تعزيز فكر الأبناء وحمايتهم من تيارات التطرف والانحراف الأخلاقي

راشد السكران

يمثل غرس القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة دوراً أساسياً في حياة الأفراد بمجتمعاتهم، ولا يمكن اكتسابها إلا من خلال التربية السليمة، في المنزل والمدرسة، ولابد من توافر القدوة الحسنة لأنها من أنجح الوسائل لغرس القيم، وتأثيرها كبير، فالأب والأم والإخوة في المنزل، والمعلم والأقران في المدرسة، لذا فالتربية كما يراها كثيرون لابد أن تنطلق من عملية قيمية، لأن القيم هي التي تحدد الفلسفات والأهداف والعمليات التعليمية والتربوية بمناهجها وتوجهاتها، وبدون التربية فإن حياة الفرد تنقلب إلى فوضى، كما أن هناك طرقاً عديدة لغرس القيم، منها ما يكون بواسطة الحوار الذي يعد من أيسر الطرق لإيصال القناعات إلى العقول وإكسابها الفهم المطلوب، فأسلوب الحوار يعد من أشهر الطرق وأنجحها لغرس القيم النبيلة.

التحصين الذاتي 

يؤكد الشاب عبدالله الشقحاء أن شبابنا مستهدفون في دينهم وبلدهم، لذا يجب تحصينهم من الأفكار التي تمارسها الجماعات الضالة والهدامة، موضحا أن فترة المراهقة التي يمر بها شبابنا تعد من أهم وأخطر المراحل العمرية وأشدها تأثيرا في حياة الشباب، لذا يجب أن يتم التركيز عليها من المربين وأولياء الأمور، وللأسف نسمع كثيرا ونشاهد بأن أباءً أصبحوا عاجزين عن استيعاب أبنائهم المراهقين، بسبب عدم قدرتهم على التعامل الصحيح معهم، وفهم مكنوناتهم الشخصية.

وأضاف: يجب قبل أن نتحدث عن أهمية التحصين الذاتي لأبنائنا أن نربيهم التربية الحسنة من خلال المنزل أولاً ومن ثم المدرسة، لأنه بدون أن نربيهم من خلال هذين المنطلقين فلن نستطيع السيطرة على أفكارهم، فهناك الكثير من المغريات التي تجعل من شبابنا المراهقين هدفا خصبا لجماعات الظلال والغدر، والتي تسعى بكل الطرق لتوجيههم نحو الطرق المنحرفة والانقلاب على المفاهيم الصحيحة، وللأسف انطلت حيلهم على بعض أبنائنا مما جعلهم ضحايا سهلة للتحول والاستقطاب والتأثر والانقياد السلبي نحو الأفكار الهدامة التي تتنافى مع الإنسانية والأديان والعرف، لذلك لابد أن يكون تحصين أبنائنا من خلال غرس القيم والأخلاق الإسلامية بدءا من البيت والمدرسة لأنهما عاملان مهمان لتحصينهم من كل ما يؤثر على أفكارهم وعقولهم، ولابد من تأكيد ذلك من خلال المناهج الدراسية.

وسائل الاتصال

أما الشاب عادل السليمان فيرى أهمية تحصين الشباب من خلال ربطهم بالخوف من الله عز وجل وتذكيرهم بأن الأفكار الهدامة، وانغماسهم في دائرة الأفكار الضالة تتعارض مع الدين الإسلامي الصحيح.

وقال: يجب أن يسعى المصلحون لتعرية الفكر الضال بنفس الطرق التي يسعون بها لتضليل أبنائنا، وكشف جرائمهم وممارساتهم الشنيعة وغير الإنسانية من خلال شبكات الانترنت، وتعريتهم بنشر فضائحهم ورغباتهم الشديدة في الإجرام والإرهاب، ونشر كل مارتكبوه من جرائم، وطالب الجهات المعنية بانتهاج خطط استراتيجية تنتشل شبابنا من التأثر بالأفكار المنحرفة والضالة من خلال التثقيف والدعوة للوسطية والتركيز على فئة الشباب ومن هم دون سن العشرين، لأنهم هم الفئة المستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية الآن، مع أهمية زرع الثقة في نفوسهم، وإيضاح الحقائق لهم من خلال منابر المساجد وخطب الجمع التي تسهم في بناء الشباب بناءً فكرياً، وإبعاد أذهانهم عن التفكير في الأمور الفاسدة، وزرع الثقة والاستقلالية في نفوسهم لكي يفرقوا بين الصح والخطأ وينبذوا الأفكار الهدامة ويجرموها، وتذكيرهم بالمآسي التي سببها الإرهاب، ووجوب الوقوف صفا واحدا في وجه من يروج له، والقضاء عليه واقتلاع جذوره في كل مكان، وتجريم ما تقوم به الجماعات الإرهابية من أفكار ظلامية تغري الشباب بمستقبل مزيف يصطدمون به فور وصولهم لمطحنة الإرهاب.

القدوة الحسنة 

ويرى الشاب صالح الصالح أن التحصين الذاتي وغرس القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة بين النشء لا يكتمل إلا بأخذ الحيطة والحذر والوقاية، لكي تكون الحصانة الذاتية بإذن الله حماية للشاب من الوقوع في الخطأ ويجب أن تبنى الحصانة الذاتية من خلال الأسلوب المتمثل في القدوة الحسنة، فلا يمكن أن نأتي بمن يؤثر على أطفالنا وهو ليس قدوة حسنة بالقول والفعل، كما أنه من المهم أن نستخدم أسلوب الحوار والمناقشة الهادئة والتوجيه بالموعظة الحسنة، وضرب الأمثال من الواقع، ويجب أن تسهم وسائل الإعلام المختلفة بطرح البرامج الهادفة من القنوات الفضائية وخلق توازن في الطرح حتى لا يشكل ذلك تناقضا كبيرا بين ثقافته وثقافة المجتمعات الأخرى مع المحافظة على هويته الإسلامية، كما أن الطرح يجب أن يحترم أفكار وعقول النشء، ويجب أن لا تقتصر توعية وسائل الإعلام على النشء فحسب بل يجب أن تمتد إلى أولياء الأمور والمربين، وتوجههم نحو أصول التربية السليمة التي تسهم بإذن الله في تحصين الشباب من الجنسين تحصينا جيدا ضد كل ما يثار حولهم من أفكار هدامة.

التقنية الحديثة 

وعن سلبيات التقنية الحديثة وما قد يصاحبها من تداعيات تؤثر سلبا على أفكار الناشئة، يقول طالب المرحلة الثانوية فراس الراشد: لماذا نتهم النشء بعدم معرفتهم لما ينفعهم وما يضرهم، وليست كل الألعاب وخصوصا في البلايستيشن مضرة ومضللة وإن وجدت فالشباب الواعي يدرك النافع والضار، مضيفا أن هناك الكثير من البرامج التي لها تأثير إيجابي وسلبي على سلوك الشباب، وهي متاحة لمن أراد الوصول إليها بكل يسر وسهولة، ولكن التحصين الذاتي للشاب يمنعه بإذن الله من الانسياق وراء مثل هذه البرامج التي تحمل أفكارا هدامة؛ وقال: حتى ولو تم حجب مثل هذه البرامج والشاب لم يحصن بالقيم الإسلامية النبيلة فسوف يقوم بفك الحجب عنها، ولكن الشاب إذا كان يخاف الله وتربيته سليمة فإنه لن ينجرف وراء كل مايتم تداوله فعقله برأسه ويعرف خلاصه، كما يقال، أما عن المقاطع التي تحمل أفكارا مضللة لجماعات إرهابية ويتم تداولها عبر بعض الشباب وهل يصدقونها أو يساهمون في نشرها وانتشارها عبر برامج التواصل الاجتماعي المتنوعة، والتي أصبحت بيد الصغير قبل الكبير، فيقول: يجب أن ندرك أولا أننا أمام كم هائل من البرامج التي تصل لأيدي الشباب والمراهقين وكذلك الأطفال، ولكن التحصين الذاتي يبقى هو الأهم إلى جانب دور الأسرة في التوجيه والمراقبة وتعزيز القيم الإسلامية والأخلاقية لدى أبنائها، كما يجب من خلال دور العلم والبيت تنبيه النشء بما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم وتشجيعهم للاستفادة من التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي الجديدة بما يتناسب مع أعمارهم، وأن يدركوا أن ليس كل ماينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الإنترنت أو الألعاب الإلكترونية حقيقة، ويجب أن يستطيع الشاب إدراك ما يحاك ضده وأن يعرف ويميز بعقله النافع فيتبعه والضار فيجتنبه.

زرع القيم 

وشاركنا في هذا التحقيق خطيب الجمعة في أحد مساجد الرياض الشيخ ياسر البواردي الذي أكد أن هناك أمورا مهمة جدا في موضوع تربية الأبناء، وأهمها زرع القيم النبيلة والفاضلة في التعامل مع الأجهزة الحديثة ومنها: زرع قيمة التوازن وهي من أعظم القيم، فالتوازن في الحياة أمر مطلوب شريعة وتربية وقيمة بل من خالفه فليس من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا أدل على ذلك من قصة الثلاثة الذين جاؤوا لرسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقال أحدهم: لا آكل اللحم وقال الاخر: لا أنام على فراش، وقال الثالث: لا أتزوج النساء “الحديث” وفي آخره ما بال أقوام يقولون كذا وكذا فمن رغب عن سنتي فليس مني الحديث متفق على صحته، وكذا قوله عليه السلام: الدين يسر وليس عسر فسددوا وقاربوا وأبشروا الحديث وهو في صحيح البخاري، فترشيد الأولاد بالبرامج التوعوية في الأجهزة الحديثة واطلاعهم من خلال الأجهزة بعض المفاهيم المنكوسة وتعقبها ونقدها وتحذيرهم من الوقوع فيها وتحذيرهم من الولوغ في بعض المواقع المؤثرة وتبغيضهم فيها هذا من أهم الأمور، وأكد على أهمية التواصل بين الأب أو الولي والمدرسة في التواصي على تكثيف دور المدرسة من معلمين وإداريين في التوعية المكثفة لمحاربة هذا الفكر المضل والمضلل، إذ إن المدرسة أقوى مؤثر للطالب في سلوكه، وقال: إن الصور والمرئيات من أقوى المؤثرات لعقلية الطفل ولذا فأصحاب “الفكر الضال” يعدونها أكبر وسيلة واعتمدوا عليها وهي قضية الإعلام في تهييج نفوس الشباب ضد الدولة واقناعهم بما يريدون من ضلال وانحراف، واستغلوا العاطفة الدينية لدى الشباب، مما يجعل ولي الأمر يزداد حرصه على ابنه حينما يرى عاطفته الدينية جياشة وقوية ومندفعة، فهنا سرعان ما ينساق هذا الابن للتقنيات الحديثة للبحث وراء ما يشبع رغباته من حب نصرة الدين ونبذ الظلم في الأرض ومحاربة المعتدين وعدم التعاون مع الكافرين وحب كل الفتاوى الإيمانية العاطفية التي تدغدغ مشاعر الإيمان في قلوب الشباب، فيلتقي للأسف مع أصحاب الفكر الضال لذا يجب أن نعي هذا المنعطف الخطير ونحمي أبناءنا من الاندفاع نحو وسائل التقنيات الحديثة دون مراقبة.

الانزواء والوحدة 

وأضاف البواردي أن هناك ظاهرة يجب التنبه إليها وهي الانزواء وحب الوحدة لدى الشباب مع الأجهزة الحديثة على اختلافها، وهذا أكبر ناقوس خطر لأبنائنا وبناتنا في التأثير على عقولهم وسلبها ومصادرتها في وقت قياسي لا يصدقه العقل البشري فتجده اليوم صاحب اعتدال وبعد يومين أو ثلاثة يبدأ يشكك في إيمان أهله وبيته ودولته ومعلميه، فيقوم بعد ذلك في البحث عن الفتوى، عن طريق الفتاوى الإعلامية لأكبر جهال الأرض الذي نصبوا أنفسهم مفتين لديار مسلمة وأخذوا يشككون في علماء الأمة الراسخين فلا يرى هذا المغرر به إلا ذلك المفتي الذي سلب عقله ولبه ويحركه كيف شاء، فيزرع في نفسه روح التعامل مع من خالف السنة وهل هو بمجرد المخالفة أصبح لا يحب رسول الله أو دين الإسلام، فهنا يبدأ الترصد ونزعة التكفير عند الطفل بعدم إدراك هذا التصور الواجب في التعامل مع المخالف، مشددا على أمر مهم وهو البيئة فهي أرض خصبة لزراعة مايريده المرء، وحذر ولي الأمر بقوله: احذر بيئة ابنك فهي من أكبر الأثر الإعلامي والتقني في السلوك الفكري والانحراف الوجداني والانتكاسة الفطرية، وطالب الشباب بعدم الانسياق وراء من يغرر بهم وتعزيز الانتماء لبلدهم الغالي بلاد الحرمين وعدم قبول المساومة وتعزيز جهود الدولة غير المحدود في خدمة المسلمين.

وقال: أطالب أبناءنا وأذكرهم دائما بالدعاء لولاة أمرهم حفظهم الله وحبهم لهم وطاعتهم لأن ذلك من الإيمان، وطالبهم بالاطلاع عبر وسائل الإعلام على جهودهم المبذولة في كل مايهم الإسلام والمسلمين، وحذرهم من الانعزال الفكري والاستبداد بالرأي عن العلماء الرسميين الراسخين في الفتاوى والنوازل وفي مسائل التعامل مع الذميين ومسائل الجهاد والمعاهدين، كما حذر من ألعاب الأطفال الإلكترونية حيث ينشأ الطفل في بعضها على حب إراقة الدماء وعدم إعطاء الآخرين فرصة للتفاهم وقد تدخل هذه الأفكار من خلال هذه اللعب وغير ذلك من المثير والكثير.

حماية النشء من الأفكار الدخيلة 

أدركت وزارة التعليم منذ وقت مبكر أهمية حماية النشء من الأفكار الدخيلة والضالة، فابتكرت برنامجا وقائيا شاركت في الجهات المعنية لوقاية الطلاب والطالبات من الانحرافات الفكرية وهذا البرنامج أطلق عليه اسم (فطن) وهو برنامج وطني يُعنى بتنمية مهارات الطلاب والطالبات الشخصية والاجتماعية، ويسعى من خلال خطته الاستراتيجية، والتدريبية، والإعلامية، أن يكون الأول وقائيا محليا وإقليميا، وتتمثل أهدافه في السعي للإسهام في التحصين النفسي للطلاب والطالبات، من خلال ما يقدمه البرنامج، لوقايتهم من السلوكيات الخطرة، والأفكار المنحرفة وتعزيز القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية في إطار تعاليم الدين الإسلامي وتكوين فرق تطوعية ومساهمة لدعم تنفيذ البرنامج.

وأكد مدير عام برنامج “فطن” ناصر العريني، أن وزارة التعليم نفذت من خلال البرنامج العديد من الدورات التدريبية التطبيقية للوقاية من الانحرافات الفكرية؛ في عدد من الأندية الموسمية في المملكة، وتتناول تلك الدورات كيفية تنمية المهارات الشخصية والاجتماعية للطلاب والطالبات، وتعريفهم وتوعيتهم بأخطار الجماعات المتطرفة، ومناهج وطرق تشكيل الشخصية المتطرفة فكرياً، والأساليب التي تعتمدها الجماعات المنحرفة في استقطاب الشباب وتشكيلهم لتنفيذ أهدافهم.

وأضاف: إن هذه الدورات استندت إلى عدد من القصص المشتملة على مجموعة من المهارات الشخصية والاجتماعية؛ مثل: مهارات التفكير الناقد، وتوكيد الذات، وحل المشكلات، والوعي بالذات، والتواصل، والتعبير عن المشاعر، واتخاذ القرارات، وقال: مع تطبيق المقياس القبلي والبعدي لهذه المهارات، يتمكن الطلاب والطالبات من تشكيل صورة واضحة عن واقعهم واحتياجاتهم المعرفية والفكرية والسلوكية؛ ليتمتعوا بحصانة ذاتية تُكسبهم الصلابة النفسية والمشاركة المجتمعية الفاعلة؛ مما يُسهم في قدرتهم على تحديد احتياجاتهم من هذه المهارات على المستوى الشخصي والاجتماعي والأسري، كما أكد على الدور الجوهري للأسرة التي هي أساس التنشئة الشخصية والاجتماعية للأبناء، وأن برنامج “فطن” بمهاراته الشخصية والاجتماعية ممتد للأسرة من خلال الدورات التي ستنطلق لأولياء الأمور، وشراكتهم الفاعلة من خلال لجان فطن في جميع المدارس التي وجه وزير

لتعليم بتشكيلها لوقاية أبنائنا من الانحرافات الفكرية والسلوكية.

المصدر: http://www.assakina.com/studies/88620.html#ixzz4HrNFfbni

الأكثر مشاركة في الفيس بوك