الجلال والجمال

عبدالله الجعيثن

 

حين نقرأ ديوان المتنبي نحس أننا أمام بحر زاخر متلاطم الأمواج مكنوز الثروات، ومنظر البحر فيه جلال، وحين نقرأ ديوان نزار نحس أننا أمام بحيرة صغيرة لكنها رقيقة تحفها زهور أنيقة فنشعر بلذة الجمال، لا يعني هذا طبعاً أن شعر أبي الطيب غير جميل، فإن للبحر جماله وللجبل الشامخ جماله على جلاله.

أبو الطيب قادر على التعبير عن أعماق النفس البشرية في كل زمان ومكان، لذلك تصيبنا قراءة شعره بالذهول أمام هذا العمق والصدق الواقعي الذي تم التعبير عنه بقوة وفن واقتدار، فكأن شعر المتنبي طريق واسع مرتفع وطويل شق بين جبال شاهقة وفيه جسور طويلة معلقة بين الجبال هائلة الارتفاع تجعل من يراها مدهوشاً يحس بالرهبة وجلال القوة، وللجلال جماله المنضوي تحته كفتاة حلوة أسندت رأسها الجميل على كتف عاشقها الفتي القوي.

أما شعر نزار، والبهاء زهير، والشاب الظريف، فإنه يشبه السهل المكسو بالمسطح الأخضر والمحفوف بالزهور، يسر العين ويمتع الأذن ولكنه يخلو من الروعة التي تهز النفس والدهشة التي تحرث الأعماق وتحرك أبعاد الوجدان.

يقول المتنبي:

نعد المشرفية والعوالي

وتقتلنا المنون بلا قتال

يدفن بعضنا بعضاً وتمشي

أواخرنا على هام الأوالي

ومن لم يعشق الدنيا قديماً

ولكن لا سبيل إلى الوصال

ويقول نزار:

وجلست في ركن ركين

تتسرحين

وتنقطين العطر من قارورة وتدمدمين

لحناً فرنسي الرنين

لحناً كأيامي حزين

قدماك في الخف المقصب

جدولان من الحنين

وإنما ضربنا مثلاً بنزار والمتنبي لسطوع الفكرة، وإلا فالجلال كثير في شعراء المعلقات، ولدى المعري، والجواهري، والسياب وغيرهم، والجمال منثور كالدر في أشعار أنور سليمان، وسعاد الصباح، والبهاء زهير، والشاب الظريف.

http://www.alriyadh.com/1535665

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك