الإسلام: منهج حياة.. ومنبع للقيم والأخلاق

علي حسن الشاطر

 

الاهتمام بأوضاع العالم الإسلامي، والتصدّي للتحدّيات التي يواجهها المسلمون، ومحاولة إيجاد الصيغ المناسبة لتوحيد المواقف الإسلامية إزاء كل هذه القضايا والتحدّيات يجب أن تكون في صدارة الاهتمامات والأولويات لدى القادة والمفكرين والعلماء والمثقفين والأدباء والشعراء والصحفيين وكل العاملين في مجال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فالعالم الإسلامي عالم ضخم وكبير أولاً من حيث امتداده الجغرافي الذي يمتد من الشرق إلى الغرب في موقع يتصدر العالم، وثانياً من حيث الثقل البشري الذي يزيد على المليار وست مئة مليون نسمة، أي ما يمثل نسبة 23% تقريباً من سكَّان العالم بموجب إحصائيات عام 2015م، وثالثاً من حيث ما تختزنه أوطان المسلمين من ثروات هائلة - بشرية وزراعية، ونفطية، ومعدنية.. الخ والذي يصبغ على موقعها التجاري والسياسي أهمية كبيرة.

كما أن أهمية العالم الإسلامي لا يجب حصرها في تلك العوامل الثلاثة فحسب، وإنما تتجاوز ذلك إلى العامل الأساسي الذي يجمع هذا العالم، بحيث يكاد يشكّل العامل الوحيد الذي يوحد مشاعر ذلكم الكم البشري الهائل، وهو عامل الإسلام، كعقيدة دينية يؤمن بها هذا العالم الضخم، وكمبادئ وقيم عظيمة وسامية لا تقتصر على العبادات فحسب، وإنما تتجاوزها كمنهج شامل للحياة، وكمصدر، أو بالأصح، نبع للأخلاق والقيم لا ينضب.. لذلك ولكون الإنسان احتل أول العناصر الرئيسة في مركب الحضارات، يليه التراب -ويُقصد به مفهوم مهم للثروة- ثم الوقت، فإن كل هذه العناصر تتوفر في العالم الإسلامي ولكنها معطلة بعض الشيء، ولكي يتفاعل هذا المركب فإنه يحتاج إلى "محفّز"، ذلك أن كل تحول عظيم ينتج عنه حضارة عظيمة لابد أن يسبقه عنصر التحفيز الذي يفجّر طاقات الإنسان ويُغيّره ليتم هذا التفاعل الحضاري، وهذا المحفّز بالنسبة للعالم الإسلامي هو الدين أو العقيدة الإسلامية، فلقد فجّر الإسلام طاقات الإنسان ليصنع حضارة عظيمة أدت دوراً بارزاً وعظيماً -ولازالت- في تاريخ الحضارات الإنسانية، إذ يعود لها الفضل فيما خلّفت للحضارات الإنسانية الحديثة والمعاصرة من تراث علمي وفكري ضخم انطلقت منه واعتمدت عليه هذه الحضارات التي ينعم بها الإنسان اليوم، وهي -أي العقيدة الإسلامية- كفيلة أيضاً بأن تحقق للشعوب العربية والإسلامية كثيراً من الأهداف وخصوصاً في مجال التوحّد الذي يعني القوة والتعاضد بدلاً عن الخلافات والاختلاف، وأن تنتشل العالم الإسلامي من حالة التفكك والتمزّق، ومع ذلك فإن وحدة العالم الإسلامي وريادته للعالم الثالث يمثل أملاً ممكن التحقق، إن لم يتفاعل أكثر، ونقول: إنه لابد من النهوض به وتحقيقه، انتصاراً للحق والعدل والحرية، وانتشالاً للإنسان المسلم من الواقع غير الطبيعي الذي يعيشه الآن.

ففي أحلك فترات التاريخ الإسلامي ظهر رواد كُثر ومجاهدون ومصلحون ومجتهدون ومجدّدون ودُعاة تنوير ثوّاراً ومناضلين أطلقوا صيحاتهم لإيقاظ العالم الإسلامي وتوحيده، قاوموا الظلم والطغيان وجهاً لوجه، ومن أجل ذلك واجهوا النفي والتشريد والاعتقال، وكل ذلك لم يؤثر على ما اختطّوه لأنفسهم من طريق، طريق النور لنصرة الإسلام والمسلمين بالفكر والعمل، فكانوا بذلك رواداً ومجدّدين خلّفوا تراثاً ومجداً وشكّلوا مدرسة تخرّج منها مفكّرون وعلماء ومناضلون على درجة كبيرة من العظمة.

كما أن أوضاع التجزئة وحالة التمزّق التي عانى ويعاني منها الوطن العربي والإسلامي قد فرضت ظهور اتجاه عروبي لا يقل أهمية عن الفكر الإسلامي المستنير جاء يدعو إلى الوحدة العربية لتجاوز أوضاع التجزئة والتمزّق، ليتمكّن العرب والمسلمون من مواجهة قضاياهم المصيرية ويشكّلون بذلك قوة للإسلام ونواة لهدف أبعد وأهم نفعاً هو وحدة العالم الإسلامي.. ولاشك أن هذا الاتجاه العروبي هو المجسّد الحقيقي لتكامل وتعاضد الأمتين العربية والإسلامية، وهو المعزّز لقدراتهما في مواجهة التحدّيات وكل المخططات التآمرية التي تستهدف العرب والمسلمين.

المصدر: http://www.alriyadh.com/1535995

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك