أدوات الحـوار الثقافي وشروطه

أدوات الحـوار الثقافي وشروطه

مؤسسة البلاغ
لا نريد أن نشبّه الحوار بمعركة لنقول إنّ على كلّ من المتحاورين أن يحمل أسلحته ومعدّاته معه ، فالحوار ليس ساحة قتال ولا حلبة مصارعة ، وإنّما هو مجال إنساني فسيح ومفتوح بينك وبين الآخرين ،
وهو قرار ضمني غير معلن أنّ (العقل) هو الحاكم على الفكرة أو الأطروحة أو الخلاف أو أيّة قضية خاضعة للنقاش ، أي بمقدار ما تملك من أدلة عقلية وعلمية تدعم بها رأيك ، بمقدار ما تكون قريباً من الحقيقة .
ولذا ، فإنّك إذا أردت أن تدخل حواراً ، فإنّ عليك أن تستحضر أدواته وهي :
1 ـ الثقافة : ونعني بالثقافة ، ثقافة الموضوع الذي تريد ادارة الحوار حوله ، أي التوافر على معرفة لا بأس بها في أبعاد الموضوع وتصوراتك وقراءاتك عنه . وإلاّ فإنّك إذا دخلت في حوار حول موضوع تجهله أو لا تملك الاحاطة به فإنّك ستكون الطرف السلبيّ فيه .
ولذا فقد اعتبر التكافؤ بين المتحاورين شرطاً من شروط الحوار . ونعني بالتكافؤ أو النديّة أن يحمل كلٌّ من المتحاورين ثقافة ما يريد النقاش أو المحاورة فيه حتى يتحقق عنصر إثراء الحوار والنظر إلى الموضوع من زواياه المختلفة .
2 ـ الأدلّة والأرقام : أو ما يعبّر عنه بالحجّة والبرهان ، فلا يكفي أن تمتلك منطقاً جميلاً ولساناً ذلقاً لتدخل في حوار ، بل لا بدّ من امتلاك
الأدلّة الدامغة التي تثبت بها رأيك وتقنع بها محاورك ومَنْ يستمعون إليك ، ولا بدّ أيضاً من الاستناد إلى لغة الأرقام والإحصاءات ونتائج الدراسات والاستطلاعات حتى تدعم ادعاءك وتصوراتك ، وكذلك إيراد الأمثلة والشواهد الحيّة التي تعطي لما تقوله قيمة يعتدّ بها .
3 ـ شخصية المحاوِر : فكلّما كان المحاور هادئاً ، صبوراً ، حاضر الذهن باحثاً عن الحقيقة ، متواضعاً ، ولا يريد فرض قناعاته على زميله ، ويتوافر على شروط الحوار وأخلاقيته ، أدّى ذلك إلى أن يكون الحوار فرصة غنيّة ، وأرضاً خصبة يطلعُ رأسُ الحقيقة من تربتها المحروثة بعناية ، والمزروعة بعناية ، والمسقيّة بعناية .
4 ـ الجوّ والمناخ الذي يدور فيه الحوار : فقد يكون الحوار بين إثنين جاداً نافعاً ، ولكن إذا حضر أو استمع إليه غيرهما ، فقد يخرجان أو أحدهما عن وقاره واتزانه ، مما يُدخل الجمهور المشاهد أو المستمع كعامل من العوامل المؤثرة على سير وطبيعة الحوار .
وقد تكون الأجواء المحيطة بأصل انعقاد الحوار أجواء مكهربة نتيجة الحساسيات التي تتحرك في الساحة التي ينحدر منها المتحاوران ، أو الآراء المسبقة التي يحملها كلّ منهما عن الآخر ، ولذا توصف مثل هذه الحوارات بأ نّها تولد ميتة لأنّ الأجواء المريضة التي يحصل فيها الحوار لا تفسح المجال للمتحاورين أن يتحاورا بطريقة (وإنّا أو إيّاكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين )( ) .
فهذه الطريقة التي استخدمها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونجح فيها أيّما نجاح تتلخص في أ نّك تجلس إلى محاورِك وتقول له : دعنا ننفض يدينا مما لدينا ونبدأ حوارنا بدون قناعات أو أحكام مسبقة أو جامدة ، ولنترك للحوار أن يأخذ مجراه وصولاً للحقيقة . وبمعنى آخر ، أن تقول له : دعنا نحرث الأرض ، لنبدأ بزراعتها من جديد ، وأي غرس أزكى وأنمى هو الذي سيأخذ طريقه إليها .
حاوره في تصوراته وآرائه وقناعاته كما لو كنت مؤمناً بها ، واترك له أن يحاورك في تصوراتك وآرائك وقناعاتك كما لو كنت في شك من قناعاتك .
5 ـ ادارة الحوار أو أسلوبه : فالإثارة قد تعقّد الحوار وتفسده ، أي أ نّك إذا غمزت صاحبك ، أو طعنت في مقدساته ، أو ركّزت على الماضي ونسيت الحاضر ، أو استغرقت في التفاصيل وأهملت الأولويات ، فإنّك ستنتهي إلى نتيجة سلبية في الحوار ، أو في الأقل لا تصل إلى النتائج المرجوة .
شـروط الحـوار :
للحوار شروطه التي تحدّدت عبر هذه الرحلة الطويلة من المناقشات والمناظرات والجدل ، وأهمّها ما يلي :
1 ـ أن لا يقع المتحاورون في مطبّ (الغضب) لأنّ الغضب بطبيعته يفقد التوازن ، ويغيّب العقل ، ويفسح المجال للكلمات العنيفة والنابية للطغيان على الحقيقة .
2 ـ أن لا يعجب المحاور بنفسه ، وقد يحمد الله على أن مكّنه من الانتصار للحقيقة التي هي ملك الجميع ولا أحد يمتلكها لوحده ، لكن اعجاب المحاور بنفسه هو شعور بالغرور والتعالي على نظيره المحاور الآخر ، مما يفقد المحاورة جوّها الهادئ المتزن، وينقلها إلى جو نفسي ضاغط .
3 ـ على المتحاورين اجتناب الأحكام الظالمة أو المتجنّية ، فالإنصاف مطلوب من كلا المتحاورَين أو مجموع المتحاورِين . فحتى لو قال محاورُك ما يخالف رأيك تماماً ، أو كشف لك خطأ رأيك ، أو بعض جوانب الخطأ فيه ، فلا تعتبر أ نّه قال ذلك بدافع اسقاطك أو اهانتك أو التجرؤ عليك ، فالمصارحة والمكاشفة والنقد الموضوعي لا بدّ منها في سبيل الوصول إلى الحقيقة . وقد قيل : «مَنْ ثَلب ثُلب» .
4 ـ ومن شروط الحوار أن تُقبل على محاورك هاشّاً باشّاً ، وأن تشعره بأ نّك وهو تسعيان لتحقيق هدف واحد وهو الوصول إلى الحقيقة ، ومهما كانت النتيجة فأنتما إخوة وأصدقاء أو شركاء أو زملاء أكفّاء ، ذلك أنّ الأخوّة والصداقة فوق الاختلاف في الرأي ، ولذا قيل : «إنّ الاختلاف في الرأي لا يفسدُ للودّ قضيّة» .
5 ـ إذا جوّز أحد المتحاورين لنفسه شيئاً ، فليجوّزه للآخر ، لأ نّهما يقفان على قدم سواء ، والجائز جائز للجميع ، والممنوع ممنوع على الجميع ، وفي كل الأحوال فإنّ خروج الحوار من (هدف البحث عن الحقيقة) إلى المغالبة واستخدام أي أسلوب للوصول إلى الغلبة ، يحكم على الحوار وعلى المحاور أو المتحاورين بالفشل .
6 ـ وأن يكون المتحاوران أو المتحاورون متماثلين ، ولا يعني التماثل التطابق ، فلكلّ انسان شخصيته وثقافته وأفكاره وآراؤه التي يحملها وطريقته في التحاور . لكننا نقصد بذلك أن يكونا من أصحاب الاهتمام المشترك ، والمشتغلين في حقل الموضوع المطروح للحوار حتى يتمكنا من الخروج بنتائج تخدم الحقيقة .
balagh.com

المصدر: http://www.balagh.com/thaqafa/0i0oqogt.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك