التعايش بين ثقافات الشعوب ضرورة

يوسف الحمدان

 

إذا كان الإرهاب والعنف والتطرف مصادر أساسية لتفريق وتمزيق الأمم والمجتمعات في كياناتها الصغيرة والكبيرة، فإن التعايش بين الثقافات والشعوب مرتكزا رئيسا للم شمل الأمم والمجتمعات، وواجهة أساسية لمواجهة الإرهاب في أشكاله ومصادره المتعددة، وبيئة حميمة للأمن والسلام والحب، وأساس التعايش الحوار وقبول الآخر والكف عن ردع الرأي والرؤية بحجب العقل والسمع عنهما. والحوار بين الثقافات والشعوب لا تكتمل عناصره إلا إذا توفرت له شروط التكافؤ والإرادة المشتركة والاحترام المتبادل، فمن خلال هذه العناصر تتمكن الشعوب من فهم نفسها وبعضها وتدرك خطورة من يسعى إلى تفريقها ووأد قيم الحب والأمن في كياناتها، ولا يمكن أن يكون هناك مستقبل لهذه الشعوب ما لم تكن مرهونة بإقامة حوار متحضر وعاقل بين ثقافاتها وحضاراتها ورؤاها الفكرية، المسهم والمؤدي إلى تشكيل ركائز التعايش الثقافي الرفيع.. يقول الكاتب مايكل كاريذرس ك: «إن الناس يعيشون بفضل العلاقات والثقافة القائمة، بينهم حياة وجدانية وفكرية» والثقافة هنا تعني العناصر الذهنية في الأساس وأشكال المعارف والقيم التي نعيش بها وعليها أو التي تعلمناها أو ابتدعناها، لا نعقلها إلا حين يستخدمــها الناس.. إن التعايش الثقافي يتطلب تنوعا في الرؤى والأفكار، ودون هذا التنوع الثقافي لا يمكن أن ترتقي المجتمعات أو تضمن صمام أمان لنهوضها في هذا الكون، فالإقرار بالتنوع الثقافي وكفالة حمايته صارا اليوم من مبادئ القانون الدولي، فلكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامهما والمحافظة عليهما، فإذا أراد المجتمع الدوليُّ أن يحافظ على شرعية القانون الذي يحكم علاقات الأفراد والجماعات والحكومات، فإن ضرورة الحياة فوق هذه الأرض، وضرورةَ العيش في أمن وسلام، تفرضان تعايش الثقافات والحضارات والأديان وإقامة حوار جدّي وهادف فيما بينها، ولا مستقبل للبشرية إذا سارت في اتجاه معاكس لذلك كلِّه. إن التنوع هو أجمل ما في هذا الكون، ولقد خلقنا الله سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل مختلفين لنتعارف ونأتلف، لا لنسيء لبعضنا ونتقاتل ونعيث في الأرض إرهابا وعنفا وفوضى.. ونموذجنا لهذا التنوع والتعايش الثقافيين القمة الثقافية العالمية التي عقدت قبل أعوام قليلة من الألفية الثانية في العاصمة البوسنية سراييفو والتي شارك فيها عدد كبير من السياسيين والمثقفين والكتاب من جميع أنحاء العالم، وذلك لبحث مسألة التعايش الثقافي والديني بين شعوب وقوميات العالم.. إن اختيار سراييفو لهذه القمة في حد ذاته يعد حدثا ثقافيا وتحديا مهما وكبيرا، إذ انها عانت ما عانت من صراع القوميات والأديان لفترات طويلة، ونال بعض شعوبها الآمنة حظه السيئ من الإرهاب والعنف، ولكن الأمر الجميل في هذه العاصمة أنها مازالت تحتفظ بمساجد المسلمين وكنائس المسيحيين ودورهم ومؤسساتهم وفي مواقع متجاورة منذ خمسمائة عام، وبالرغم من أغلبية سكان سراييفو المسلمة، إلا أن المسلمين فيها هم من أصر على ضرورة المحافظة على الرموز الدينية لأتباع الديانات السماوية الأخرى رغم الحروب والاعتداءات والكوارث المختلفة.. إن هذا التوجه الثقافي الحضاري، يؤكد رفض الدول والشعوب للإرهاب والتطرف والعنف، والبحث عن وسائل متعددة للقضاء على كل ما من شأنه هدم أركان القيم النبيلة في أي مجتمع، ولكن المؤسف جدا، أنه في الوقت نفسه نجد من لايزال بعد يتربص لهذا التوجه ويسعى إلى غلغلته بطرق لا تنتمي ولا تتصل بالوعي الثقافي والحضاري بأية صلة.. مثل هذا البعض، ينبغي وقفه عند حده حتى لا يتفاقم غول التمزق والتفتيت في المجتمعات الباحثة عن الأمن والسلام والحب..

 

المصدر: http://www.alayam.com/Article/courts-article/88467/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8...

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك