التسامح‮.‬

ويمكن للرياضة هي‮ ‬أيضاً‮ ‬أن تساهم بشكل كبير في‮ ‬الحوار بين الثقافات،‮ ‬بربطها للحوار مباشرة بالحياة اليومية‮. ‬فقد استفادت كرة القدم في‮ ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬خاصة وأنها أمست رياضة كونية،‮ ‬من عدة أعمال مناهضة للعنصرية‮ ‬يدعمها في‮ ‬أوروبا الاتحاد الأوروبي‮ ‬لكرة القدم الذي‮ ‬وضع‮ ''‬مخطط عمل من‮ ‬10‮ ‬نقاط‮'' ‬وأعد توجيهات تستجيب لطموحات الأندية‮. ‬ذلك أنه‮ ‬يمكن اللعب سوياً‮ ‬مع احترام قواعد محايدة وكونية،‮ ‬وهذا المبدأ السائد للروح الرياضية‮ ‬يمكن أن‮ ‬يشكل تجربة بين الثقافات المختلفة‮.‬

وينبغي‮ ‬كذلك عدم تجاهل الدور الذي‮ ‬تضطلع به أماكن العمل في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮. ‬فالتنوع عامل للتجديد كما تشهد على ذلك ما تقوم به في‮ ‬هذا الشأن أهم مراكز إنتاج سبل المعرفة‮. ‬وباستطاعة قوة عمل متنوعة أن تخلق مقاربات جديدة بفضل الاعتماد فيها على مزايا العمل الجماعي‮ ‬ومشاركة المستخدمين‮. ‬وهنا‮ ‬يبدو أن للتسامح دوراً‮ ‬مهماً‮ ‬في‮ ‬استقطاب المواهب الضرورية للتطور التكنولوجي‮ ‬اللازم بغية تحقيق النجاح‮. ‬بيد أنه‮ ‬يلاحظ أن العديد من أفراد الأقليات الإثنية‮ ‬يشغلون مناصب مؤقتة ويتقاضون أجوراً‮ ‬ضعيفة‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬يتوجب على النقابات أن تقوم بدور مهم ليس فقط من خلال تحسين أوضاع العمل ولكن أيضاً‮ ‬من خلال توفير أماكن للتضامن بين الأفراد ذوو ثقافات مختلفة بهدف مكافحة الآثار الضارة لتشتت قوة سوق العمل،‮ ‬وهو الأمر الذي‮ ‬يمكن للمنظمات العنصرية أن تستغله‮.‬

من جهة أخرى،‮ ‬يوفر نمط التسيير اليومي‮ ‬للمرافق العمومية والمنظمات‮ ‬غير الحكومية والطوائف الدينية فرصاً‮ ‬عدة للحوار بين الثقافات تتجاوز حدود اللقاءات العادية‮. ‬فمرافق الخدمات الصحية ومراكز تجمع الشباب وفضاءات التربية على اتصال‮ ‬يومي‮ ‬بأفراد الأقليات الإثنية والعرقية‮.‬‭ ‬لذلك‮ ‬يجب أن تتوفر هذه الأماكن على مستخدمين‮ ‬يتميزون بالكفاءة وبالتكوين الجيد والقدرة على اللجوء إلى الترجمة عند الضرورة،‮ ‬حتى‮ ‬يجعلوا من هذه الاتصالات اليومية لقاءات مثمرة‮. ‬ففي‮ ‬قطاع الصحة،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬يمكن لمجالي‮ ‬الولادة والصحة العقلية أن‮ ‬يكونا في‮ ‬غاية الحساسية‭. ‬ولعل توظيف أفراد من الجماعات الأقلية في‮ ‬المرافق العمومية،‮ ‬يرجع أصلهم إلى أوساط إثنية ودينية وثقافية ولغوية مختلفة،‮ ‬قمين بتوسيع قاعدة كفاءة الجماعات المتعددة الثقافات‮. ‬وهذا التبادل المبني‮ ‬على الاحترام والكرامة أمر مفيد في‮ ‬العلاقات مع مختلف مستعملي‮ ‬هذه المرافق‮. ‬وتعد برامج التوأمة بين المدن فرصة رائعة للنهوض بالخبرة في‮ ‬هذا المجال‮.‬

4‮. ‬5‮. ‬حوار الثقافات في‮ ‬بعده الدولي

يجب أن‮ ‬يشكل التزام أوروبا بالعمل متعدد الأطراف،‮ ‬المبني‮ ‬على القانون الدولي‮ ‬والنهوض بحقوق الإنسان والديمقراطية وأولوية القانون،‮ ‬مثالاً‮ ‬للحوار بين الثقافات على المستوى الدولي‮. ‬فتطبيق هذه المبادئ على الحوار بين الثقافات على المستوى الدولي‮ ‬مهمة أساسية لتسهيل التفاهم المتبادل‮. ‬وقد جاءت توصيات المؤتمر الثالث لمجلس أوروبا،‮ ‬الذي‮ ‬انعقد في‮ ‬فرسوفيا سنة‮ ‬2005،‮ ‬لتدعيم الإجماع الأوروبي‮ ‬حول هذه المهمة،‮ ‬وهو الإجماع الذي‮ ‬أعيد التأكيد عليه أكثر في‮ ‬وثائق لاحقة‮.‬

والواقع أنه‮ ‬غالباً‮ ‬ما‮ ‬يتم وصف الوضع الجيوسياسي‮ ‬الراهن على أنه مجموعة حضارات تقصي‮ ‬بعضها البعض وتسعى وراء امتيازات سياسية واقتصادية نسبية على حساب بعضها البعض‮. ‬ويمكن هنا لمفهوم الحوار بين الثقافات أن‮ ‬يمحي‮ ‬الصور الجاهزة والتشبيهات العقيمة التي‮ ‬يمكن أن تنتج عن مثل هذا التصور للعالم لأنه‮ ‬يوضح بأننا نعيش في‮ ‬بيئة عالمية تتميز بالهجرات وبالترابط المتزايد والولوج السهل لوسائل الإعلام الدولية ولخدمات التواصل الجديدة كالإنترنيت،‮ ‬ومن ثم،‮ ‬فقد أصبحت الهويات الثقافية أشد تعقيداً‮ ‬وتداخلاً‮ ‬وجمعاً‮ ‬لعناصر عدة من مصادر شتى‮. ‬ويمكن مواجهة هذا الوضع الجديد بشكل فعال إذا ما تم إضفاء روح الحوار بين الثقافات على العلاقات الدولية‮. ‬وهكذا‮ ‬يمكن للحوار بين الثقافات أن‮ ‬يساهم في‮ ‬تفادي‮ ‬النزاعات حل الخلافات وتسهيل المصالحات وإعادة بناء الثقة الاجتماعية‮.‬

يظل مجلس أوروبا منفتحاً‮ ‬على التعاون مع المناطق المجاورة لأوروبا وبقية العالم‮. ‬وتسعى المنظمة،‮ ‬التي‮ ‬تعتبر استكمال وتنسيق عملها مع عمل باقي‮ ‬المؤسسات الدولية،‮ ‬لاسيما على المستوى الأوروبي،‮ ‬أمراً‮ ‬بالغ‮ ‬الأهمية،‮ ‬إلى المساهمة في‮ ‬الحوار بين الثقافات على المستوى الدولي‮. ‬وبالفعل،‮ ‬فإن عملها‮ ‬يساهم بشكل كبير على المستوى الدولي،‮ ‬خصوصاً‮ ‬على الساحة الأوروبية،‮ ‬في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮. ‬والأخص ذكره أن‮ ''‬القيمة المضافة‮'' ‬لعملها تكتسي‮ ‬طابعاً‮ ‬دولياً‮ ‬لأن فائدة هذا الجهد‮ ‬يتم وضعه رهن إشارة مؤسسات دولية أخرى والدول الأعضاء والمجتمع المدني‮ ‬وكل الأطراف الأخرى المعنية،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمة ذلك خبرة مجلس أوروبا في‮ ‬ما‮ ‬يخص معايير وآليات المتابعة في‮ ‬مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية وأولوية القانون‮. ‬ويمكن لمجلس أوروبا أيضاً‮ ‬أن‮ ‬يساهم بخبرته لرفع رهانات التحدي‮ ‬التي‮ ‬يفرضها التنوع الثقافي‮ ‬في‮ ‬الميادين الاجتماعية والتربوية والصحية والثقافية‮. ‬وتتواصل المنظمة بشكل دائم ومنسق مع أطراف متدخلة رئيسية،‮ ‬مثل أعضاء البرلمانات الوطنية والجماعات المحلية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني،‮ ‬في‮ ‬الدول الأعضاء السبعة والأربعين‮.‬‭ ‬ويمكن لمجلس أوروبا،‮ ‬أخيراً،‮ ‬المساهمة عبر هيئات مثل المركز الأوروبي‮ ‬للترابط والتضامن الدوليين‮ )‬مركز شمال ــ جنوب،‮ ‬لشبونة‮(‬‭ ‬والمركز الأوروبي‮ ‬للغات الحية‮ )‬المعروف اختصارا بـ‮ ''‬كراز‮''(‬‭ ‬والمركزين الأوروبيين للشباب‮ )''‬ستراسبورغ‮''‬،‮ ''‬بودابيست‮''(‬،‮ ‬وأيضاً‮ ‬من خلال تعاونه مع المركز الأوروبي‮ ‬للموارد من أجل التربية على المواطنة الديمقراطية وعلى احترام التعدد الثقافي‮ )‬أوسلو‮(‬‭ ‬أو مؤسسات أخرى مثل المركز الثقافي‮ ‬الأوروبي‮ ‬الموجود بـ‮ ''‬ديلف‮''.‬

يقر مجلس أوروبا بأهمية المبادرات التي‮ ‬يقوم بها فاعلون دوليون آخرون ويقدر حق قدرها شراكاته مع مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي‮ ‬ومنظمة الأمن والتعاون بأوروبا ومنظمة اليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‮ )‬ألكسو‮( ‬ومؤسسة آ‮''‬نا ليند‮'' ‬الأورو متوسطية للحوار ما بين الثقافات‮. ‬كما‮ ‬يشارك مجلس أوروبا في‮ ‬منتدى‮ ''‬تحالف الحضارات‮''‬،‮ ‬الذي‮ ‬أعطى انطلاقته الأمين العام للأمم المتحدة وترعاه كل من اسبانيا وتركيا،‮ ‬ويدرس المجلس إمكانية عقد مذكرة اتفاق مع‮ ''‬التحالف‮'' ‬لدعم علاقات التعاون‮(‬12‮).‬‭ ‬ويدرس كذلك وسيلة النهوض بالحوار بين الثقافات في‮ ‬إطار مكسب المجلس المذكور في‮ ‬مجال حقوق الإنسان وأولوية القانون والديمقراطية في‮ ‬تبادلاته مع فاعلين آخرين مثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة‮ )‬الإيسيسكو‮(‬‭ ‬ومركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية‮ )‬المعروف اختصاراً‮ ‬بالـ‮ ''‬إرسيكا‮''(.‬

ويمكن كذلك لمنظمة مثل مجلس أوروبا أن تستغل أيضاً‮ ‬علاقات التقارب وبرامج التعاون التي‮ ‬تربط بعض أعضاء المنظمة بجهات معينة من العالم‮. ‬وهنا وجبت الإشارة إلى أن العلاقات العابرة للحدود،‮ ‬المدعومة تاريخياً‮ ‬من لدن مجلس أوروبا،‮ ‬تكتسي‮ ‬بعداً‮ ‬مهماً‮ ‬في‮ ‬مجال العلاقات الثقافية المختلطة‮.‬

يقوم الفاعلون‮ ‬غير الحكوميين،‮ ‬المنضوون دولياً‮ ‬في‮ ‬منظمات‮ ‬غير حكومية وفي‮ ‬طوائف دينية،‮ ‬بدور حاسم في‮ ‬الحوار بين الثقافات التي‮ ‬تتخطى الحدود والبلدان،‮ ‬حيث بإمكان هؤلاء الأفراد النشيطين أن‮ ‬يضطلعوا بدور المجددين‮. ‬وقد كان على هذه المنظمات أن ترفع رهان التحدي‮ ‬الذي‮ ‬يمثله التنوع الثقافي‮ ‬المختلف منذ وقت طويل بفضل قدرتها على خلق صلات وصل وشبكات اتصال لا تنجح الاتفاقيات المبرمة بين الحكومات في‮ ‬وضعها بسهولة‮.‬

وللأفراد كذلك دور في‮ ‬هذا السياق،‮ ‬حيث‮ ‬يمكن لمن تعودوا على العيش والعمل في‮ ‬وسط ثقافي‮ ‬يتسم بالتعدد والاختلاف،‮ ‬خاصة الأشخاص المنحدرين من الهجرة،‮ ‬ربط علاقات تتجاوز وتتخطى الحدود الوطنية‮. ‬وبإمكانهم كذلك أن‮ ‬يصبحوا قطب حركة تنموية تحث على التجديد والإغناء المتبادل للأفكار‮. ‬فهم‮ ‬يمثلون الطابع الثقافي‮ ‬الشديد التنوع ويجسدون سياق هوية الاختلاف المفعم بالغنى والإثراء،‮ ‬ومن ثم‮ ‬يمكنهم أن‮ ‬يكونوا رائدين في‮ ‬ميدان الحوار بين الثقافات‮.‬

ـــــــــــــــ‬ ‮

(1)‮ ‬سيتم نشر كل أمثلة السلوكيات الحسنة المستقاة خلال الاستشارة على العنوان التالي‮ : ‬‭.‬www.coe.int/dialogue

‮(2) ‬انظر ليلى شاهين ضد تركيا،‮ ‬قرار رقم‮ ‬98‭/‬44774‮ ‬بتاريخ‮ ‬10‮ ‬نونبر‮ ‬2005،‮ ‬فقرة‮ ‬‭.‬108‮ ‬انظر أيضاً‮ ‬البند‮ ‬6‮ ‬من الاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية والتي‮ ‬تلزم الأطراف المتعاقدة بـ‮ ''‬تشجيع روح التسامح وحوار الثقافات وباتخاذ التدابير الناجعة لتشجيع الاحترام والتفاهم المتبادلين وكذلك التعاون ما بين أفراد‮ ‬يعيشون فوق أرض واحدة بغض النظر عن هويتهم الإثنية أو الثقافية أو اللغوية أو الدينية لاسيما في‮ ‬مجالات التربية والثقافة والإعلام‮''.‬

‮(3) ‬طالبت اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية،‮ ‬المكلفة بدراسة التقارير الوطنية وبتحديد ما إذا كانت الوضعية في‮ ‬الدول المشاركة تتوافق والميثاق الاجتماعي‮ ‬الأوروبي،‮ ‬مرات عديدة من الدول منح اهتمام خاص لوضعية العمال الأجانب والمهاجرين والأقليات الوطنية‮. ‬مراجعة الميثاق الاجتماعي‮ ‬الأوروبي‮. ‬اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية‮ : ‬خلاصات‮ ‬1‭-‬18،‮ ‬مجلد‮ ‬1‮. ‬ستراسبورغ‮ ‬2006‮. ‬صفحات‮ ‬59،‮ ‬102،‮ ‬212،‮ ‬261،‮ ‬293‮.‬

‮(4) ‬هانديسايد س‮. ‬ضد المملكة المتحدة،‮ ‬قرار بتاريخ‮ ‬7‮ ‬ديسمبر‮ ‬1976،‮ ‬سلسلة أ،‮ ‬رقم‮ ‬24،‮ ‬فقرة‮ ‬‭.‬49

‮(5) ‬حقوق الإنسان وغيرها،‮ ‬جمهورية التشيك،‮ ‬قرار بتاريخ‮ ‬13‮ ‬نوفمبر‮ ‬2007‮ )‬الغرفة الكبرى‮( : ''‬أقرت المحكمة كذلك بأن كل إجراء أو سياسة عامة لها أضرار متفاوتة على مجموعة معينة‮ ‬يمكن اعتبارها تمييز ولو لم تكن تستهدف بشكل خاص تلك المجموعة وبأن أي‮ ‬تمييز مخالف لمضمون الاتفاقية‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينتج عن سياسة واقعة‮'' )‬فقرة‮ ‬175‮(.‬

(6) ‬انظر الاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية‮ )‬1995‮(‬،‮ ‬بند‮ ‬4،‮ ‬فقرات‮ ‬2‮ ‬و3‮ ‬وكذلك الفقرات الموافقة في‮ ‬التقرير التفسيري‮.... ‬وآخرون،‮ ‬جمهورية تشيك،‮ ‬قرار بتاريخ‮ ‬13‮ ‬نوفمبر‮ ‬2007‮ )‬الغرفة الكبرى‮(. ‬أوضحت اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية بأنه‮ ''‬لا‮ ‬يجب فقط النظر إلى الاختلاف بطريقة إيجابية بل أيضاً‮ ‬أخذه بعين الاعتبار وببصيرة لضمان مساواة حقيقية وفعلية‮'' ‬‭(‬Autism Franc‭)‬،‮ ‬فرنسا،‮ ‬التماس رقم‮ ‬2002‭/‬13،‮ ‬قرار حول صحة الطلب بتاريخ‮ ‬4‮ ‬نوفمبر‮ ‬2003،‮ ‬فقرة‮ ‬‭.‬52

‮(7) ‬انظر الاتفاقية الإطار حول حماية الأقليات الوطنية‮ )‬1995‮(‬،‮ ‬بند‮ ‬‭.‬15

‮(8) ‬توصية‮ )‬2001‮( ‬51‭.‬

‮(9) ‬أوضحت اللجنة الاستشارية للاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية في‮ ''‬تعليق حديث حول التربية على مقتضيات الاتفاقية الإطار لحماية الأقليات الوطنية‮'' )‬المعتمدة في‮ ‬مارس‮ ‬2006‮( ‬أنه‮ ‬يجب أخذ المقتضيات الخاصة بالتربية بعين الاعتبار في‮ ''‬كل المشاريع والأنشطة في‮ ‬مجال التربية البين ثقافية الهادفة إلى تيسير التفاهم المتبادل والاتصالات والتبادلات ما بين مختلف الجماعات بداخل مجتمع معين‮''.‬

‮(10) ‬توصية‮ ‬1720‮ ‬للجمعية البرلمانية حول التربية والدين‮ )‬2005‮(. ‬يلدسن،‮ ‬بوسك مادسن وبيدرسن ضد‮ ‬الدانمارك‮ ‬71‭/‬5095؛‮ ‬72‭/‬5920؛‮ ‬72‭/‬5926‮ ‬بتاريخ‮ ‬7‮ ‬ديسمبر‮ ‬1976،‮ ‬فقرة‮ ‬53؛ فولكيرو وآخرون ضد النورويج،‮ ‬قرار رقم‮ ‬02‭/‬15472‮ ‬بتاريخ‮ ‬29‮ ‬يونيو‮ ‬2007،‮ ‬فقرة‮ ‬84،‮ ‬توصية السياسة العامة رقم‮ ‬10‮ ‬للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب حول مكافحة العنصرية والتمييز العنصري‮ ‬في‮ ‬ومن خلال التربية المدرسية،‮ ‬2006،‮ ‬فقرة‮ ‬22‮ ‬ــ ب‮.‬

‮(11) ‬البيان الختامي‮ ‬للدورة‮ ‬22‮ ‬للندوة الدائمة لوزراء التربية الأوروبيون،‮ ‬اسطنبول،‮ ‬تركيا،‮ ‬4‮ ‬و5‮ ‬مايو‮ ‬2007‮ )''‬بناء قارة أوروبية أكثر إنسانية وإدماجية‮ : ‬مساهمة السياسات التربوية‮''(.‬

‮(12) ‬وقع كل من الأمين العام لمجلس أوروبا والممثل السامي‮ ‬للأمم المتحدة من أجل تحالف الحضارات رسالة نوايا بشأن التعاون المستقبلي،‮ ‬ووضعا مذكرة تفاهم‮.

‬توصيات وتوجيهات السياسة العامة للعمل المستقبلي‮ :‬‭ ‬المسؤولية المشتركة لأهم الفاعلين
يُعدّ‮ ‬تعزيز الحوار بين الثقافات بغاية تشجيع قيمنا المشتركة المتعلقة باحترام حقوق الإنسان،‮ ‬والديمقراطية وسيادة القانون،‮ ‬وتشجيع قيام وحدة أوروبية أكبر،‮ ‬مسؤولية تتقاسمها كل الأطراف المشاركة‮. ‬وسيمكن الالتزام الفعال بالمجالات السياسية الخمس التي‮ ‬تم تعريفها في‮ ‬الجزء السابق الجميع من الاستفادة من‮ ‬غنى إرثنا الثقافي‮ ‬ووضعنا الحالي‮. ‬وبإمكان مجلس أوروبا أن‮ ‬يصدر،‮ ‬استناداً‮ ‬إلى تجربته الطويلة وإلى مفهومه عن التنوع الثقافي‮ ‬والحوار بين الثقافات،‮ ‬توصيات عامة إلى جانب الخطوط الرئيسية التي‮ ‬تليها‮. ‬ومن ثم‮ ‬يمكن تطوير التوجهات السياسية العامة الخاصة بالإجراءات المزمع اتباعها في‮ ‬المستقبل‮.‬

5‮. ‬1‮. ‬حكامة ديمقراطية للتنوع الثقافي

حتى‮ ‬يتم الارتقاء بالتنوع الثقافي،‮ ‬وجب تطوير الحكامة الديمقراطية المرتبطة بهذا الشأن على جميع الأصعدة‮. ‬ويمكن،‮ ‬في‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬توجيه عدة توصيات عامة،‮ ‬بشكل خاص لأصحاب القرار الوطنيين ولهيئات عمومية أخرى‮.‬

والواقع أن الحوار بين الثقافات‮ ‬يحتاج إلى إطار مؤسساتي‮ ‬وقانوني‮ ‬محايد،‮ ‬على الصعيدين المحلي‮ ‬والوطني،‮ ‬يكون مطابقاً‮ ‬لما أقره مجلس أوروبا من معايير مرتبطة بحقوق الإنسان،‮ ‬ومرتكزاً‮ ‬على مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون‮. ‬ومن المهم كذلك وضع تقنين ورسم سياسات واضحة بهدف مناهضة الميز المبني‮ ‬على أساس الجنس،‮ ‬أو العرق،‮ ‬أو اللون،‮ ‬أو اللغة،‮ ‬أو الدين،‮ ‬أو الآراء السياسية أو‮ ‬غيرها،‮ ‬أو الأصل القومي‮ ‬أو الاجتماعي،‮ ‬أو الانتماء إلى أقلية قومية معينة،‮ ‬أو بسبب الثروة،‮ ‬أو المولد أو أية وضعية أخرى مثل التوجه الجنسي،‮ ‬حسب اجتهاد المحكمة‮(‬1‮)‬،‮ ‬أو السن أو الإعاقة الجسدية أو العقلية،‮ ‬حسب التقرير التفسيري‮ ‬للبروتوكول رقم‮ ‬12‮ ‬الوارد في‮ ‬الميثاق الأوروبي‮ ‬لحقوق الإنسان‮(‬2‮). ‬وقد قدمت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح،‮ ‬من جهتها،‮ ‬إشارات موجهة إلى التقنين الوطني‮ ‬ترمي‮ ‬إلى مناهضة العنصرية والميز العنصري‮(‬3‮). ‬ويجب أن تنظم العلاقات بين الدين والدولة بشكل‮ ‬يضمن نفس الحقوق والمسؤوليات لجميع الأشخاص،‮ ‬مهما كانت آراؤهم،‮ ‬وقناعاتهم ودينهم،‮ ‬وأن تحترم،‮ ‬فعلياً،‮ ‬حرية المعتقد والدين احتراماً‮ ‬فعلياً‮.‬

وينبغي‮ ‬أيضاً‮ ‬تأمين تناغم وانسجام داخلي‮ ‬بين مختلف السياسات التي‮ ‬تشجع أو التي،‮ ‬على العكس من ذلك،‮ ‬يمكن أن تعيق الحوار بين الثقافات‮. ‬ولهذا الغرض،‮ ‬ينصح بتبني‮ ‬مقاربة متفق عليها،‮ ‬تتجاوز الحدود المعتادة بين الإدارات العمومية‮.‬‭ ‬فيمكن،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬إنشاء لجنة تنوب عن الوزارات أو وزارة خاصة بالإدماج أو وحدة تابعة لديوان الوزير الأول‮. ‬وفضلاً‮ ‬عن ذلك،‮ ‬فإن تحضير وتنفيذ‮ ''‬مخططات عمل وطنية‮''‬،‮ ‬تعتمد على معايير حقوق الإنسان الدولية،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك تلك المعتمدة على توصيات مجلس أوروبا،‮ ‬والمطابقة لتوصيات هذا الكتاب الأبيض،‮ ‬من شأنها المساهمة حقيقياً‮ ‬في‮ ‬تعزيز رؤية مجتمع مندمج‮ ‬يحمي‮ ‬اختلاف رؤى أعضائه‮. ‬كما أنه‮ ‬يتوجب على هذه‮ ''‬المخططات الوطنية‮'' ‬أن تترجم إلى برامج خاضعة للمراقبة العمومية‮.‬‭ ‬والحال أن مجلس أوروبا مستعد للمساهمة في‮ ‬إعداد برامج العمل الوطنية هذه وتقييم تنفيذها‮. ‬ويعتبر وجود قيادة سياسية على أعلى مستوى مسألة ضرورية لضمان نجاح هذه الخطة‮.‬

وفضلاً‮ ‬عن ذلك،‮ ‬فإن المجتمع المدني،‮ ‬لاسيما الجمعيات المهتمة بالأقليات وبالمهاجرين،‮ ‬لديها هي‮ ‬كذلك دور مهم‮ ‬يجب أن تؤديه‮. ‬وبموازاة مع هذا،‮ ‬يمكن خلق مؤسسات استشارية تجمع ممثلين عن مختلف الشركاء المعنيين بهدف تشجيع الأشخاص المنحدرين من الهجرة أو المنتمين لفئات الأقليات على الاندماج في‮ ‬محيطهم،‮ ‬على أن تتضمن برامج العمل الوطنية في‮ ‬نفس الوقت المهاجرين حديثي‮ ‬العهد والمجموعات الأقلية المتواجدة منذ وقت طويل‮.‬

بإمكان مجلس أوروبا إطلاق مبادرة متابعة تفضي‮ ‬إلى إنجاز أبحاث وعقد مؤتمرات تتولى استكشاف مقاربة التداخل الثقافي‮ ‬في‮ ‬معناها الواسع بغية تدبير التنوع الثقافي،‮ ‬وهو المجال الذي‮ ‬يشكل فيه الحوار بين الثقافات مكوناً‮ ‬ذا أهمية‮.‬‭ ‬وسيكون القصد من هذا العمل على الخصوص استكشاف الروابط وصيغ‮ ‬التكامل بين المقاربة المعتمدة في‮ ‬مجال الثقافات المشتركة وكيفية تدبير التنوع الثقافي‮ ‬من جهة،‮ ‬وسياسة الإدماج المعتمدة من جهة أخرى‮. ‬وسوف تؤدي‮ ‬هذه المبادرة في‮ ‬ما بعد إلى مجموعة من الأنشطة‮ ‬يتولى مجلس أوروبا القيام بها للتعريف أكثر بمفهوم المقاربة المرتبطة بالثقافات المتعددة التداخل وصيغ‮ ‬تدبير التنوع الثقافي،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك الإدماج‮.‬

ويتعين على السلطات العمومية أن تتنبّه جيداً‮ ‬لتطلعات ساكنة ذات جذور ثقافية متنوعة،‮ ‬وأن تسهر على احترام الخدمات العمومية المقترحة استجابة للمطالب المشروعة لجميع المجموعات الاجتماعية،‮ ‬وأن تثبت قدرتها على الاستجابة للرغبات التي‮ ‬تعبر عنها الفئات الاجتماعية المذكورة‮. ‬ويكتسي‮ ‬هذا الشرط،‮ ‬المترتب عن مبادئ المساواة وعدم الميز،‮ ‬أهمية خاصة في‮ ‬مجالات حفظ النظام،‮ ‬والصحة،‮ ‬والشباب،‮ ‬والتعليم،‮ ‬والثقافة والإرث،‮ ‬والسكن،‮ ‬والخدمات الاجتماعية،‮ ‬إضافة إلى التمتع بالعدالة والحق في‮ ‬الشغل‮. ‬كما تعتبر المراحل التي‮ ‬يساهم فيها ممثلون عن الأشخاص المنتمين إلى الأقليات العرقية أو الإثنية المهمشة في‮ ‬أشغال وضع سياسات إسداء الخدمات وتحضير القرارات المتعلقة بتخصيص الموارد،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن التوظيف في‮ ‬قطاع الخدمات،‮ ‬مراحل مهمة‮.‬

وينبغي‮ ‬أن تجري‮ ‬النقاشات العمومية في‮ ‬جو من الاحترام للتنوع الثقافي،‮ ‬لأنه من المفترض،‮ ‬لا بل من البديهي‮ ‬أن ترفض وتدان جميع مظاهر التعبير العنصرية،‮ ‬وكراهية الأجانب وأي‮ ‬شكل آخر من عدم التسامح‮(‬4‮)‬،‮ ‬أكانت صادرة عن‮ ‬أشخاص‮ ‬يشغلون وظائف عمومية أو عن أفراد المجتمع المدني،‮ ‬وذلك وفقاً‮ ‬للمقتضيات الواضحة الواردة في‮ ‬المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان‮. ‬وينبغي‮ ‬أيضاً‮ ‬في‮ ‬المسار نفسه إقصاء كل شكل من أشكال الوصم عاراً‮ ‬تجاه الأشخاص المنتمين للأقليات المهمشة‮.‬‭ ‬ويبقى بإمكان وسائل الإعلام أن تقوم بدور إيجابي‮ ‬في‮ ‬مناهضة عدم التسامح،‮ ‬لاسيما عبر تشجيع ثقافة التفاهم بين أعضاء مختلف المجموعات الإثنية،‮ ‬والثقافية،‮ ‬واللغوية والدينية‮. ‬كما‮ ‬يتعين على مهنيي‮ ‬قطاع الإعلام التفكير في‮ ‬مشكل عدم التسامح في‮ ‬المحيط الذي‮ ‬ما فتئت تتزايد فيه التعددية الإثنية والثقافية للدول الأعضاء،‮ ‬وفي‮ ‬الإجراءات التي‮ ‬من الممكن اتخاذها لتشجيع التسامح،‮ ‬والتفاهم والاحترام‮.‬

ويجب كذلك على الدول أن تتبنى قوانين صارمة‮ ‬يحرّم بمقتضاها‮ ''‬خطاب الكراهية‮'' ‬وكذلك مظاهر العنصرية،‮ ‬وكراهية الأجانب والمثليين الجنسيين والإسلام وعدم التسامح مع الأقليات المعروفة تحت اسم‮ ''‬الروم‮'' ‬المنتشرة في‮ ‬عدة دول والمعروفة بترحالها مثل الغجر،‮ ‬والرحل،‮ ‬أو مظاهر أخرى تحرض على الكراهية أو العنف‮. ‬كما‮ ‬يتعين تكوين الأطر المنتمية لهيئة القضاء الجنائي‮ ‬بشكل ملائم حتى تستطيع تطبيق وفرض احترام هذه القوانين‮. ‬ويتعين أيضاً‮ ‬إنشاء هيئات وطنية مستقلة لمناهضة الميز أو هياكل مشابهة للقيام بنفس المهمة،‮ ‬والتحكم في‮ ‬فعالية هذا النوع من القوانين،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تنظيم الدورات التكوينية اللازمة ودعم الأشخاص المستهدفين بمظاهر التعبير العنصرية‮.‬

ويقع على عاتق الشخصيات السياسية في‮ ‬هذا الباب مسؤولية خاصة‮. ‬فالمواقف التي‮ ‬يتخذونها تؤثر في‮ ‬وجهات نظر الرأي‮ ‬العام إزاء قضايا التعدد الثقافي،‮ ‬وهي‮ ‬بالتالي‮ ‬مواقف تستطيع إما تخفيف أو،‮ ‬على النقيض من ذلك،‮ ‬إثارة التوترات‮.‬‭ ‬وقد انكبت‮ ‬اللجنة الأوربية لمناهضة العنصرية والتعصب على دراسة‮ ‬هذه الأخطار ومظاهر تعبيرها الملموسة،‮ ‬وحددت مجموعة من الإجراءات التي‮ ‬يمكن اتخاذها من أجل مناهضة استعمال العناصر التمييزية،‮ ‬والعنصرية،‮ ‬والمعادية للسامية وللأجانب في‮ ‬الخطاب السياسي‮(‬5‮).‬‭ ‬ويمكن للمسؤولين المحليين،‮ ‬عبر ممارستهم لسلطتهم المدنية،‮ ‬المساهمة بشكل واسع في‮ ‬استتباب السلام بين مختلف المجموعات العرقية‮. ‬كما توصي‮ ‬اللجنة الأوربية لمناهضة العنصرية والتعصب برفض كل تمويل عمومي‮ ‬للأحزاب السياسية التي‮ ‬تدعو إلى العنصرية،‮ ‬ولاسيما تلك الأحزاب التي‮ ‬تعتمد‮ ''‬خطاب الكراهية‮''.‬

وتظل السلطات العمومية مدعوة،‮ ‬عند الاقتضاء،‮ ‬إلى اتخاذ إجراءات إيجابية بهدف تيسير وصول أفراد منتمين لهذه المجموعات المهمشة،‮ ‬والممثلة بشكل محدود،‮ ‬إلى مناصب المسؤولية في‮ ‬الحياة المهنية،‮ ‬والجمعيات،‮ ‬والحياة السياسية وكذلك في‮ ‬الجماعات المحلية والإقليمية،‮ ‬مع مراعاة الكفاءات المهنية المطلوبة‮. ‬ويتوجب على جميع الدول الأعضاء أن تعترف بالمبدإ الذي‮ ‬تصبح بموجبه،‮ ‬في‮ ‬بعض الظروف،‮ ‬الإجراءات الملائمة الهادفة إلى تشجيع مساواة كاملة وفعلية بين الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية وأعضاء الأغلبية،‮ ‬إجراءات ضرورية،‮ ‬شريطة أن لا تكون هذه الإجراءات تمييزية‮. ‬وعند اتخاذ هذه التدابير،‮ ‬فإنه من المهم جداً‮ ‬الأخذ بعين الاعتبار،‮ ‬وبشكل تام،‮ ‬الظروف الخاصة بالأشخاص المنتمين لأقليات وطنية‮(‬6‮).‬

سوف‮ ‬يقوم الاتحاد الأوروبي‮ ‬بالسهر على نشر معاييره القانونية والخطوط الرئيسية لهذه القوانين،‮ ‬يتم تقديمها في‮ ‬حلة جديدة وجذابة،‮ ‬وسط المجموعات المستهدفة،‮ ‬ومنها مثلاً‮ ‬السلطات المحلية وأصحاب القرار،‮ ‬ومسؤولي‮ ‬منظمات المجتمع المدني‮ ‬ووسائل الإعلام،‮ ‬علاوة على فئة الشباب‮. ‬ولإنجاح ذلك،‮ ‬يمكن للمنظمة أن تقترح،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬وثائق تتناول حقوق الإنسان في‮ ‬مجتمع‮ ‬يتميز بالتنوع الثقافي‮ ‬تم تحضيرها وفقاً‮ ‬لمقتضيات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان،‮ ‬يتم توزيعها بشكل واسع،‮ ‬إضافة إلى كتب تعالج‮ ''‬خطابات الكراهية‮'' ‬ومسألة حمل رموز دينية في‮ ‬الأماكن العمومية‮.‬

يعمل مجلس أوروبا على تيسير الوصول إلى قرارات الاجتهاد القضائي‮ ‬الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن الحوار بين الثقافات

وسوف‮ ‬ينشر المجلس المذكور تحليلاً‮ ‬معمقاً‮ ‬لأحكام وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمرتبطة بمواد الاتفاقية الممكن تطبيقها على الحوار بين الثقافات‮.‬

وسوف تدرس اللجنة المسيرة المكلفة بحقوق الإنسان سلسلة من القضايا المتعلقة باحترام حقوق الإنسان في‮ ‬مجتمع متعدد الثقافات‮. ‬وهو العمل الذي‮ ‬قد‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تبني‮ ‬نص سياسي‮ ‬من قبل مجلس أوروبا‮. ‬وسوف‮ ‬يتم أيضاً‮ ‬متابعة التطورات التي‮ ‬يعرفها مجال الحقوق الثقافية‮.‬

وبصفة عامة،‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتم تكثيف النقاش وتبادل أوجه النظر بخصوص الحوار بين الثقافات حتى‮ ‬يستطيع مجلس أوروبا أن‮ ‬يقوم بشكل فعال بمختلف الأدوار المسطرة في‮ ‬هذه الوثيقة‮. ‬ويوفر برنامج أنشطة مجلس أوروبا فرصاً‮ ‬عدة تم دعمها وتكثيفها بهدف إتاحة حوار في‮ ‬الموضوع‮. ‬ويمكن أن نذكر في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬المؤتمرات الوزارية،‮ ‬والنقاشات البرلمانية،‮ ‬والدورات التكوينية مع المنظمات الشبابية ولقاءات الخبراء،‮ ‬على‮ ‬غرار‮ ''‬منتديات الثقافات المشتركة‮'' ‬السابقة والمنظمة من قبل مجلس أوروبا‮(‬7)‬،‮ ‬هي‮ ‬المنتديات التي‮ ‬مكنت من استقاء عدة معلومات مهمة،‮ ‬استخدم العديد منها في‮ ‬هذا الكتاب الأبيض‮. ‬وسوف‮ ‬يتم في‮ ‬المستقبل بحث وسائل تنظيم منتديات أخرى تجمع الثقافات المختلفة‮.‬

مجلس أوروبا‮ : ‬منتدى منتظم للحوار بين الثقافات

يواصل مجلس أوروبا،‮ ‬عبر برنامج أنشطته،‮ ‬إدراج خبرته في‮ ‬مجال حقوق الإنسان،‮ ‬والديمقراطية وسيادة القانون بغية وضعهما في‮ ‬خدمة الحوار بين الثقافات‮. ‬والمجلس‮ ‬يحضر،‮ ‬عبر الحوار القائم بين الدول الأعضاء في‮ ‬المجلس،‮ ‬وبين المجتمع المدني‮ ‬والأطراف المتدخلة الأخرى،‮ ‬لوضع إجراءات على المستوى المحلي،‮ ‬والوطني‮ ‬والدولي‮.‬

والحالة هذه،‮ ‬يمكن أن نذكر على سبيل المثال،‮ ‬المؤتمر المزمع تنظيمه بالاشتراك مع خبراء الحكومات وعدة فاعلين في‮ ‬المجتمع المدني،‮ ‬مثل الصحافيين وأعضاء الطوائف الدينية‮. ‬وهو لقاء‮ ‬يهدف إلى فك بعض القضايا الصعبة المرتبطة بحقوق الإنسان،‮ ‬خصوصاً‮ ‬تلك المتعلقة بحرية التعبير والدين‮.‬

ويتم أيضاً‮ ‬التحضير لحملة جديدة تخص مناهضة العنصرية‮. ‬وتعتبر هذه الحملة امتداداً‮ ‬للحملة التي‮ ‬استهدفت الشباب،‮ ‬وكان شعارها‮ ''‬كلنا مختلفون،‮ ‬وكلنا متساوون‮''‬،‮ ‬لكنها هذه المرة سوف تخاطب جمهوراً‮ ‬أوسع،‮ ‬وتركز على شتى صيغ‮ ‬الميز والعنصرية،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك المعاداة للسامية،‮ ‬وللإسلام ولفئة الغجر‮.‬

حملة على الصعيد الأوروبي‮ ‬ضد الميز العنصري

يطلق مجلس أوروبا،‮ ‬بشراكة مع مهنيي‮ ‬قطاع الإعلام ومؤسسات التكوين الصحفي،‮ ‬سنة‮ ‬2008،‮ ‬حملة ضد الميز العنصري‮ ‬،‮ ‬تتركز حول دور وسائل الإعلام في‮ ‬أوروبا كقارة متعددة الثقافات‮.‬

أما في‮ ‬ما‮ ‬يخص السياسات المتبعة على الصعيد الثقافي،‮ ‬فسوف‮ ‬يعمل مجلس أوروبا على تطوير أنظمته الخاصة بنشر المعلومات المتعلقة بالسياسات المتبعة وبالمعايير الثقافية،‮ ‬وسوف‮ ‬يواصل توثيق نماذج الممارسات الجيدة،‮ ‬وذلك من أجل تشجيع سياسات ذات بعد ثقافي‮ ‬تسهل ولوج الجميع‮ ‬إلى المشاركة وتشجيعهم على ذلك‮. ‬كما سيستمر تحيين وتطوير‮ ''‬مختبر السياسات الثقافية‮''(‬8‮). ‬وسوف‮ ‬يتعاون مجلس أوروبا كذلك مع مؤسسات أوروبية ودولية أخرى بهدف جمع وتحليل المعطيات،‮ ‬ونشر معلومات حول الحوار بين الثقافات على الدول الأعضاء‮.‬

5‮. ‬2‮. ‬المواطنة الديمقراطية والمشاركة

يتم تشجيع السلطات العمومية ومجموع القوى الاجتماعية على وضع الإطار الملائم للحوار،‮ ‬وذلك عبر مبادرات تربوية ومقتضيات عملية تحث على مساهمة كل من الأغلبية والأقليات‮. ‬وتتطلب الديمقراطية المساهمة الفعالة للفرد في‮ ‬الشؤون العامة،‮ ‬إذ أن إقصاء أي‮ ‬كان من حياة الجماعة أمر‮ ‬غير مبرر،‮ ‬وقد‮ ‬يشكل حاجزاً‮ ‬خطيراً‮ ‬يقف حجرة عثرة أمام حوار الثقافات‮.‬

كما أنه من الأجدر وضع أشكال دائمة للحوار،‮ ‬كأن تكون مثلاً‮ ‬على شكل هيئات استشارية مكلفة بتمثيل المقيمين الأجانب لدى السلطات العمومية،‮ ‬و‮''‬لجان محلية للإدماج‮''‬،‮ ‬كما أوصى بذلك مؤتمر السلطات المحلية والإقليمية‮(‬9‮)‬،‮ ‬فقد تكون لهذه اللجان منفعة خاصة‮.‬

ولا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تخضع ممارسة حقوق الإنسان،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك تلك التي‮ ‬يمارسها أفراد أجانب‮ ‬،‮ ‬لأي‮ ‬استثناء‮ ‬غير مناسب‮. ‬فبالنظر للطبيعة الكونية لحقوق الإنسان،‮ ‬والتي‮ ‬تعتبر حقوق الأقليات جزءاً‮ ‬لا‮ ‬يتجزأ منها،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك الحقوق الثقافية،‮ ‬واللغوية والحق في‮ ‬المشاركة،‮ ‬يبقي‮ ‬من الضروري‮ ‬أن‮ ‬يتم ضمان حق تمتع‮ ‬جميع الأفراد تمتعاً‮ ‬كاملاً‮ ‬بها‮. ‬وقد أولت لجنة البندقية أهمية خاصة لهذه النقطة‮(‬10‮).‬

‮ويتعين على السلطات العمومية أن تشجع كل المقيمين بصفة شرعية فوق أراضيها،‮ ‬على المشاركة الفاعلة في‮ ‬الحياة العمومية المحلية،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك اللجوء إلى إمكانية تخويلهم حق التصويت في‮ ‬الانتخابات المحلية والإقليمية على أساس المبادئ التي‮ ‬وضعتها الاتفاقية الخاصة بمساهمة الأجانب في‮ ‬الحياة العامة محلياً‮. ‬وبما أن الوصول إلى المواطنة الديمقراطية‮ ‬يتبع وضع المواطن القومي،‮ ‬فإنه‮ ‬يتعين على السلطات العمومية أن تتخذ بعض الإجراءات كي‮ ‬يحصل الشخص الأجنبي‮ ‬على المواطنة الشرعية وفقاً‮ ‬للمبادئ المذكورة في‮ ‬الاتفاقية الدولية حول الجنسية‮.‬‭ ‬

ويتعين على السلطات العمومية أن تساند بشكل فعال عمل منظمات المجتمع المدني‮ ‬التي‮ ‬تشجع المشاركة والمواطنة الديمقراطية،‮ ‬وعلى الأخص منها تلك التي‮ ‬تمثل الشباب والأشخاص المنتمين للأقليات،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك تلك الخاصة بالمهاجرين،‮ ‬أو بالفئات التي‮ ‬تشتغل معهم‮.‬‭ ‬وبما أن ممارسة المواطنة الديمقراطية والمشاركة تمر‮ ‬غالباً‮ ‬عبر منظمات المجتمع المدني،‮ ‬فإنه‮ ‬يتعين أن تتوفر هذه الأخيرة على إمكانية القيام بدور ذي‮ ‬أهمية خاصة في‮ ‬المجتمعات ذات التنوع الثقافي،‮ ‬سواء كموفرة للخدمات استجابة لاحتياجات الأشخاص المنتمين لمجموعة معينة،‮ ‬أو كمدافعين عن التنوع وعن حقوق الأشخاص المنتمين للأقليات،‮ ‬أو كوسائل مساعدة على الانسجام والاندماج الاجتماعيين،‮ ‬ناهيك عن كون‮ ‬ممثلي‮ ‬الأقليات الخاصة والجمعيات التي‮ ‬تنشط في‮ ‬ميدان الثقافات المختلفة تعد محاوراً‮ ‬أساسياً‮ ‬في‮ ‬مجال الحوار بين الثقافات‮.‬

ويتعين أن‮ ‬يكون هذا النوع من الجمعيات من المساهمين بشكل نشيط في‮ ‬وضع مخططات إدماج وطنية،‮ ‬وفي‮ ‬تصميم وتنفيذ مشاريع وبرامج،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن المساهمة في‮ ‬تقييم هذه الأنشطة لاحقاً‮. ‬ويجب أن تشجع هذه الجمعيات بشكل منهجي‮ ‬ومدروس مساهمة أشخاص منتمين للأقليات في‮ ‬أنشطة منظمات المجتمع المدني‮.‬

والسلطات المحلية مدعوة بشكل كبير إلى الإقدام على اتخاذ الإجراءات الرامية إلى تعزيز الالتزام بالحس المدني‮ ‬وثقافة المشاركة الديمقراطية‮.‬‭ ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬تشكل البرامج البلدية التي‮ ‬تشجع الاندماج وأيضاً‮ ''‬مجالس الأجانب‮''‬،‮ ‬التي‮ ‬تمكن الأشخاص المنتمين لأقليات ولفئة المهاجرين من المشاركة في‮ ‬الحياة السياسية المحلية،‮ ‬أمثلة جيدة للممارسات المحمودة في‮ ‬هذا المجال‮. ‬وقد حدد المؤتمر المنعقد بخصوص دورالسلطات المحلية والإقليمية خطوطاً‮ ‬رئيسةً‮ ‬مفصلةً‮ ‬في‮ ‬هذا الموضوع‮.‬

تتوفر لدى مجلس أوروبا إرادة تعزيز المواطنة الديمقراطية والمساهمة في‮ ‬إعداد نسبة كبيرة من برامجه،‮ ‬ومن بينها برنامج‮ ''‬مدن تتعدد فيها الثقافات‮'' ‬الذي‮ ‬يُعنى بتوطيد القدرات والمساعدة على وضع سياسات الاندماج‮. ‬وسوف تعمل المدن المشاركة على وضع استراتيجيات ثقافية مشتركة لتدبير التنوع بوصفه مصدر‮ ‬غنى وإشعاع‮.‬‭ ‬وسوف تتم بلورة البرنامج بتعاون مع عدة شركاء‮ ‬يعملون بتنسق بين عدة حكومات وشركاء آخرين‮ ‬غير حكوميين‮.‬

دعم برنامج‮ ''‬مدن تتعدد فيها الثقافات‮'' ‬

سوف‮ ‬يطلق مجلس أوروبا سنة‮ ‬2008‮ ‬برنامجاً‮ ‬لمساعدة المدن على أن تصبح أماكن خاصة بامتياز للحوار بين الثقافات،‮ ‬لاسيما عبر تقييمات لنظراء ومبادلات للممارسات الجيدة المتعلقة بالحكامة،‮ ‬والإعلام،‮ ‬وأنشطة الوساطة والسياسات الثقافية‮.‬

سوف تشكل قضية التنوع الثقافي‮ ‬في‮ ‬المناطق الحضرية موضوعاً‮ ‬ذا أولوية خاصة‮. ‬فلكي‮ ‬تزدهر هذه المدن في‮ ‬السنوات القادمة،‮ ‬يجب عليها أن تكون مدناً‮ ‬تزخر بتعدد الثقافات واختلاطها‮.‬‭ ‬وسيكون عليها إذن أن تكون قادرة على تدبير هذا التنوع الثقافي‮ ‬وإبراز قيمتة بهدف حث جميع الأفراد على الخلق والإبداع،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تأمين ازدهارها الاقتصادي،‮ ‬وتوطيد تناغمها وتحسين جودة العيش فيها‮.‬

5‮. ‬3‮. ‬تعلم وتلقين الكفاءات في‮ ‬بيئة ثقافية مختلطة

يكتسي‮ ‬تعلم وتلقين الكفاءات المرتبطة بالتعددية الثقافية أهمية رئيسة بالنسبة للثقافة الديمقراطية والانسجام الاجتماعي‮. ‬إن توفير تعليم للجميع‮ ‬يستجيب لمعايير بالجودة ويشجع الإدماج،‮ ‬تعليم قمين بالحث على المشاركة الفعلية وعلى الالتزام بالحس المدني،‮ ‬وقادر على استشعار المعوقات التربوية‮. ‬ويمكن ترجمة هذه المقاربة عبر توصيات أساسية وخطوط رئيسة،‮ ‬يمكن بلورتها بهدف توجيهها إلى السلطات العمومية ومؤسسات التربية النظامية،‮ ‬وكذلك إلى المجتمع المدني،‮ ‬لاسيما منظمات الأقليات والشباب والإعلام،‮ ‬والشركاء الاجتماعيين والثقافيين،‮ ‬وإلى المجموعات الدينية التي‮ ‬تقترح أنشطة تربوية‮ ‬غير رسمية أو‮ ‬غير نظامية‮. ‬

ويتعين على السلطات العمومية،‮ ‬ومنظمات المجتمع المدني‮ ‬والمتدخلين في‮ ‬القطاع التربوي‮ ‬أن‮ ‬يجعلوا من تطوير الحوار بين مختلف الثقافات ومن التعليم الإدماجي‮ ‬مكوناً‮ ‬رئيسياً‮ ‬على جميع المستويات‮.‬‭ ‬ويجب أن تشكل الكفاءات المتوفرة في‮ ‬بيئة ثقافية متنوعة جزءاً‮ ‬من التربية على المواطنة وعلى حقوق الإنسان‮.‬‭ ‬ويتعين على السلطات المحلية والمؤسسات التربوية أن تستعمل،‮ ‬قدر الإمكان،‮ ‬تعريفات الكفاءات الضرورية للتواصل بين الثقافات من أجل بلورة وتنفيذ البرامج التعليمية وشعب الدراسات على جميع مستويات النظام التعليمي،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك تكوين الأساتذة والبرامج التربوية الموجهة إلى البالغين‮.‬‭ ‬كما‮ ‬يجب تطوير وسائل تعليمية تكميلية بهدف تشجيع التلاميذ على ممارسة حكم نقدي‮ ‬ومستقل‮. ‬بما في‮ ‬ذلك تطوير نظرة نقدية تجاه ردود أفعالهم الخاصة وتصرفاتهم تجاه ثقافات أخرى‮. ‬ويتوجب إتاحة الفرصة لجميع التلاميذ حتى‮ ‬يتمكنوا من تحسين كفاءاتهم المتعددة في‮ ‬تعلم اللغات‮.‬‭ ‬فالممارسة والتعلم على العيش في‮ ‬بيئة ثقافية متنوعة ومختلطة‮ ‬يجب أن‮ ‬يكونا مدمجين في‮ ‬التكوين الأولي‮ ‬والمستمر للأساتذة‮. ‬ويجب أن تصبح المبادلات المبنية على المدرسة والأسرة مكوناً‮ ‬منتظماً‮ ‬من برنامج المؤسسات الثانوية‮. ‬ويمكن للتربية على حقوق الإنسان،‮ ‬وتعلم المواطنة الفاعلة والحوار بين الثقافات أن تستفيد بشكل واسع من الوسائل المتعددة الكائنة،‮ ‬من بينها‮ ''‬REPERES‮'' ‬و‮''‬COMPASITO‮''‬،‮ ‬وهما كتابان نشرهما مجلس أوروبا من أجل ممارسة التربية على حقوق الإنسان مع الشباب والأطفال‮.‬

ويطلب من المؤسسات التربوية وجميع الفاعلين التربويين الآخرين السهر على أن‮ ‬يتبع التعليم والتعلم توصيات لجنة الوزراء حول التعليم والتاريخ وأن لا تقتصر المناهج فقط على تاريخ البلاد،‮ ‬بل‮ ‬يجب أن تشمل كذلك تاريخ وثقافات بلدان أخرى،‮ ‬وأن تأخذ بعين الاعتبار الطريقة التي‮ ‬كانت تنظر بها مجتمعات أخرى إلى مجتمعنا‮ (‬تعدد الآفاق‮)‬،‮ ‬مع ضرورة الحرص على احترام القيم الأساسية المنبثقة عن مجلس أوروبا،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تضمن المناهج البعد التربوي‮ ‬المرتبط بحقوق الإنسان‮(‬11‮).‬

إن معرفة الماضي‮ ‬أمر مهم لفهم مجتمع اليوم وتفادي‮ ‬تكرار الأحداث التاريخية الأليمة‮. ‬وفي‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬فإن السلطات العمومية المختصة والمؤسسات التربوية مدعوة بقوة لتحضير وتنظيم‮ ‬يوم تسميه‮ ''‬يوم‮ ‬ذكرى المحرقة ويوم الوقاية من الجرائم ضد الإنسانية‮'' ‬كل سنة،‮ ‬وهو اليوم الذي‮ ‬يصادف تاريخاً‮ ‬يتم اختياره على ضوء تاريخ كل بلد‮. ‬ويمكن أن‮ ‬يستلهم هذا المشروع من مشروع مجلس أوروبا تحت شعار‮ ''‬تعليم الذاكرة،‮ ‬التربية على تفادي‮ ‬الجرائم المرتكبة في‮ ‬حق الإنسانية‮''‬،‮ ‬والذي‮ ‬كان‮ ‬يهدف إلى مساعدة التلاميذ على اكتشاف وفهم الفترات الحالكة للتاريخ الأوروبي‮ ‬والعالمي،‮ ‬وإلى التعرف على الطبيعة الخاصة للمحرقة،‮ ‬بوصفها أول محاولة مقصودة للقضاء على شعب على الصعيد العالمي‮ ‬؛ وتحسيس الرأي‮ ‬العام بخصوص محاولات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي‮ ‬طبعت القرن العشرين؛ وتربية التلاميذ على طريقة تفادي‮ ‬الجرائم ضد الإنسانية ؛ وتشجيع التفاهم،‮ ‬والتسامح والصداقة بين الأمم،‮ ‬والمجموعات الإثنية والطوائف الدينية،‮ ‬مع الوفاء للقيم الأساسية الصادرة عن مجلس أوروبا‮.‬

يجب أن‮ ‬يرتكز تقييمنا لتنوعنا الثقافي‮ ‬على معرفة وفهم الديانات الرئيسية والمعتقدات‮ ‬غير الدينية للعالم،‮ ‬ودورها في‮ ‬المجتمع‮.‬‭ ‬كما أن هناك هدفاً‮ ‬آخر‮ ‬يتمثل في‮ ‬جعل الشباب‮ ‬يثمنون ويقدرون عالياً‮ ‬التنوع الاجتماعي‮ ‬والثقافي‮ ‬لأوروبا،‮ ‬ويضمون في‮ ‬نفس الآن إلى هذا التنوع المجموعات الجديدة للمهاجرين وتلك المجموعات التي‮ ‬تعتبر جذورها الأوروبية أعرق بكثير‮.‬

إن تثمين مختلف أشكال التعبير الإبداعي‮ )‬مظاهر الفنون المبتكرة،‮ ‬والرموز،‮ ‬والنصوص،‮ ‬و‮''‬الأشياء‮''‬،‮ ‬وعادات وتقاليد اللباس وفنون الطبخ‮(‬‭ ‬يجب أن‮ ‬ينظر إليها كمحاولة لفهم الآخر واكتشافه‮.‬‭ ‬كما‮ ‬يمكن أن تكون الموسيقى،‮ ‬والفن والرقص وسائل تعليم فعالة بين الثقافات المختلفة‮.‬

كما‮ ‬يدعو مجلس أوروبا السلطات العمومية المختصة أن تأخذ بعين الاعتبار وقع القوانين والسياسات،‮ ‬خاصة تلك المتعلقة بالتأشيرات أو رخص العمل أو الإقامة بالنسبة للجامعيين،‮ ‬والطلبة والفنانين،‮ ‬المطبقة في‮ ‬مجال المبادلات التربوية والثقافية‮.‬‭ ‬ويمكن أن تساهم قوانين وسياسات ملائمة بشكل كبير في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮.‬

يلتزم مجلس أوروبا التزاماً‮ ‬تاماً‮ ‬لصالح تمرير الكفاءات ذات الصلة بالثقافات المختلفة عبر التربية‮. ‬ففيما‮ ‬يتعلق بالتربية النظامية،‮ ‬سوف‮ ‬يصدر دليلاً‮ ‬يعرف بالممارسات الجيدة على جميع المستويات وسوف‮ ‬يعمل على إحداث إطار مرجعي‮ ‬يصف الكفاءات المرتبطة بالثقافات المختلفة الضرورية للتواصل ما بين كل الثقافات‮. ‬وسوف تعمل المنظمة على أن‮ ‬يكون تشجيع الثقافة الديمقراطية والحوار بين الثقافات مكوناً‮ ‬من مكونات الفضاء الأوروبي‮ ‬للتعليم العالي‮ ‬بعد سنة‮ ‬‭.‬2010‮ ‬وسوف‮ ‬يوجه المركز الأوروبي‮ ‬للموارد حول التربية على المواطنة الديمقراطية،‮ ‬والذي‮ ‬هو في‮ ‬طور الإنشاء في‮ ‬أوسلو،‮ ‬أنشطته بقوة على تمرير الكفاءات ذات الصلة بالثقافات المختلفة إلى المربين‮.‬

يرغب مجلس أوروبا في‮ ‬أن‮ ‬يبقى المؤسسة المرجعية في‮ ‬ما‮ ‬يخص تعليم وتعلم الكفاءات المرتبطة بتعدد الثقافات و اختلافها وسوف‮ ‬يواصل إيلاء أهمية لهذه المواضيع‮.‬

سيواصل مجلس أوروبا،‮ ‬بتعاون مع السلطات المحلية المختصة،‮ ‬ومهنيي‮ ‬التعليم والخبراء،‮ ‬عمله المجدد حول تحديد،‮ ‬وتطوير،‮ ‬ونشر ونقل الكفاءات ذات الصلة بالثقافات المختلفة،‮ ‬وسوف‮ ‬يقود مبادرات مناسبة في‮ ‬ميدان السياسات اللغوية‮.‬

وسوف‮ ‬يواصل مجلس أوروبا تطوير أدوات تهدف إلى تعزيز الحوار بين الثقافات عبر طرق تهدف إلى تلقين دروس التاريخ،‮ ‬تكون معتمدة على الموضوعية،‮ ‬وعلى التحليل النقدي‮ ‬والنظرة التعددية،‮ ‬والاحترام المتبادل والتسامح وتراعي‮ ‬المبادئ الأساسية للمجلس الأوروبي‮. ‬وسوف‮ ‬يدعم المجلس كل الإجراءات المتخذة في‮ ‬القطاع التربوي‮ ‬بهدف تفادي‮ ‬إنكار المحرقة أو تكرارها،‮ ‬أو تكرار محاولات الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الإنسانية،‮ ‬والتصفيات العرقية إضافة إلى الخروقات الكثيرة لحقوق الإنسان وللقيم الأساسية التي‮ ‬يتشبث بها بشكل خاص مجلس أوروبا‮. ‬وسوف‮ ‬يواصل المجلس كذلك إمكانية تمديد مشروع‮ ''‬تلقين الذاكرة،‮ ‬التربية على تفادي‮ ‬الجرائم ضد الإنسانية‮''.‬

وبخصوص السياسات اللغوية المشجعة على الحوار بين الثقافات،‮ ‬سوف‮ ‬يقدم مجلس أوروبا مساعدة وتوصيات للسلطات المختصة،‮ ‬بهدف إعادة دراسة سياساتها التربوية بالنسبة لجميع اللغات المدرسة في‮ ‬أنظمتها التعليمية‮. ‬وسوف‮ ‬يعلن كذلك،‮ ‬الخطوط العريضة والوسائل ذات الطابع الاستشاري‮ ‬التي‮ ‬تحدد المعايير الأوروبية المشتركة في‮ ‬ما‮ ‬يخص الكفاءة اللغوية‮.‬

كما سيتم اتخاذ مبادرات في‮ ‬مجالات التربية الفنية وتعليم الشأن الديني‮ ‬والشأن المتعلق بالمعتقدات،‮ ‬في‮ ‬إطار برنامج‮ ‬يهدف تشجيع التربية والحوار بين الثقافات عبر بلورة مراجع مشتركة لتدبير الفصول الدراسية المتعددة الثقافات،‮ ‬وتفضيل إدماج التربية على احترام التعدد الثقافي‮ ‬في‮ ‬البرامج التربوية‮.‬

وبخصوص التعليم‮ ‬غير الرسمي‮ ‬وغير النظامي،‮ ‬سوف‮ ‬يواصل مجلس أوروبا جهوده الرامية إلى دعم أنشطة منظمات المجتمع المدني،‮ ‬لاسيما منظمات الشباب،‮ ‬التي‮ ‬تهدف إلى الاستجابة للتنوع الثقافي‮ ‬بشكل إيجابي‮ ‬ومبتكر‮.‬‭ ‬كما ستضاعف الدروس التكوينية الملقنة لروح المواطنة الأوروبية وحقوق الإنسان،‮ ‬المقترحة على جموع المتدخلين والفاعلين في‮ ‬إطار‮ ''‬شراكة الشباب‮'' ‬بتعاون مع اللجنة الأوروبية‮. ‬كما سيتم اقتراح دورات تكوينية جديدة تخص الكفاءات المؤهلة في‮ ‬التواصل الثقافي‮ ‬المختلط،‮ ‬لاسيما على منظمات المجتمع المدني،‮ ‬والطوائف الدينية والصحافيين‮. ‬وسيواصل مجلس أوروبا عمله الرامي‮ ‬إلى دعم عملية‮ ''‬تحسيس وسائل الإعلام‮''.‬

وهناك،‮ ‬إلى جانب هذه الأنشطة،‮ ‬مبادرات في‮ ‬ميدان السياسات الثقافية والإرث،‮ ‬الموجهة إلى تعزيز التفاهم بين مختلف الثقافات وتوسيع التعرف والتفتح على الإرث الثقافي،‮ ‬والذي‮ ‬يقوم بدور مهم في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮. ‬وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬سوف‮ ‬يتم التركيز،‮ ‬عبر برامج ملائمة،‮ ‬على معرفة واحترام الإرث الثقافي‮ ‬للآخر باعتباره مصدراً‮ ‬للتنوع والغنى الثقافي‮.‬

سوف‮ ‬يتم تطوير ومتابعة المشروع الحالي‮ ‬و المعروف بـ‮ ''‬صورة الآخر كما هي‮ ‬ملقنة في‮ ‬دروس التاريخ‮''‬

يعتزم مجلس أوروبا مواصلة المشروع وبحث توسيع مجال تطبيقه،‮ ‬لاسيما بتعاون مع اليونسكو،‮ ‬والألكسو،‮ ‬ومركز البحوث للتاريخ،‮ ‬والفنون والثقافة الإسلامية‮.‬‭ ‬

5‮. ‬4‮. ‬فضاءات حوار الثقافات

يعتبر خلق فضاءات للحوار بين الثقافات مهمة جماعية‮. ‬فبدون فضاءات ملائمة،‮ ‬ومفتوحة وجذابة،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون هناك حوار بين الثقافات،‮ ‬فبالأحرى أن‮ ‬يزدهر‮. ‬وقد أصدر مجلس أوروبا عدة توصيات في‮ ‬هذا الصدد‮.‬

وتوجه الدعوة للسلطات العمومية وجميع الفاعلين المجتمعيين لتطوير الحوار بين الثقافات في‮ ‬فضاءات حياة‮ ‬يومية وفي‮ ‬إطار احترام الحريات الأساسية‮.‬‭ ‬ولعل فرص خلق مثل هذه الفضاءات كبيرة جداً‮.‬

ومن واجب السلطات المحلية تنظيم الحياة المدنية في‮ ‬المجال الحضري‮ ‬بشكل‮ ‬يمكن من مضاعفة إمكانيات الحوار،‮ ‬مع احترام حرية التعبير والمبادئ الديمقراطية‮. ‬وتشكل الفضاءات المادية والمحيط المشيد عناصر استراتيجية للحياة الاجتماعية‮. ‬ويجب منح اهتمام خاص لتصميم وتدبير الأماكن العمومية،‮ ‬مثل الحدائق،‮ ‬والمنتزهات العمومية،‮ ‬والمطارات ومحطات القطار‮. ‬ويشجع المهندسون الحضريون على خلق‮ ''‬مدن مفتوحة‮''‬،‮ ‬تتضمن ما‮ ‬يكفي‮ ‬من المجالات العمومية المخصصة للقاءات‮. ‬ويمكن أن تساهم هذه الفضاءات التي‮ ‬يجب أن تصمم،‮ ‬بفكر منفتح وبالتالي‮ ‬بتصور‮ ‬يروم الاستعمال المتعدد الوظائف،‮ ‬في‮ ‬خلق نظرة مدنية مشتركة للمجال والتزام‮ ‬بين مختلف الثقافات‮.‬

والدعوة موجهة إلى منظمات المجتمع المدني،‮ ‬ومنها بشكل خاص المجموعات الدينية،‮ ‬إلى توفير محيط‮ ‬يشجع اللقاءات بين الأفراد ذوي‮ ‬ثقافات مختلفة وبين الأديان‮.‬‭ ‬كما‮ ‬يتعين على القطاع الخاص والشركاء الاجتماعيين أن‮ ‬يسهروا على أن لا‮ ‬يصبح التنوع الثقافي‮ ‬في‮ ‬عالم الشغل مدعاة للنزاعات،‮ ‬بل على العكس من ذلك،‮ ‬مصدراً‮ ‬للعمل الإبداعي‮ ‬الموحد وعامل تكامل‮.‬

وبإمكان الصحافة،‮ ‬إذا تم تشجيعها بطريقة مسؤولة من خلال تحديد أخلاقيات المهنة من قبل قطاع الإعلام وعبر تحسيس الصحافيين بالاختلافات الثقافية خلال تكوينهم،‮ ‬أن تساهم في‮ ‬تطوير منتديات للحوار بين الثقافات‮.‬‭ ‬وحتى‮ ‬يمكن عكسُ‮ ‬تنوع تكوين المجتمع في‮ ‬هياكله الداخلية،‮ ‬على منظمات الإعلام أن تتبنى سياسة تطوعية،‮ ‬مصحوبة ببرامج تكوين ملائمة،‮ ‬موجهة إلى الارتقاء بالأفراد المنتمين لمجموعات مهمشة والأقليات‮ ‬غير ممثلة بما‮ ‬يكفي‮ ‬على كل مستويات الإنتاج والتدبير،‮ ‬مع الأخذ بعين الاعتبار الكفاءات المهنية المطلوبة كما‮ ‬يجب‮.‬

ويعتبر مجلس أوروبا أن الأمر‮ ‬يتعلق بتطبيق مهم لحرية التعبير،‮ ‬الذي‮ ‬لا ترجع مسؤوليته فقط إلى مهنيي‮ ‬القطاع العموميين‮.‬‭ ‬بل‮ ‬ينبغي‮ ‬على جميع وسائل الإعلام أن تبحث عن وسائل تشجيع أصوات الأقليات،‮ ‬وتدعو إلى الحوار بين الثقافات والاحترام المتبادل‮.‬

وهكذا تصبح السلطات العمومية والفاعلون‮ ‬غير الحكوميين مدعوين إلى تطوير الثقافة،‮ ‬والفن والإرث الثقافي،‮ ‬وهذه القطاعات هي‮ ‬التي‮ ‬توفر مجالات حوار ذات أهمية خاصة‮. ‬فالإرث الثقافي،‮ ‬والأنشطة الثقافية‮ ''‬الكلاسيكية‮''‬،‮ ‬و‮''‬المسارات الثقافية‮''‬،‮ ‬والفنون المعاصرة،‮ ‬والثقافة الشعبية أو ثقافة الشارع،‮ ‬والثقافة التي‮ ‬يوصلها الإعلام والإنترنت،‮ ‬تخترق الحدود بشكل طبيعي‮ ‬وتقيم روابط بين الثقافات‮. ‬كما تخلق الفنون والثقافة فضاء للتعبير الفردي‮ ‬خارج إطار المؤسسات،‮ ‬ويمكنها أن تقوم بدور وسائطي‮.‬‭ ‬لذا‮ ‬يتعين على جميع الأطراف المشاركة أن تشجع على مشاركة مكثفة في‮ ‬الأنشطة الثقافية والفنية‮. ‬ويمكن للأنشطة الثقافية أن تساهم بشكل واسع في‮ ‬تحويل مكان ما إلى فضاء عمومي‮ ‬مشترك‮.‬

بفضل‮ ''‬لقاء‮ ‬2008‮ ‬المنعقد حول البعد الديني‮ ‬في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮''‬،‮ ‬والذي‮ ‬نظم على سبيل التجربة‮ ‬يوم‮ ‬8‮ ‬أبريل‮ ‬2008،‮ ‬وفر مجلس أوروبا لممثلي‮ ‬الطوائف الدينية وباقي‮ ‬الفاعلين من المجتمع المدني،‮ ‬إضافة إلى الخبراء الحاضرين،‮ ‬إمكانية المشاركة في‮ ‬نقاش معمق حول المبادئ التي‮ ‬يجب تطبيقها في‮ ‬السياسة التربوية بخصوص‮ ''‬تلقين الشأن الديني‮ ‬وباقي‮ ‬المفاهيم الملقنة بخصوص المعتقدات الأخرى‮'' ‬وكذا الإجراءات العملية لتنظيم هذا التلقين‮. ‬وقد ساهم هذا اللقاء كذلك،‮ ‬بالنسبة لهذه القضايا،‮ ‬في‮ ‬تحديد التوجهات والأفكار التي‮ ‬سيكون بإمكان المشاركين تطبيقها في‮ ‬مجالات عملهم،‮ ‬إلى جانب عدة توصيات تدخل في‮ ‬إطار سياسة العمل التي‮ ‬يتبعها مجلس أوروبا‮.‬‭ ‬وسوف‮ ‬يتم بحث كل المتابعات الممكن اعطاؤها لـ‮ ''‬لقاء‮ ‬2008‮'' ‬بمناسبة تقييم هذه المبادرة،‮ ‬والتي‮ ‬سوف تنجز خلال سنة‮ ‬‭.‬2008

جائزة مجلس أوروبا بخصوص مساهمة الإعلام في‮ ‬الحوار بين الثقافات

ينوي‮ ‬مجلس أوروبا تقديم جائزة سنوية لوسائل الإعلام التي‮ ‬تساهم بشكل مثالي‮ ‬في‮ ‬تفادي‮ ‬أو حل النزاعات،‮ ‬وفي‮ ‬التفاهم والحوار‮.‬‭ ‬كما‮ ‬ينوي‮ ‬إنشاء شبكة معلومات إلكترونية حول مساهمة وسائل الإعلام في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮.‬

سوف‮ ‬يدير مجلس أوروبا مبادرات رائدة مع وسائل الإعلام‮.‬‭ ‬فإلى جانب الجائزة المذكورة آنفاً‮ ‬سوف تقدم إلى وسائل الإعلام،‮ ‬تثميناً‮ ‬لمساهمتها في‮ ‬الحوار بين الثقافات‮.‬‭ ‬وتنوي‮ ‬المنظمة،‮ ‬بعد القيام بمشاورات مع مؤسسات دولية أخرى وبتعاون مع الشركاء المناسبين،‮ ‬إنشاء شبكة إلكترونية‮ ‬غير رسمية،‮ ‬تمكن المهنيين والمنظمات العاملة في‮ ‬القطاع من القيام بتبادل حول الحقوق،‮ ‬والمسؤوليات وظروف عمل الصحافيين خلال الأزمات‮.‬

5‮. ‬5‮. ‬حوار الثقافات في‮ ‬بعده الدولي

يتعين على السلطات المحلية والإقليمية أن تدرس إمكانية إطلاق مشاريع تعاون بين المؤسسات الشريكة في‮ ‬مناطق أخرى من أوروبا‮.‬‭ ‬وتساهم الإجراءات المتخذة على هذا المستوى بقوة في‮ ‬حسن الجوار بين الدول،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك تقدم إطاراً‮ ‬مثالياً‮ ‬لتطور العلاقات بين مختلف الثقافات‮. ‬ويمكن للسلطات المحلية والإقليمية أن تحضر بانتظام وبشكل مؤسساتي‮ ‬مشاورات مع جماعات أو سلطات إقليمية تابعة للدول المجاورة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك،‮ ‬وذلك بهدف تحديد حلول،‮ ‬بشكل مشترك،‮ ‬وتعريف الحواجز القانونية والعملية للتعاون عبر الحدود وبين الأقاليم واتخاذ الإجراءات الضرورية لحلها‮. ‬فبإمكانهم تنظيم دورات تدريبية،‮ ‬لاسيما في‮ ‬الجانب اللغوي،‮ ‬بالنسبة للأشخاص المشاركين في‮ ‬هذا النوع من التعاون المحلي‮.‬

وبإمكان منظمات المجتمع المدني‮ ‬ومهنيي‮ ‬التربية أن‮ ‬يساهموا في‮ ‬الحوار بين الثقافات على المستويين الأوروبي‮ ‬والدولي،‮ ‬وذلك بالانخراط،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬في‮ ‬هياكل أوروبية‮ ‬غير حكومية أو عبر المساهمة في‮ ‬شراكات وبرامج عابرة للحدود،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬منها تلك الموجهة للشباب‮. ‬وتعود مسؤولية دعم المجتمع المدني‮ ‬ومهنيي‮ ‬التربية في‮ ‬هذه المهمة على المؤسسات الدولية مثل مجلس أوروبا‮.‬

وتظل وسائل الإعلام مدعوة إلى وضع آليات،‮ ‬إقليمياً‮ ‬ووطنياً‮ ‬وأوروبياً،‮ ‬بهدف تبادل وإنتاج مشترك لبرامج ساهمت بشكل واسع في‮ ‬تعبئة الرأي‮ ‬العام ضد عدم التسامح وتحسين العلاقات بين الجماعات‮.‬

وسوف‮ ‬يشجع ويطور مجلس أوروبا التعاون مع منظمات نشيطة في‮ ‬مجال الحوار بين الثقافات،‮ ‬مثل اليونسكو ومبادرة‮ ''‬تحالف الحضارات‮''‬،‮ ‬والمنظمة الأوربية للأمن والتعاون،‮ ‬والاتحاد الأوروبي‮ ‬والمؤسسة الأورو ــ متوسطية‮ ''‬أنّا ليند‮'' ‬من أجل الحوار بين الحضارات،‮ ‬وكذلك مع المنظمات الإقليمية الأخرى،‮ ‬مثل جامعة الدول العربية ومنظمتها التي‮ ‬تعنى للتربية والثقافة والعلوم‮ )‬الألكسو‮(‬،‮ ‬التي‮ ‬تمثل منطقة تتوفر على عدة روابط مع أوروبا،‮ ‬لكن لديها تقاليد ثقافية مختلفة‮. ‬كما سيشجع مجلس أوروبا الحوار بين الثقافات على أساس معاييره وقيمه في‮ ‬سياق مشاريع معينة‮ ‬ينتج عنها تعاون مع مؤسسات مثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة‮ )‬الإيسيسكو‮(‬‭ ‬ومركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية‮. ‬وسوف تتركز نشاطات التعاون،‮ ‬على المستوى الإقليمي،‮ ‬حول العلاقات بين أوروبا والمناطق المجاورة لها،‮ ‬وبالخصوص،‮ ‬الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط،‮ ‬والشرق الأوسط وآسيا الوسطى‮.‬

توسيع وتنشيط‮ ''‬أرضية فارو المفتوحة‮''‬

سوف‮ ‬يطور مجلس أوروبا،‮ ‬بتشاور مع اليونسكو،‮ ‬إمكانيات‮ ''‬أرضية فارو المفتوحة‮'' ‬للتنسيق الدولي‮ ‬بين الأعمال المنفذة في‮ ‬ميدان الحوار بين الثقافات‮.‬

سوف‮ ‬يطلق مجلس أوروبا،‮ ‬خلال الأشهر القادمة،‮ ‬مبادرات جديدة لإعادة توطيد علاقات التعاون مع شركائه الحاليين والارتباط بشركاء جدد‮.‬‭ ‬وفي‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬يجدر ذكر‮ ''‬أرضية فارو المفتوحة‮'' ‬والتي‮ ‬أنشئت بشراكة بين مجلس أوروبا واليونسكو سنة‮ ‬2005،‮ ‬بهدف تشجيع التعاون ما بين المؤسسات في‮ ‬ميدان الحوار بين الثقافات‮.‬

وفيما‮ ‬يلي‮ ‬أمثلة أخرى للأنشطة التي‮ ‬تكتسي‮ ‬الأولوية في‮ ‬هذا المجال‮ :‬

* ‬أعلن الاتحاد الأوروبي‮ ‬2008‮ ‬سنة أوروبية للحوار بين الثقافات‮.‬‭ ‬كما‮ ‬يشكل كل من‮ ''‬الكتاب الأبيض حول الحوار بين الثقافات‮'' ‬و‮''‬لقاء‮ ‬2008‮ ‬حول البعد الديني‮ ‬للحوار بين الثقافات‮''‬،‮ ‬والذي‮ ‬نظم على سبيل التجربة،‮ ‬مساهمتين مهمتين للمجلس الأوروبي‮ ‬في‮ ‬السنة الأوروبية للحوار بين الثقافات‮(‬12‮).‬‭ ‬ويساهم مجلس أوروبا بشكل خاص في‮ ‬برنامج الأنشطة وفي‮ ‬النقاش الحيوي‮ ‬حول إمكانيات عمل على المدى الطويل،‮ ‬إضافة إلى نشاطات أخرى،‮ ‬مثل حملة مناهضة الميز لسنة‮ ‬2008،‮ ‬ومبادرة‮ ''‬المدن ذات الثقافات المتعددة‮''‬،‮ ‬ونشر حصيلة الإجتهادات القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حول الحوار بين الثقافات والمركز الأوروبي‮ ‬للموارد حول التربية على المواطنة الديمقراطية والتربية البين ثقافية‮ )‬أوسلو‮(.‬

* ‬يقر مجلس أوروبا بمساهمة‮ ''‬مركز شمال جنوب‮'' ‬ودوره الأساسي‮.‬‭ ‬وهو لا‮ ‬يجمع حكومات فحسب،‮ ‬بل كذلك برلمانيين،‮ ‬وجماعات محلية وإقليمية،‮ ‬وممثلين عن المجتمع المدني‮. ‬وتتركز أولوياته حول التربية على المواطنة العالمية،‮ ‬والشباب،‮ ‬وحقوق الإنسان،‮ ‬والحكامة الديمقراطية والحوار بين الثقافات‮.‬‭ ‬ويضيف المركز بعداً‮ ‬مهماً‮ ‬للجهود الدولية الرامية إلى تشجيع التعلم الثقافي‮ ‬المتنوع،‮ ‬والتفاهم والحوار السياسي‮ ‬داخل وبين مختلف القارات‮.‬

* ''‬الفنانون من أجل الحوار‮'' ‬هو عنوان برنامج جديد حول الثقافة والإرث،‮ ‬الذي‮ ‬أطلق سنة‮ ‬2008‮ ‬ويضم المنطقة المتوسطية،‮ ‬وهو‮ ‬يهدف إلى تعميق الحوار بين الثقافات في‮ ‬صفوف الفنانين والفاعلين الثقافيين‮.‬

* ‬سوف تواصل لجنة البندقية تعاونها مع المحاكم الدستورية والهيئات الموازية في‮ ‬أفريقيا،‮ ‬وآسيا والأمريكتين،‮ ‬إلى جانب البلدان العربية‮. ‬ويشكل هذا التعاون مثالاً‮ ‬جيداً‮ ‬للحوار بين الثقافات،‮ ‬المرتكز على عمل ملموس وعلى مبادئ الإرث الدستوري‮.‬

* ‬يصر المؤتمر المعني‮ ‬بمشاركة السلطات المحلية والإقليمية على مواصلة عمله مع شركائه في‮ ‬المنطقة المتوسطية،‮ ‬لاسيما في‮ ‬إطار التعاون الفلسطيني‮ ‬ــ الإسرائيلي‮ ‬والتعاون مع المدن العربية حول مواضيع مثل الحكامة الجيدة على المستوى المحلي‮ ‬إضافة إلى القضايا المتعلقة بالهجرات‮.‬‭ ‬

ـــــــــــــــ‬ ‮

(1)‮ انظر بالخصوص قرارات سميث وغرادي،‮ ‬ج/المملكة المتحدة،‮ ‬1990‭/‬09‭/‬29،‮ ‬90،‮ ‬س‮. ‬ل‮. ‬ج/النمسا،‮ ‬2003‭/‬01‭/‬09،‮ ‬37‮ ‬؛ كارنر ج/النمسا،‮ ‬2003‭/‬07‭/‬24،‮ ‬37‮.‬ ‮

(2)‮ ‬انظر التقرير التفسيري‮ ‬للبروتوكول رقم‮ ‬12‮ ‬المنبثق عن الميثاق الأوروبي‮ ‬لحقوق الإنسان،‮ ‬ص‮ ‬‭.‬20 ‮

(3)‮ ‬توصيات السياسة العامة رقم‮ ‬7‮ ‬الصادرة عن اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح حول التقنين الوطني‮ ‬الرامي‮ ‬إلى مناهضة العنصرية والميز العنصري،‮ ‬‭.‬2002

‮(4)‮ ‬أدانت القمة الثالثة لمجلس أوروبا سنة‮ ‬2005‮ ‬بصرامة‮ ''‬جميع أشكال عدم التسامح والميز،‮ ‬لاسيما تلك المبنية على الجنس،‮ ‬والعرق والدين،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك المعاداة للسامية وكراهية الإسلام‮''. ‬كما اعترفت لجنة الوزراء بأن الروم والرحل قد تعرضوا لأشكال ميز في‮ ‬جميع قطاعات الحياة‮. ‬من جهة أخرى،‮ ‬توصي‮ ‬اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح بأن‮ ‬يعاقب القانون‮ ''‬الإنكار،‮ ‬والتخفيف الفظ،‮ ‬والتعليل أو الثناء العلني،‮ ‬بغاية عنصرية،‮ ‬لجرائم الإبادة الجماعية،‮ ‬أو الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب‮'' ‬إذا كان ذلك عن قصد‮ )‬توصية السياسة العامة رقم‮ ‬7‮ ‬الصادرة عن اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح حول القانون الوطني‮ ‬من أجل مناهضة العنصرية والميز العنصري‮(. ‬وتشير اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح أيضاً‮ ‬إلى ضرورة مكافحة الأحكام المسبقة والجاهزة التي‮ ‬تعاني‮ ‬منها الجاليات المسلمة،‮ ‬والمعاقبة،‮ ‬بشكل ملائم،‮ ‬الميز المبني‮ ‬على الدين‮ )‬توصية السياسة العامة رقم‮ ‬5‮ ‬الصادرة عن اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح حول مكافحة عدم التسامح والميز حيال المسلمين‮(.‬

‮(5)‮ ‬إعلان حول استعمال وسائل عنصرية معادية للسامية وللأجانب في‮ ‬الخطاب السياسي‮ )‬مارس‮ ‬2005‮(.‬

(6)‮ ‬المادة‮ ‬4،‮ ‬الفقرتين‮ ‬2‮ ‬و3‮ ‬من إطار الاتفاقية الخاصة بحماية الأقليات الوطنية‮.‬

‮(7)‮ ‬سراييفو سنة‮ ‬2003،‮ ‬وتروينا سنة‮ ‬2004،‮ ‬وبوخارست سنة‮ ‬‭.‬2006

‮(8)‮ ‬يقدم‮ ''‬الملخص‮'' ‬معطيات معينة حول السياسة لصالح التنوع الثقافي‮ ‬والحوار البين ثقافي‮. ‬بشكل أعم،‮ ‬فإنه‮ ‬يقدم،‮ ‬للفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين،‮ ‬مورداً‮ ‬أوروبياً‮ ‬لأهداف مقارنة وإبداع‮ ‬www.culturalpolicies.net

(9)‮ ‬المؤتمر المنعقد حول السلطات المحلية والإقليمية،‮ ‬الهيئات المحلية للمقيمين الأجانب‮ : ‬الكتيب الصادر‮ )‬ستراسبورغ‮ ‬2003‮(.‬

(10)‮ ‬اللجنة الأوروبية للديمقراطية عبر القانون‮ )‬لجنة البندقية‮(‬،‮ ‬التقرير حول‮ ‬غير المواطنين وحقوق الأقليات ل.د.ق‮. )‬2007‮( ‬001،‮ ‬فقرة‮ ‬‭.‬114

‮(11)‮ ‬توصية‮ )‬2001‮( ‬15‭ ‬لمجلس وزراء الدول الأعضاء المتعلقة بتلقين التاريخ في‮ ‬أوروبا القرن‮ ‬21‮ ‬تشير إلى أن‮ ''‬تلقين التاريخ لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون أداة تلاعب أيديولوجي،‮ ‬أو دعوة أو ترويج لأفكار قومية متعصبة،‮ ‬أو معادية للأجانب،‮ ‬أو عنصرية أو معادية للسامية وغير متسامحة‮. ‬لا‮ ‬يمكن،‮ ‬بأي‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬حال من الأحوال،‮ ‬وتحت‮ ‬غطاء أي‮ ‬نية،‮ ‬أن تكون الأبحاث التاريخية أو التاريخ كما هو ملقن في‮ ‬المدرسة،‮ ‬متطابقة مع القيم الأساسية والقانون الأساسي‮ ‬لمجلس أوروبا إذا كانت تنتج أو تروج تمثيلات خاطئة للتاريخ بواسطة أحد هذه الوسائل‮ :‬

ــ تزوير الأحداث التاريخية،‮ ‬الغش في‮ ‬الإحصائيات،‮ ‬التلاعب بالصور،‮ ‬إلى‮ ‬غير ذلك؛

ــ التركيز على حدث معين من أجل تعليل أو تغطية حدث آخر؛

ــ تشويه الماضي‮ ‬لأهداف ترويجية؛

ــ نسخة قومية بشكل مبالغ‮ ‬فيه للماضي،‮ ‬من شأنها أن تسبب ثنائية بين‮ ''‬نحن‮'' ‬و‮''‬هم‮''‬؛

ــ تحريف للمصادر التاريخية؛

ــ إنكار لأحداث تاريخية؛

ــ حذف أحداث تاريخية‮ )‬ملحق،‮ ‬قسم‮ ‬2‮ ‬حول‮ ''‬تحويل اتجاه التاريخ‮''(.‬

‮(12)‮ ‬تجسد هذه المبادرات كذلك مثالين ملموسين لتنفيذ مذكرة الاتفاق الموقعة بين الاتحاد الأوروبي‮ ‬ومجلس أوروبا في‮ ‬مجال الحوار بين الثقافات والتنوع الثقافي‮.‬

‮. ‬السبيل الذي‮ ‬يجب نهجه
يهدف هذا الكتاب الأبيض إلى تحديد توجه واضح في‮ ‬ميدان الحوار بين الثقافات،‮ ‬لكنه لا‮ ‬يمكنه توفير خارطة طريق مفصلة‮.‬‭ ‬وهو لا‮ ‬يشكل سوى مرحلة في‮ ‬مسلسل أطول‮.‬‭ ‬ويتعين مراجعة وتكييف استنتاجاته وتوصياته،‮ ‬إذا اقتضى الأمر،‮ ‬بتشاور مع الأطراف المتدخلة الأخرى‮. ‬كما‮ ‬يتعين تتبع وتقييم الخطوط الرئيسة والتوجهات الملموسة المحددة هنا بالشكل الملائم‮.‬

ويدعو مجلس أوروبا جميع الأطراف الأخرى المشاركة إلى متابعة ما وصف في‮ ‬بعض الأحيان بـ‮ ''‬مسلسل الكتاب الأبيض‮''‬،‮ ‬والذي‮ ‬ربط علاقة بين المنظمة وعدد كبير من الشركاء،‮ ‬من مؤسسات دولية إلى مناضلين عاديين‮.‬‭ ‬وكل شركائنا مدعوون إلى الاستمرار في‮ ‬تقديم المشورة للمنظمة حول التوجهات التي‮ ‬يتعين اتخاذها،‮ ‬واقتراح برامج ومشاريع،‮ ‬وإخبارها بكل تطور من شأنه أن‮ ‬يهدد الحوار بين الثقافات‮.‬

إن الحوار بين الثقافات ضروري‮ ‬لبناء نموذج مجتمعي‮ ‬وثقافي‮ ‬جديد‮ ‬يتماشى مع أوروبا التي‮ ‬تعرف تطوراً‮ ‬سريعاً،‮ ‬وهذا الحوار‮ ‬يمكّن جميع الأشخاص الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬مجتمعاتنا المتعددة الثقافات من الاستفادة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية‮.‬‭ ‬ويشكل هذا النموذج الذي‮ ‬هو في‮ ‬طور البروز نتاج عمل حالي‮ ‬يشارك فيه العديد من المتدخلين‮.‬‭ ‬وهو‮ ‬ينطوي‮ ‬على مسؤوليات كبيرة‮ ‬يقع على عاتق السلطات العمومية على جميع المستويات،‮ ‬وجمعيات المجتمع المدني‮ ‬وجميع الأطراف الأخرى المتدخلة‮.‬

ويقدم مجلس أوروبا هذا الكتاب الأبيض كمساهمة في‮ ‬نقاش دولي‮ ‬ما فتئ‮ ‬يتطور‮.‬‭ ‬وقد أصبحت قضية تعلم العيش سوياً،‮ ‬في‮ ‬إطار من التنوع الثقافي‮ ‬المتزايد مع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية،‮ ‬من الضروريات الأساسية لعصرنا وستبقى كذلك لعدة سنوات أخرى‮.‬

ستراسبورغ،‮ ‬يونيو‮ ‬2008‮.‬

الملحق
سرد لأهم الاتفاقيات،‮ ‬والإعلانات،‮ ‬والتوصيات والنصوص المرجعية الأخرى الصادرة عن مجلس أوروبا والمتعلقة بالحوار بين الثقافات‮(‬1‮).‬

اتفاقيات أوروبية منتقاة

ـــــــــــــــ‬ ‮

(1) ‬مذكرة‮ : ‬وضعت الإعلانات،‮ ‬والتوصيات والقرارات التي‮ ‬تم تبنيها بعد سنة‮ ‬1980‮ ‬بترتيب زمني‮. ‬جميع النصوص متوفرة على موقع مجلس أوروبا‮ ‬www.coe.int

المصدر: http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/White%20Book/Menu.php

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك