الشبكات الاجتماعية.. تحديات تهدد النخبة الثقافية

عبدالله بن عمر

 

على مر التاريخ الإنساني الطويل، ظلت المعرفة والثقافة حكراً على نخبة المجتمع، التي تشكل بطبيعة الحال مقداراً ضئيلاً من المجتمعات الإنسانية. ولم يختلف الحال في العالم العربي في العصور المتأخرة. فظلت الثقافة حالةً نخبوية تهم النزر اليسير من الناس في طول العالم العربي وعرضه.

وقد ساهم في ذلك عدد من العوامل والأسباب، لعل من أبرزها: صعوبة التواصل، وانتشار الأمية في العالم العربي.. ويذكر محمد كرد علي أنه كان يعد من التوفيق العظيم أن يطبع الكتابَ ثم يسترد نفقات الطباعة بعد سنتين من إصداره، معللاً ذلك بأن من يقرأ الكتب والصحف في العالم العربي لا يتجاوز بضعة ألوف في النصف الأول من القرن العشرين.

وفي هذا السياق يقول كرد علي في مذكراته: "لو كان في إمكاني وأنا أرى الفقراء لا يقدرون على اقتناء الكتب، على حين هم الذين يقرؤون ويستفيدون، لطبعت من أسفاري وأسفار غيري ألوفاً ووزعتها عليهم مجاناً".

كما يتحدث العقاد في كتابه "حياة قلم" عن بؤس حال مراسلي الصحف ومندوبيها في محافظات مصر ونواحيها، بسبب قلة المشتركين في الصحف، وهو الحال الذي انعكس في أحيان كثيرة على حال الصحف التي تعرضت كثيراً لانتكاسات مالية، وأغلق الكثير منها لأسباب مادية.

في العقود الأخيرة، انحسرت الأمية تدريجياً عن العالم العربي وانتشر التعليم، وصار سوق الصحافة والكتب أكثر رواجاً، واتسمت هذه الفترة بزيادة الإنتاج المحلي من الكتب، والإقبال الشعبي الكثيف على معارض الكتب.

لكن ذلك لم يؤثر كثيراً على النخبة المثقفة التي ظلت محتفظة بسلطانها وامتيازاتها المعنوية والمادية.. واستطاع بعض المثقفين الاستفادة من الفرص التي أتاحتها لهم الأجهزة الثقافية الحكومية في السفر والسياحة والتعلم والتنعم بحياة هانئة في مجتمعات تعاني من الفقر المدقع.

ولما جاء الإنترنت، أضاف إلى النخبة ووسع إطارها بإضافة المزيد من كتاب الإنترنت ونجوم المنتديات الشهيرة، لكن ظلت الحالة النخبوية سائدة، ولم تتحول الثقافة إلى حالةٍ شعبيةٍ تتجاوز النخبة وتخصم من رصيدها إلا مع موجة مواقع التواصل الاجتماعي، التي كسرت السور العالي الذي كان المحيطون يحتمون به محتفظين بحالة من الفرادة عززتها الامتيازات المعنوية والمادية التي يحظون بها في بعض الحالات.

وسائل التواصل الاجتماعي.. أذابت الحواجز بين النخبة و"العامة"، وجعلت النخبة في تماس مباشر مع الجمهور الذي وجد الفرصة للانتقاد والإسقاط ومحاكمة النخبة إلى معاييرها ومعايير أخرى، ومع ارتفاع مستوى الوعي الشعبي بصورة تدريجية عانت بعض النخب من شيء من عدم الارتياح، إذ غدا الجمهور عصياً على الترويض، صعب التقبل لما يطرحه الكاتب.

كما أن منافذ النشر التي كانت محصورة بعدد قليل من المنابر الإعلامية أصبحت متاحةً لكل من يمتلك هاتفاً ذكياً متصلاً بالانترنت وحساباً في منصة من منصات التواصل الاجتماعي. وهو ما كسر حالة احتكار الحديث والكتابة، التي كانت النخبة المثقفة تستقوي بها على الجمهور، وأتاحت المجال لظهور الآلاف من المثقفين: الكتاب، والقراء، والنقاد، والمراقبين.

يزيد الطين بلةً في نظر النخبة المثقفة، زيادة عدد المشتغلين بمطالعة أبواب من المعرفة ظلت حكراً على أقلية قليلة من المثقفين ورواد الأندية الأدبية، تلك الأبواب المتمثلة في العلوم الاجتماعية، ومباحث الفلسفة والفكر والنقد الثقافي والاجتماعي، وصارت مصطلحات "الحداثة وما بعد الحداثة" وأسماء المفكرين والكتبة العرب والغربيين متواردة على ألسنة الشباب العادي.. ما يجعل مستقبل النخبة المثقفة غائماً.. ويضعهم بين خيارين عسيرين: تهديد الوجود.. أو تقليص الحدود!

المصدر: http://www.alriyadh.com/1524948

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك