القيم في المذهب البراجماتي

ناصر بن سعيد بن سيف السيف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد

    فإن الإسلام دين شامل جامع لكل ما تفرق فقد اشتمل على كل الديانات والشرائع التي سبقته، كما اشتمل على كل ما يصلح حياة الفرد والمجتمع - الأسرة والمرأة من الجانبين المادي والمعنوي -، كما ضم مبادئ راقية في المعاملات الدولية كاحترام إنسانية الإنسان، المساواة بين الناس في الحقوق، التعاون الإنساني، الوفاء بالعهود والمعاهدات والمواثيق، كما اشتمل الدين على حقوق كافة الموجودات حتى غير الحي منها.

    ومن المذاهب الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية والفطرة والعقول السليمة (المذهب البراجماتي), وسيكون الحديث هنا عن جانب القيم بشكل دقيق في ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف المذهب البراجماتي.

المبحث الثاني: أهم أفكار ومعتقدات المذهب البراجماتي.

المبحث الثالث: القيم في المذهب البراجماتي مع نقدها من وجهة نظر الإسلام.

نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المبحث الأول

تعريف المذهب البراجماتي

    المذهب البراجماتي - النفعي - يعتمد على إحدى النظريات الوضعية وهي اسم مشتق من اللفظ اليوناني براجما وتعني "العمل".

    وعرفها – البراجماتية - المعجم الفلسفي بأنها:  مذهب يرى أن معيار صدق الآراء والأفكار إنما هو في قيمة عواقبها عملاً، وأن المعرفة أداة لخدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما  هو كونها مفيدة، والبراجماتي بوجه عام: وصف لكل من يهدف إلى النجاح، أو إلى منفعة خاصة. ([1])

المبحث الثاني

أهم أفكار ومعتقدات المذهب البراجماتي

من أهم أفكار ومعتقدات المذهب البراجماتي ما يلي:

1.  أن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً، ثم السير نحو السمو والكمال ثانيًا.

2.  إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت، كان أحقَّها وأصدقَها أنفعُها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجرِبة العملية دليلاً على فائدته.

3.  أن العقل خُلق أداة للحياة، ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.

4.  الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع؛ إذ يؤدي إلى الكمال، بما فيه من تنظيم وحيوية.

5.  النشاط الإنساني له وجهتان: فهو عقل، وهو أداة، ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين؛ فالصلة بين العلم والدين ترد إلى الصلة بين العقل والإرادة.

6.  العالم متغير باستمرار، ويعد الوصول إلى حقيقة الكون وكيفية وجوده أمرًا بعيد المنال.

7.  يُعد كل فرد جزءًا من المجتمع، وله دور معين فيه.

8.  تنظر إلى الحقيقة أنها غير مطلقة، وتضع ثقتها في قدرة الإنسان على المساهمة الفاعلة في بناء المجتمع وتطويره، وحل المشكلات التي تواجهه، أو التخفيف من حدتها على الأقل.

9.  تؤمن بوجود قوانين أخلاقية مطلقة، وما يصدر من أحكام يعتمد على نتيجة تطبيق هذا الشيء من ناحية، والنفع أو الفائدة من ناحية أخرى.

10.              ترى أن طبيعة الإنسان متكاملة؛ فعقله وجسمه ومشاعره ليست أجزاء منفصلة، بل هي خصائص لعضو متكامل، وأن كل فرد له طبيعته وشخصيته الخاصة به.

11.              أن الفكرة لا بد أن تكون قابلة للتنفيذ، وأن يكون لدينا اعتقاد بإمكانية تطبيقها فعلاً، وأن الفكرة أو القضية التي ليست لها نتائج عملية أو تأثير في السلوك هي قضية أو فكرة لا وجود لها.

12.              أن المنهج البراجماتي لا يهتم بمصدر الأفكار، ولا بكيفية ظهورها، وإنما يهتم بنتائجها العملية المؤثرة على السلوك والحياة.

13.              الفكر البراجماتي ينطلق من المستقبل متجاهلاً الماضي، وجاعلاً الحاضر لحظة إعداد؛ لتحقيق برنامج نصنعه للمستقبل، فهو يُحدِث قطيعة مع الماضي، ويرفض البحث في المبادئ الأولية، وفي كل أشكال المطلق.

14.              العقل عند البراجماتية أداة لفهم العالم وتغييره، والنظريات الفلسفية وسائل تقود لإنجاز الأهداف المحددة في المستقبل. ([2])

 

المبحث الثالث

القيم في المذهب البراجماتي مع نقدها من وجهة نظر الإسلام

   ينكر المذهب البراجماتي وجود حقائق موضوعية وقِيَم مطلقة، ويؤكد أن الحقيقة هي اكتشاف اختراع شيء جديد، وليس اكتشاف شيء موجود، ومقياسها يقوم على مدى نفعها في دنيا العمل.

    وهذا نسف تام لكل القيم الأخلاقية التي هي من صميم التركيبة الإنسانية، ولها أصول ضاربة في الأعماق، كما أنه إنكار للقيم والمبادئ التي أقرها الشرع، وجهِلنا الحكمة منها؛ لقصور في معرفتنا، مع اعتقادنا بأن الخير كل الخير يكمن فيها.

   وتحديد الخير يكون من الشرع، وليس من الإنسان؛ فقد يقر الشرع أمرًا يرى الحق فيه، ويرى الإنسانُ - لقصوره - أنَّ فيه شرًّا، بينما هو في حقيقة الأمر خير.

   وإقامة المجتمعات على موازين الكسب والخسارة وحدهما، كفيلةٌ بهدم تلك المجتمعات؛ إذ كيف يقوم مجتمع من المجتمعات وينهض إذا كانت العلاقة التي تقوم بين أفراده لا تقوم إلا على أساس المصلحة والكسب المادي؟!

     فكم من علاقات أخرى تقوم على الإيثار والتضحية وحب الخير لذاته، وهي التي تكفل تحقيق السعادة للمجتمع؛ لأن التعاطف والتعاون هما الرائدان في حركة المجتمع الإنساني، وإلا تحول إلى غابة من الغابات التي يأكل فيها القوي الضعيف؛ فالنجاح مطلوب، والسعي والتنافس على فعل الخيرات مرغوب؛ فإن المؤمن القوي أحبُّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ولكن ينبغي أن يستظل السعي - هدفًا وطريقًا - بأوامر الشرع، والالتزام بآدابه.([3])

     وقد قام المذهب البراجماتي على أساس أن المعيار في بيان صحة الأعمال وحسنها إنما يكون من خلال النتائج المترتبة عليها؛ فأخضع كل شيء لمبدأ النفعية، وجعل النتيجة هي معيار الحكم على حُسن ذلك العمل والأخذ به، أو قُبحه وتركه، وقد طبقوا ذلك المبدأ على الدين، فأصبح الدين نافعًا في بعض الأحوال مما لا يمكن استبدال غيره به.

     والدين الإسلامي - بحمد الله تعالى - يمتلك أعظم ثروة في مجال العقيدة والقِيم والسلوك والأخلاق، ولقد ترك لنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إرثًا ضخمًا من الأحاديث القولية والفعلية التي تحث على حسن الأخلاق والسلوك، إضافة إلى العبادات، بالشكل الذي جمع لنا فيه بين العلم والعمل. ([4])     

 

!  !  !

 

انتهى البحث

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

--------------------------------------------


([1]) انظر : المعجم الفلسفي , جميل صليبا.

([2]) انظر : المناهج التربوية الحديثة مفاهيمها وعناصرها وأسسها وعملياتها , توفيق أحمد مرعي, ص48.

([3]) انظر : البراجماتية عرض المنهج ونقد الواقع , غادة الشامي, موقع شبكة الألوكة, الاطلاع في تاريخ 19/12/1436هـ, الرابط : http://www.alukah.net/culture/0/7758

([4]) انظر : البراجماتية عرض ونقد ، منصور عبدالعزيز الحجيلي, مجلة الدراسات العقدية , العدد الرابع.

المصدر: http://www.saaid.net/book/open.php?cat=83&book=14537

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك