المقدرة على الحوار و التواصل

المقدرة على الحوار و التواصل

من خلال نظرة على شروح الكلمة في المناجد نجد أن مصطلح المقدرة يتضمن معاني الاستطاعة و الأهلية و القابلية و الأحقية و القوة المعنوية و الجرأة و الإمكان و الإجادة إضافة إلى السلطة و إذا حاولنا إيجاد رابط بين كل هذه الكلمات سننتهي إلى حقل دلالي و مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان و هو حق التواصل.

إن ربط كلمة أو مصطلح المقدرة بالحوار و التواصل يجعل لها دلالات ثقافية واجتماعية وعلمية إلى جانب دلالاتها الطبيعية والذاتية.ويتأكد ذلك من محاولة إيجاد تعريفات لمفهومي الحوار والاتصال: دون الدخول في تفاصيل التعريفات والشروح اللغوية للكلمتين سنكتفي بإيراد تأليف لمفهوم الحوار والتواصل من خلال ما بأيدينا من تعريفات لغوية واصطلاحية.

وتفيد التعريفات المتعددة للحوار أنه علاقة مباشرة بين طرفين أو أكثر تقوم على التعبير والتحليل وتبادل الأفكار والمعلومات والحجج والبراهين بغاية الإعلام والتعارف والإقناع أو التأثير.

ويمكن إيجاد رابط بين كل التعريفات اللغوية لكلمة حوار من خلال تواتر تعابير" تبادل الأفكار" و " تبادل الآراء" و " الاتفاق و الاختلاف" و " النقد و التعبير" إلى غيرها من التعابير التي تصب كلها في مجال أشكال الاتصال بالآخر.

و من أبرز شروط الحوار هو الاختلاف. لأنه إن لم يكن هناك اختلاف جزئي أو كلي حول موضوع أو فكرة داخل الحوار لا يكون هناك حوار و إنما خطاب أو حديث عادي.و من نفس منطلق تعدد الأطراف يقدم التواصل أو الاتصال باعتباره علاقة بين طرفين أو أكثر عبر قناة أو وسيلة اتصال بغاية الإعلام أو التعارف أو الإقناع أو المصلحة. و يتميز الاتصال أنه يجمع كل معاني الاجتماع بالآخر. فالاتصال يمكن أن يطلق على وسيلة الاتصال أو على مضمونه أو على شكله و هو يعتمد المنطوق و المكتوب و الصورة و الإشارة و الابتسامة، كما يمكن أن يتجسم في الوسائل التكنولوجية كالتلفزيون أو الهاتف أو الحاسوب....و بمعناه الواسع: هو كل "عملية إرسال أو تبادل معلومات بين مرسل ومتلقي"

بقي أن نفهم هل أن التواصل مع الآخر يؤدي دائما إلى نتائج ايجابية و بالتالي هل يمكن أن نتحكم في مسار هذا الاتصال لنضمن نتائج ايجابية تحكم الفرد و المجتمع و البشرية جمعاء؟

إن هذه الأسئلة و التساؤلات تفرضها النظرة إلى الحالة الإنسانية اليوم فهذا التفاقم لمشاكل الصراع و التأزم في العلاقات الدولية إلى جانب اتساع الهوة بين الدول المتقدمة المصنعة و الدول النامية في كل المبادلات بدءا من الاقتصاد وصولا إلى وسائل الاتصال و الإعلام. و هذه الأوضاع التي يغلب عليها التأزم و الصراع أفرزت محاولات لتنظير العلاقات الدولية و قد برزت نظريتان أساسيتان أحداهما تؤكد على حتمية الصراع و الصدام بين الحضارات على خلفية أن الإحساس بوجود عدو مشترك بين مجموعة معينة من المجتمعات البشرية التي لها خصائص و أوضاع اقتصادية و حضارية مشتركة يجعلها تعمل على الحفاظ على تماسكها و تحالفها السياسي و الثقافي لتجنب المنافسات الاقتصادية من خارج هذه المجموعة.

أما الطرح الثاني فتمثله نظرية حوار الحضارات و التي تعتبر رد فعل متوازن و عاقل على الطرح الأول. و تعكس نظرية حوار الحضارات رغبة متبادلة في التعايش و التعاون و التفاهم بين مختلف الشعوب و الثقافات لإيجاد بيئة دولية سليمة و فضاء مستقر يقوم على ضرورة الاتفاق على الحد الأدنى المشترك من القيم الإنسانية الكونية و السلوكيات الأساسية التي تشترك فيها مختلف الحضارات و الثقافات و الكفيلة بتحقيق قيم العدل و الحرية و المساواة دون إلغاء مبادئ الاختلاف و التعدد الحضاريين.

إن مبادئ حقوق الإنسان و القانون الدولي هي أساس بناء العلاقات الدولية و جوهر عمل كل المنظمات الدولية و أهمها على الإطلاق منظمة الأمم المتحدة و مختلف وكالاتها و أجهزتها. ويمكن القول ببساطة انه لولا الإيمان بضرورة الحوار بين الدول و الشعوب و الحضارات و حتمية التواصل رالتعايش بين مكونات المجتمع الدولي لانتفت الحاجة إلى وجود الأمم المتحدة و غيرها من المنظمات التي تنظم العلاقات الدولية و الإقليمية.ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة إلى بلورة هذا الارتباط الوثيق بين مبادئ الحوار و التواصل و بين مختلف أنشطة كل أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها. و في هذا الإطار يتنزل مشروع اليونسكو و الايسيسكو لإنشاء بوابة الانترنت باللغة العربية من أجل إتاحة الفرصة لمختلف الرؤى و الأفكار الشبابية البناءة و التي تخدم غاية إقامة حوار بين مختلف الحضارات من منطلق شبابي. و التأكيد على دور الشباب العربي في تصور شكل الحياة و التعايش في العالم في المستقبل و المتوسط. و التأكيد على ضرورة أن تعكس المواضيع المتطرق إليها انشغالات الشباب العربي و اهتماماته يترجم حاجة الشباب العربي لإيجاد فضاءات دولية و كونية للتعبير عن ذاته و تطلعاته و يخدم مبدأ تكافؤ الفرص المتاحة لكل الفئات و المجتمعات في العالم للمشاركة في بلورة فكرة حوار الحضارات و ذلك من خلال و كآلات الأمم المتحدة و غيرها من المنظمات الإقليمية التي تشترك مع الأمم المتحدة في أهداف ضمان التعايش سامي و التفاهم بين مختلف الحضارات و المجتمعات.و يتسع مفهوم حوار الحضارات لكل المبادئ التي تتعلق بالحياة الإنسانية و منظومة حقوق الإنسان و القانون الدولي. و ترتبط بها إفرازات التقدم و التنمية و حاجة البشر، إفرادا ومجتمعات الى المشاركة في التقدم و التنمية الإنسانية و الاستفادة منها.

و يشمل موضوع المقدرة على الحوار و التواصل كل ما يتعلق بحوار الحضارات و التنوع الثقافي و اللغوي و قيم التسامح و قبول الآخر و حق الاختلاف و عدم الإقصاء و مبادئ التضامن الدولي و الحريات الأساسية و مختلف حقوق الإنسان بكل تفرعاتها. كما يسمى موضوع المقدرة على الحوار و التواصل كل إفرازات التقدم على مستوى تكنولوجيات الاتصال و بروز مفهومي مجتمع المعلومات و العولمة الى جانب انعكاسات هذا التقدم و أهمها تحليل مفهوم الهوة أو الفجوة الرقمية و البحث عن السبل الكفيلة بالحد منها لخلق مجتمع كوني يقترب أكثر ما يكون من التكافؤ والتجانس.

إن الحوار يقوم على المساواة وإيمان أطراف الحوار بهذه المساواة ويقتضي قبول الاختلاف وايلاء أهمية للآخر واقتسام المعرفة بوصفها رابطا جماعيا و أداة تعارف وتقارب وتضامن ويوفر التقدم التقني على مستوى تطور تكنولوجيات الاتصال والإعلام اليوم فرصا كبيرة وناجعة للحصول على المعلومات دون اعتبار للحواجز المادية بل أن ما يوفره الأنترنت اليوم من فرص للوصول الى المعلومة ونشرها وصل حد إلغاء الحواجز المعنوية المتمثلة خاصة في الانغلاق على الذات وعدم الحصول على المعلومة. وإضافة إلى فرص الاتصال الفردي والثنائي يمكن الأنترنت من تطوير الإعلام وذلك من خلال الصحافة الإلكترونية التي تتميز بسهولة الانتشار وسرعته. ولكن خاصة من خلال إتاحة الفرصة لكل فرد للتفاعل مع محتوياتها والمشاركة في إنتاج مضمونها من خلال ما يصطلح على تسميته بالمدونات الإلكترونية (blogs) وهي عبارة عن مواقع الكترونية يديرها أشخاص أو جماعات وتتضمن العديد من القصص التي تنتشر على امتداد اليوم وهي في الأصل عبارة عن دفاتر ملاحظات أو مذكرات مفتوحة أمام العالم ليراها وبعضها يلجأ الى نشر تعليقات وآراء مربوطة بإشارات الى مواقع معلومات عن الموضوع الذي يتم نقاشه وتتميز المدونات الإلكترونية فإنها تتيح الفرص لتبادل الأفكار والمعلومات ومناقشة قضايا مختلفة . هذا بالإضافة إلى منتديات الحوار وهي فضاءات على الأنترنت تفتحها أطراف عديدة أغلبها مؤسسات إعلامية وثقافية لحساب تواتر وجهات نظر الأفراد حول مواضيع وقضايا مختلفة. وتساعد هذه المنتديات على معرفة تطلعات الأفراد وقياس أهمية العديد من المواضيع والأفكار بالنسبة للأفراد والجماعات.

المدونات الإلكترونية ومنتديات الحوار

إن ما يبرز جليا من خلال الحديث عن المدونات الإلكترونية ومنتديات الحوار على الأنترنات هو الفرص التي يتيحها تطور تكنولوجيات الاتصال لكل الأفراد للتعبير والحوار دون اللجوء إلى القنوات التقليدية للإعلام و هذا هو جوهر حريات التعبير و الصحافة و الرأي و غيرها من الحريات الأساسية التي تمثل أساس منظومة حقوق الإنسان.

و إذا ما أردنا تعريف حقوق الإنسان فإننا نجد سيلا من التعريفات و التحليلات و الدراسات حولها و هذا يبرز مدى أهمية منظومة حقوق الإنسان اليوم. و يؤكد أنها "قيمة تفرض نفسها أكثر فأكثر في عالم يبحث عن مقاييس جديدة تقوم على إبراز إنسانية الإنسان و إعادة تقييم كل فرد ضمن المجتمع الإنساني مع التأكيد على حقيقة و قيمة اختلاف كل فرد داخل المجتمعات. و تقوم منظومة حقوق الإنسان على اعتبار الإنسان قيمة في حد ذاته و تتضمن مجموعة مبادئ تهدف الى تحقيق الحرية للأفراد و الشعوب و تجسيد مبدأ المساواة بين الناس. و تعتبر الحقوق الثقافية قيمة داخل منظومة حقوق الإنسان و تؤكد على حريات المعتقد و ممارسة الشعائر الدينية و التنوع الثقافي.

و يعني مصطلح التنوع الثقافي " تعايش وتبادل مختلف الثروات الثقافية و توفير و استهلاك مثل هذه الثروات وهو يتضمن أيضا التنوع اللغوي و هو الى جانب ذلك " كثرة الفاعلين بما لهم من مخزون في المعلومات و بما لهم من طاقة و قدرات على الفعل و يقتضي التنوع الثقافي أن تتميز النظرة للثقافة أنها" قائمة على التواضع و النسبية و الاعتراف بالغير.... و ينبغي أن توجه الحقوق الثقافية نحو الاستجابة لمقتضيات أخلاقيات الحداثة و كذلك أخلاقيات القانون الدولي في هذا المجال دون أن يعني ذلك نكران الخصوصيات الثقافية و لا الإعجاب بعظمة ثقافة المجموعة لكن فقط الاعتراف بان الكونية هي نتيجة معرفة الذات و معرفة ذات الغير" و هذا التأكيد على ضرورة الحرص على طبع الحقوق الثقافية لمبدأ التنوع و احترام التنوع هو حرص على عدم المبالغة في تفضيل ثقافة على أخرى لا من طرف الأفراد و لا من طرف المجموعات و لا يخفى على احد ما في هذا الحرص من رغبة في التأكيد على مبدأ المساواة بين الثقافات كي لا يتحول الحق في الانتماء إلى ثقافة و الاعتزاز بها إلى دافع لإقصاء الثقافات الأخرى و الاستهانة بها. كما إن معرفة الثقافات الأخرى حق وواجب يعني انه من حق كل فرد أن تتوفر له فرص الاطلاع على ثقافات غيره و معرفة خصوصيات و مميزاتها و هي واجب لأنه لا يمكن الاطلاع بغاية إثراء المعارف الفردية و الجماعية و إن يقوم على مبدأ التفتح و التسامح.

والتسامح هو قيمة جوهرية في العلاقات الدولية و حوار الحضارات و الاتصال بالآخر وهو أسلوب تفكير و نظرة الى الآخر تقوم على الاحترام و إقرار و تقدير التنوع الفني لثقافات عالمنا و لأشكال تعبيرنا و طرق ممارستنا ....و التسامح هو انسجام في الاختلاف... لأنه ليس فقط واجب أخلاقيا بل أيضا متطلب سياسي و قانوني...." ( تعريف التسامح كما ورد في إعلان الأمم المتحدة حول التسامح)

وجاء في إعلان اليونسكو حول التسامح الصادر في أكتوبر 1995 بباريس أن " التسامح قيمة أخلاقية و سياسية و دينية و قانونية أساسها المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان و في مقدمتها التعددية و احترام المعتقد و الرأي و العدل قائمة على مبدأ الانسجام في الاختلاف، تهدف الى تحقيق السلم و الأمن و التقدم الاقتصادي و الاجتماعي للأفراد و الشعوب"

إن قيم التسامح و التفتح و قبول الآخر و احترام الاختلاف لا تنشأ بمقتضى أمر أو طلب و لكنها تنبع من عقلية و أسلوب تفكير ذاتي و تتمظهر في سلوكات الفرد و المجموعة ذات الخصائص الحضارية المشتركة هذا يفترض أن يبدأ ترسيخها من البداية أي منذ فترة تكون الشخصية الفردية ثم الشخصية الجماعية و لذلك يكتسب التعليم الأهمية الأكبر في زرع قيم التسامح و الفتح و احترام الآخر.

والتعليم يتضمن عناصر عديدة هي التي تكون شخصية الفرد بمختلف خصائصها و مكوناتها من طريقة تفكير وأسلوب حياة و طريقة تعامل مع الآخرين الى محتوى المعرفة و نوعية المعلومات و طبيعتها و لأجل هذا نجد الحق في التعليم و التربية ضمن حقوق الإنسان و نجد التأكيد عليه ضمن الحقوق الثقافية. لهذا سجلت لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الفقرة الخامسة من ملاحظتها العامة رقم 13 و المؤرخة في 8 ديسمبر 1999 أنه على الدول أن تسهر على أن يستجيب التعليم بكل أشكاله و في كل مستوياته الأهداف و الغايات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. و اتفقت كل هذه النصوص على الحق في التربية و التعليم و على التنصيص على المساواة بين الذكور و الإناث و احترام البيئة. و ينبغي أن ينطلق التعليم من الحق في تعلم الخصوصيات الحضارية و الثقافية المحلية و ينبني على ضرورة احترام الخصوصيات الحضارية و الثقافية الأخرى. لكن التعليم لم يعد حكرا على الدولة و على المؤسسات التعليمية و التربوية الكلاسيكية بل أصبح المحيط العالمي الراهن يتسم بتعدد و تنوع وسائل استيقاء المعلومة و المعرفة وذلك تبعا لتطور وسائل الاتصال و أصبحنا نتحدث عن المدارس و الجامعات الافتراضية و الموسوعات العلمية و اللغوية الالكترونية ووسائل التعليم بالصوت و الصورة و كل ذلك يجعل من مستوى المعرفة و طبيعة محتواها لمستوى التقدم التقني و درجة التقدم الصناعي

مفهوم الفجوة أو الهوة الرقمية

لذلك يبرز مفهوم الفجوة أو الهوة الرقمية و هي الفارق في حيازة تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات بشكلها الحديث و حيازة المهارات التي يتطلبها التعامل معها بين الدول المتقدمة المنتجة لهذه التكنولوجيات و لبرامجها و لمحتوياتها و بين الدول النامية التي لا تساهم في إنتاج هذه التكنولوجيات و في صياغة محتوياتها و هي أيضا الفارق في توزيع هذه التكنولوجيات على الأفراد بين الدول المتقدمة و الدول النامية.

وقد أصبح الحديث عن تقدم وسائل الاتصال و مجتمع المعلومات مقترنا بالحديث عن الفجوة الرقمية و التنبيه إلى ضرورة الحد من منها عن طريق توثيق التلاحم و التضامن بين الدول في مجال الكونية و تبني سياسات داعمة لتكنولوجيات الاتصال و محفزة للتنافس إلى جانب دعم التنمية و التلاحم الاجتماعي من خلال تكنولوجيات المعلومات و الاتصالات. و يمكن العمل على تقليص الهوة الرقمية من تحقيق أكثر ما يمكن من التوازن على مستوى فرص الحوار و التواصل الحضاري و الثقافي بين الأفراد و بين المجتمعات. ويعتبر التضامن و التعاون الدولي هو الضامن الأكبر لتحقيق هذا التوازن بين الدول و المجتمعات. فكما أن التضامن بين الأفراد يمكن من انتشال الأفراد الأقل حظا على مستوى الثروة و تمكينهم من الحصول على فرص مناسبة للعيش فان التضامن بين الدول يمكن الدول الفقيرة و النامية من الحصول على فرص لتحقيق التنمية و توفير و سائل الحياة و التعليم و الصحة لأفرادها. و يمثل التضامن الدولي استكمالا لما يفتحه الحوار بين الثقافات من سبل التفاهم و الرغبة في العيش المشترك.

خاتمة
المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=235

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك