(جاستا).. هل تنازع أميركا «انهيارها»؟!

عادل الحربي

 

لا يمكن اختصار النظام الرأسمالي بأنه مجرد أرصدة في البنوك أو ديون معدومة.. الرأسمالية ثقافة تغلغلت في كل شرايين الحياة.. هي آخر عقد توصلت إليه البشرية.. وهي الارقام البسيطة.. والمعادلات المعقدة.. والنتيجة التي لا تقبل الاختلاف.. أو الرحمة!.

ارتفاع الدين الاميركي، الكساد الاقتصادي، السياسات المالية التقشفية، فقاعة الرهن العقاري، رفع سقف الدين العام؛ مفاتيح مهمة لحل لغز (جاستا).. الذي صوتت عليه غرفتا الكونغرس بـ(الاجماع)، حيث تؤكد تقارير اقتصادية أن: "إجمالي الدين الفيدرالي لحكومة الولايات المتحدة قد تجاوز عتبة 19 تريليون دولار بزيادة بلغت نحو 9 تريليونات دولار خلال فترة حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما في اقل من 8 سنوات، بنسبة وصلت في فبراير الماضي إلى أكثر من (105٪) من الناتج المحلي الإجمالي.. مع توقعات مكتب الميزانية في الكونغرس بنمو الدين العام إلى 22.6 تريليون دولار في 2020، وإلى 29.3 تريليون دولار في 2026، بزيادة تتراوح بين التريليون والتريليون والنصف في العام الواحد وبنسبة متزايدة عاما بعد الآخر"!.

كما تؤكد التقارير أن "معدل نمو الدين أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي لفترة طويلة من الزمن، مع ارتفاع نسب الفوائد، وتجاوز قدرة الاقتصاد على سداد الديون".

اميركا تعيش الخطر الحقيقي وتقتات على سمومه، وفي كل مرة تتعثر في عجزها المالي تتذكر جيدا ان عليها دفع مستحقات الدين المتزايد؛ لكنها لا تستسلم لأنها تعي أن عدم الوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية سوف يضعف الدولار وبالتالي انخفاض قيمة احتياطيات الدول المستثمرة لديها، ثم عزوف الدول الاجنبية عن إيداع احتياطياتها في البنوك الأميركية، وهذا يعني مزيدا من الانحدار الاقتصادي بدءاً بالبورصة ومروراً بالشركات وحركة التجارة الخارجية..

هنا تتضح النتيجة الحتمية وهي أن الولايات المتحدة تهرب عبثاً من التزاماتها ومن افلاسها، بابتداع الحلول الجديدة، بعد أن لم يعد من الممكن رفع سقف الدين الذي تم رفعه منذ اشهر.. لذلك كان الاتجاه الاخير المتمثل في الهروب من الاستحقاقات الدولية المكلفة مادياً واختراع القوانين والعقوبات التي تعني مداخيل جديدة، مثل قانون "الدول الراعية للارهاب".. الذي لم يكن حريصاً على افغانستان والباكستان مثلاً كما كان حريصاً على الدول الغنية!.

ابتدعت اميركا العام (2010) قانونا يدر عليها 100 مليار دولار سنويا واسمته (الفاتكا)، يلزم جميع البنوك والمؤسسات المالية حول العالم، بلا استثناء، بالإفصاح سنويًا للسلطات الضريبية الأميركية عن حسابات عملائها الذين يحملون الجنسية الأميركية أو حق الإقامة في أميركا، وكذلك الافصاح عن عملائها الذين يشتبه بحملهم لأي من تلك الوثائق وفق مؤشرات محددة، ويشمل مواليد الولايات المتحدة من ابوين غير اميركيين والذين غادروا اميركا ولم يروها منذ تلك الولادة.

واعطى (فاتكا) لأميركا الحق في معاقبة اي بنك في اي دولة كانت في حالة عدم الإفصاح تتمثل في الحجز على 30% من أي مدفوعات لذلك البنك أو المؤسسة المالية. طبعا التسبيب لهذه الضريبة على غير المقيم وغير المستفيد لأي خدمة في اميركا، هي ان من يحمل الجنسية الاميركية يحصل على امتياز عن باقي البشر من حيث الحماية الاميركية "فوق اي ارض وتحت اي سماء"!

وهنا ما كان لحكومات العالم إلا ان تستجيب للقانون الاميركي وكشف اسرار حسابات عملاء البنوك الأميركان لحكومتهم، ربما لانها رأت أنها "قضية اميركية داخلية بين الحكومة ومواطنيها"!..

وعندما فكر الكثير من الاميركيين الجدد التخلص من الجنسية الاميركية و(القرين كاردز) واي شيء له علاقة بأميركا.. قابلتهم أميركا بأن اخترعت شرطاً يؤكد على أن "الالتزام يستمر الى عشر سنوات بعد تاريخ قبول اسقاط الجنسية الاميركي"!.

هذا الجشع الاميركي وقوانين الجباية المتتالية وذاك الاجماع المشبوه يؤكد أن الأسد العجوز يصارع الموت لسد الهوة بين الدين العام والناتج المحلي، وأن اميركا المسكونة بكابوس الانهيار الحتمي تبحث عن "قانوني فذ" يخترع المزيد من انظمة السطو والجباية بضوء أخضر جاهز من الغرفتين اياهما..

لم يعد (جاستا) يهمني، انا فقط حائر فيما ستبتدعه اميركا العام المقبل لتقتات عليه!

المصدر: http://www.alriyadh.com/1539887

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك