مبدأ التعايش سمة العصر بين المواطنين والدول

بقلم أحمد محمود القاسم

 

لم يعد لأي فرد أو جماعة أو تنظيم أو بين الدول أيضا، أن يفرض ثقافته وقناعاته ومبادئه وقيمه وعاداته وتقاليده على الآخرين، طالما للأنسان الحق في التعبير عن آرائه وافكاره بحرية، ونشرها بالطرق الديموقراطية المعهودة، مهما بلغ عدد هؤلاء الأفراد، قلوا أو زادوا في العدد، في أي ساحة من الساحات أو موقع.

كل شعب، وكل جماعة وكل فرد، في أي مجتمع من المجتمعات، يعتز بقيمه واخلاقه وعاداته وتقاليده وايمانه وثقافته، مهما كانت مناقضة لقيم ومفاهيم وعادات وتقاليد الآخرين، ومهما كان رفض الآخرين لها أو قبولها واستحسانها، فالانسان، في ظل العولمة وحقوق الأنسان، وفي ظل حقه في التعبير والعقيدة، وممارسة الشعائر الدينية التي يؤمن بها، وحقه في الأحتفاظ بلغته التي يتعامل بها، وبثقافته وقناعاته، من حقه أن يقبل، أو يرفض، أي موقف أو عمل أو مبدأ أو ثقافة، مغايرة لمفاهيمه وعقيدته وقناعاته ودينه، ولا يجوز لأي فريق، نفي الآخر أو عدم الأعتراف به، مهما كبر أو صغر حجمه، ومهما كانت قناعاته من الخطا أو الصواب، فليس هناك مفاهيم ومبادي وعقائد مطلقة، فكل الأمور نسبية، وتعتمد عل رقي المفاهيم والمبادي والقيم التي يؤمن بها كل فرد أو جماعة، حسب رقي ثقافته ومفاهيمه، ومدى اتفاقها وقربها أو بعدها، عن القيم الانسانية العليا، التي يحق للانسان في كل مكان، التمتع بها كحق طبيعي له، في سوريا مثلا، هناك جماعة، يقدر عددها بنصف مليون مواطن، تؤمن بعبادة فرج المرأة، لاعتقادهم بأنه هو اساس انجاب الانسان، ولولا وجوده لما وجد مخلوق بشري على وجه الأرض، فهذه المجموعة، تعيش بأمان وسلام، ولا أحد يتدخل بمعتقداتها، أو يمنعها من ممارساتها، وتزداد اعدادها باستمرار.

في العراق ايضا، هناك جماعة كبيرة، تؤمن بعبادة الشيطان، وتقول بأنه هو من يدلك على الأشياء المحببة للفرد، ولولا الشيطان، لما عرف الانسان الأشياء الحلوة والجميلة والمرغوبة، فهو يوسوس لك عن الرغبات التي تتمناها حتى لو كانت متناقضة مع معتقداتك، سواء بطريقة حقة أو ملتوية وهكذا، وهم يعيشون في العراق، بأمان وسلام، ولا أحد يتدخل بهم، أو يحاول تغيير مفاهيمهم ومعتقداتهم، فالتعايش مع الآخرين، واحترام معتقداتهم وثقافاتهم، اصبح امرا مسلما به، وهو حق للأقليات يجب احترامه، وألا قامت المذابح، نتيجة للتناقض في المفاهيم والثقافات والمعتقدات بين البشر.

التعايش الأنساني في داخل المجتمع الواحد، مطلوب موضوعيا واجتماعيا، مهما اختلفت الأفكار والمفاهيم والعادات والتقاليد والقيم والمباديء، التعايش والتفاهم وقبول الآخر، يتم عن طريق التواصل بشكل مباشر، وبشكل يومي أو شبه يومي، في القرية والمدينة والمجتمع الواحد بشكل عام، ولا يجوز الهروب أو رفض لهذا الواقع، الذي يضم في اكنافه تناقضات واختلافات عديدة، في وجهات النظر أو العقائد والمفاهيم وخلافه.

الطلبة أو الموظفون بعقود عمل، في الدول العربية وغيرها، التي يذهبون اليها من اجل الدراسة أو العمل، يستغربون كثيرا، مما يشاهدونه من عادات وتقاليد وافكار وقيم ومفاهيم ووجهات نظر، تختلف عن المجتمعات التي قدموا منها، ويرفضونها جملة وتفصيلا، ولا يقبلون بها، وينتقدون من يمارسها في المجتمعات التي دخلوها، ويقيمون مدى صحتها أو ايجابياتها، بمفاهيمهم وقيمهم وتقاليدهم وايمانهم، وكأنهم هم المقياس الدولي للتقييم والحكم على الآخرين، وبهذا يعانون من رفض أو قبول هذه العادات والتقاليد والأفكار، ولا يمكنهم التعايش معها أو مع من يعتنقونها ويمارسونها، كونهم منغلقون على ذاتهم ويرفضون كل ما يخالف تعاليمهم وعاداتهم وتقاليدهم وايمانهم، وهذا يضعهم في موقف صعب ومعقد، ويصبحون غير قادرين على التأقلم والتعايش مع الآخرين، وقد يتقوقعوا على ذاتهم داخل اماكن سكناهم، حتى لا يتعرضوا لمناظر غير مالوفة لهم، وان كان هذا لا ينطبق على كل الطلبة والموظفين في الخارج، لأن الكثير منهم، يعتقد ويؤمن بحرية الفكر والعقيدة والعادات والتقاليد، واختلاف الثقافات، كما انهم يطبقوا قناعاتهم في مواقع سكناهم ويحاولون الأبتعاد وعدم الأحتكاك، وعدم الدخول، في حوارات فكرية أو ثقافية مع الآخرين، حيث يعيشون، حتى لا يحدث صراعات بينهم.

جمهورية الهند، تعتبر نموذجا حيا للتعايش الثقافي والديني والحر، بين الأثنيات والأقليات القومية والتي تغض الطرف عن كثير من العادات والتقاليد والمعتقدات، ففي الهند أكثر من اربع مائة ديانة، من عبادة الفئران، مرورا بعبادة الأصنام والأفراد، وعبادة الفرج النسائي، إلى عبادة البقر وغيرها من العبادات، التي لم نسمع بها قط، ونستهجن وجودها في عصر العلم والتكنولوجيا والتقدم المذهل للمعلومات، فجمهورية، الهند بها آلاف المعابد لكل نوع من العبادات، كذلك بها الكثير من العادات والتقاليد البالية، التي تتناقض مع الكثير من الأقليات ومعتقداتهم، ومع هذا وذك، يعيشون في امن وسلام، ولا يتدخل أحد منهم بمعتقدات وثقافة وشؤون الآخرين، والكل يحاول الدفاع عن مفاهيمه وقيمه واخلاقه بالعقل والمنطق السليم.

كما يتعرض طلابنا وعمالنا ممن يذهبون إلى خارج بلدانهم العربية، إلى دول اجنبية وعربية، كذلك الكثير من الأجانب، من يحضروا إلى بلداننا العربية، من اجل العمل أو الدراسة ايضا وغيرها من الأسباب، يتعرضون لنفس المشاكل والقيود والمحظورات، ويعانون منها احيانا كثيرة، اذا ما حاولت الجهات الرسمية وغير الرسمية، فرض بعض القيود على ممارساتهم وتحركاتهم وحريتهم الشخصية، كما يحدث لهم في دول الخليج العربية، وخاصة في المملكة العربية السعودية، حيث يفرض على النساء الأجنبيات، لبس الجلباب ووضع العباءة، وتحظر عليهم الكثير من ممارساتهم التي يؤمنون بها، ويمنع على النساء التنقل بمفردهم، الا بوجود محرم أو ولي الأمر، وعدم اختلاط المرأة في أي مكان مع الجنس الآخر، منعا للفتنة، حسب اعتقادهم، وعلى حد قولهم ومزاعمهم، وكأن الرجال في مجتمعاتهم، حيوانات مفترسة، غير متعودة على ظهور نساء فيما بينهم، وغيرها من التقاليد والعادات، التي تفرض على الأجانب، والتي تنم عن تزمت وتعنت لا ضرورة له بالمطلق، فالحرية الشخصية، يجب أن تكون مصانة ومكفولة للجميع، وكل واحد ذنبه على جنبه، والله هو من يحاسب الجميع، على اعمالهم واقوالهم وتجاوزاتهم، فمتى استعبدتم الناس وقد خلقتهم امهاتهم احرارا؟؟؟؟؟

التزمت والتعنت وفرض العادات والتقاليد على الآخرين، يؤدي إلى وجود نفور بين الأفراد بدلا من أن يكون هناك تجاذب وتقارب بالفكر والثقافات، وتبادل للمعلومات، وخلق الصداقات بدل العداوات، كما يعكس نظرة سلبية عن ثقافة وتعنت مثل هذه المجتمعات، ويؤدي إلى فرض قيود غير مقبولة وغير مستحبة على قناعات الآخرين، من تربوا على ثقافاتهم وقيمهم واخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، مع أن االدول الاجنبية، لا تفرض أي ممارسات أو قيود على الطلبة والعمال العرب الذين يعيشون في بلدانهم لسبب أو لآخر، ولا يتدخلوا بشؤونهم الخاصة، ولبسهم وطعامهم وشرابهم وصلواتهم وصيامهم، ولكنهم يركزوا على القضايا الأمنية، حفاظا على سلامة مواطنيهم.

التعايش السلمي وقبول الآخرين، وعدم رفضهم، وقبول ثقافتهم واحترام قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم، وعدم تطبيق ممارسات عنصرية أو اثنية عليهم، بسبب اللون أو الجندر أو المعتقدات أو اللغة وخلافه، من قيم ومفاهيم، اصبح سمة العصر، ومنظمة حقوق الأنسان الدولية، تتباع تلك الأمور، وترفع تقارير سنوية ودراسات لمن يضطهد الأنسان وتفرض عليه القيود، بهذا الخصوص، وتنشرها بكل مكان، وتفضح مثل هذه الممارسات، وتندد بها، وتذكر بالأسم الدول التي تمارس التمييز العنصري، وتمنع الحريات العامة، وتفرض القيود على حرية الآخرين الشخصية، وتدين ممارساتها، وتطالبها برفع الحظر عن حرية الأفراد وممارساتهم وحقوقهم الأنسانية التي تقرها القوانين الدولية، والأعراف السائدة في العالم بشكل عام.

كنت أعمل في احدى الدول الخليجية، والتي يعمل بها الكثير من الهنود الهندوس، وصدف أن مات أحدهم، فعملوا رفاقه واصدقاؤه على حرقه، حسب معتقداتهم في تعاملهم مع الميت، وتفاجات بأن قوات عسكرية كبيرة من ذلك البلد الخليجي، تنقض على تجمع الهنود الهندوس، وتمنعهم بالقوة، من اتمام طقوسهم المتبعة لديهم، وتفرض عليهم أمرا بدفن جثة الميت أو نقله إلى الهند عند اهله، وحقيقة، لا اعرف ما يضير هذا البلد من اخلال اجتماعي أو ديني أو امني، لو سمح لهؤلاء الهنود الهندوس، من اتمام مراسمهم وطقوسهم الدينية بدفن جثة رفيقهم حسب عاداتهم وتقاليدهم!!!!!!!!!!!! هل يقبل أي مسلم لو مات في الهند، بأن يفرض على اهله أو اصدقائه، أن يتم حرق جثة فقيدهم حسب الطقوس الهندوسية السائدة؟؟؟؟؟؟.

الرئيس الصومالي الشيخ أحمد الشريف، تصافح مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، فقامت الدنيا ولم تقعد بسب مصافحته، من قبل بعض الجماعات الأسلامية، واتهمت الشيخ شريف بانه تجاوز بعمله المحرمات الأسلامية، كونه مسلم ومن المحاكم الأسلامية المعروفة بتشددها، مع أن الإسلام يقول للضرورة احكام، لهذا الحد، وصل التزمت والتعنت في قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع، وننسى أو نتناسى الكثير من القضايا التي من المفروض أن يركز عليها الآخرون، ويذكروا بها الرئيس المنتخب الشيخ الشريف أحمد، بدل من التركيز على توافه الأمور، وكان الرئيس الشيخ أحمد الشريف، قد اتم كل تعهداته لشعبه عند استلامه الحكم، وتجاوز كل التعهدات عند مصافحته لهيلاري كلينتون!!!!!!!!.

حركة المقاومة الأسلامية (حماس) في غزة، تفرض على الطالبات، لبس الجلباب الأسلامي، كزي رسمي على الطالبات، وكانت قبل ذلك قد قامت بفرضه على المحاميات الفلسطينيات، وكان مآسي غزة، وآلام المواطن فيها ومعاناته من الفقر والجوع والمرض والأعتقال والقتل، قد انتهت، واستكملت تماما، ولم يبق الا القشور لتطبيقها على المواطنين، حتى يظهر الوضع في غزة شكليا، بانه مجتمع اسلامي ملتزم بكل ما في الكلمة من معنى، هل هذا ما يصبوا اليه المواطن الفلسطيني في قطاع غزة،؟؟؟؟ وهل غزة اصبحت دولة اسلامية حتى يطبق بها القانون الأسلامي بهذا الشكل، أين حرية الناس الشخصية ؟؟؟ وأين حرية العبادات والعقيدة!!!!!

حقيقة لا افهم كيف يوجد في غزة عدة تنظيمات اسلامية، تتخذ من الاسلام شعارا لها، وتتناقض فيما بينها وتتصارع وتتقاتل ويموت منها العشرات ؟؟؟ كيف يكون ذلك؟؟؟ مع أن احد الفلاسفة الأوروبيين المعروفين للجميع قال: اذا كان هناك تنظيمان في ساحة واحدة، يحملان نفس الفكر والعقيدة، فاكيد، أن احدهما انتهازي أو خائن.

الحوار الديموقراطي البناء والثقافة، هما الحل الوحيد للتعايش بين الجميع، من اجل خلق مجتمع متجانس وموحد ومثقف، تحكمه العدالة والقانون، لا يمكن لأحد فرض ثقافته وقناعاته على الآخرين، فالانسان، حر بعقله وتفكيره وايمانه بما يعتقد به، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليه معتقدات وممارسات الآخرين بالقوة، حتى ولو كانت سليمة وصحيحة.

علينا تقبل الاخر، كما هو، بفكره وتفكيره وممارساته وعاداته وتقاليده، واذا لم تعجبنا، علينا العمل على تثقيفه بما نؤمن به، عن طريق الحوار الحر والديموقراطي والبناء والأيجابي، وليس من خلال القوة والبطش والأرهاب والتهديد والوعيد، فهذه كلها ممارسات مدانة، لا يقبل بها أحد، فلو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، لنقبل بان يكون الحوار الديموقراطي والتثقيف، هو الحكم فيما بيننا، ولنأخذ شعارنا:(الأختلاف بالرأي، يجب أن لا يفسد للود قضية).

دول اوربة جميعها، وكل دول العالم تقريبا، يتعايش في داخل مجتمعاتها العشرات، بل المئات من الشعوب والأقليات والإثنيات القومية، بعاداتها وتقاليدها وطقوسها ولغاتها المختلفة، ولم نسمع انها فرضت ثقافة خاصة أو طقوسها وتقاليدها أو لغتها على الآخرين بالقوة، فمعظمها تمارس معتقداتها بتقاليدها وثقافتها وقناعاتها، حسب رؤيتها الخاصة، ومنها من لم يؤثر بالآخرين كثيرا، ومنها من أثر وغير من معتقداتهم وايمانهم وثقافاتهم وطقوسهم، عن طريق الحوار والأحتكاك والتفاعل والتواصل والتزواج، وغيرها من الطرق الممكنة والمباحة والمقبولة انسانيا، وهكذا يكون التعايش بين المواطنين، في داخل البلد الواحد، وحتى بين المواطنين وغيرهم من الأجانب، لنحترم انسانية الأنسان، وحقوقه وحريته وحقه في التعبير عن قناعاته، وفي ممارسة معتقداته، وإقامة طقوسه التي يؤمن بها، لأنه بخلاف ذلك، لن تستقيم الأمور، والأقتتال الداخلي سيكون هو الفيصل بلا منازع، ولن نربح سوى القتل والتجريح، والآلام والمعاناة.

المصدر: http://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=19378

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك