وسائل الغزو الفكري

أ.د مسعد بن عيد العطوي

 

الغزو الفكري: هو التوجيه القائم على دراسات وتجارب فكرية وعلمية، يقوم على مخططات للأعمال الفكرية والتثقيفية والتربوية والتوجيهية وسائر وسائل التأثير النفسي والخلقي.

والتوجيه السلوكي الفردي والاجتماعي التي تقوم بها المنظمات والمؤسسات الدولية والشعبية من أعداء الإسلام والمسلمين، لمحاولة السيطرة على المسلمين وبالتالي محو دورهم في هذه الحضارة والتحكم في قدراتهم ومواردهم الفكرية والاجتماعية والاقتصادية.

إن الغرب وجميع أعداء المسلمين لا يظهرون بثوب العداء، بل بثوب النصح وإرادة الخير والبناء والأعمار والمساعدة.

والهدف من هذا الغزو هو تحويل المسلمين عن دينهم تحويلا كاملاً أو جزئياً، وتجزئتهم وتمزيقهم وتقطيع روابطهم الدينية والاجتماعية، وإضعاف قوتهم لاستعمارهم فكرياً ونفسياً ثم استعمارهم سياسياً وعسكرياً، باستعمار مباشر أو غير مباشر.

متى ظهر مصطلح الغزو الفكري؟.

ظهر مصطلح (الغزو الفكري) فيما يقرب من الثلث الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، عندما بدأ العلماء المسلمون يؤلفون الكتب التي تتحدث عن هذا الغزو الفكري الذي أصيب فيه المسلمون، وقام وعي عام.

أما الغزو في حد ذاته فقد بدأ مبكراً حيث تمثل في محاربة الدعوة الإسلامية، فنجد مثلاً (قصة ابن سبأ) اليهودي الذي أخذ يدس سمومه بين المسلمين، وكذلك قضية (الإسرائيليات) التي وجدت في تفسير القرآن الكريم، وكان وليد هذا الغزو مسألة (التشيع) وفرقة (الباطنية).

ولما نبحث في الاعتزال والمعتزلة وعلم الكلام، نجد أن الغزو قد دخل مذهبهم عن طريق الترجمة ونقل الحضارات وخاصة في نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية حيث نشطت حركة نقل الحضارة واقتباسها من الأمم الأخرى دون غربله وتنقيح هذه الحضارات.

وكان آخر قضية للغزو الفكري للدولة العثمانية قضية (يهود الدونمة) فقد جاؤوا من المغرب العربي وزُرعوا في الأستانة (اسطنبول) وأغدقت عليهم الأموال إضافة إلى كونهم أثرياء وذوي أموال طائلة فتأثر بهم الحكام والسلطة ثم جاءت بعدهم (الماسونية والشيوعية) فكانتا وليدتين على أيديهم.

ولا نزال نعيش في غزوا فكري وذلك من خلال وسائل الإعلام من تلفاز وقنوات فضائية وصحف ومجلات ماجنة، وإشاعة المبادئ الهدامة بين صفوف المسلمين، وظهرت ثقافة التسطيح العقلي وتهميشه وثقافة التردي الأخلاقي والثورة ضد بناء الفكر والمنهج العقلاني والعملي.

وسائل الغزو الفكري:

الغزو الفكري جاء بعد دراسات كثيرة ومتعددة حتى على الفرد والمجتمع ككل، وذلك نتيجة لعجزهم عن الغزو المسلح والعسكري.

وقد عملوا على تفريق المسلمين وفصلهم عن الواقع، بالإضافة إلى تفريغ الفرد المسلم، وذلك من خلال قوقعته على نفسه وفصله عن مجتمعه وجعله أجوفاً لا يحمل فكراً سليماً، عن طريق فصل العلم الشرعي عن التطبيق والعمل.

فاستخدموا الفكر الإلحادي، والمذاهب الاقتصادية، والمذاهب السلوكية المنحرفة باسم (الحرية الديمقراطية)، وتحطيم القيم الخلقية لدى المسلمين، وإثارة الشبهات حول الإسلام (المرأة الطلاق حرية المرأة تعدد الزوجات... إلخ).

أما وسائلهم في تحقيق مآربهم:

(1) تزيين الأفكار التي يغزون بها، والإقناع بصحتها ونفعها.
(2) تشويه وتقبيح الأفكار والمعتقدات التي يراد حربها.
(3) تزيين السلوك الذي يراد تحويل الأمة إليه (نظام البنوك دور الفساد والدعارة باسم الفن...).

(4) تقبيح السلوك الراسخ للمسلمين.
(5) محاربة اللغة العربية.
(6) إحياء القوميات والإقليميات والعنصريات.
(7) استخدام الإجراء والمستخدمين المندسين في الأمة، والمغفلين والجهلة وأصحاب الهوى والمنحرفين لتحريف العقيدة.

وسائل التفريغ:

(1) الإبعاد عن دراسة علوم الدين ودراسته دراسة صحيحة، وذلك من خلال جعلها مواداً اختياريه في الجامعات أو دراستها مع الأديان الأخرى.
(2) امتصاص شحنة الطاقة الدينية الكامنة الكاملة، ببث روح اللامبالاة والبرود الديني.
(3) تنفير أبناء المسلمين من الأجيال المثقفة عن الإسلام بحجج واهية، وعدم ربط ثقافتهم بالدين والعمل.

(4) تولي قيادات دينية تعطي صور سيئة عن الإسلام على مستوى الأفراد والمذاهب.
(5) إثارة الشكوك والشبهات حول كل شيء في الإسلام.
(6) التضييق على طلاب العلوم والمعارف، وتسطيح تعليمهم وإبعاده عن العمل والممارسة.
(7) إثارة ألوان الاستهزاء والسخرية من المسلمين باسم (الرجعية والتخلف).

الأصناف المؤازرة للغزو الفكري من الداخل:
(أ‌) الأُجراء: وهم يختلفون، فمنهم من أجل السياسة أو الجاه والمال، ومنهم بعض العسكريين الذين قاموا بالثورات.

ومنهم ضعاف النفوس من ذوي المكانة الدينية، وهؤلاء الأجراء يتواجدون في العالم الإسلامي والعربي للتمهيد للاستعمار، وينوبون عنه، ويقومون بأعمالهم الهدامة، لهم مجالات متعددة في نشر فكرهم المزيف منها (الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة).

وأكثر من كشف هؤلاء هم العلماء الذين رأوا الحق ووقفوا في وجوه هؤلاء الغزاة، فكشفوا عن ماضيهم السيئ وأعمالهم الدنيئة.

(ب‌) الخارجون عن دينهم كلياً أو جزئياً: وأخطرهم المثقفون بالثقافة الأجنبية، وهم يلبسون ثيابنا ويأتون بالجديد ويكبرونه ويعظمونه في أعين الناس، ونحن لسنا ضد الثقافة، ولكن نقبلها بشرط أن تساعد على رفعة الإسلام، وهؤلاء المثقفون من أكثر الناس رواجاً في العالم الإسلامي فهم قد فرغوا أنفسهم من الدين والقيم، وأصبحوا يدعون إلى الثقافة المادية الغربية والحياة في قوالب معادية للإسلام لها وجه براق يغري الأفراد والمجتمعات.

ومع ذلك يتحججون باسم الوطنية وهم أبعد ما يكونون عنها، ولكن الواقع لا يجعلنا نغفل الكم الكبير منهم الذين حملوا روح الإسلام والعمل الحضاري والعلمي والمعرفة فكانوا نجوما عالمية في أوطانهم وعاد كثير من المهاجرين إلى الغرب إلى الفكر الإسلامي.

(ج) المتهاونون: وهم الذين لا يبالون بالأحداث والمحن، ولا يكترثون بالأمور، تقف هممهم عند رغباتهم الفردية ذات الميل والهوى والشهوة، فالمتهاونون لا يلتزمون بدينهم أو بأعمالهم ولا يلقون بالاً للوطنية، والواجب على المسلم أن يكون أشد الناس وطنية.

وللأسف أن أغلب أفراد المجتمع الإسلامي بهذه الشاكلة؛ فلا نجد لديهم تلك العزيمة الصادقة التي تحثهم على العمل والبناء الداخلي للإسلام والمسلمين. وهم أكبر ظاهرة تؤدي إلى التخلف، وبالتالي وجود الغزو الفكري الذي وجد في المجتمعات الإسلامية المتهاونة مرتعاً خصباً لبث سمومه.

(د) الجاهلون بحقيقة الإسلام وطريقة الدعوة، فبجهلهم يساعدون أعداء المسلمين من طرف خفي وغير مباشر، وبعضهم يوظفهم المحتل كما يحدث الآن في العراق بين المذاهب الإسلامية، وهو يضربهم ببعض حتى ينهك الجميع.

المصدر: http://www.denana.com/main/articles.aspx?article_no=16325&pgtyp=66

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك