اللغة والحضارة

شير محمدي، محسن

 

ان الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب واذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.

كما نعلم أن علم اجتماع اللغة هو من أحدث الفروع في علم اللغة الحديثة ووصف بانه ظاهرة اجتماعية نشأت في الآونة الاخيرة من التحاق علم اللغة بعلم الاجتماع. وقد واجهت هذه الظاهرة بعض الجفاء وقليل الاعتناء، الا ان النشاطات الاخيرة في الدراسات العلمية سببت الأعتناء بها لتأثيرها في معرفة تلاحم المتغيرات اللغوية الاجتماعية. وقد اهمت هذه المقالة وبشكل مختصر النظر الي هذا العلم من هذا المنطلق.

ففضلت أولاً البدء من الحضارة وتأثيرها في اللغة ثم من تأثير اللغة علي الحضارة ثانياً.

العناوين الرئيسية :

أولاً: تأثير الحضارة في اللغة.

آ العوامل المؤثرة في ظهور اللغة.

ب العوامل المؤثرة في اللغة.

ثانياً: تأثير اللغة في الحضارة.

آ العوامل التي تركت اثراً في ظهور اللغة هي:

1 الأجتماعي وذلك أن علماء اللغة قد زعموا ان اللغة ظاهرة اجتماعية ولدت مذ تشكيل اول تجمع بدائي أقامه الانسان لحياته الاندماجية فكان لابد له من قبول نظام يتصل بواسطته بالآخرين وينقل نداءه اليهم، فاختار اللغة بأبسط شكل، محدداً بالعلائم التحركية للاعضاء (البصرية والسمعية والصوتية).

2 حركة الأعضاء وقد جاء في نظرية بعض علماء اللغة ان الانسان كان يستعمل اللغة علي حد حركة الأعضاء كاليد والرأس والرجل وغيرها، ثم لأشتغاله بهذه الاعضاء في اعمال أخري فقد تخلت الاعضاء عن الحركات اللغوية وانتقلت هي الي اللسان، وهذه النظرية اللغوية قد تقارنت مع استكمال اعضاء التكلم والاستماع والأعصاب والدماغ في الانسان. وأكدت الدراسات العلمية عند بحثها العظام المتبقية من الانسان في مر العصور علي ان شكل الناصية والذقن والفك واللسان والدماغ في الانسان لم يوفر استعداده للتكلم الا بعد اكتملها علي مر العصور.

3 العمل زعم بعض العلماء أن الاحياء عندما احست بحاجتها الي التكلم عند العمل والانتاج توجهت الي اللغة لاجل اتصالها بالآخرين.

4 الاصوات جاءت نظرية مفادها ان اول مجموعة من اللغات حصل عليها الانسان من خلال الحوادث التي أوجدت الاصوات اولاً، ثم معناها ثانياً، فكل هذه الدواعي تدلنا علي اجتماعية الانسان وحيويته التي كانت حصيلته خلال آلاف السنين من حياته. ومهما كانت هذه الآراء، فالذي يهمنا هو ان الجميع متفقون علي ان كل شخص يعرف كيف يتعلم لغة الأم الدارجة بسهولة. والدليل هو ان كل انسان يولد علي استعداد التكلم ثم ينمو في مجتمعه ويلعب دوره بتلك اللغة.

ب اما العوامل المؤثرة في اللغة فهي:

1 التاخل اللغوي وهو لما اندمجت المجتمعات البشرية ولاي سبب كان، أدي هذا الاندماج الي تماسك اللغات، فأواجب التأثر والتأثير من لغة الي لغة اخري وبأشكال مختلفة كالاستقراض اللغوي والتداخل اللغوي والاقتران اللغوي واللغة الوسيطة وقد ظهر هذا التيار التاريخي اثر الحوادث، (كالهجمات والاحتلالات والمهاجرات والمتاجرات) التي هيأت ارضية استحالة اللغة، وربما قد أخرجت همجة اللغة الفوقانية التحتانية عن دورها واحتلت مكانها. أو جري عكسها لاصالة اللغة وتوسعها وضلاعتها، فتغلبت علي اللغة الفوقانية وكفتها عن العمل، علي سبيل المثال، نذكر هجمة اللغة المغولية علي اللغة الفارسية في القرن السابع الهجري، ثم فشلها عن التأثير، ولم يبق منها الا العديد من المفردات. ونذكر ايضاً هجمة اللغة الفرنسية علي اللغة الانجليزية بيد النورمنيين في القرن الحادي عشر من الميلاد، فأصبحت لغة شائعة لعدة قرون، ولكنها انزوت لاسباب ولم يبق منها الا مفردات في اللغة الانجليزية.

واما الاستقراض اللغوي فقد ظهر علي شكل محدد مع دخول عناصر اللغة الفوقانية الي اللغة التحتانية وعكسها كدخول المفردات الفرنسية الي اللغة الانجليزية والي حد ما.

2 التجربة وقد جاء تأثيرها اثر الاكتشافات والتقدم العلمي، ثم حدوث الظواهر والعناصر الحديثة. وقد حملت اللغة مصطلحات الاكتشافات والتطورات واستغنت بها، وكلما كان اكتشاف الانسان اكثر، تقيمت اللغة بها بالتجدد اكثر فأكثر، كما نشاهد اليوم في عصرنا ملايين من المفردات والمصطلحات التي دخلت اللغات وتراكيبها، مثل: المصطلحات الطبية والفلكية والفيزيائية والكيمياوية والفنية والهندسية وما الي ذلك...

3 الفكر وكما قال الأديب البارع السيد أحمد الهاشمي: «ان الغرض من الكلام هو الابانة عما في النفس من الافكار ليكون مدعاة الي معاونة او معاضدة وذريعة الي تسهيل اعمال الحياة، ولما كانت الافكار لاتزال متجددة، كانت صور الكلام متجددة ايضاً وخاضعة لقوي الاختراع والابتداع.

والكلام بمراتبه العليا والدنيا تعتوره احوال تتغير بتغير حياة أهله العقلية والمعاشية والدينية».

فالتكلم هو واقعية الفكر ويمكننا ان نعلم الاصم والابكم منا لكي يتكلم بلغة الفكر.

فملخص القول هو ان اللغة تتحول من جهتين: الجهة الداخلية والجهة الخارجية.

فتحولها من الجهة الداخلية، يسبب حدوث كلمات حديثة او استبدالها بكلمات. مثل كلمة الانتفاضة والثقافة والمستضعفين والطاغوت ونحوها.

واما تحولها من جهة الخارج. كتأثير الاختراعات والاكتشافات فيها. مثل: المبردة والتلفزيون والتليفون والكمبيوتر والفيديو والهاتف النقال وغيرها. فقامت اللغة باستقراض المفردات بسبب استعراضها للتغيير الداخلي والخارجي.

فاذا كان هذا الاستقراض رهواً ومفتوحاً وغير محدد، عرض اللغة اتلاف هويتها ومنع ازدهارها واذا كان الاستقراض منسقاً ومحدداً، فيترك في اللغة التجدد والابداع، والمهم هنا هو ان تيار التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية اسرع من تيار التبرمج اللغوي فيؤدي هذا الي التغيير الهائل في اللغة في المستقبل البعيد كما صرح بهذا عالم اللغة الصيني، حيث قال: لا يبقي من اللغات في العالم الا ثلاث، لاسباب، فمنها اللغة العربية والصينية لكثرة الناطقين بها، واللغة الانجليزية لانها لغة العلم.

وقد وجهت الحضارة اثرها الي اللغة من جهتين: الجبرية والاختيارية.

واما من جهتها الجبرية، أثَّرت في اللغة من قبل المؤثرات الاجتماعية والبيئية.

ومن جهتها الاختيارية، اللغة هي بذاتها تطلب التغير لما فيها من الاحتياج والرغبة الي التطور والاتصال.

ومن العوامل المؤثرة الاخري في اللغة هي:

العوامل الطبيعية كالجنسية والقومية والمسافات والطبقات الاجتماعية والعوامل المستحدثة، كالتربية والتعلم والصناعة والتكنولوجيا.

واما العامل الجنسي فيعين فيه المصطلحات الخاصة لكل من ابناء البشر كاختصاص مصطلحات التجميل والطباخة والخياطة والحياكة للنساء، والمصطلحات العسكرية والمكانيكية والمعادن للرجال.

والعامل القومي كاختلاف لغة الزنوج الامريكيين عن لغة الأقوام البيض وتسمي: (Black Language) أي لغة السود.

المسافات (بالنسبة لقربها وبعدها من المدن الكبيرة والحضارية) لها أثر في اللغة، كما تأثرت لغة سكان مدينة قزوين لقربها من العاصمة بنسبة اكثر من النسبة التي تأثرت بها لغة الاصفهانيين واليزديين لبعدهم.

الطبقات الاجتماعية كالعمال والموظفين والمثقفين والاثرياء والفقراء تختلف لغاتهم علي حسب مراتبهم وان كان عيشهم في بيئة واحدة.

ثانياً تأثير اللغة في الحضارة.

والحضارة كما نعلم تلازم التوسع والانتقال فلأجل هذين الصخصلتين تطلب الحضارة وسيلة لتتوسع بها وتسمو، فوجدت ضالتها في اللغة واللغة افضل شيء لهذا الامر. وبما ان الحضارة هي حصيلة اكتمال الفكر الثقافي والعلمي والاجتماعي والسياسي فلغتها تلعب دوراً مهماً لانتقال مبادئ الفكر والتطور والتجدد، وتقوم باداء رسالتها تجاه الحضارة.

وهي، ان تناولت الاغراض والمعاني وفقاً للحياة المتقدمة فانها ستدفع الشعب والبلاد ومن يتكلم بها الي الحياة الزاهرة المثلي التي كان يتمناها الانسان مذ اقدم العصور، ومهمتها هي ان تكون لغة حية، غنية ذات صلة بالفكر والتقدم، واذا تأخرت عن هذا التيار الحضاري. ألحقها الأنهيار، فللغة اثر في الحضارة عن طريق العلم، ولهذا كان الانسان من غابر الايام يبحث عن لغة مشتركة ليواصل حياته المزدهرة بشكل اسهل وعلي نطاق اوسع. وديكارت الفيلسوف الفرنسي هو من بدأ اقتراح هذه المسألة ولكنه لم يسع لها، فواصل (وال كارنر) و(لايبنتز) مساعيه فادي ذلك الي ظهور لغة وسيطة، مشتركة عالمية، مثل (لغة لابوك) واسبرانتو واونيور سال واكسيدنتال.

وبعد ذلك خططت المنظمات الدولية والحكومية وغيرها تخطيطاً انتج تأسيس، (شوري اللغة) و(لجنة اللغة) و(مجمع اللغة) في انحاء العالم.

فأول مجمع تأسس هو مجمع فلورنزا، ثم ظهرت مجامع اخري في افغانستان وتركيا والصين واندونيسيا لامر تسهيل اللغة وحفظها وهويتها. وكانت هذه المؤثرات اللغوية في الحضارة تنتزع من خيال الشاعر أو من فكر الفيلسوف او الكاتب او العالم او الاستاذ او المعلم او الأمة بصورة أشعار وخطب وأناشيد ومقالات ومحاضرات تعلن بها انتصاراتها وملاحمها وانتفاضاتها واعتداءاتها ومساوماتها من باطن الحضارة، فنحن نواجه حضارة مليئة بهذه الظواهر الحلوة والمرة والانسان بحكم انسانيته يتأثر بهذه التيارات، الانسان الذي يصنع الحضارات بأعماله وأفكاره ولغته.

وتختم المقالة قولها: «حسن الختام بديع الكلام». وهو لايليا ابي ماضي حيث قال:

إنَّ الحياة قصيدة، أعمارنا ابياتها والموت فيها قافيه
منع لحاظك في النجوم وحسنها

فلسوف تمضي والكواكب باقيه

 

المصدر: http://www.hawzah.net/ar/Article/View/90986/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%...

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك